مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 9

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 9/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الصلاة

تتمة فصل الخلل

ختام فيه مسائل متفرقة

اشارة

ختام فيه مسائل متفرقة

الأولى: إذا شك في أنّ ما بيده ظهر أو عصر

(الأولى): إذا شك في أنّ ما بيده ظهر أو عصر، فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده (1)، و إن كان لم يصلها- أو شك في أنّه صلاها

______________________________

(ختام فيه مسائل متفرقة) و هي مسائل غالبها غير ابتلائية، بل فرضية ليس فيها نصّ خاص و لا إجماع معتبر و لا بد من تطبيقها على قواعد الخلل.

(1) لعدم إحراز العنوان و هو معتبر في النية. و فيه: إنّه يمكن إحرازه بقاعدة التجاوز- كما تقدم- و ظاهر الحال، فإنّ ظاهر حال من صلّى الظهر أنّه يقصد العصر بعد ذلك. و لو اشتبه و قصد الظهر يكون من الخطإ في التطبيق و لا يضرّ ذلك. و الاحتياط في الإتمام و الإعادة، كما احتاط (قدس سره) في المسألة التاسعة عشر من (فصل النية).

و توهم: أنّ النية من مقدمات جريان القاعدة، فلا تصلح لإثبات النية مدفوع أولا: بالنقض بتكبيرة الإحرام، فإنّه لا إشكال في جريان القاعدة فيها نصّا (1) و إجماعا، مع أنّها من مقدمات جريان القاعدة، إذ لا يتحقق الدخول إلا بها. و ثانيا: بإطلاق قوله عليه السّلام: «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (2) فإنّه يثبت المقدمية و العنوان تنزيلا فيكون كالثبوت الوجداني حينئذ.

و بعبارة أخرى: إنّ القاعدة تسهيلية تحكم بالصحة سواء كان مورد جريانها محرزا بالتنزيل أو بالوجدان.

ص: 5


1- راجع الجزء السادس صفحة: 202.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

أم لا- عدل به إليها (2).

الثانية: إذا شك في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء فمع علمه بإتيان المغرب بطل

(الثانية): إذا شك في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء فمع علمه بإتيان المغرب بطل، و مع علمه بعدم الإتيان بها- أو الشك فيه- عدل بنيته إليها إن لم يدخل في ركوع الرابعة (3)، و إلا بطل أيضا.

الثالثة: إذا علم بعد الصّلاة أو في أثنائها أنّه ترك سجدتين من ركعتين

(الثالثة): إذا علم بعد الصّلاة أو في أثنائها أنّه ترك سجدتين من ركعتين سواء كانتا من الأولتين أم الأخيرتين- (4) صحت، و عليه

______________________________

(2) لأنّه إن نواها ظهرا في الواقع يكون قصد العدول مؤكدا، و إن نواها عصرا يتحقق موضوع العدول فيشمله ما تقدم من صحيح زرارة و فيه: «إذا نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمَّ صلّ العصر- إلى أن قال عليه السّلام:- «و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الأولى و أنت في صلاة العصر، و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الأولى ثمَّ صلّ الركعتين الباقيتين و قم فصلّ العصر» (1).

و قد تقدم التفصيل في المسألة الثالثة من (فصل أوقات اليومية). و لو عدل بزعم صحة العدول فبان الخلاف فقد تقدّم حكمه في المسألة الخامسة و العشرين من (فصل النية)، و لا وجه للتكرار.

(3) الكلام في هذه المسألة نفس الكلام في المسألة السابقة من غير فرق بينهما.

و أما لو دخل في الرابعة فإنّه يمكن تصحيحها عشاء بدعوى أنّه يرى نفسه في العشاء فعلا من جهة تلبسه بالركعة الرابعة، و يشك في أنّه نواها عشاء من الأول كذلك أم لا فتجري قاعدة التجاوز في النية و يحكم بأنّه نواها عشاء، و يبقي الإشكال من جهة الترتيب، و يأتي في المسألة السادسة ما يصلح للجواب، فالجزم بالبطلان مشكل، و طريق الاحتياط واضح.

(4) في الأخيرتين تفصيل تقدّم في المسألة الخامسة عشر من (فصل

ص: 6


1- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1، و تقدم في ج: 5 صفحة: 71.

قضاؤهما، و سجدتا السهو مرّتين (5). و كذا إن لم يدر أنّهما من أي الركعات، بعد العلم بأنّهما من الرّكعتين (6).

______________________________

الخلل)، فراجع فإنّ هذه المسألة مكرّرة.

(5) أما الصحة فلحديث «لا تعاد ..» (1)، و أصالة الصحة بعد عدم دليل على البطلان. و أما وجوب القضاء و الإتيان بسجدة السهو فلما تقدم في (فصل قضاء الأجزاء المنسية)، فراجع.

(6) تلخيص القول: إنّ في الفرض صور: الأولى: أن يعلم بأنّهما من ركعة واحدة من الركعات السابقة، و لا إشكال في بطلان الصلاة من جهة ترك الركن و عدم إمكان التدارك.

الثانية: العلم بأنّهما معا من الركعة التي قام عنها، فإنّه يجب عليه الرجوع للتدارك و يأتي بهما و يتم صلاته و لا شي ء عليه.

الثالثة: العلم بعد السلام أنّهما معا من الركعة الأخيرة، فإن كان قبل الإتيان بالمنافي المطلق يأتي بهما ثمَّ يتم صلاته و يسجد سجدتي السهو للسلام و لا شي ء عليه، و إن كان بعد الإتيان به يستأنف الصلاة، و إن كان بعد الإتيان بالمنافي عمدا لا سهوا- كالتكلم- يأتي بهما و يتم الصلاة و يسجد سجدتي السهو مرّتين: مرّة للسلام، و أخرى للتكلم.

الرابعة: أن يعلم بأنّهما من ركعتين من الركعات السابقة، يقضيهما بعد الصلاة مع سجدة السهو لكل منهما، لما مرّ في فصل (قضاء الأجزاء المنسية).

الخامسة: العلم بأنّ أحدهما من الركعات السابقة، و الأخرى مما قام عنها، يرجع و يأتي بها ما لم يدخل في الركوع و يقضي الأخرى مع الإتيان بسجدتي السهو.

السادسة: العلم بعد السلام بأنّ أحدهما من الركعة الأخيرة، و الأخرى من الركعات السابقة، فإن كان قبل الإتيان بالمنافي المطلق يأتي بالواحدة بعنوان الرجاء ثمَّ يسلّم ثمَّ يأتي بقضاء الأخرى، و سجدتي السهو مرّتين أحدهما لقضاء

ص: 7


1- الوسائل باب: 28 من أبواب التشهد حديث: 1.
الرابعة: إذا كان في الركعة الرابعة مثلا و شك في أنّ شكه السابق- بين الاثنتين و الثلاث

(الرابعة): إذا كان في الركعة الرابعة مثلا و شك في أنّ شكه السابق- بين الاثنتين و الثلاث- كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما بنى على الثاني، كما أنّه كذلك (7) إذا شك بعد الصّلاة.

الخامسة: إذا شك في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر

(الخامسة): إذا شك في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر، أو أنّه أتمّها و هذه أول العصر جعلها آخر الظهر (8).

______________________________

السجدة، و الأخرى للسلام، و الاحتياط في أن يأتي بسجدتي السّهو مرّة ثالثة أيضا، لاحتمال أن يكون ما أتى به من السجدة رجاء قضاء.

السابعة: العلم بأنّ أحدهما من الركعات السابقة و الشك في أنّ الأخرى مما يتلبس بها، فمع بقاء المحل يأتي بالمشكوك، و مع التجاوز عنه لا شي ء عليه بالنسبة إليه و يقضي الأخرى بعد الصلاة مع سجدتي السهو، و يأتي في مسألة العشرين ما ينفع المقام.

الثامنة: العلم في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها بأنّه ترك سجدتين و لم يدر أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين يأتي حكمه في المسألة الرابعة عشر إن شاء اللّه تعالى.

التاسعة: إذا علم إجمالا أنّه إما زاد سجدتين أو ترك في كل ركعة سجدة واحدة، الظاهر جريان أصالة الصحة و عدم وجوب القضاء أو الإعادة بالنسبة إلى الصلاة، و إن كان الأحوط ذلك بعد إتيان سجدتي السهو مرّتين على الأحوط.

العاشرة: لو علم بأنّه أتى بسجدتين و لم يعلم أنّه أتى بهما لأجل الوظيفة الشرعية بأن شك في المحل و أتى بهما لأجل ذلك أو أنّه أتى بهما زائدا على ما وجب من السجود في الصلاة فمقتضى حديث «لا تعاد ..» عدم وجوب إعادة الصلاة.

(7) لأصالة عدم عروض المبطل و المانع، مضافا إلى قاعدة الفراغ إن كان الشك بعده، و قد تقدمت هذه المسألة في (فصل الشك في الركعات) [مسألة 10] فراجع.

(8) لأصالة عدم الفراغ من الظهر، و عدم الشروع في العصر، فيتمّها ظهرا

ص: 8

السادسة: إذا شك في العشاء بين الثلاث و الأربع و تذكر أنّه سها عن المغرب بطلت صلاته

(السادسة): إذا شك في العشاء بين الثلاث و الأربع و تذكر أنّه سها عن المغرب بطلت صلاته (9)، و إن كان الأحوط إتمامها عشاء و الإتيان بالاحتياط ثمَّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب.

السابعة: إذا تذكر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعة قطعها و أتمّ الظهر ثمَّ أعاد الصّلاتين

(السابعة): إذا تذكر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعة قطعها و أتمّ الظهر ثمَّ أعاد الصّلاتين (10). و يحتمل العدول إلى الظهر

______________________________

و يأتي بالعصر. و لو أتمها عصرا ثمَّ استأنف الصلاتين يصح له ذلك أيضا فيتخيّر في ذلك إذ لا مخالفة فيه لشي ء من التكليف الفعليّ.

(9) لعدم إمكان العدول إلى المغرب من جهة وقوع الشك فيها، و عدم إمكان إتمامها عشاء من جهة فقد الترتيب فتبطل لا محالة، و يمكن القول بالصحة، لحديث «لا تعاد» (1)، و لأنّ اعتبار الترتيب إنّما هو فيما إذا أمكن العدول لا فيما لا يمكن، و كذا إن تذكر بعد الفراغ من العشاء. و بعبارة أخرى:

الترتيب شرط ذكريّ فيما إذا أمكن إحرازه لا في مثل المقام و نحوه مما لا يمكن.

و توهم: أنّ حديث «لا تعاد إلا من خمس» (2)يشمل الأجزاء السابقة لا اللاحقة فلا يمكن تصحيح هذه الصلاة. فاسد: لأنّ حديث «لا تعاد» يسقط أصل شرطية الترتيب عند عدم إمكان إحراز الترتيب بلا فرق بين الأجزاء السابقة و اللاحقة. كما أنّ توهم: أنّ مقتضى أدلة العدول هو البطلان. فاسد أيضا، لأنّ وجوب العدول إنّما هو في صورة إمكانه لا مثل المقام، فالترتيب ساقط و العدول لا مورد له و لا مناص إلا من صحة العشاء.

و منه يظهر الاحتياط الذي ذكره (قدّس سرّه). هذا إذا لم يكن قصده للعشاء من الخطإ في التطبيق و إلا فتكون مغربا في الواقع و تبطل من جهة وقوع الشك فيها، هكذا قيل. و لكنّه مخدوش: لأنّ قصد المغرب الواقعيّ على ما هو المشروع صحة كون المأتي به عشاء مع عدم إمكان العدول و سقوط الترتيب معه.

(10) أما وجوب القطع و إتمام الظهر، فلوجوب الترتيب بناء على شمول

ص: 9


1- الوسائل باب: 28 من أبواب التشهد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب التشهد حديث: 1.

بجعل ما بيده رابعة لها إذا لم يدخل في ركوع الثانية ثمَّ إعادة الصّلاتين (11)، و كذا إذا تذكر في أثناء العشاء أنّه ترك من المغرب ركعة.

______________________________

دليله حتى لمثل الفرض. أما إعادة الصلاتين، فلقاعدة الاشتغال من جهة احتمال كون تخلل ركعة من العصر بين صلاة الظهر، و ركعة من الظهر بين صلاة العصر موجبا للبطلان. و يمكن المناقشة فيه: بأنّ ذلك ليس من قواطع الصلاة، و لم يدل دليل بالخصوص عليه، فالجزم بالبطلان مشكل، كما أنّ الجزم بشمول دليل الترتيب حتى لهذه الصورة مشكل أيضا.

و في المسألة وجوه أخرى: منها: احتساب ما أتى به من الركعة ظهرا، لأنّه قصد التكليف الواقعيّ الفعليّ و كان في الواقع مكلفا بركعة الظهر، و ما أتى به من النية و التكبيرة بقصد العصر لغوا و لا يوجب بطلان الظهر، و لا سجود السهو، لعدم كونها من الزيادة في الظهر و لا في العصر الصحيح.

و منها: إتمام الظهر ثمَّ إعادة العصر لعدم موجب لبطلان الظهر إلا احتمال تخلل ركعة العصر بينها و لم يدل دليل على بطلانه، فمقتضى الأصل عدم خروج المصلّي عما كان متلبسا به من صلاة الظهر.

و منها: ما يأتي من العدول.

و منها: أن يتم ما بيده بقصد ما في الذمة ثمَّ يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة أيضا. و هذه وجوه لا يمكن إقامة دليل معتبر على بطلانها. نعم، كلها خلاف المأنوس في أذهان المتشرعة من صلاتهم و لكنّه أيضا لا يصلح دليلا للبطلان، بل مقتضى إطلاق «ما أعاد الصلاة فقيه» صحة العمل بكل واحد من هذه الوجوه.

(11) و فيه أنّه خلاف الأصل، و مورد دليل جواز العدول السهو عن السابقة رأسا لا السهو عن ركعة منها، و كون المعدول منه ركعة فقط. نعم، يمكن أن يقال: إنّ مورد العدول هو صورة إمكان تصحيح السابقة باللاحقة و حينئذ فيعدل

ص: 10

الثامنة: إذا صلّى صلاتين ثمَّ علم نقصان ركعة أو ركعتين من إحداهما من غير تعيين

(الثامنة): إذا صلّى صلاتين ثمَّ علم نقصان ركعة أو ركعتين من إحداهما من غير تعيين، فإن كان قبل الإتيان بالمنافي ضم إلى الثانية ما يحتمل من النقص، ثمَّ أعاد الأولى (12) فقط، بعد الإتيان بسجدتي السهو لأجل السلام احتياطا و إن كان بعد الإتيان بالمنافي، فإن اختلفتا في العدد أعادهما، و إلا أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة.

التاسعة: إذا شك بين الاثنتين و الثلاث- أو غيره من الشكوك الصحيحة

(التاسعة): إذا شك بين الاثنتين و الثلاث- أو غيره من الشكوك الصحيحة ثمَّ شك في أنّ الركعة التي بيده آخر صلاته أو أولى صلاة

______________________________

إلى الظهر و يتم ما بيده ظهرا ثمَّ يأتي بالعصر و يمكن التمسك بالفحوى، لأنّه إذا جاز العدول إلى تمام الصلاة ففي البعض بالأولى، مع إمكان حمل التمام على الغالب و المثال. و أما ما عن الحميري عن صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف): «كتب إليه يسأله عن رجل صلّى الظهر و دخل في صلاة العصر فلما صلّى العصر ركعتين استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب عليه السّلام: إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين، و إن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر و صلّى العصر بعد ذلك» (1) فهو قاصر سندا. فلا وجه للاعتماد عليه في الحكم المخالف للأصل.

و من ذلك يظهر حكم ما إذا تذكر في أثناء العشاء أنّه ترك من المغرب ركعة كما يظهر وجه الاحتياط بإعادة الصلاتين.

(12) لسقوط قاعدة الفراغ للتعارض، فيؤثر العلم الإجمالي أثره. هذا إن لم نقل بصحة الاقتحام و إلا فيأتي بركعة بقصد ما في الذمة و تصحان معا مع عدم تخلل المنافي بين الصلاتين. ثمَّ إنّه لو قيل بشمول دليل الترتيب حتى لمثل المقام، تلزم إعادة الثانية بعد إعادة الأولى و إلا فلا تجب الإعادة و حكم بقية المسألة واضح.

ص: 11


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

الاحتياط جعلها آخر صلاته و أتم (13)، ثمَّ أعاد الصلاة احتياطا بعد الإتيان بصلاة الاحتياط.

العاشرة: إذا شك في أنّ الركعة التي بيده رابعة المغرب أو أنّه سلّم على الثلاث و هذه أولى العشاء

(العاشرة): إذا شك في أنّ الركعة التي بيده رابعة المغرب أو أنّه سلّم على الثلاث و هذه أولى العشاء، فإن كان بعد الركوع بطلت و وجب عليه إعادة المغرب (14)، و إن كان قبله يجعلها من المغرب و يجلس و يتشهد و يسلّم، ثمَّ يسجد سجدتي السهو لكل زيادة من قوله: «بحول اللّه» و للقيام و للتسبيحات احتياطا، و إن كان في وجوبها

______________________________

(13) لأصالة عدم الفراغ منها و عدم الشروع في الاحتياط. و أما الاحتياط بإعادة الصلاة بعد الإتيان بصلاة الاحتياط، فلعدم الجزم بالنية في الركعة المتلبس بها، و لكن لو أتى فيها بالفاتحة رجاء لكان هذا الاحتياط ضعيفا جدّا، لعدم دليل على اعتبار الجزم بالنية مطلقا خصوصا، في هذه الركعة المرددة بين كونها آخر الصلاة أو أولى صلاة الاحتياط، فإن كانت آخر الصلاة، فقد أتى بعدها بصلاة الاحتياط، و إن كانت صلاة الاحتياط فقد أتى فيها بالفاتحة و يقع ما يأتي به بعد ذلك من صلاة الاحتياط لغوا، بل بناء على ما تقدّم من احتمال شمول «لا سهو في سهو» (1) لصلاة الاحتياط أيضا ينحصر وجه الإعادة في عدم الجزم بالنية فقط- و تقدم أنّه لا وجه لاعتباره خصوصا في المقام- فإنّها لو كانت آخر الصلاة فلا شي ء عليه، و إن كانت صلاة الاحتياط فكذلك أيضا، لأنّه لا وجه لبطلانها إلا لترك الفاتحة سهوا، و المفروض شمول «لا سهو في سهو» لها، فتصح و لا شي ء عليه، مع إمكان تصحيحها بحديث «لا تعاد» أيضا.

(14) لقاعدة الاشتغال بعد عدم جريان أصالة عدم زيادة الركعة، أما لسقوطها في عدد الركعات، أو لمعارضتها بأصالة عدم الشروع في العشاء، و حكم بقية المسألة واضح، لعدم العلم بتحقق الزيادة في المغرب مع أنّها زيادات غير ركنية لا تضرّ زيادتها السهوية، لصحة الصلاة مع إحراز تحقق الزيادة سهوا فضلا عن الشك فيها.

ص: 12


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

إشكال (15) من حيث عدم علمه بحصول الزيادة في المغرب.

الحادية عشر: إذا شك- و هو جالس بعد السجدتين- بين الاثنتين و الثلاث

(الحادية عشر): إذا شك- و هو جالس بعد السجدتين- بين الاثنتين و الثلاث و علم بعدم إتيان التشهد في هذه الصلاة فلا إشكال في أنّه يجب عليه أن يبني على الثلاث (16)، لكن هل عليه أن يتشهد أم لا؟ وجهان. لا يبعد عدم الوجوب بل وجوب قضائه بعد الفراغ إمّا لأنّه مقتضى البناء على الثلاث و إما لأنّه لا يعلم بقاء محلّ التشهد من حيث أنّ محلّه الركعة الثانية (17) و كونه فيها مشكوك، بل محكوم بالعدم (18).

______________________________

(15) بل الظاهر عدم الوجوب، لأنّ أصل وجوبها لمثل هذه الزيادات غير معلوم فضلا عن وجوبها لمثل المقام.

(16) لما تقدم في المسألة الثانية من (فصل الشك في الركعات) و مقتضى ما دل على وجوب البناء على الأكثر هو ترتيب آثار الأكثر عليه و من آثاره مضي محل التشهد و وجوب السلام- مثلا- في الركعة اللاحقة و هكذا سائر الآثار، فالفرعان المذكوران في هذه المسألة دليلهما واحد و هو ما دل على وجوب البناء على الأكثر و ترتب لوازمه الشرعية عليه.

إن قلت: إنّ دليل البناء على الأكثر لا يتكفل ذلك فلا بد فيه من الرجوع إلى الأصل و القاعدة. يقال: ليس معنى تنزيل الركعة الثالثة منزلة الركعة الرابعة الواقعية إلا ذلك، فإنّ هذا التنزيل امتنانيّ من كل جهة و لا معنى للامتنان إلا تنزيل الركعة بلوازمها و ملزوماتها لا من حيث العدد فقط و مع استفادة ذلك من هذه الأمارة المعتبرة لا وجه للرجوع إلى الأصل أو القاعدة.

(17) للنصوص المتواترة، بل الضرورة الدالة على أنّ محل التشهد الركعة الثانية و الأخيرة هذا بحسب الجعل الأولي، و أما بحسب الجعل الثانوي فالدليل منحصر بما دل على البناء على الأكثر و أنّه ينزل الركعة البنائية منزلة الواقعية فقد فات المحل حينئذ.

(18) للأدلة الدالة على البناء على الأكثر. و أما توهم أنّ المراد بالحكم

ص: 13

و أما لو شك و هو قائم بين الثلاث و الأربع- مع علمه بعدم الإتيان بالتشهد في الثانية- فحكمه المضيّ و القضاء بعد السلام. لأنّ الشك بعد تجاوز محلّه (19).

الثانية عشر: إذا شك في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة بنى على الثاني

(الثانية عشر): إذا شك في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة بنى على الثاني، لأنّه شاك بين الثلاث و الأربع و يجب عليه الركوع، لأنّه شاك فيه مع بقاء محلّه. و أيضا هو مقتضى البناء على الأربع في هذه الصورة (20). و أما لو انعكس- بأن كان شاكا

______________________________

بالعدم إنّما هو لأجل استصحاب العدم الأزلي فلا وجه لفرض العلم بإتيان الركعة الثانية و الشك في الثالثة فكيف يجري استصحاب العدم الأزلي.

(19) بل لأنّه لا محل لتدارك ما علم تركه بعد حكم الشارع بالبناء على الأكثر، كما في الصورة السابقة، و لا وجه لقاعدة التجاوز بعد العلم بالترك إلا أن يراد الشك بلحاظ تكليفه الفعلي من جهة أنّه يشك في أنّه هل يجوز له الرجوع و الإتيان أم لا قبل التوجه إلى البناء على الأكثر فحكم الصورتين واحد بالنسبة إلى قضاء التشهد من حيث إنّه يعلم بتركه بحكم الشارع بالبناء على الأكثر.

(20) فيكون المقتضي للبناء على الأكثر موجودا و المانع عنه مفقودا فيشمله الدليل لا محالة.

إن قيل: إنّ مقتضى البناء على الأكثر ترتيب لوازمه و منها الركوع، فلا وجه للإتيان به بعد البناء على الأكثر.

يقال: الحكم بوقوع الركوع لا ربط له بالبناء على الأكثر أبدا، لأنّ معنى البناء عليه من حيث العدد و ما تقتضيه الوظيفة الشرعية و بعد البناء عليه وجب إتيان الركعة المبنيّ عليها بحسب الوظيفة الشرعية و القواعد المعتبرة التي منها قاعدة الاشتغال فيما بقي محله و التجاوز فيما مضى.

إن قيل: بعد الإتيان بالركوع و البناء على الأربع يقطع بعدم الاحتياج إلى صلاة الاحتياط لأنّ الصلاة إن كانت في الواقع ثلاث ركعات فهي باطلة، لزيادة

ص: 14

في أنّه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة- فيحتمل وجوب البناء على الأربع بعد الركوع فلا يركع بل يسجد و يتم. و ذلك لأنّ مقتضى البناء على الأكثر (21) البناء عليه من حيث أحد طرفي شكه و طرف

______________________________

الركوع، و إن كانت أربعا فلا موضع لصلاة الاحتياط، و ظاهرهم التسالم على أنّه لو فرض الاستغناء عن الاحتياط تبطل الصلاة.

قلت: لم يعلم هذا التسالم و على فرضه لا دليل على اعتباره ما لم يكن إجماعا معتبرا أو منطبقا على قواعد معتبرة أخرى، فإطلاق دليل البناء على الأكثر محكم بلا مانع عنه في البين.

إن قيل: لا وجه للعمل بقاعدة البناء على الأكثر وحدها للعلم بأنّ التسليم على الرابعة الثنائية غير مشروع، إما لكون الصلاة باطلة بترك الركوع و العلم ببطلان الصلاة إما لزيادة الركوع على تقدير كونها ثلاثا، أو لزيادة ركعة على تقدير كونها أربعا.

يقال: هذا عين الإشكال الأول إلا أنّه عبّر بتعبير آخر، و لا وجه له أيضا، لأنّ القواعد الظاهرية التسهيلية تجري في مجاريها لتصحيح العمل بعنوان اللااقتضاء من دون ملاحظة بعض اللوازم ما لم يكن دليل معتبر على الخلاف، كما في جريان قاعدة الفراغ في الشك في الطهارة بعد الفراغ من صلاة الظهر- مثلا- مع وجوب التطهير لصلاة العصر، فتجري قاعدة البناء على الأكثر مع قطع النظر عن شي ء آخر، ثمَّ تجري سائر القواعد كذلك، و طريق الاحتياط الإتمام كذلك ثمَّ الإعادة، لأنّه حسن على كل حال.

(21) الإشكال السابق يجري هنا أيضا مع جوابه. و ما يقال: من أنّ أدلة البناء على الأكثر لا نظر لها إلى إثبات الركوع، لأنّه من الأصل المثبت فاسد:

أمّا أوّلا: فلأنّها من الأمارات التسهيلية المعتبرة لا من الأصول.

و أما ثانيا: فلأنّها أمارة كانت أو أصلا لا بد و أن تعتبر في مفادها المطابقي العرفي، و إلا فلا معنى لاعتبارها، و مفادها المطابقي العرفي إنّما هو بعد الركوع، فلا وجه لتوهم الإثبات في المقام. نعم، لا يبعد في المقام التمسك

ص: 15

الشك الأربع بعد الركوع، لكن لا يبعد بطلان صلاته، لأنّه شاك في الركوع من هذه الركعة، و محلّه باق فيجب عليه أن يركع، و معه يعلم إجمالا أنّه إما زاد ركوعا أو نقص ركعة فلا يمكن إتمام الصّلاة مع البناء على الأربع و الإتيان بالركوع مع هذا العلم الإجمالي (22).

الثالثة عشر: إذا كان قائما- و هو في الركعة الثانية من الصلاة

(الثالثة عشر): إذا كان قائما- و هو في الركعة الثانية من الصلاة- و علم أنّه أتى في هذه الصلاة بركوعين و لا يدري أنّه أتى بكليهما في الركعة الأولى- حتّى تكون الصلاة باطلة- أو أتى فيها بواحد و أتى بالآخر في هذه الركعة فالظاهر بطلان الصّلاة، لأنّه شاك في ركوع هذه الركعة و محلّه باق فيجب عليه أن يركع، مع أنّه إذا ركع يعلم بزيادة ركوع في صلاته، و لا يجوز له أن يركع مع بقاء محله، فلا يمكنه تصحيح الصلاة (23).

______________________________

بأصالة عدم الإتيان بالمشكوك، فيأتي به و يتم الصلاة و لا شي ء عليه بدعوى أنّ المتيقن من سقوطها في عدد الركعات غير مثل الفرض، فتأمل.

(22) لا تنجز لهذا العلم الإجمالي بعد تدارك نقص الركعة بصلاة الاحتياط، فتجري قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الركوع بلا معارض.

(23) يمكن التصحيح بأن يقال: إنّه يقطع فعلا بعدم وجوب إتيان الركوع عليه إما لبطلان الصلاة إن كان قد أتى بركوعين في ركعة واحدة، و إما لأجل أنّه أتى بركوع هذه الركعة، و حينئذ فمقتضى أصالة الصحة و ظاهر حال المصلّي، و بقاء الإرادة الارتكازية الداعية لإتيان الصلاة على طبق الوظيفة الشرعية أنّه لم يأت بركوعين في ركعة واحدة.

إن قلت: مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الإتيان بالركوع فعلا و لا وجه للبطلان حينئذ.

قلت: ظهور الحال، و بقاء الإرادة الارتكازية لإتيان الصّلاة على طبق الوظيفة و أصالة الصحة في الركعة السابقة مقدم على قاعدة الاشتغال، لأنّها أسهل

ص: 16

الرابعة عشر: إذا علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه ترك سجدتين و لكن لم يدر أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين وجب عليه الإعادة

(الرابعة عشر): إذا علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه ترك سجدتين و لكن لم يدر أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين وجب عليه الإعادة (24)، و لكنّ الأحوط قضاء السجدة مرّتين و كذا سجود السهو

______________________________

و أيسر، و الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

و توهم: أنّ لازم الصحة إثبات كون الركوع الثاني وقع في الركعة الثانية هو متوقف على القول بالأصل المثبت فاسد:

أما أولا: فلأنّ التمسك بظاهر حال المصلّين و ليس ذلك من الأصل حتى يبحث في إثباته و عدمه.

و ثانيا: نتمسك بأصالة الصحة و يترتب عليها وجوب الإتمام و عدم وجوب الإعادة فلا يتصوّر الإثبات فيها حينئذ.

و قيل: بأنّ أصالة الصحة إنّما تجري بالنسبة إلى ما مضى و لا تعرض فيها للفعل المشكوك فيه في محله.

أقول: ليس هذه الإشكالات إلا تضييقا لما وسعه الشارع على أمته، فإنّ أصالة الصحة تجري في مقابل احتمال البطلان بأيّ وجه أمكن خصوصا في الصلاة، لما مرّ من قاعدة «ما أعاد الصلاة فقيه». و طريق الاحتياط في الإتمام ثمَّ الإعادة.

(24) لأنّ كل مورد علم إجمالا ببطلان الصلاة، أو بوجوب قضاء جزء منسيّ، أو وجوب سجدة سهو عليه. فإن جرى أصل أو قاعدة غير معارض عمل به، و إلا فيتنجز العلم الإجمالي و تجب الإعادة، و قضاء الجزء و إتيان سجدتي السهو أيضا، إن قلنا بوجوب الأخيرين حتّى في صورة وجوب إعادة الصلاة، و إلّا فتجزي الإعادة فقط، و من ذلك يظهر وجه الفتوى في وجوب الإعادة و الاحتياط في قضاء السجدة و سجدتي السهو.

هذا ما ذكروه في وجه البطلان، و لكن الجزم به مشكل جدّا، أما أولا:

فلقاعدة «ما أعاد الصلاة فقيه». و ثانيا: لا أثر لهذا العلم لجريان أصالة الصحة في الصلاة.

ص: 17

مرّتين أوّلا ثمَّ الإعادة، و كذا يجب الإعادة إذا كان ذلك في أثناء

______________________________

و ما يقال: من أنّها معارضة بأصالة عدم وجوب قضاء السجدة فتسقط بالمعارضة. مدفوع: بأنّ موضوع وجوب قضاء السجدة كل صلاة أمكن تصحيحها بحسب القواعد التسهيلية الامتنانية فأصالة الصحة تحقق موضوع وجوب قضاء السجدة، و ليست في رتبة أصالة عدم قضاء السجدة حتى تسقط بالمعارضة، فتصح الصلاة مع وجوب قضاء السجدة، و قد تقدمت الإشارة إلى جملة من الصور المفروضة، و لكنّها مجرد صور فرضية محضة نادرة الوقوع في الخارج، و لذا أجملنا الكلام فيها.

ثمَّ إنّه يمكن فرض العلم بفوت السجدة في صور أخرى- الأولى ثنائية الأطراف، كما إذا علم أنّه إما فات منه سجدتان من الركعة السابقة أو واحدة منها و واحدة من اللاحقة، و قد تقدم حكمها.

الثانية: ثلاثية الأطراف، كما إذا علم بأنّه فات منه سجدات ثلاثة إما اثنتان منها من الركعة السابقة و واحدة من اللاحقة أو بالعكس، أو من كل واحدة من الركعات الثلاثة سجدة واحدة، و حكمها أنّه تجري أصالة الصحة في الصلاة، و يقضي ثلاث سجدات بعدها.

الثالثة: رباعية الأطراف، كما إذا علم بأنّه فات منه أربع سجدات، إما سجدتان من الركعة الأولى و سجدتان من الركعة اللاحقة، أو سجدتان من الركعة الأولى و سجدة من الثانية و سجدة من الثالثة، أو سجدتان من الثانية، و سجدة من الأولى، و سجدة من الثالثة، أو سجدتان من ركعة مهملة، و سجدة من كل ركعة في الرباعية، و لا وجه للحكم بالبطلان بعد جريان أصالة الصحة. نعم، يقضي أربع سجدات بعدها.

و إشكال تعارض أصالة الصحة بأصالة عدم وجوب قضاء السجدة و السقوط بالتعارض فيؤثر العلم الإجمالي أثره. مدفوع: بما تقدم، فراجع. ثمَّ إنّه يمكن فرض صور أخرى أكثر من ذلك و لكن أغمضنا عنها لندرة وقوعها.

ص: 18

الصّلاة (25) و الأحوط إتمام الصّلاة و قضاء كل منهما و سجود السهو مرّتين ثمَّ الإعادة.

الخامسة عشر: إن علم- بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلا أنّه إما ترك القراءة أو الركوع

(الخامسة عشر): إن علم- بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلا- أنّه إما ترك القراءة أو الركوع أو أنّه إما ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة وجب عليه الإعادة (26)، لكن الأحوط هنا أيضا إتمام

______________________________

(25) مع التجاوز عن المحل بأن كان في الركعة الرابعة- مثلا- و علم أنّه ترك سجدتين إما من الركعة الأولى مثلا، أو واحدة منها و الأخرى من الثانية. و أما إذا كان محل أحد طرفي العلم الإجماليّ باقيا، فيعمل بقاعدة الاشتغال فيما بقي محله، و بقاعدة التجاوز أو الفراغ فيما مضى و ينحل العلم الإجمالي لا محالة، و قد مرّ في الصور السابقة هذه الصورة أيضا.

و أما ما عن بعض في أصل المسألة من أنّه لا أثر لهذا العلم الإجماليّ لتردده بين ما له الأثر و هو فوت السجدتين معا، و ما لا أثر له و هو فوت كل منهما من ركعة، لأنّ قضاء السجدة مترتب على العلم التفصيليّ بالفوت و لا يكفي العلم الإجماليّ فيه. فمردود.

أولا: بالنقض ببطلان الصلاة أيضا، فإنّه مترتب على العلم التفصيليّ به و لا يكفي العلم الإجماليّ.

و ثانيا: إنّه خلاف إطلاقات أدلّة فوت السجدة الواحدة، إذ الظاهر شمولها لصورة العلم الإجمالي أيضا، كسائر موضوعات التكاليف المعلومة بالإجمال، و بعد القول بتنجز العلم الإجمالي كالتفصيلي لا وقع لهذا الإشكال أصلا إلا أن يكون مراده سقوط العلم الإجمالي ببركة أصالة الصحة، و هو وجوب قضاء السجدة و لكنّه خلاف ظاهر كلامه.

(26) لقاعدة الاشتغال بعد سقوط قاعدة التجاوز بالتعارض، و لكن يمكن أن يقال: بجريان قاعدة التجاوز في الركوع من غير معارض للقطع بعدم المجرى لها بالنسبة إلى القراءة و السجدة، لأنّه إما أن يكون أتى بهما في صلاة ترك ركوعها

ص: 19

.....

______________________________

فلا أثر لمثل هذا الإتيان، أو تركهما قطعا، فيقطع بعدم امتثال أمرهما فكيف تجري القاعدة فيهما؟ فتجري في الركوع بلا معارض و تصح الصلاة و لا شي ء عليه، هذا و لكن الغير الذي يعتبر في مورد التجاوز الدخول فيه- على فرض اعتباره- تارة يؤتى به بعنوان الجزئية مع إحراز صحة الصلاة، و أخرى: يكون مرددا بين كونه جزءا للصلاة أو شيئا أجنبيا عنها، كما إذا شك في شي ء كان في القيام مثلا، و شك في أنّه أتى بالقيام بعنوان الجزئية للصلاة أو أتى به سهوا مثلا: و ثالثة: ما يجب هدمه، كما يأتي في المسألة السابعة عشر. و رابعة: الغير الذي يكون جزءا للصلاة على فرض الصحة فيكون في الجزء التعليقي، و المنساق من أدلة القاعدة هو الأول- على فرض اعتبار الدخول في الغير فيها- و التمسك بعمومها للبقية من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فراجع و تأمل. و من ذلك يظهر وجه الاحتياط، و أنّه لا فرق بين الفرضين.

و يمكن دفع هذه الشبهة بأنّ مقتضى كون القاعدة تسهيلية امتنانية في هذا الأمر العام البلوى كفاية الغيرية، إلا إذا أحرز بوجه معتبر عدم كونه من الصلاة، فيسقط أصل الشبهة رأسا، مع أنا ذكرنا أنّه لا دليل يصح الاعتماد عليه لاعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز، فراجع. كما أنّه لا تجري هذه الشبهة أصلا فيما إذا كان بعد ذلك الفراغ. فما يظهر عن بعض من التفكيك بينهما لا وجه له ظاهرا.

ثمَّ إنّ خلاصة الإشكال على قاعدة التجاوز في نظائر المقام أولا: أنّها مما ينفي التكليف و لا تجري الأصول و القواعد النافية للتكليف في أطراف العلم الإجمالي. و ثانيا: أنّها معارضة فتسقط بالمعارضة. و ثالثا: أنّها تجري فيما أحرز صحتها في الجملة، و مع العلم الإجمالي إما بترك الركن أو غيره كيف يحرز ذلك.

و الكل باطل: أما الأول: فلأنّ الأصول و القواعد النافية التي لا تجري في أطراف العلم الإجمالي إنّما هي النافية بقول مطلق لا النافية من جهة و المثبتة من جهة أخرى، كما في نظائر المقام، فإنّ نفي التكليف بالركوع و إثبات القضاء للمنسيّ أو الإتيان بالطرف الآخر في المحل ليس من النفي المطلق حتى ينافي

ص: 20

الصلاة و سجدتا السهو في الفرض الأول، و قضاء السجدة مع سجدتي السهو في الفرض الثاني ثمَّ الإعادة، و لو كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة فكذلك (27).

السادسة عشر: لو علم بعد الدخول في القنوت قبل أن يدخل في الركوع أنّه إما ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة وجب عليه العود

(السادسة عشر): لو علم بعد الدخول في القنوت قبل أن يدخل في الركوع أنّه إما ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة وجب عليه العود لتداركهما و الإتمام ثمَّ الإعادة (28). و يحتمل الاكتفاء بالإتيان

______________________________

العلم الإجمالي بل يلائمه في الجملة.

و أما الثاني: فلما مر، مضافا إلى أنّه يستفاد من مجموع الأدلة الواردة في الخلل أنّ كلما يمكن أن يستفاد منه تصحيح الصلاة بوجه ما مقدّم رتبة على غيره، و حيث أنّ قاعدة التجاوز في الركوع توجب عدم بطلان الصلاة و صحتها تكون موضوعا لصحة جريان قاعدة التجاوز في غير الركن فتكون متقدمة في الرتبة عليها فلا تعارض حينئذ، لأجل اختلاف الرتبة. و أما الأخيرة فلأنّها تجري في كل صلاة أمكن تصحيحها بأيّ وجه يجوز ذلك شرعا، فيكون موضوعها الصحة التأهلية و لو بجريان نفس القاعدة.

(27) لجريان عين ما تقدم فيه نصا. نعم، لو احتمل كون السجدة من الركعة الأخيرة، فقد تقدم حكمه في مباحث السجدة.

(28) أما العود لتداركهما و الإتمام فلقاعدة الاشتغال بعد سقوط قاعدة التجاوز في الطرفين للتعارض. أما الإعادة فلأنّه يعلم بعد ذلك إجمالا إما بزيادة السجدتين أو القراءة، هكذا قالوا. و هو مخدوش: أما أولا: فلجريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدتين و بالنسبة إلى القراءة يكون من الشك في المحل فيجب عليه الإتيان بها و تصح صلاته و لا شي ء عليه، كما سيصرّح هو (قدس سره) في ذيل المسألة.

و أما ثانيا: فلأنّ زيادة القراءة احتياطا لا توجب البطلان و يبقى الشك في زيادة السجدتين، و المرجع أصالة الصحة، و عدم المانعية، و قاعدة «ما أعاد الصلاة فقيه».

ص: 21

بالقراءة و الإتمام من غير لزوم الإعادة إذا كان ذلك بعد الإتيان بالقنوت (29) بدعوى: أنّ وجوب القراءة عليه معلوم- لأنّه إما تركها أو ترك السجدتين- فعلى التقديرين يجب الإتيان بها (30)، و يكون الشك بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير، الذي هو القنوت (31) و أما إذا كان قبل الدخول في القنوت فيكفي الإتيان بالقراءة، لأنّ الشك فيها في محلها، و بالنسبة إلى السجدتين بعد التجاوز، و كذا الحال لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه إما ترك السجدتين أو التشهد أو ترك سجدة واحدة أو التشهد. و أما لو كان قبل القيام فيتعيّن الإتيان بهما، مع الاحتياط بالإعادة.

السابعة عشر: إذا علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهد و شك في أنّه ترك السجدة أيضا أم لا

(السابعة عشر): إذا علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهد و شك في أنّه ترك السجدة أيضا أم لا، يحتمل أن يقال يكفي الإتيان بالتشهد لأنّ الشك بالنسبة إلى السجدة بعد الدخول في الغير الذي هو

______________________________

(29) الإشكال إنّما هو في هذه الصورة، و أما في الصورة السابقة فالشك بالنسبة إلى القراءة في المحل فلا مورد لقاعدة التجاوز بالنسبة إليها حتى يثبت موضوع التعارض.

(30) فينحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب القراءة، و الشك البدوي بالنسبة إلى السجدتين و يكون بعد الدخول في الغير، فتجري القاعدة بلا معارض و يكون المقام من موارد الأقل و الأكثر فيعلم بوجوب الأقل- و هو القراءة- و يشك في وجوب الأكثر عليه.

إن قلت: كيف يحرز ترتب القراءة على السجدتين.

قلت: ظاهر إطلاقات أدلة قاعدة التجاوز الدالة على المضيّ هو اكتفاء الشارع بالصحة و لو لم يكن الجزء المشكوك مأتيا به في الواقع و لو لا ذلك لم يكن لجعل هذه القاعدة ثمرة مهمة.

(31) بل هو القيام كما مرّ في بيان قاعدة التجاوز.

ص: 22

القيام فلا اعتناء به (32) و الأحوط الإعادة بعد الإتمام، سواء أتى بهما أو بالتشهد فقط.

الثامنة عشر: إذا علم إجمالا أنّه أتى بأحد الأمرين- من السجدة و التشهد

(الثامنة عشر): إذا علم إجمالا أنّه أتى بأحد الأمرين- من السجدة و التشهد من غير تعيين و شك في الآخر، فإن كان بعد الدخول في القيام لم يعتن بشكه (33)، و إن كان قبله يجب عليه الإتيان بهما، لأنّه شاك في كل منهما مع بقاء المحل و لا يجب الإعادة بعد الإتمام (34). و إن كان أحوط (35).

التاسعة عشر: إذا علم أنّه إما ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهد من هذه الركعة

(التاسعة عشر): إذا علم أنّه إما ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهد من هذه الركعة، فإن كان جالسا و لم يدخل في القيام أتى بالتشهد و أتمّ الصلاة، و ليس عليه شي ء (36)، و إن كان حال النهوض

______________________________

(32) مقتضى قاعدة الاشتغال هو الإتيان بها بعد الشك في شمول قاعدة التجاوز لمثل الفرض، لوجوب هدم القيام.

(33) لقاعدة التجاوز.

(34) للأصل بعد كون ما أتى به من الزيادة العمدية، فإنّه يعلم إجمالا بعد الإتيان بهما إما بزيادة السجدة الواحدة، أو التشهد و حيث إنّه أتى بها رجاء، فلا يكون من الزيادة، و يمكن القول بكفاية الإتيان بالتشهد فقط، لأنّ السجدة إما متحققة واقعا فسقط أمرها لا محالة أو لم تكن كذلك فقد أتى بالتشهد و يكون شكه في السجدة بعد التجاوز فتكون محكومة بالإتيان فيعلم بسقوط أمرها إما واقعا أو ظاهرا. هذا إذا جلس و أتى بالتشهد من غير التفات إلى السجدة، و أما لو جلس و كان ملتفتا إليها فعلا، فلا وجه لما ذكرناه.

(35) لاحتمال شمول دليل الزيادة العمدي للمقام.

(36) لجريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة و الشك في المحل بالنسبة إلى التشهد و قد عمل بها. و أما قوله «و إن كان حال النهوض» فهو مبنيّ على شمول الغير الذي يعتبر الدخول فيه في قاعدة التجاوز لمقدمات الأفعال أيضا و قد

ص: 23

إلى القيام- أو بعد الدخول فيه- مضى و أتمّ الصلاة و أتى بقضاء كل منهما مع سجدتي السهو. و الأحوط إعادة الصلاة أيضا، و يحتمل وجوب العود لتدارك التشهد و الإتمام. و قضاء السجدة فقط مع سجود السهو. و عليه أيضا الأحوط الإعادة أيضا.

العشرون: إذا علم أنّه ترك سجدة إما من الركعة السابقة أو من هذه الركعة

(العشرون): إذا علم أنّه ترك سجدة إما من الركعة السابقة أو من هذه الركعة (37)، فإن كان قبل الدخول في التشهد- أو قبل النهوض إلى القيام، أو في أثناء النهوض قبل الدخول فيه- وجب عليه العود إليها، لبقاء المحل و لا شي ء عليه، لأنّه بالنسبة إلى الركعة السابقة شك بعد تجاوز المحل. و إن كان بعد الدخول في التشهد- أو في القيام- مضى و أتمّ الصلاة و أتى بقضاء السجدة و سجدتي السهو، و يحتمل وجوب العود- لتدارك السجدة من هذه الركعة- و الإتمام و قضاء السجدة، مع

______________________________

تقدم الوجه فيه، و يأتي منه رحمه اللّه في المسألة اللاحقة ما ينافيه. و أما إتمام الصلاة ثمَّ قضاء السجدة و التشهد، فلتعارض قاعدة التجاوز بالنسبة إليهما، فوجب الاحتياط، للعلم الإجمالي مع سجدتي السهو مرّة للعلم بأنّ المتروك واحد لا محالة. و أما احتمال وجوب العود لتدارك التشهد، فللعلم الإجمالي بتركه أو ترك السجدة، و لا يلزم من الإتيان بالتشهد محذور بخلاف الإتيان بالسجدة، فيأتي بما لا محذور فيه و يقضي ما فيه المحذور، بل شمول دليل قاعدة التجاوز بالنسبة إلى التشهد حينئذ مشكل إن لم يكن ممنوعا، لأنّه بعد كونه طرفا للعلم الإجمالي و عدم لزوم المحذور من الإتيان به يجري عليه حكم التشهد المنسيّ مع التذكر قبل الدخول في الركن اللاحق، و ذلك لكون العلم الإجمالي منجزا كالتفصيلي، و منه يعلم أنّ هذا الاحتمال هو المتعيّن.

(37) لا فرق بين هذه المسألة و سابقتها من حيث الدليل أبدا، و ما تقدم في السابقة يجري هنا أيضا. نعم، قد جعل رحمه اللّه حال النهوض إلى القيام- من الغير الذي يتحقق بالدخول فيه- موضوع جريان قاعدة التجاوز بخلاف المقام، و ما احتمله رحمه اللّه في ذيل المسألة هو المتعين، كما تقدم في نظيره.

ص: 24

سجود السهو، و الأحوط على التقديرين إعادة الصلاة أيضا.

الحادية و العشرون: إذا علم أنّه إما ترك جزءا مستحبّا كالقنوت مثلا- أو جزءا واجبا

(الحادية و العشرون): إذا علم أنّه إما ترك جزءا مستحبّا- كالقنوت مثلا- أو جزءا واجبا، سواء كان ركنا أو غيره من الأجزاء التي لها قضاء- كالسجدة و التشهد- أو من الأجزاء التي يجب سجود السهو لأجل نقصها صحت صلاته و لا شي ء عليه (38)، و كذا لو علم أنّه إما ترك الجهر أو الإخفات في موضعهما أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة، لعدم الأثر لترك الجهر و الإخفات، فيكون الشك بالنسبة إلى الطرف الآخر بحكم الشك البدوي.

الثانية و العشرون: لا إشكال في بطلان الفريضة إذا علم إجمالا أنّه إما زاد فيها ركنا أو نقص ركنا

(الثانية و العشرون): لا إشكال في بطلان الفريضة إذا علم إجمالا أنّه إما زاد فيها ركنا أو نقص ركنا (39). و أما في النافلة فلا تكون باطلة، لأنّ زيادة الركن فيها مغتفرة (40) و النقصان مشكوك. نعم، لو

______________________________

(38) لأنّه كل ما تردد العلم الإجمالي بين ما له الأثر الإلزامي و ما لا أثر له كذلك يجري على ما له الأثر الإلزامي حكم الشك البدوي، و لا تنجز لمثل هذا العلم الإجمالي لجواز ترك طرفه الآخر عمدا و اختيارا و حينئذ فإن كان ما له الأثر الإلزامي في المحل يؤتى به، لقاعدة الاشتغال و إلا فلا يعتنى به، لقاعدتي التجاوز أو الفراغ إلا أن يقال: إنّ مطلق الأثر الشرعي في أطراف العلم الإجمالي موجب لتنجزه في الطرفين مطلقا و لو كان في أحدهما غير إلزامي.

و فيه- أولا: أنّ ما جاز تركه كيف يتنجز العلم بالنسبة إلى الإلزامي.

و ثانيا: أنّه خلاف العلوم الإجمالية المعهود تنجزها بين المتشرعة، و قد تقدم نظير هذا الفرع في المسألة الرابعة و الأربعين من (فصل شرائط الوضوء).

(39) للعلم التفصيلي حينئذ ببطلان الصلاة من جهة نقصان الركن. هذا إذا لم يكن في المحل بالنسبة إلى أحدهما، و إلا فيأتي بما بقي محله و تصح صلاته، لجريان القاعدة بالنسبة إلى ما تجاوز عن محله بلا معارض.

(40) لما تقدم في (السابع) من الشكوك التي لا اعتبار بها.

ص: 25

علم أنّه إما نقص فيها ركوعا أو سجدتين بطلت (41). و لو علم إجمالا أنّه إما نقص فيها ركوعا- مثلا- أو سجدة واحدة، أو ركوعا، أو تشهدا أو نحو ذلك مما ليس بركن لم يحكم بإعادتها، لأنّ نقصان ما عدا الركن فيها لا أثر له- من بطلان أو قضاء أو سجود سهو- فيكون احتمال نقص الركن كالشك البدوي.

الثالثة و العشرون: إذا تذكر و هو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية

(الثالثة و العشرون): إذا تذكر و هو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية مثلا أنّه ترك سجدة من الركعة الأولى و ترك أيضا ركوع هذه الركعة جعل السجدة التي أتى بها للركعة الأولى، و قام و قرأ و قنت و أتمّ صلاته (42). و كذا لو علم أنّه ترك سجدتين من الأولى- و هو في السجدة الثانية من الثانية- فيجعلهما للأولى، و يقوم إلى الركعة الثانية. و إن تذكر بين السجدتين سجد أخرى بقصد الركعة الأولى و يتم. و هكذا بالنسبة إلى سائر الركعات إذا تذكر- بعد الدخول في السجدة من الركعة التالية- أنّه ترك السجدة من السابقة و ركوع هذه الركعة، و لكن الأحوط في جميع هذه الصور إعادة الصلاة بعد الإتمام (43).

______________________________

(41) لأنّ نقصان الركن فيها يوجب البطلان و هو يعلم حينئذ بالنقصان.

(42) أما جعل السجدة التي أتى بها للركعة الأولى فلأنّه لم يأت بالسجدة لها، و الظاهر صحة احتسابها لها قهرا أيضا إن أتى ببقية الصلاة تماما و لو لم يكن ملتفتا إلى ذلك، لأنّ ما هو المعتبر في الأجزاء إنّما هو قصد أصل الجزئية في الجملة و لو بقصد الصلاة. و أما قصد أنّها للركعة الأولى أو الثانية فمقتضى الأصل عدم اعتباره، كما أنّ مقتضاه عدم كون قصد الخلاف مانعا بعد تحقق أصل قصد الجزئية. و أما لزوم إتيان الركن المنسيّ فلما تقدم في مسائل الخلل من بقاء محله و وجوب الإتيان ما لم يدخل في الركن اللاحق.

(43) من جهة أنّ الاحتياط حسن و لو مع وجود الدليل فكيف بمثل هذه الأدلة التي لا تخلو عن المناقشة فيها. و هذا الاحتياط استحبابيّ يمكن استفادته

ص: 26

الرابعة و العشرون: إذا صلّى الظهر و العصر و علم بعد السلام نقصان إحدى الصلاتين ركعة

(الرابعة و العشرون): إذا صلّى الظهر و العصر (44) و علم بعد السلام نقصان إحدى الصلاتين ركعة، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي- عمدا أو سهوا- أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة، و إن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة، ثمَّ سجد للسهو عن السلام في غير المحل، ثمَّ أعاد الأولى، بل الأحوط أن لا ينوي الأولى بل يصلّي أربع ركعات بقصد ما في الذمة، لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامة محسوبة ظهرا.

الخامسة و العشرون: إذا صلّى المغرب و العشاء

(الخامسة و العشرون): إذا صلّى المغرب و العشاء، ثمَّ علم بعد السلام من العشاء أنّه نقص من إحدى الصلاتين ركعة، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي عمدا و سهوا وجب عليه إعادتهما و إن كان قبل ذلك قام

______________________________

مما ورد في إعادة الصلاة عند احتمال النقصان، بل احتمال الفضيلة و الأفضلية، لقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه يختار أحبّهما إليه» (1). فما يتوهم من أنّه ضعيف، لا وجه له.

(44) تقدم حكم هذه المسألة و المسألة اللاحقة في المسألة الثامنة، فراجع.

فائدة: إذا كان بين الصلاتين ترتيب- كالظهرين مثلا- و علم إجمالا بتحقق خلل في إحداهما، فهل يكون في جريان القواعد و الأصول الترتيب أيضا، فتجري في الأولى بلا معارضة للثانية، لاختلاف الرتبة بينهما، أو لا ترتيب في جريانها، لأنّ الترتيب في المجرى لدليل خاص لا يستلزم الترتيب فيما يجري من القواعد و الأصول بوجه من وجوه الاستلزام؟ وجهان: أقواهما الثاني، و تظهر لذلك ثمرات في جملة من مسائل الختام كما لا يخفى.

ص: 27


1- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 10.

فأضاف إلى العشاء ركعة، ثمَّ يسجد سجدتي السهو، ثمَّ يعيد المغرب (45).

السادسة و العشرون: إذا صلّى الظهرين و قبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنّه إما ترك ركعة من الظهر

(السادسة و العشرون): إذا صلّى الظهرين و قبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنّه إما ترك ركعة من الظهر- و التي بيده رابعة العصر- أو أنّ ظهره تامة و هذه الركعة ثالثة العصر فبالنسبة إلى الظهر شك بعد الفراغ، و مقتضى القاعدة البناء على كونها تامة، و بالنسبة إلى العصر شك بين الثلاث و الأربع و مقتضى البناء على الأكثر الحكم بأنّ ما بيده رابعتها و الإتيان بصلاة الاحتياط بعد إتمامها الا أنّه لا يمكن إعمال القاعدتين معا (46)، لأنّ الظهر إن كانت تامة فلا يكون ما بيده رابعة و إن كان ما

______________________________

(45) الوجه في ذلك واضح كما تقدم.

(46) لا تدافع بينهما بعد جبر نقص الثانية لو كان فيها نقص واقعا بصلاة الاحتياط، و لا معارضة بينهما و بين العلم الإجمالي أيضا بعد إمكان تصحيح كل من الصلاتين بالدليل، فإنّ الظهر صحيحة بقاعدة الفراغ و العصر أيضا بدليل البناء على الأكثر، و الجبر بالاحتياط بلا تدافع و لا تعارض في البين في إعمال القاعدتين، بل لا بد من إعمالهما لكونهما تسهيليتين امتنانيتين.

و قد يتوهم: امتناع جريان قاعدة البناء على الأكثر في العصر لغرض أنّها مترتبة على الظهر، و مع جريانها في الظهر يلزم من جريانها في العصر العدم، للعلم ببطلانها إما لوقوع الخلل فيها أو لفقد الترتيب، فيلزم من وجود الجريان العدم.

و هو مدفوع: لأنّ مجاري القواعد الثانوية في المترتبتين على أقسام ثلاثة:

فإما أن يكون جريانها في كل واحد منهما بلحاظ الترتيب الواقعي، و إما أن يكون جريانها في كل واحد منهما بلحاظ نفسه من حيث هو مع قطع النظر عن الترتيب، أو يكون الجريان في كل واحد منهما بحسب التسهيل الذي هو حكمة جعل تلك القواعد. و ما هو الممتنع إنّما هو في القسمين الأولين. و أما القسم الأخير فلا

ص: 28

بيده رابعة فلا تكون الظهر تامة، فيجب إعادة الصلاتين، لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين. نعم، الأحوط الإتيان بركعة أخرى (47) للعصر ثمَّ إعادة الصلاتين لاحتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات (48). و كذا الحال في العشاءين إذا علم أنّه إما صلّى المغرب ركعتين- و ما بيده رابعة العشاء- أو صلاها ثلاث ركعات و ما بيده ثالثة العشاء.

السابعة و العشرون: لو علم أنّه صلّى الظهرين ثماني ركعات

(السابعة و العشرون): لو علم أنّه صلّى الظهرين ثماني ركعات، و لكن لم يدر أنّه صلّى كلا منهما أربع ركعات أو نقص من إحداهما ركعة و زاد في الأخرى بنى على أنّه صلّى كلا منهما أربع ركعات عملا بقاعدة عدم اعتبار الشك بعد السلام (49) و كذا إذا علم أنّه

______________________________

امتناع فيه، و حينئذ يصح التفكيك في مفاد القواعد التسهيلية الامتنانية بلا تدافع بينهما، كما ذكرنا. مع أنّ الترتيب حاصل بحسب تصحيح الصلاتين بالقواعد الثانوية.

(47) هذا خلاف الاحتياط، للزوم الإتيان بالركعة الاحتياطية منفصلة إلا أن يقال: إنّ تعيّن انفصالها إنّما هو في الشكوك البدوية، كما هو مورد الأدلة فلا تشمل مثل المقام، و طريق الاحتياط أن يعدل إلى الظهر رجاء ثمَّ العمل بوظيفة الاحتياط ثمَّ إعادة العصر، و لا وجه للزوم هذا الاحتياط لوجود القاعدتين في البين.

(48) نعم، و لكن لا دليل على أنّ لازم كل أمارة معتبر مطلقا على نحو الكلية، بل هو تابع لمقدار دلالة دليل الأمارة.

و بعبارة أخرى: اعتبار لوازم الأمارات من نسخ الدلالات الالتزامية العقلائية، و مع الشك فيها لا وجه للاعتبار، و كذا في لوازم الأصول فإنّ مجرّد الشك في الاعتبار يكفي في عدمه، كما أثبتناه في محله.

(49) هذا إذا حصل الشك بعد الفراغ. و أما إذا حصل في الأثناء فيأتي حكمه في المسألة التالية.

ص: 29

صلّى العشاءين سبع ركعات و شك بعد السلام في أنّه صلّى المغرب ثلاثا و العشاء أربعا أو نقص من إحداهما و زاد في الأخرى فيبني على صحتهما.

الثامنة و العشرون: إذا علم أنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات

(الثامنة و العشرون): إذا علم أنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات و قبل السلام من العصر شك في أنّه هل صلّى الظهر أربع ركعات- فالتي بيده رابعة العصر- أو أنّه نقص من الظهر ركعة فسلّم على الثلاث- و هذه التي بيده خامسة العصر- فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام، و بالنسبة إلى العصر شك بين الأربع و الخمس فيحكم بصحة الصلاتين، إذ لا مانع من إجراء القاعدتين، فبالنسبة إلى الظهر يجري قاعدة الفراغ و الشك بعد السلام، فيبني على أنّه سلّم على أربع، و بالنسبة إلى العصر يجري حكم الشك بين الأربع و الخمس، فيبني على الأربع إذا كان بعد إكمال السجدتين فيتشهد و يسلّم، ثمَّ يسجد سجدتي السهو (50) و كذا الحال في العشاءين إذا علم قبل السلام من العشاء أنّه صلّى سبع ركعات و شك في أنّه سلّم من المغرب على ثلاث- فالتي بيده رابعة العشاء- أو سلّم على الاثنتين- فالتي بيده خامسة العشاء- فإنّه يحكم بصحة الصلاتين و إجراء القاعدتين.

التاسعة و العشرون: لو انعكس الفرض السابق

(التاسعة و العشرون): لو انعكس الفرض السابق، بأن شك- بعد العلم بأنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات- قبل السلام من العصر في أنّه صلّى الظهر أربعا- فالتي بيده رابعة العصر- أو صلاها خمسا- فالتي بيده ثالثة العصر- فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام، و بالنسبة إلى العصر شك بين الثلاث و الأربع، و لا وجه لإعمال قاعدة الشك بين

______________________________

(50) لزوم سجدتي السهو مبنيّ على شمول دليل الشك بين الأربع و الخمس لمثل المقام. و أما إذا قلنا باختصاصه بالشك البدويّ و عدم شموله لمورد العلم الإجمالي فينفي الزائد بالأصل و لا شي ء عليه.

ص: 30

الثلاث و الأربع في العصر (51) لأنّه إن صلّى الظهر أربعا فعصره أيضا أربع، فلا محل لصلاة الاحتياط، و إن صلّى الظهر خمسا فلا وجه للبناء على الأربع في العصر و صلاة الاحتياط، فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين (52). نعم، لو عدل بالعصر إلى الظهر و أتى بركعة أخرى و أتمّها يحصل له العلم بتحقق ظهر صحيحة مرددة بين الأولى إن كان في الواقع سلّم فيها على الأربع، و بين الثانية المعدول بها إليها إن كان سلّم فيها على الخمس. و كذا الحال في العشاءين إذا شك- بعد العلم بأنّه صلّى سبع ركعات قبل السلام من العشاء في أنّه سلّم في المغرب على الثلاث- حتى يكون ما بيده رابعة العشاء- أو على الأربع حتى يكون ما بيده ثالثتها، و هنا أيضا إذا عدل إلى المغرب و أتمّها يحصل له العلم بتحقق مغرب صحيحة أما الأولى أو الثانية المعدول إليها. و كونه شاكا بين الثلاث و الأربع- مع أنّ الشك في المغرب مبطل- لا يضرّ بالعدول، لأنّ في هذه الصورة يحصل العلم بصحتها مرددة بين هذه و الأولى، فلا يكتفي بهذه فقط حتى يقال إنّ الشك في ركعاتها يضرّ بصحتها (53).

______________________________

(51) هذا بناء على كون موضوع البناء على الأكثر النقص الواقعي، و أما إذا كان موضوعه مجرد احتمال النقص ظاهرا، كما هو المنساق من أدلة وجوب البناء على الأكثر، و المناسب للتسهيل الذي لم تجعل القواعد الثانوية إلا لأجله، فلا محذور فيه، فتجري حينئذ لمجرد احتمال النقص في العصر، لأنّ موضوع صلاة الاحتياط هو احتمال النقص لا النقص المتحقق في الواقع، فتصح صلاة الظهر لقاعدة الفراغ و العصر بالبناء على الأكثر ثمَّ العمل بالاحتياط. و ظهر مما مرّ أنّه لا ملزم للعدول. نعم، يصح له العدول عدولا رجائيا ثمَّ إعادة العصر رجاء، و كذا فيما يأتي في العشاءين.

(52) بل مقتضى القاعدة إمكان تصحيحهما، فلا وجه لوجوب إعادتهما.

(53) و ما عن بعض مشايخنا (قدس سرهم) من أنّ العدول في المقام مبطل

ص: 31

الثلاثون: إذا علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات و لا يدري أنّه زاد ركعة في الظهر أو في العصر

(الثلاثون): إذا علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات و لا يدري أنّه زاد ركعة في الظهر أو في العصر، فإن كان بعد السلام من العصر وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمة (54)، و إن كان قبل السلام، فبالنسبة إلى الظهر يكون من الشك بعد السلام و بالنسبة إلى العصر من الشك بين الأربع و الخمس، و لا يمكن إعمال الحكمين (55)، لكن لو كان بعد إكمال السجدتين (56) و عدل إلى الظهر و أتمّ الصلاة و سجد للسهو يحصل له اليقين بظهر صحيحة أما الأولى أو الثانية.

______________________________

لما في يده لا محالة، و اغتفار الشك في ركعات المغرب و الصبح مما يقطع بعدمه على كل حال.

مردود: بأنّ الشك المضر إنّما هو الشك المستقر لا الشك الحادث الزائل، و قد أثبتنا في الأصول أنّ موضوع أحكام الشك مطلقا هو الشك المستقر لا الزائل، إذ لا أثر لكل موضوع حادث زائل.

(54) للعلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين المتحدتين في الكمية من جهة الزيادة فيأتي بواحد بقصد ما في الذمة، و لا دليل على وجوب الترتيب حتى في هذه الصورة، بل مقتضى الأصل عدمه بعد قصور الإطلاقات عن الشمول لها، و قد مرّ في القضاء ما ينفع المقام فراجع.

(55) للعلم بتحقق الزيادة في إحدى الصلاتين، و لكن يمكن انحلال العلم الإجمالي للقطع بعدم شمول حكم الشك بين الأربع و الخمس للعصر من جهة العلم بعدم صحة إتمامها عصرا، إما للزيادة أو لوجوب العدول بها إلى الظهر، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الظهر و تجب عليه إعادة العصر.

(56) لا وجه للتخصيص بعد الإكمال، بل يصح في تمام الأحوال، لأنّ العدول تقديري فرضي لا حقيقي واقعي، كما أنّه لا وجه لوجوب سجدتي السهو حينئذ، لأنّ احتمال زيادة الركعة في الصلاة الصحيحة لا فيما وجب العدول عنها و لا يعتنى بها.

ص: 32

الحادية و الثلاثون: إذا علم أنّه صلّى العشاءين ثمان ركعات و لا يدري أنّه زاد الركعة الزائدة في المغرب أو في العشاء وجب إعادتهما

(الحادية و الثلاثون): إذا علم أنّه صلّى العشاءين ثمان ركعات و لا يدري أنّه زاد الركعة الزائدة في المغرب أو في العشاء وجب إعادتهما (57)، سواء كان الشك بعد السلام من العشاء أو قبله.

الثانية و الثلاثون: لو أتى بالمغرب ثمَّ نسي الإتيان بها

(الثانية و الثلاثون): لو أتى بالمغرب ثمَّ نسي الإتيان بها، بأن اعتقد عدم الإتيان أو شك فيه فأتى بها ثانيا و تذكر قبل السلام أنّه كان آتيا بها، و لكن علم بزيادة ركعة- إما في الأولى أو الثانية- له أن يتم الثانية (58) و يكتفي بها، لحصول العلم بالإتيان بها إما أولا أو ثانيا. و لا يضره كونه شاكا في الثانية بين الثلاث و الأربع- مع أنّ الشك في ركعات المغرب موجب للبطلان- لما عرفت سابقا مع أنّ ذلك إذا لم يكن هناك طرف آخر يحصل معه اليقين بالإتيان صحيحا. و كذا الحال إذا أتى بالصبح ثمَّ نسي و أتى بها ثانيا و علم بالزيادة إما في الأولى أو الثانية.

الثالثة و الثلاثون: إذا شك في الركوع و هو قائم وجب عليه الإتيان بها

(الثالثة و الثلاثون): إذا شك في الركوع و هو قائم وجب عليه الإتيان بها، فلو نسي حتى دخل في السجود فهل يجري عليه حكم الشك بعد تجاوز المحل أو لا؟ الظاهر عدم الجريان لأنّ الشك السابق باق و كان قبل تجاوز المحل. و هكذا لو شك في السجود قبل أن يدخل

______________________________

(57) للعلم ببطلان إحداهما مع الاختلاف في الكمية، فتجب إعادتهما إن كان الشك بعد السلام أو قبله مع التجاوز عن محل العدول، و يمكن انحلال العلم الإجمالي بإجراء قاعدة الفراغ في المغرب بعد القطع ببطلان العشاء إما للزيادة أو لخلاف الترتيب، كما يمكن العدول مع بقاء محله رجاء، فتصح المغرب لا محالة و يأتي بعد ذلك بالعشاء.

(58) كما أنّ له أن يدعها رأسا و يكتفي بالأولى، لقاعدة الفراغ بلا مزاحم و معارض، لأنّ هذا العلم الإجمالي مردد بين ما له الأثر و ما لا أثر له و قد ثبت في محله عدم تنجزه.

ص: 33

في التشهد ثمَّ دخل فيه نسيانا و هكذا (59).

الرابعة و الثلاثون: لو علم نسيان شي ء قبل فوات محل المنسيّ و وجب عليه التدارك

(الرابعة و الثلاثون): لو علم نسيان شي ء قبل فوات محل المنسيّ و وجب عليه التدارك فنسي حتى دخل في ركن بعده ثمَّ انقلب علمه بالنسيان شكا (60) يمكن إجراء قاعدة الشك بعد تجاوز المحل و الحكم بالصحة- إن كان ذلك الشي ء ركنا- و الحكم بعدم وجوب القضاء و سجدتي السهو فيما يجب فيه ذلك، لكن الأحوط- مع الإتمام- إعادة الصلاة- إذا كان ركنا- و القضاء و سجدتا السهو في مثل السجدة و التشهد و سجدتا السهو فيما يجب في تركه السجود.

الخامسة و الثلاثون: إذا اعتقد نقصان السجدة أو التشهد مما يجب قضاؤه

(الخامسة و الثلاثون): إذا اعتقد نقصان السجدة أو التشهد مما يجب قضاؤه أو ترك ما يوجب سجود السهو- في أثناء الصلاة ثمَّ تبدل اعتقاده بالشك في الأثناء- أو بعد الصلاة قبل الإتيان به- سقط وجوبه.

و كذا إذا اعتقد بعد السلام نقصان ركعة أو غيرها ثمَّ زال اعتقاده (61).

______________________________

(59) و الوجدان يشهد ببقاء الشك أيضا، و قد تنجز وجوب الإتيان بالمشكوك في المحل الشكي فيكون من نسيان الجزء بحسب التكليف الظاهري و يجب الإتيان به، و هذه المسألة نظير ما يأتي في المسألة التاسعة و الثلاثين.

(60) إن كان حدوث العلم بالنسيان بعد التجاوز عن المحل تجري قاعدة التجاوز، لوجود المقتضي- و هو الشك- و فقد المانع، لأنّ العلم الحادث الزائل لا أثر له و يكفي فيه مجرّد الدخول في الغير، سواء كان ركنا أو لا و إن حصل العلم بالنسيان قبل التجاوز عن المحل الشكي بحيث لو كان الحاصل شكا وجب الإتيان به أيضا، فلا وجه لجريان قاعدة التجاوز حينئذ، و تكون هذه المسألة كالمسألة السابقة في بقاء التكليف الظاهري و لزوم العمل به.

(61) لأنّ ما هو موضوع الأثر من القضاء أو سجدتي السهو أو الإعادة هو الاعتقاد الثابت المستقر لا الحادث الزائل على ما هو المتفاهم من الأدلة عرفا هنا و في جميع موضوعات الأحكام.

ص: 34

السادسة و الثلاثون: إذا تيقن بعد السلام- قبل إتيان المنافي عمدا أو سهوا- نقصان الصلاة

(السادسة و الثلاثون): إذا تيقن بعد السلام- قبل إتيان المنافي عمدا أو سهوا- نقصان الصلاة و شك في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان، فالظاهر أنّه يجري عليه حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث (62)، فيبني على الأكثر و يأتي بالقدر المتيقن نقصانه- و هو ركعة أخرى- و يأتي بصلاة احتياطية. و كذا إذا تيقن نقصان ركعة و بعد الشروع فيها شك في ركعة أخرى و على هذا فإذا كان مثل ذلك في صلاة المغرب و الصبح يحكم ببطلانهما، و يحتمل جريان (63) حكم الشك بعد السلام بالنسبة إلى الركعة المشكوكة، فيأتي بركعة واحدة من دون الإتيان بصلاة الاحتياط. و عليه فلا تبطل الصبح و المغرب أيضا بمثل ذلك، و يكون كمن علم نقصان الركعة فقط.

السابعة و الثلاثون: لو تيقن بعد السلام قبل الإتيان بالمنافي نقصان ركعة ثمَّ شك في أنّه أتى بها أم لا

(السابعة و الثلاثون): لو تيقن بعد السلام قبل الإتيان بالمنافي نقصان ركعة ثمَّ شك في أنّه أتى بها أم لا، ففي وجوب الإتيان بها لأصالة عدمه، أو جريان حكم الشك في الركعات عليه وجهان، و الأوجه الثاني (64). و أما احتمال جريان حكم الشك بعد السلام عليه

______________________________

(62) لأنّ المنساق إلى أذهان المصلين- بل العرف مطلقا- وقوع السلام في مثل ذلك سهوا، و ترتيب آثار السهو عليه، فيكون الشك في الصلاة.

(63) هذا الاحتمال ضعيف، لأنّ مورد قاعدة الفراغ ما إذا لم يعلم بلغوية السلام فإنّه مع العلم بالنقصان كيف يحكم بصحة السلام. إلا أن يقال: إنّ الفراغ يعم الفراغ الاعتقاديّ و إن زال الاعتقاد و هو مشكل، بل باطل ثمَّ إنّ في كون الصبح مثالا لما إذا شك أنّ الناقص ركعة أو ركعتان منع، كما لا يخفى.

(64) هذا إذا علم بعدم الإتيان بالسلام على فرض الإتيان بالركعة الناقصة. و أما إذا علم به أو تردد فيه فالأوجه هو الأول، لقاعدة الاشتغال، و لأصالة عدم الإتيان بالركعة من دون دليل حاكم عليها إلا توهم جريان قاعدة الفراغ و لا وجه لجريانها، لأنّ موردها ما إذا أحرز كون حدوث الشك بعد الفراغ

ص: 35

فلا وجه له، لأنّ الشك بعد السلام لا يعتنى به إذا تعلق بما في الصلاة و بما قبل السلام، و هذا متعلق بما وجب بعد السلام.

الثامنة و الثلاثون: إذا علم أنّ ما بيده رابعة و يأتي بها بهذا العنوان

(الثامنة و الثلاثون): إذا علم أنّ ما بيده رابعة و يأتي بها بهذا العنوان، لكن لا يدري أنّها رابعة واقعية أو رابعة بنائية و أنّه شك سابقا بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث فتكون هذه رابعة بعد البناء على الثلاث فهل يجب عليه صلاة الاحتياط، لأنّه و إن كان عالما بأنّها رابعة في الظاهر إلا أنّه شاك من حيث الواقع فعلا بين الثلاث و الأربع، أو لا يجب لأصالة عدم شك سابق، و المفروض أنّه عالم بأنّها رابعته فعلا وجهان و الأوجه الأول (65).

التاسعة و الثلاثون: إذا تيقن بعد القيام إلى الركعة التالية أنّه ترك سجدة أو سجدتين أو تشهدا

(التاسعة و الثلاثون): إذا تيقن بعد القيام إلى الركعة التالية أنّه ترك سجدة أو سجدتين أو تشهدا، ثمَّ شك في أنّه هل رجع و تدارك ثمَّ قام، أو هذا القيام هو القيام الأول، فالظاهر وجوب العود إلى التدارك، لأصالة عدم الإتيان بها بعد تحقق الوجوب، و احتمال جريان حكم الشك بعد تجاوز المحل، لأنّ المفروض أنّه فعلا شاك و تجاوز عن محل الشك لا وجه له، لأنّ الشك إنّما حدث بعد تعلق الوجوب، مع كونه في المحل بالنسبة إلى النسيان و لم يتحقق التجاوز بالنسبة إلى

______________________________

و لم يحرز ذلك، و إلا توهم جريان حكم الشك في الركعات عليه. و لا وجه له أيضا، لأنّه فيما إذا أحرز كون حدوث الشك في الأثناء و لم يحرز ذلك فيجب عليه الاحتياط بإتمام الصلاة ثمَّ الإتيان بوظيفة الشاك بين الاثنين و الثلاث، فإن كان قد أتى في الواقع بأربع ركعات فلا شي ء عليه، و إن كان في الواقع شاكا بين الاثنين و الثلاث فقد أتى بوظيفته.

(65) لكونه شاكا فعلا بين الثلاث و الأربع فيشمله ما دل على وجوب الاحتياط فيه، و لا وجه لجريان أصالة عدم الشك السابق في مقابل الوجدان و الإطلاق، فالوجه الثاني ضعيف جدا.

ص: 36

هذا الواجب (66).

الأربعون: إذا شك بين الثلاث و الأربع مثلا فبنى على الأربع

(الأربعون): إذا شك بين الثلاث و الأربع مثلا فبنى على الأربع، ثمَّ أتى بركعة أخرى سهوا فهل تبطل صلاته- من جهة زيادة الركعة- أو يجري عليه حكم الشك بين الأربع و الخمس؟ وجهان:

و الأوجه الأول (67).

الحادية و الأربعون: إذا شك في ركن بعد تجاوز المحل ثمَّ أتى به نسيانا

(الحادية و الأربعون): إذا شك في ركن بعد تجاوز المحل ثمَّ أتى به نسيانا، فهل تبطل صلاته- من جهة الزيادة الظاهرية- أو لا، من جهة عدم العلم بها بحسب الواقع؟ وجهان: و الأحوط الإتمام

______________________________

(66) و يكون التمسك بدليل القاعدة من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لأنّ القيام مردد بين كونه لغوا محضا، أو ما يجب هدمه، أو ما هو القيام الواجب الصلاتي و ما كان كذلك كيف يصح التمسك فيه بدليل القاعدة.

و أما توهم أنّ حكم النسيان مترتب على تذكره لا على زواله، و حيث فرض زواله فتجري قاعدة التجاوز بلا مانع. فمدفوع: بأنّ الشك إنّما هو في العمل بالوظيفة لا في حدوث أصل النسيان، كما هو معلوم بالوجدان.

(67) لقاعدة الاشتغال، و عدم مانع عنها إلا احتمال شمول دليل الشك بين الأربع و الخمس للمقام. و لكنّه مشكل، إذ المنساق منه غيره، و الشك في الشمول يكفي في عدمه. و إلا أصالة عدم الزيادة، و الظاهر التسالم على سقوطها في عدد الركعات.

و ما يتوهم: أنّه بعد الالتفات يصير شكه من الشك بين الأربع و الخمس.

مدفوع: بأنّ المناط في أحكام الشكوك ملاحظة أصل حدوثها لا بالنسبة إلى الركعات اللاحقة، و إلا فكل شك يمكن أن يرجع إلى شك آخر بحسبها، و لكن الأحوط الإتيان بعمل الشك بين الأربع و الخمس، ثمَّ الإعادة، لأنّ هذه المسألة نظير المسألة التالية، مع أنّه (قدس سره) أوجب الاحتياط فيها.

ص: 37

و الإعادة (68).

الثانية و الأربعون: إذا كان في التشهد فذكر أنّه نسي الركوع و مع ذلك شك في السجدتين أيضا

(الثانية و الأربعون): إذا كان في التشهد فذكر أنّه نسي الركوع و مع ذلك شك في السجدتين أيضا ففي بطلان الصلاة- من حيث إنّه بمقتضى قاعدة التجاوز محكوم بأنّه أتى بالسجدتين فلا محل لتدارك الركوع- أو عدمه- إما لعدم شمول قاعدة التجاوز في مورد يلزم من إجرائها بطلان الصلاة، و إما لعدم إحراز الدخول في ركن آخر، و مجرد الحكم بالمضيّ لا يثبت الإتيان وجهان و الأوجه الثاني (69).

و يحتمل الفرق بين سبق تذكر النسيان و بين سبق الشك في السجدتين، و الأحوط العود إلى التدارك، ثمَّ الإتيان بالسجدتين و إتمام

______________________________

(68) و الأوجه هو البطلان، لأنّ مقتضى اعتبار قاعدة التجاوز شرعا هو صحة الصلاة و الحكم بإتيان المشكوك فيكون الركن المأتيّ به من زيادة الركن في الصلاة سهوا، و هو مما أجمعوا على بطلانه. و توهم أنّ المنساق من دليل مثل قاعدة التجاوز مجرّد عدم الاعتناء بالشك لا البناء على وجوده خلاف أصالة عدم السهو و الغفلة التي هي المدار في عدم الاعتناء بالشك عند التجاوز في الواقع فيكون مفاد جميع تلك القواعد الامتنانية هو الحكم بالوقوع و ترتيب آثاره.

(69) مقتضى أصالة عدم الإتيان بالسجدتين، و أصالة بقاء محلهما هو الرجوع و الإتيان بالركوع ثمَّ الإتيان بهما و إتمام الصلاة و لا موجب لإعادتها، و لا مجرى لقاعدة التجاوز في المقام أصلا، للعلم ببقاء الأمر بالسجدتين، إما لعدم الإتيان بهما أو لإتيانهما غير مترتبة على الركوع، و مع هذا العلم كيف يصح التعبد بالإتيان للقاعدة.

و أما قوله (قدس سره): و يحتمل الفرق. فهو ضعيف، لأنّ السبق الموضوعيّ لا يوجب تقدم إحدى القاعدتين على الأخرى، بل تجريان في عرض واحد، تقارن موضوعهما أو تلاحق. فالاحتمال موهون، و القاعدة ساقطة و أصالة عدم الإتيان محكمة فيرجع و يتم من دون موجب للإعادة، و إن كانت أحوط.

ص: 38

الصلاة، ثمَّ الإعادة، بل لا يترك هذا الاحتياط.

الثالثة و الأربعون: إذا شك بين الثلاث و الأربع مثلا و علم أنّه على فرض الثلاث

(الثالثة و الأربعون): إذا شك بين الثلاث و الأربع مثلا و علم أنّه- على فرض الثلاث ترك ركنا أو ما يوجب القضاء أو ما يوجب سجود السهو لا إشكال في البناء على الأربع و عدم وجوب شي ء عليه، و هو واضح (70). و كذا إذا علم أنّه- على فرض الأربع- ترك ما يوجب

______________________________

(70) في هذه المسألة صور:

الأولى: ما إذا علم أنّه على فرض الثلاث ترك ما يوجب القضاء، أو علم أنّه على فرضه ترك ما يوجب سجود السهو فيبني على الأكثر و يأتي بصلاة الاحتياط، للأدلة الدالة على ذلك التي تقدّمت في أحكام الشكوك. و لا شي ء عليه، للشك في تحقق موجب القضاء أو سجود السهو عليه، و مقتضى الأصل عدمه، لأنّ متعلق هذا العلم فرضيّ محض فلا وجه للاعتناء به.

الثانية: ما إذا علم إجمالا أنّه على فرض الثلاث ترك إما ركنا أو ما يوجب القضاء، أو ما يوجب سجود السهو، و مقتضى الأصل- بعد الشك في تحقق موجب ذلك كلّه- عدم وجوب شي ء عليه، لما مر في الصورة السابقة.

الثالثة: ما إذا علم بأنّه على فرض الثلاث ترك ركنا، ربما يقال بالبطلان فيها، للعلم بعدم الاحتياج إلى صلاة الاحتياط، إما لكونها أربع ركعات، أو لبطلانها بترك الركن، فلا موقع للاحتياط، و كلما كان كذلك تبطل أصل الصلاة.

و فيه: أنّ كلية الكبرى تحتاج إلى تأمل، فالأحوط البناء و الإتيان بصلاة الاحتياط ثمَّ الإعادة.

الرابعة: ما إذا علم أنّه على فرض الأربع ترك ما يوجب القضاء أو سجود السهو، و مقتضى الشك في موجبهما عدم وجوب شي ء عليه فيبني على الأربع، و يأتي بصلاة الاحتياط فقط و لا شي ء عليه، للأصل.

الخامسة: ما إذا علم أنّه على فرض الأربع ترك ركنا، فأفتى (قدس سره)- في المتن- بالبطلان، لما ذكره، و يمكن المناقشة في تأثير هذا العلم الإجمالي بأنّ ترك الركعة متدارك بالاحتياط، فلا أثر لمثل هذا العلم الإجمالي، فتجري

ص: 39

القضاء أو ما يوجب سجود السهو، لعدم إحراز ذلك بمجرد التعبد بالبناء على الأربع. و أما إذا علم أنّه على فرض الأربع ترك ركنا أو غيره مما يوجب بطلان الصلاة فالأقوى بطلان صلاته، لا لاستلزام البناء على الأربع ذلك- لأنّه لا يثبت ذلك، بل للعلم الإجمالي بنقصان الركعة أو ترك الركن مثلا فلا يمكن البناء على الأربع حينئذ.

الرابعة و الأربعون: إذا تذكر بعد القيام أنّه ترك سجدة من الركعة التي قام عنها

(الرابعة و الأربعون): إذا تذكر بعد القيام أنّه ترك سجدة من الركعة التي قام عنها، فإن أتى بالجلوس بين السجدتين ثمَّ نسي السجدة الثانية يجوز له الانحناء إلى السجود من غير جلوس (71)، و إن لم يجلس أصلا وجب عليه الجلوس ثمَّ السجود، و إن جلس بقصد الاستراحة و الجلوس بعد السجدتين ففي كفايته عن الجلوس بينهما و عدمها وجهان: الأوجه الأول (72) و لا يضرّ نية الخلاف، لكن الأحوط الثاني فيجلس ثمَّ يسجد.

الخامسة و الأربعون: إذا علم بعد القيام أو الدخول في التشهد نسيان إحدى السجدتين و شك في الأخرى، فهل يجب عليه إتيانهما

(الخامسة و الأربعون): إذا علم بعد القيام أو الدخول في التشهد نسيان إحدى السجدتين و شك في الأخرى، فهل يجب عليه إتيانهما- لأنّه إذا رجع إلى تدارك المعلوم يعود محل المشكوك أيضا- أو يجري بالنسبة إلى المشكوك حكم الشك بعد تجاوز المحل؟ وجهان:

______________________________

قاعدة التجاوز في ترك الركن بلا معارض، و قد يعلل البطلان بالعلم بعدم امتثال أمر التشهد و التسليم إما لوقوعهما في الصلاة الباطلة إن كانت الركعة رابعة، لغرض ترك الركن فيها، أو لوقوعهما في غير المحل إن كانت ثالثة فتبطل أصل الصلاة من هذه الجهة. فتأمل.

(71) لعدم وجوب الجلوس عليه حينئذ، لفرض إتيانه به.

(72) لأنّه حينئذ من الخطإ في التطبيق فلا يضرّ نية الخلاف بناء عليه.

نعم، لو كان من باب التقييد فقط فلا وجه للاكتفاء بها، و يمكن أن يصير النزاع في الاكتفاء بها و عدمه بذلك لفظيا.

ص: 40

أوجههما الأول (73)، و الأحوط إعادة الصلاة أيضا.

السادسة و الأربعون: إذا شك بين الثلاث و الأربع

(السادسة و الأربعون): إذا شك بين الثلاث و الأربع مثلا و بعد السلام- قبل الشروع في صلاة الاحتياط- علم أنّها كانت أربعا ثمَّ عاد شكه، فهل يجب عليه صلاة الاحتياط لعود الموجب- و هو الشك- أو لا، لسقوط التكليف عنه حين العلم، و الشك بعده شك بعد الفراغ؟ وجهان: و الأحوط الأول (74).

(السابعة و الأربعون): إذا دخل في السجود من الركعة الثانية فشك في ركوع هذه الركعة و في السجدتين من الأولى ففي البناء على إتيانها- من حيث أنّه شك بعد تجاوز المحل- أو الحكم بالبطلان، لأوله إلى الشك بين الواحدة و الاثنتين؟ وجهان و الأوجه الأول (75).

و على هذا فلو فرض الشك بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشك في ركوع الركعة التي بيده و في السجدتين من

______________________________

(73) لقاعدة الاشتغال، و استصحاب بقاء المحل بعد الشك في شمول قاعدة التجاوز لمثل المقام.

(74) بل الأقوى إن كان عين الشك السابق، و إلا فالجزم بكونه عين الشك السابق مشكل، كالإشكال في الجزم بأنّه حادث بعد الفراغ من الصلاة، فالأمر يدور بين الإعادة لقاعدة الاشتغال و إتيان الركعة موصولة بناء على عدم سقوط أصالة عدم الإتيان في أمثال المقام و صحة الصلاة من دون الاحتياج إلى شي ء أبدا جمودا على حدوث الشك بعد الصلاة، فالأحوط الإتيان بركعة الاحتياط بقصد القربة المطلقة مطلقا.

(75) لأنّ الشك بين الواحدة و الاثنتين مسبّب عن الشك في السجدتين من الركعة السابقة و الركوع من هذه الركعة، و مع جريان القاعدة في الشك في السبب ينتفي الشك في المسبب تعبدا، فلا يكون شك في البين حتى يكون بين الواحدة و الاثنتين.

ص: 41

السابقة لا يرجع إلى الشك بين الواحدة و الاثنتين حتى تبطل الصلاة، بل هو من الشك بين الاثنتين و الثلاث بعد الإكمال. نعم، لو علم بتركهما مع الشك المذكور يرجع إلى الشك بين الواحدة و الاثنتين، لأنّه عالم حينئذ باحتساب ركعتيه بركعة.

الثامنة و الأربعون: لا يجري حكم كثير الشك في صورة العلم الإجمالي

(الثامنة و الأربعون): لا يجري حكم كثير الشك في صورة العلم الإجمالي (76) فلو علم ترك أحد الشيئين إجمالا من غير تعيين يجب عليه مراعاته، و إن كان شاكا بالنسبة إلى كل منهما كما لو علم حال القيام أنّه إما ترك التشهد أو السجدة، أو علم إجمالا أنّه إما ترك الركوع أو القراءة- و هكذا- أو علم بعد الدخول في الركوع أنّه إما ترك سجدة واحدة أو تشهدا فيعمل في كل واحد من هذه الفروض حكم العلم الإجمالي المتعلق به، كما في غير كثير الشك.

التاسعة و الأربعون: لو اعتقد أنّه قرأ السورة مثلا و شك في قراءة الحمد

(التاسعة و الأربعون): لو اعتقد أنّه قرأ السورة مثلا و شك في قراءة الحمد فبنى على أنّه قرأها لتجاوز محله، ثمَّ بعد الدخول في القنوت تذكر أنّه لم يقرأ السورة، فالظاهر وجوب قراءة الحمد أيضا، لأنّ شكه الفعليّ و إن كان بعد تجاوز المحل بالنسبة إلى الحمد إلا أنّه هو الشك الأول (77) الذي كان في الواقع قبل تجاوز المحل، و حكمه الاعتناء به، و العود إلى الإتيان بما شك فيه.

______________________________

(76) لاختصاص أدلته بالشك البدوي غير المقرون بالعلم الإجمالي.

(77) مضافا إلى أنّ الظاهر من الغير الذي يعتبر الدخول فيه في قاعدة التجاوز- على فرض القول به- ما لا يجب هدمه و إلقاؤه فلا يشمل دليل القاعدة لمثل هذا الغير، و لا أقل من الشك في ذلك فيكون التمسك به حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فمقتضى قاعدة الاشتغال و استصحاب بقاء المحل هو الإتيان. نعم، بناء على عدم اعتبار الدخول في الغير- على ما تقدم سابقا- يسقط هذا الفرع رأسا.

ص: 42

الخمسون: إذا علم أنّه إما ترك سجدة أو زاد ركوعا فالأحوط قضاء السجدة

(الخمسون): إذا علم أنّه إما ترك سجدة أو زاد ركوعا فالأحوط قضاء السجدة، و سجدتا السهو، ثمَّ إعادة الصلاة (78) و لكن لا يبعد جواز الاكتفاء بالقضاء و سجدة السهو، عملا بأصالة عدم الإتيان بالسجدة و عدم زيادة الركوع (79).

الحادية و الخمسون: لو علم أنّه إما ترك سجدة من الأولى أو زاد سجدة في الثانية وجب عليه قضاء السجدة

(الحادية و الخمسون): لو علم أنّه إما ترك سجدة من الأولى أو زاد سجدة في الثانية وجب عليه قضاء السجدة (80)، و الإتيان بسجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمة من كونهما للنقيصة أو الزيادة.

الثانية و الخمسون: لو علم أنّه ترك سجدة أو تشهدا وجب الإتيان بقضائهما

(الثانية و الخمسون): لو علم أنّه ترك سجدة أو تشهدا وجب الإتيان بقضائهما و سجدة السهو مرة (81).

الثالثة و الخمسون: إذا شك في أنّه صلّى المغرب و العشاء أم لا

(الثالثة و الخمسون): إذا شك في أنّه صلّى المغرب و العشاء أم لا

______________________________

(78) لتعارض قاعدة التجاوز و الفراغ بالنسبة إلى السجدة مع أصالة عدم زيادة الركوع فيسقطان بالمعارضة و يؤثر العلم الإجمالي أثره.

(79) و يمكن الإشكال عليه بأنّه لا وجه لجريانها لكونها محكومة بقاعدة التجاوز أو الفراغ، كما لا وجه لجريان أصالة عدم زيادة الركوع، لكونها متعارضة بإحدى القاعدتين، و قد سقطتا بالمعارضة. نعم، يمكن أن يقال بانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بعدم امتثال أمر السجدة، إما لعدم الإتيان بها أو الإتيان بها في صلاة باطلة بزيادة الركوع فتجري أصالة عدم الزيادة في الركوع بلا معارض فيجب عليه قضاء السجدة مع سجدتي السهو و تصح الصلاة حينئذ.

(80) إن قلنا بوجوب سجود السهو لكل زيادة و نقيصة فيؤثر العلم الإجمالي أثره، لتعارض قاعدة التجاوز مع أصالة عدم الزيادة و سقوطهما بالمعارضة. و إن قلنا بالعدم فلا تنجز لمثل هذا العلم الإجمالي لتردده بين طرفين لا أثر لأحد طرفيه فتجري القاعدة بالنسبة إلى النقيصة بلا معارض و تصح الصلاة و لا شي ء عليه.

(81) أما الأول فللعلم الإجمالي المردد بين المتباينتين. و أما الثاني فللعلم التفصيلي بأنّه لا يجب عليه سجود السهو إلا مرّة.

ص: 43

قبل أن ينتصف الليل، و المفروض أنّه عالم بأنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلا ثلاث صلوات من دون العلم بتعيينها، فيحتمل أن تكون الصلاتان الباقيتان المغرب و العشاء، و يحتمل أن يكون آتيا بهما و نسي اثنتين من صلوات النهار وجب عليه الإتيان بالمغرب و العشاء فقط، لأنّ الشك بالنسبة إلى صلوات النهار بعد الوقت، و بالنسبة إليهما في وقتهما. و لو علم أنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلا صلاتين أضاف إلى المغرب و العشاء قضاء ثنائية و رباعية (82). و كذا إن علم أنّه لم يصلّ إلا صلاة واحدة (83).

الرابعة و الخمسون: إذا صلّى الظهر و العصر، ثمَّ علم إجمالا أنّه شك في إحداهما بين الاثنتين و الثلاث

(الرابعة و الخمسون): إذا صلّى الظهر و العصر، ثمَّ علم إجمالا أنّه شك في إحداهما بين الاثنتين و الثلاث و بنى على الثلاث و لا يدري أنّ الشك في أيّهما كان، يحتاط بإتيان صلاة الاحتياط، و أعاد صلاة واحدة بقصد ما في الذمة (84).

الخامسة و الخمسون: إذا علم إجمالا أنّه إما زاد قراءة أو نقصها

(الخامسة و الخمسون): إذا علم إجمالا أنّه إما زاد قراءة أو نقصها

______________________________

(82) لتردد المكلف به بين الصبح و إحدى الظهرين، فيأتي برباعية مرددة بينهما بقصد ما في الذمة.

(83) هذا صحيح إن علم في الجملة أنّ المأتيّ بها كانت رباعية، و إلا يجب الإتيان بالخمس، أما العشاءين فلكونهما في الوقت. و أما البقية فلاحتمال كون المنسيّ صبحا و ظهرا مثلا، أو الظهرين معا.

(84) إن قلنا بأنّه لا مانع عن هذا التخلل المحتمل بين صلاة الاحتياط و الصلاة الأصلية فيأتي بالاحتياط بقصد ما في الذمة و لا شي ء عليه، و إن قلنا بالمنع يصح الاكتفاء بإعادة الأولى فقط احتياطا، لأنّ النقيصة إن كانت من الثانية تجبر بالاحتياط، و إن كانت من الأولى تجبر بالإعادة، هذا إذا لم يتخلل المنافي بين صلاة العصر و صلاة الاحتياط، و إلا فيعيد صلاة واحدة بقصد ما في الذمة بعد الإتيان بصلاة الاحتياط.

ص: 44

يكفيه سجدتا السهو مرة (85). و كذا إذا علم أنّه إما زاد التسبيحات الأربع أو نقصها.

السادسة و الخمسون: إذا شك في أنّه هل ترك الجزء الفلاني عمدا أو لا؟

(السادسة و الخمسون): إذا شك في أنّه هل ترك الجزء الفلاني عمدا أو لا؟ فمع بقاء محل الشك لا إشكال في وجوب الإتيان به، و أما مع تجاوزه فهل تجري قاعدة الشك بعد التجاوز أو لا؟ لانصراف أخبارها عن هذه الصورة، خصوصا بملاحظة قوله: «كان حين العمل أذكر» (86)؟ وجهان: و الأحوط الإتيان، ثمَّ الإعادة.

السابعة و الخمسون: إذا توضأ و صلّى، ثمَّ علم أنّه إما ترك جزءا من وضوئه أو ركنا من صلاته

(السابعة و الخمسون): إذا توضأ و صلّى، ثمَّ علم أنّه إما ترك جزءا من وضوئه أو ركنا من صلاته، فالأحوط إعادة الوضوء ثمَّ الصلاة، و لكن لا يبعد جريان قاعدة الشك بعد الفراغ في الوضوء، لأنّها لا تجري في الصلاة حتى يحصل التعارض، و ذلك للعلم ببطلان الصلاة على كل حال (87).

______________________________

(85) بناء على وجوبها لكل زيادة و نقيصة حتى زيادة القرآن و الذكر سهوا، و إلا فلا شي ء عليه.

(86) بشرط إحراز أنّه من العلة الحقيقية دون بيان مجرد حكمة التشريع التي ثبت أنّها لا كلية لها.

ثمَّ إنّ الاحتياط بالإعادة إنّما هو فيما إذا أتى بالمشكوك بقصد الجزئية. و أما إذا أتى بها بقصد القربة المطلقة و لم يكن ركنا، فلا وجه للاحتياط بالإعادة.

(87) يعني: ينحل العلم الإجمالي إلى الشك البدوي بالنسبة إلى الوضوء و العلم التفصيلي ببطلان الصلاة.

إن قلت: بعد جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء تصح الطهارة لا محالة، فلا وجه لدعوى العلم ببطلان الصلاة إذ لا وجه له إلا احتمال ترك الركن فكيف يحصل العلم التفصيلي ببطلانها مع مجرد الاحتمال.

ص: 45

الثامنة و الخمسون: لو كان مشغولا بالتشهد، أو بعد الفراغ منه و شك في أنّه صلّى ركعتين

(الثامنة و الخمسون): لو كان مشغولا بالتشهد، أو بعد الفراغ منه و شك في أنّه صلّى ركعتين و أنّ التشهد في محله، أو ثلاث ركعات و أنّه في غير محله يجري حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث، و ليس عليه سجدتا السهو لزيادة التشهد، لأنّها غير معلومة (88)، و إن كان الأحوط الإتيان بهما أيضا بعد صلاة الاحتياط.

التاسعة و الخمسون: لو شك في شي ء و قد دخل في غيره الذي وقع في غير محله

(التاسعة و الخمسون): لو شك في شي ء و قد دخل في غيره الذي وقع في غير محله، كما لو شك في السجدة من الركعة الأولى أو الثالثة و دخل في التشهد، أو شك في السجدة من الركعة الثانية و قد قام قبل أن يتشهد، فالظاهر البناء على الإتيان، و أنّ الغير أعمّ من الذي وقع في محله (89)، أو كان زيادة في غير المحل، و لكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة أيضا.

(الستون): لو بقي من الوقت أربع ركعات للعصر و عليه صلاة

______________________________

قلت: مرجع العلم الإجمالي إلى أنّه يجب عليه أمران: الوضوء و الصلاة، أو أمر واحد و هو الصلاة فقط، و الأخير معلوم، و الأول مشكوك فتجري قاعدة الفراغ فيه بلا معارض.

(88) هذه المسألة و نظائرها مبنية على أنّ دليل البناء على الأكثر، كما يدل على وجوب البناء عليه و جبر النقص المحتمل بالاحتياط يدل أيضا على ثبوت جميع اللوازم و الملزومات العقلية و الشرعية للأكثر أيضا أو لا يدل عليه، و لا أقلّ من الشك فيه فلا يصح التمسك بإطلاقه و عمومه حينئذ. و ما اشتهر من أنّ الأمارات حجة في لوازمها إنّما هو فيما إذا كانت في البين ملازمة ظاهرة عرفية أو شرعية أو عقلية بحيث يدل اللفظ على الملزوم بالدلالة الالتزامية المعتبرة لا مطلقا حتى فيما إذا شك فيه.

(89) لا دليل على هذا التعميم بل المتفاهم منه عند المتشرعة ما يعد جزءا من الصلاة، و ما وجب إلقاؤه و هدمه كيف يعدّ جزءا لها.

ص: 46

الاحتياط من جهة الشك في الظهر، فلا إشكال في مزاحمتها للعصر ما دام يبقى لها من الوقت ركعة، بل و كذا لو كان عليه قضاء السجدة أو التشهد. و أما لو كان عليه سجدتا السهو فهل يكون كذلك أو لا؟

وجهان: من أنّهما من متعلقات الظهر، و من أنّ وجوبهما استقلاليّ و ليستا جزءا أو شرطا لصحة الظهر و مراعاة الوقت للعصر أهم، فتقدم العصر ثمَّ يؤتى بهما بعدها، و يحتمل التخيير (90).

الحادية و الستون: لو قرأ في الصلاة شيئا بتخيّل أنّه ذكر أو دعاء أو قرآن

(الحادية و الستون): لو قرأ في الصلاة شيئا بتخيّل أنّه ذكر أو دعاء أو قرآن، ثمَّ تبيّن أنّه كلام الآدميّ فالأحوط سجدتا السهو، لكن الظاهر عدم وجوبهما (91)، لأنّهما إنّما تجبان عند السهو و ليس المذكور من

______________________________

(90) أما تقديم الظهر على العصر فلأدلة الترتيب، و يكون الاجتزاء بالعصر لقاعدة (من أدرك). و أما تقديم الأجزاء المنسية من الظهر على العصر أيضا، فلجريان حكم الكل على الجزء أيضا إلا ما خرج بالدليل. و أما التخيير فلا وجه له مع فرض كون الوقت للعصر و أهمية مراعاتها.

إن قلت: وجوب سجود السهو فوري، و مقتضى قاعدة «من أدرك ركعة من الوقت ..» توسعة الوقت إلى أن يدرك ركعة من الوقت، فيكون المقام من صغريات مزاحمة المضيق و الموسع.

قلت: مفاد القاعدة كثرة الاهتمام بالصلاة و أنّها أداء مهما أدرك ركعة من الوقت و ليس مفادها نفي التضييق عنها إن بقي من الوقت أربع ركعات، و حينئذ فهما واجبان فوريان اجتمعا على المكلف، و لا ريب أنّ الأهمية للصلاة، مع أنّ إطلاق الموقت المضيق على سجدتي السهو مسامحة إذ ليست موقتة و إنّما تجب فورا ففورا و مثل ذلك لا يزاحم ما كان موقتا مضيقا.

(91) العمد و الخطأ و السهو و سبق اللسان عناوين مختلفة لغة و عرفا و الحكم المترتب على أحدها لا يشمل البقية فيرجع فيها إلى الأدلة الأخرى، فإن صدق تعمد الكلام الآدميّ على ما جي ء به خطأ، فيوجب البطلان، و إن لم يصدق أو

ص: 47

باب السهو. كما أنّ الظاهر عدم وجوبهما في سبق اللسان إلى شي ء.

و كذا إذا قرأ شيئا غلطا من جهة الأعراب أو المادة و مخارج الحروف.

الثانية و الستون: لا يجب سجود السهو فيما لو عكس الترتيب الواجب سهوا

(الثانية و الستون): لا يجب سجود السهو فيما لو عكس الترتيب الواجب سهوا (92)، كما إذا قدم السورة على الحمد و تذكر في الركوع، فإنّه لم يزد شيئا و لم ينقص، و إن كان الأحوط الإتيان معه، لاحتمال كونه من باب نقص السورة، بل مرة أخرى، لاحتمال كون السورة المتقدمة على الحمد من الزيادة.

الثالثة و الستون: إذا وجب عليه قضاء السجدة المنسية أو التشهد المنسيّ

(الثالثة و الستون): إذا وجب عليه قضاء السجدة المنسية أو التشهد المنسيّ، ثمَّ أبطل صلاته أو انكشف بطلانها سقط وجوبه، لأنّه إنّما يجب في الصلاة الصحيحة (93) و أما لو أوجد ما يوجب سجود السهو ثمَّ أبطل صلاته فالأحوط إتيانه، و إن كان الأقوى سقوط وجوبه أيضا.

و كذا إذا انكشف بطلان صلاته، و على هذا فإذا صلّى ثمَّ أعادها

______________________________

شك في الصدق فمقتضى الأصل الصحة و عدم شي ء عليه، و إن قرأ شيئا غلطا من جهة الأعراب أو المادة أو مخارج الحروف فمع تعمّده يوجب البطلان، و مع السهو يوجب سجود السهو، و مع الخطإ تقدم حكمه آنفا، كما تقدم في (فصل القراءة بعض الكلام) فراجع.

(92) للأصل بعد ظهور أدلة وجوبه في حصول نقص الجزء في الصلاة أو زيادته كذلك.

(93) و يجب تكميل نقص الصحيح، و لا معنى لتكميل الفاسد، و احتمال الوجوب النفسي في قضاء الجزء المنسيّ مقطوع بعدمه. و أما سجود السهو فهو و إن كان كفارة لما صنع في الصلاة و وجب لإرغام الشيطان، و لكن المتفاهم عرفا أنّه لما أتى به في الصلاة الصحيحة دون الفاسدة، و لا أقلّ من الشك في شمول دليله لمثل المقام، فلا وجه للتمسك بدليله حينئذ للوجوب.

ص: 48

احتياطا- وجوبا أو ندبا- و علم بعد ذلك وجود سبب سجدتي السهو في كل منهما يكفيه إتيانهما مرة واحدة. و كذا إذا كان عليه فائتة مرددة بين صلاتين أو ثلاث مثلا فاحتاط بإتيان صلاتين أو ثلاث صلوات، ثمَّ علم تحقق سبب السجود في كل منها، فإنّه يكفيه الإتيان به مرة بقصد الفائتة الواقعية، و إن كان الأحوط التكرار بعدد الصلوات.

الرابعة و الستون: إذا شك في أنّه هل سجد سجدة واحدة أو اثنتين أو ثلاث؟

(الرابعة و الستون): إذا شك في أنّه هل سجد سجدة واحدة أو اثنتين أو ثلاث؟ فإن لم يتجاوز محلها بنى على واحدة و أتى بأخرى (94)، و إن تجاوز بنى على الاثنتين و لا شي ء عليه، عملا بأصالة عدم الزيادة، و أما إن علم أنّه إما سجد واحدة أو ثلاثا وجب عليه أخرى ما لم يدخل في الركوع (95)، و إلا قضاها بعد الصلاة و سجد للسهو.

الخامسة و الستون: إذا ترك جزءا من أجزاء الصلاة

(الخامسة و الستون): إذا ترك جزءا من أجزاء الصلاة من جهة

______________________________

(94) لقاعدة الاشتغال.

(95) أما مع بقاء المحل فلقاعدة الاشتغال و كذا مع التجاوز عنه بعد تعارض قاعدة التجاوز في الثانية و أصالة عدم الزيادة و تساقطهما، فمقتضى الأصل الإتيان بها ما لم يدخل في الركوع، و القضاء بعد الدخول فيه، و مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب سجود السهو للزيادة.

و أما ما يقال: بناء على وجوب سجود السهو لكل زيادة و نقيصة بانحلال العلم الإجماليّ إلى العلم التفصيليّ بوجوب سجود السهو عليه فقط، لكونه الأثر المعلوم المشترك لكل من الزيادة و النقيصة و الخصوصيات مشكوكة فتجري فيها القاعدة و الأصل.

ففيه: أنّ الأثر المشترك مترتب على ثبوت كل واحد من الطرفين و مع جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الثانية و أصالة عدم الزيادة بالنسبة إلى الثالثة لا يبقى موضوع للأثر المشترك، كما هو واضح.

ص: 49

الجهل بوجوبه أعاد الصلاة على الأحوط (96)، و إن لم يكن من الأركان نعم، لو كان الترك مع الجهل بوجوبه مستندا إلى النسيان، بأن كان بانيا على الإتيان به باعتقاد استحبابه فنسي و تركه، فالظاهر عدم البطلان (97) و عدم وجوب الإعادة إذا لم يكن من الأركان.

______________________________

(96) إن قلنا بشمول حديث «لا تعاد ..» لصورة الجهل أيضا فلا وجه لوجوب الإعادة، و إلا فلا وجه للاحتياط، لعمومات أدلة جزئية الجزء و إطلاقاتها الشاملة لحالتي العلم و الجهل قصورا و تقصيرا، و قد تقدم الكلام فيما يتعلق بنحو المقام عند بيان حديث «لا تعاد» فراجع.

(97) لعموم ما دل على عدم البطلان بالنسيان الشامل لهذه الصورة أيضا.

ص: 50

فصل في صلاة العيدين

اشارة

(فصل في صلاة العيدين) الفطر و الأضحى و هي كانت واجبة (1) في زمان حضور الإمام (فصل في صلاة العيدين)

______________________________

(1) أما أصل الوجوب في الجملة، فللأدلة الثلاثة:

فمن الكتاب قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى) (1) قال عليه السّلام- في تفسير الآية- «زكاة الفطرة إذا أخرجها قبل صلاة العيد» (2)، و في تفسير عليّ بن إبراهيم وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى قال: قال عليه السّلام: صلاة الفطر و الأضحى» (3)، و عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن قول اللّه عز و جل قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى: «من أخرج الفطرة قال- و ذكر اسم ربّه فصلّى- يروح إلى الجبانة فيصلّي» (4)، و في جملة من تفاسير العامة في قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ أنّ المراد بالصلاة صلاة العيد، و بالنحر نحر الهدي و الأضحية (5)، و يشهد له ما يأتي من الموثقة الأخرى لسماعة.

و من السنة: قول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «صلاة العيدين فريضة» (6). و أما قول أبي جعفر عليه السّلام: «صلاة العيدين مع الإمام سنة» (7) فالمراد بها أصل المشروعية في مقابل الوجوب.

ص: 51


1- سورة الأعلى: 14.
2- راجع تفسير البرهان ج: 4 صفحة: 450 في تفسير آية: 14 من سورة الأعلى.
3- راجع تفسير البرهان ج: 4 صفحة: 451 في تفسير آية: 15 من سورة الأعلى.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث 6.
5- راجع تفسير القرطبي ج: 20 صفحة: 218، و أحكام القرآن للجصاص صفحة: 275.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.

.....

______________________________

و من الإجماع ما عن غير واحد من دعوى إجماع علمائنا عليه.

و أما اشتراط الوجوب بحضور الإمام أو المنصوب من قبله، فهو المشهور، بل عن جمع دعوى الإجماع عليه خلافا لما عن جمع من متأخري المتأخرين من القول بالوجوب في زمن الغيبة أيضا، و في الحدائق نسبه إلى كل من قال بوجوب الجمعة في زمن الغيبة عينا، و استدلوا بإطلاقات الأدلة. و فيه: أنّها لا تدل على أزيد من إفادة أصل الوجوب في الجملة. و أما الشرائط فلا بد و أن تستفاد من أدلة أخرى.

و استدل للمشهور بالأخبار المستفيضة الدالة على نفي صلاة العيدين إلا مع إمام عادل الظاهر في الإمام الأصلي لا مطلق من يؤتم به من الناس.

منها موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا صلاة في العيدين إلا مع الإمام، فإن صلّيت وحدك فلا بأس» (1) فإنّه إن كان المراد مطلق إمام الجماعة لزم التناقض بين صدر قوله عليه السّلام و ذيله، فإنّ محصولها يصير هكذا «لا تصح العيدين إلا بالجماعة و تصح فرادى أيضا» و لا ريب في كونهما متناقضين إن كان مثل هذه الأخبار مسوقة لبيان شرطية الجماعة مطلقا مع مطلق الإمام.

نعم، إن كان المراد بالإمام الإمام المعصوم فلا تنافي بينهما حينئذ، إذ المعنى يصير هكذا إنّ الوجوب مشروط بالجماعة و تصح فرادى أيضا.

إن قلت: نقول بعين ذلك في الإمام غير المعصوم أيضا، فيكون الوجوب مشروطا بالجماعة و تصح فرادى أيضا.

قلت: لا ريب في بطلانه، لأنّه مستلزم لتعلق وجوب الجماعة على إرادتها، فتكون مع إرادتها واجبة، و مع إرادة الفرادى غير واجبة كما لا وجه لحمل النفي على نفي الكمال أي: لا صلاة كاملة إلا مع الإمام و تصح فرادى أيضا- كما «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (2)، لاستلزامه استحبابه جماعة حتى مع الإمام المعصوم عليه السّلام، و تصحان فرادى أيضا، مع أنّ

ص: 52


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام المساجد.

عليه السّلام مع اجتماع شرائط وجوب الجمعة (2)، و في زمان الغيبة

______________________________

تعريف الإمام بالألف و لام العهد قرينة عرفية على الإشارة إلى إمام مخصوص و ليس إلا المعصوم عليه السّلام.

فخلاصة مفاد الأخبار: أنّ صلاة العيدين الواجبة من اللّه تعالى أولا هي التي يؤتى بها مع المنصوب من قبله تعالى، و مع عدم التمكن منه كما في أزمنة صدور الأخبار تكون مشروعة، بل مندوبة فرادى أيضا.

ثمَّ إنّ لسماعة موثقة أخرى عنه عليه السّلام أيضا قال: «قلت له: متى يذبح؟ قال: إذا انصرف الإمام قلت: فإذا كنت في أرض (قرية) ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة فقال: إذا استقلت الشمس، و قال: لا بأس أن تصلّي وحدك «و لا صلاة إلا مع إمام» (1)و هي أيضا دالة على المطلوب، بل صريحة فيه كما لا يخفى.

و قوله عليه السّلام: «إذا استقلت الشمس» يمكن أن يكون بيانا لوقت الذبح في أرض ليس فيها رجوع الإمام من الصلاة و لا ربط له بحكم أصل الصلاة، و يؤيده قول مولانا الباقر عليه السّلام في صحيح ابن مسلم: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السّلام: ألا تخلّف رجلا يصلّي في العيدين فقال عليه السّلام: لا أخالف السنة» (2) و قوله عليه السّلام أيضا لابن ذبيان: «يا عبد اللّه ما من يوم عيد للمسلمين أضحى و لا فطر إلا و هو يجدّد اللّه لآل محمد عليهم السّلام فيه حزنا قال: قلت: و لم؟ قال: إنّهم يرون حقهم في أيدي غيرهم» (3)، و يشهد له أيضا دعاء الصحيفة الكاملة (4) و غيره.

(2) إجماعا كما عن غير واحد مضافا إلى ما ورد من النص في جملة منها

ص: 53


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 6 و في 3- 29.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد حديث: 9.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
4- راجع الدعاء التاسع و الأربعين من الصحيفة السجادية.

مستحبة جماعة و فرادى (3)، و لا يشترط فيها شرائط الجمعة و إن كانت

______________________________

كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلا مع إمام عادل» (1)، و صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «إذا كان القوم خمسة أو سبعة، فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة- الحديث-» (2).

و من ذيله يستفاد المساواة بينهما إلا ما خرج بالدليل، و كذا قوله عليه السّلام:

«الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان» (3)، و كذا غيره مما يستفاد منه أصالة المساواة بينهما إلا ما خرج بالدليل، فيعتبر فيهما الوحدة و الخطبة كما يعتبران في الجمعة.

و يدل عليه قول الرضا عليه السّلام: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أول الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة، لأنّ الجمعة أمر دائم و يكون في الشهور و السنة كثيرا و إذا كثر على الناس ملوا و تركوا و لم يقيموا عليها و تفرقوا عنه، و العيد إنّما هو في السنة مرّتين و هو أعظم من الجمعة و الزحام فيه أكثر، و الناس فيه أرغب فإن تفرق بعض الناس بقي عامتهم» (4).

و قول أبي جعفر عليه السّلام لعليّ عليه السّلام قال: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السّلام: ألا تخلف رجلا يصلّي في العيدين فقال: لا أخالف السنة» (5) و لا يهمّ التعرض للتفصيل بعد عدم دليل على أصل الوجوب في زمان الغيبة، و ظاهرهم عدم الفصل بين المنصوص و غير المنصوص من الشروط.

(3) نسب ذلك إلى أكثر الأصحاب و استدل على صحة الجماعة فيهما تارة: بما عن الراوندي: «من أنّ جمهور الإمامية يصلون هاتين جماعة و عملهم حجة» و فيه: أنّه ليس من الإجماع العمليّ في شي ء و يمكن أن يكون عملهم مستندا إلى اجتهاداتهم التي لا تكون حجة لسائر المجتهدين مع عدم معهودية

ص: 54


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد حديث: 9.

.....

______________________________

الجماعة في الأضحى على ما سمعناه و قال صاحب الحدائق في رده: «ربّ مشهور لا أصل له و ربّ متأصل ليس بمشهور».

و أخرى: بدعوى الإجماع صريحا- كما عن الحلي- و ظاهرا عن المختلف.

و فيه: عدم الاعتبار به مع كثرة الخلاف خصوصا في مقابل النصوص الدالة على أنّ الجماعة بدعة في النافلة.

و ثالثة: بقوله عليه السّلام في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة، فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة، و قال: تقنت في الركعة الثانية قال:

قلت يجوز بغير عمامة؟ قال: نعم، و العمامة أحبّ إليّ» (1).

و فيه: أنّه لا بد من تخصيصه بالجماعة الواجبة إذ العدد غير معتبر في الجماعة المندوبة.

و رابعة: بتقرير الإمام عليه السّلام في الموثقة الثانية لسماعة و هي قال:

«قلت له متى يذبح؟ قال إذا انصرف الإمام، قلت فإذا كنت في أرض (قرية) ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة فقال: إذا استقلت الشمس و قال: لا بأس أن تصلّي وحدك و لا صلاة إلا مع إمام» (2)، و ما في ذيله محمول على صورة وجوبهما إجماعا.

و خامسة: بإطلاق قوله عليه السّلام في مرسل ابن أبي قرة عن الصادق عليه السّلام: «أنّه سئل عن صلاة الأضحى و الفطر فقال عليه السّلام: صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة» (3).

و سادسة: بأنّ أصل تشريعهما جماعة يكفي في صحة الجماعة فيهما، مع عدم وجوبهما، بل لو لا ما دل على صحة الإتيان بهما فرادى لاحتمل قويّا كون

ص: 55


1- الوسائل باب: 39 من أبواب صلاة العيد.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 6 و كذا في باب: 29 حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة العيد حديث: 4.

.....

______________________________

الجماعة من مقوّماتهما و مأخوذة في ماهيتهما.

و استدل على عدم صحتها فيها تارة: بالعمومات الناهية عن إتيان النافلة مع الجماعة.

و فيه: أنّ دعوى عدم شمولها لمثل هذه الصلاة التي شرّعت جماعة قريبة جدّا، بل الظاهر عدم الشمول لما كانت فريضة بالأصل و صارت نفلا بالعرض كما تقدم.

و اخرى: بمفهوم موثق سماعة «فإن صلّيت وحدك فلا بأس» (1) و موثقه الآخر الذي أعرض الإمام عليه السّلام عما سأله عن إتيانه جماعة (2).

و فيه: أنّ المفهوم لا ربط له بالمقام لما تقدم من أنّ المنطوق يدل على اشتراط وجوبها بالإمام المعصوم، و المفهوم لا يدل إلا على جواز فعلها مع فقد شرط الوجوب و لا يدل على اشتراط الانفراد فيها أبدا. و أما موثقة الآخر، فيدل على جواز الجماعة بالتقرير، و على الانفراد بالتصريح و هو قوله عليه السّلام: «لا صلاة في العيدين إلا مع الإمام، فإن صلّيت وحدك فلا بأس»- كما لا يخفى.

و ثالثة: بقول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان قال: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيّب بما وجد و ليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في جماعة» (3).

و فيه: أنّه يدل على الاهتمام بها مهما أمكن بأنّ من لم يدركها بالجماعة يصليها فرادى، فالاستدلال به على جواز الجماعة فيها أولى من العكس كما لا يخفى.

و رابعة: بموثق عمار قال: «قلت له: هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو في بيت؟ قال: لا يؤم بهنّ و لا يخرجن و ليس على النساء خروج» (4).

ص: 56


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 6.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.

.....

______________________________

و فيه: أنّ المنساق خصوصا بملاحظة غيره عدم مطلوبية صلاة العيدين من النساء لا عدم صحة الإمامة فيها، فما في الحدائق- «من أنّا لم نقف لما ذكره الأصحاب من الاستحباب جماعة مع اختلال بعض شروط الوجوب على دليل» ثمَّ استظهر انحصار الاستحباب في الانفراد فقط- مخدوش.

و استدل لصحة الإتيان بهما منفردا تارة: بالعمومات و الإطلاقات المستفاد منها مطلوبيتهما من كل أحد مطلقا بعد فقد شرط الوجوب.

و أخرى: بما تقدم من قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيّب بما وجد و ليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في جماعة».

و ثالثة: بما تقدم من قوله عليه السّلام في موثق سماعة: «لا بأس أن تصلّي وحدك و لا صلاة إلا مع الإمام».

و رابعة: بقوله عليه السّلام أيضا في خبر منصور: «مرض أبي يوم الأضحى فصلّى في بيته ركعتين ثمَّ ضحى» (1).

و خامسة: بخبر محمد بن أبي قرّة عنه عليه السّلام أيضا: أنّه سئل عن صلاة الأضحى و الفطر فقال: صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة» (2)، و مثله مرسل ابن المغيرة (3)، و في خبر الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل لا يخرج في يوم الفطر و الأضحى عليه صلاة وحده؟ قال عليه السّلام:

نعم» (4).

و أما صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الصلاة يوم الفطر و الأضحى فقال: ليس صلاة إلا مع إمام» (5)، و مثله غيره (6) فمحمول على عدم الوجوب لا عدم المشروعية و الندب بقرينة غيره.

ص: 57


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة العيد حديث: 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة العيد حديث: 4.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 4.
6- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 11.

بالجماعة، فلا يعتبر فيها العدد- من الخمسة أو السبعة- و لا بعد فرسخ بين الجماعتين و نحو ذلك (4).

و وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال (5)، و لا قضاء لها لو

______________________________

(4) على المشهور، و ظاهرهم عدم الخلاف في أنّ تلك الشرائط شرائط وجوب العيدين لا أصل صحتهما، و يدل على المشهور إطلاق ما تقدم من موثق سماعة (1)، و صحيح ابن سنان (2)، و خبر ابن أبي قرّة (3)، و عن صاحب الحدائق رحمه اللّه القول بوجوبها في زمان الغيبة أيضا، فتعتبر فيها شرائط الجمعة حينئذ من البعد، و الوحدة و نحو ذلك، و تقدم ما يصلح لمنعه، و الظاهر عدم الفرق في ذلك بين شرط الصحة و شرط الوجوب، إذ يمكن اختلافها باختلاف الوجوب و الندب كما في نية الصوم، فإنّه في الواجب قبل طلوع الفجر، و في المندوب يمتد إلى الغروب، فيسقط اعتبار الخطبة و الوحدة مع الانفراد و لو كانتا شرط الصحة.

(5) إجماعا، و نصّا قال أبو جعفر عليه السّلام: «ليس يوم الفطر و لا يوم الأضحى أذان و لا إقامة أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة» (4).

و في رواية ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم» (5) و لا ينافي اعتباره عدم عمل المشهور بذيله.

ص: 58


1- الوسائل باب: 29 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة العيد حديث: 4.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة العيد حديث: 5.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.

فاتت (6)، و يستحب تأخيرها إلى أن ترتفع الشمس (7)، و في عيد الفطر يستحب تأخيرها أزيد بمقدار الإفطار و إخراج الفطرة (8). و هي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد و سورة (9) و يكبّر خمس تكبيرات عقيب كل تكبيرة قنوت، ثمَّ يكبّر للركوع و يركع و يسجد، ثمَّ يقوم للثانية- و فيها بعد الحمد و سورة- يكبّر أربع تكبيرات و يقنت بعد كل منها ثمَّ يكبّر للركوع و يتم الصلاة، فمجموع التكبيرات فيها اثنتا عشرة (10) سبع تكبيرات في

______________________________

(6) لقول أبي جعفر في صحيح ابن أبي عمير: «و من لم يصلّ مع إمام في جماعة فلا صلاة له و لا قضاء عليه» (1)، مضافا إلى الأصل سواء كانت واجبة أو مندوبة عمدا كان الفوت، أو لعذر- كنسيان و نحوه- و يظهر منهم الإجماع على ذلك كله، و أما خبر البختري: «من فاتته صلاة العيد، فليصلّ أربعا» (2) فشاذ مهجور.

(7) لما عن جمع من القدماء أنّ وقتها انبساط الشمس المحمول على وقت الفضيلة، و يشهد له ما تقدم من خبر سماعة (3) بناء على أحد الاحتمالين.

(8) قال في محكي المدارك: «يستحب تأخير صلاة العيد في الفطر شيئا على الأضحى بإجماع العلماء لاستحباب الإفطار في الفطر قبل خروجه بخلاف الأضحى، فإنّ الأفضل أن يكون إفطاره على شي ء مما يضحي به بعد الصلاة، و لأنّ الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة».

(9) أما كونها ركعتان، فبضرورة المذهب، بل الدين و النصوص المستفيضة بل المتواترة، و أما اعتبار الحمد و السورة، فللإجماع و العمومات و ما يأتي من النصوص الخاصة أيضا.

(10) على الأشهر، بل المشهور رواية و فتوى- كما في الجواهر- و تدل عليه أخبار كثيرة:

ص: 59


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة العيد ذيل حديث: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
3- راجع صفحة: 52- 55.

الأولى- و هي تكبيرة الإحرام و خمس للقنوت و واحدة للركوع- و في الثانية خمس تكبيرات، أربع للقنوت، و واحدة للركوع، و الأظهر

______________________________

منها: ما عن ابن عمار- في حديث-: «و ليس فيهما أذان و لا إقامة تكبّر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة تبدأ فتكبّر و تفتتح الصلاة ثمَّ تقرأ فاتحة الكتاب، ثمَّ تقرأ و الشمس و ضحيها ثمَّ تكبّر خمس تكبيرات، ثمَّ تكبّر و تركع، فيكون تركع بالسابعة و تسجد سجدتين ثمَّ تقوم فتقرأ فاتحة الكتاب، و هل أتيك حديث الغاشية، ثمَّ تكبّر أربع تكبيرات و تسجد سجدتين و تتشهد و تسلّم، قال: و كذلك صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (1)و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «الصلاة قبل الخطبتين، و التكبير بعد القراءة سبع في الأولى و خمس في الأخير» (2).

و منها: صحيح ابن يقطين قال: «سألت العبد الصالح عليه السّلام عن التكبير في العيدين، قبل القراءة أو بعدها؟ و كم عدد التكبير في الأولى و في الثانية و الدعاء بينهما؟ و هل فيهما قنوت أم لا؟ فقال عليه السّلام: تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة تكبّر تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثمَّ يقرأ و يكبّر خمسا و يدعو بينهما، ثمَّ يكبّر أخرى و يركع بها، فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها ثمَّ يكبّر في الثانية خمسا، يقوم فيقرأ ثمَّ أربعا و يدعو بينهنّ، ثمَّ يركع بالتكبيرة الخامسة» (3) و هذه الصحيحة من محكمات أخبار الباب.

و بإزاء هذه الأخبار أخبار أخرى تدل على أنّ التكبيرات في الركعة الأولى قبل القراءة و في الأخيرة بعدها كصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة، و في الأخيرة خمس بعد القراءة» (4) و غيره، و حكى عن ابن الجنيد العمل بها، و لكن أسقطها عن الاعتبار موافقتها للعامة، و هجر الأصحاب لها.

ص: 60


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة العيد حديث: 8.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة العيد حديث: 18.

وجوب القنوتات و تكبيراتها (11) و يجوز في القنوتات كلما جرى على اللسان من ذكر و دعاء- كما في سائر الصلوات (12)- و إن كان الأفضل

______________________________

(11) أما الأولى فنسب إلى الأكثر، بل المشهور، و عن الانتصار دعوى الإجماع عليه، للأمر بها في الأخبار (1)، و عن جمع منهم المحقق في المعتبر، و الفاضل في التحرير استحبابها، للأصل بعد اشتمال الأخبار على الأعم من الواجب و المندوب، مع التعبير في بعضها بلفظ «ينبغي» (2) الظاهر في الاستحباب. و فيه: أنّه لا وجه للتمسك بالأصل مع الدليل، و الأمر ظاهر في الوجوب ما لم يدل دليل على الخلاف، و لفظ «ينبغي» أعمّ من الاستحباب كما لا يخفى.

و أما الأخيرة، فنسب في الحدائق إلى الأكثر، لظاهر أخبار مستفيضة إن لم تكن متواترة الدالة على الوجوب.

و عن جمع منهم المفيد، و المحقق القول بالندب، لصحيح زرارة (3):

«إنّ عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الصلاة في العيدين فقال: الصلاة فيهما سواء يكبّر الإمام تكبير الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثمَّ يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات، و في الأخرى ثلاثا سوى تكبير الصلاة و الركوع و السجود و إن شاء ثلاثا و خمسا، و إن شاء خمسا و سبعا بعد أن يلحق ذلك إلى وتر» و ظهوره في الندب مما لا ينكر و قريب منه غيره، و لكن موافقتها للعامة، و إعراض الأصحاب عنها أسقطها من الاعتبار.

(12) لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الكلام الذي يتكلم به فيما بين التكبيرتين في العيدين قال عليه السّلام: «ما شئت من الكلام الحسن» (4) و مقتضى الجمع بينه و بين ما تشتمل على أدعية و أذكار

ص: 61


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة العيد حديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة العيد حديث: 19.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة العيد حديث: 17.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.

الدعاء المأثور و الأولى أن يقول (13) في كل منها: «اللهم أهل الكبرياء و العظمة و أهل الجود و الجبروت و أهل العفو و الرحمة و أهل التقوى و المغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا و لمحمد صلّى اللّه عليه و آله ذخرا و شرفا و كرامة و مزيدا أن تصلّي على محمد و آل محمد و أن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا و آل محمد، و أن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا و آل محمد صلواتك عليه و عليهم اللهم إنّي أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون، و أعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون» و يأتي بخطبتين بعد الصلاة (14) مثل ما يؤتى بهما في صلاة الجمعة (15).

و محلهما هنا بعد الصلاة بخلاف الجمعة فإنّهما قبلها (16)

______________________________

خاصة (1) حمل الأخيرة على الأفضلية كما هو العادة في جميع المسائل الفقهية.

(13) لما ذكره الشيخ الطوسي في المصباح، لكن بزيادة لفظ «أنت» بعد «اللهم» و إسقاط «شرفا و كرامة» بعد «ذخرا» و قبل «مزيدا» و قد وردت روايات أخرى فراجع الوسائل (2)، و الأمر سهل بعد ما تقدم من صحيح ابن مسلم.

(14) إجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين، و نصوصا مستفيضة (3)، أو متواترة كما في الجواهر و غيره.

(15) لأنّه المنساق من الأدلة خصوصا قول مولانا الرضا عليه السّلام:

«إنّما جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أول الصلاة و جعلت في العيدين بعد الصلاة- الحديث-» (4) الظاهر في اتحادهما، و في الجواهر: «و كيفية الخطبة كما في الجمعة، و في المعتبر: عليه العلماء لا أعرف فيه خلافا».

(16) لما يأتي في (فصل صلاة الجمعة).

ص: 62


1- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة العيد حديث: 4.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة العيد حديث: 12.

و لا يجوز إتيانهما هنا قبل الصلاة (17) و يجوز تركهما في زمان الغيبة و إن كانت الصلاة بجماعة (18) و لا يجب الحضور عندهما (19) و لا الإصغاء إليهما (20) و ينبغي أن يذكر في خطبة عيد الفطر ما يتعلق بزكاة الفطرة من الشروط و القدر و الوقت لإخراجها و في خطبة الأضحى ما يتعلق بالأضحية (21).

مسألة 1: لا يشترط في هذه الصلاة سورة مخصوصة بل يجزي كل سورة

(مسألة 1): لا يشترط في هذه الصلاة سورة مخصوصة بل يجزي كل سورة. نعم، الأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الشمس، و في الثانية سورة الغاشية، أو يقرأ في الأولى سورة سبح اسم و في الثانية سورة الشمس (22).

______________________________

(17) لأنّه بدعة محرّمة.

(18) لما حكي عن المعتبر من الإجماع على استحبابها في زمان الغيبة.

أقول: و لا فرق فيه بين كونها شرط الوجوب أو الصحة كما مر.

(19) للأصل بعد عدم دليل عليه في زمن الغيبة.

(20) لما في المدارك من أنّه مجمع عليه بين المسلمين.

(21) للتأسّي بأمير المؤمنين عليه السّلام في الخطب المأثورة منه (1)، و يشهد له الاعتبار أيضا.

(22) أما الأول، فللإطلاقات، و العمومات، و أما الثاني، فلخبر معاوية ابن عمار الدال على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صنع ذلك (2). و أما الأخير، فلخبر أبي الصباح الكناني (3)، و حيث إنّ الحكم ندبيّ يصح الكل مع الاختلاف في الفضيلة.

ص: 63


1- راجع مستدرك الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة العيد حديث: 9.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة العيد حديث: 5.

مسألة 2: يستحب فيها أمور

(مسألة 2): يستحب فيها أمور:

(الأول): الجهر بالقراءة للإمام و المنفرد (23).

(الثاني): رفع اليدين حال التكبيرات (24).

(الثالث): الإصحار بها إلا في مكة فإنّه يستحب الإتيان بها في مسجد الحرام (25).

(الرابع): أن يسجد على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه (26).

______________________________

(23) لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كان يجهر بالقراءة فيها كما يجهر في الجمعة» (1) المحمول على الندب إجماعا.

(24) لرواية يونس قال: «سألته عن تكبير العيدين أ يرفع يده مع كل تكبيرة أم يجزيه أن يرفع يديه في أول التكبير؟ فقال: «يرفع مع كل تكبيرة» (2).

(25) للإجماع، و خبر محمد: «السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام» (3) و مثله مرفوعة ابن يحيى (4).

(26) لمزيد إظهار التذلل للّه جلّ جلاله، و قد ورد في صحيح ابن الوليد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يخرج حتى ينظر إلى آفاق السماء و قال: لا تصلينّ يومئذ على بساط و لا بارية- يعني في صلاة العيدين-» (5)، و قوله عليه السّلام أيضا: «و لا يصلّي على حصير و لا يسجد عليه و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخرج إلى البقيع فيصلّي بالناس» (6) المحمول على الندب إجماعا، و في الرّضوي: «فابرز تحت السماء و قم على

ص: 64


1- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد حديث: 3.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد حديث: 8.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد حديث: 12.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد حديث: 6.

) (الخامس): أن يخرج إليها راجلا حافيا مع السكينة و الوقار (27).

(السادس): الغسل قبلها (28).

(السابع): أن يكون لابسا عمامة بيضاء (29).

(الثامن): أن يشمّر ثوبه إلى ساقه.

(التاسع): أن يفطر في الفطر قبل الصلاة بالتمر و أن يأكل من لحم الأضحية في الأضحى بعدها (30).

______________________________

الأرض و لا تقم على غيرها» (1).

(27) للتأسي بالمعصوم عليه السّلام خصوصا مولانا الرضا عليه السّلام (2)، و لأنّه أبلغ في التذلل و المسكنة للّه تعالى، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «أنّه ما يركب في عيد و لا جنازة قط» (3).

و عن عليّ عليه السّلام: «أنّه كان يمشي في خمس مواطن حافيا، فيعلق نعله بيده اليسرى و كان يقول: «إنّها مواطن للّه تعالى- فأحب أن أكون فيها حافيا يوم الفطر، و يوم النحر، و يوم الجمعة، و إذا عاد مريضا، و إذا شهد جنازة» (4)، مع أنّ في ذلك إظهار المسكنة و التذلل للّه تعالى و هو مطلوب في كل حال خصوصا في هذه الأحوال.

(28) تقدم وجهه في الثالث من (فصل الأغسال المندوبة) (5) فراجع.

(29) للتأسي بمولانا الرضا عليه السّلام، و كذا في تشمير الثوب إلى الساق (6).

(30) للنص، و الإجماع قال أبو جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة قال:

ص: 65


1- مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة العيد حديث: 3.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب الدفن حديث: 2.
4- مستدرك الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة العيد حديث: 3.
5- راجع الجزء: 4 صفحة: 287.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.

(العاشر): التكبيرات عقيب أربع صلوات في عيد الفطر أولها المغرب من ليلة العيد و رابعها صلاة العيد (31) و عقيب عشر صلوات في الأضحى إن لم يكن بمنى أولها ظهر يوم العيد، و عاشرها صبح اليوم الثاني عشر، و إن كان بمنى فعقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر يوم العيد و آخرها صبح اليوم الثالث عشر (32).

______________________________

«لا تخرج يوم الفطر حتّى تطعم شيئا و لا تأكل يوم الأضحى شيئا إلا من هديك و أضحيتك، و إن لم تقو فمعذور» (1)المحمول على الندب إجماعا.

(31) لقول الصادق عليه السّلام لسعيد النقاش: «أما إنّ في الفطر تكبيرا، و لكنّه مسنون، قال: قلت: و أين هو؟ قال: في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة، و في صلاة الفجر، و في صلاة العيد ثمَّ يقطع» (2) و نسب إلى السيد رحمه اللّه القول بوجوبها، لاشتمال خبر الأعمش على لفظ الوجوب «و التكبير في العيدين واجب» (3)، و كذا خبر فضل بن شاذان (4) و فيه: أنّه يمكن أن يراد به شدّة تأكد الاستحباب بقرينة خبر النقاش، و دعوى:

الإجماع على عدم الوجوب.

و عن الصدوق ضمّ صلاة الظهرين إلى هذه الأربع صلوات، لاشتمال خبري الأعمش، و الفضل، ففي الأول «و التكبير في العيدين واجب، أما في الفطر ففي خمس صلوات»، و كذا في الثاني «و التكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات و يبدأ في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر» و لا بأس بالحمل على بعض مراتب الاستحباب.

(32) للنص، و الإجماع، و في صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى

ص: 66


1- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة العيد حديث: 5.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة العيد حديث: 6.

و كيفية التكبير (33) في الفطر أن يقول «اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر اللّه أكبر و للّه الحمد اللّه أكبر على ما هدانا» و في الأضحى يزيد على ذلك: «اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام و الحمد للّه على ما أبلانا».

______________________________

عليه السّلام قال: «سألته عن التكبير أيام التشريق أ واجب هو أم لا؟ قال:

يستحب، فإن نسي فليس عليه شي ء» (1)، فما في مثل موثق عمار- قال:

«سألته عن التكبير، فقال: واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق» (2)- محمول على تأكد الاستحباب، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين من كان بمنى أم لا، فما نسب إلى السيد من القول بالوجوب مطلقا، و إلى جمع منهم الشيخ من وجوبه على من كان بمنى لا وجه له.

و أما التفصيل في العدد بين من كان بمنى و غيره، ففي الجواهر: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصّا و فتوى، بل في الانتصار و الخلاف، و الغنية و المنتهى و التذكرة و ظاهر المعتبر على ما حكي عن بعضها الإجماع عليه. نعم، في صحيح معاوية قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: التكبير في أيام التشريق لأهل الأمصار، فقال: يوم النحر صلاة الظهر إلى انقضاء عشر صلوات، و لأهل منى في خمس عشرة صلاة فإن أقام إلى الظهر و العصر كبّر» (3)- إلى أن قال-:

«و أما تلك الزيادة فلا بأس بها بعد التسامح و إن كنت لم أجد مصرّحا بها إلا أنّها ليست بذلك التأكد».

(33) اختلفت الأخبار، و كلمات الفقهاء رحمهم اللّه فيها و الأولى الاقتصار على بعض ما ورد في النصوص، و ما في المتن موافق لما في أمالي الصدوق (4).

ص: 67


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة العيد حديث: 10.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة العيد حديث: 12.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة العيد حديث: 8.
4- راجع التكبيرات الواردة في الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة العيد حديث: 6، و كذا في باب: 21.

مسألة 3: يكره فيها أمور

(مسألة 3): يكره فيها أمور:

(الأول): الخروج مع السلاح إلا في حال الخوف (34).

(الثاني): النافلة قبل صلاة العيد و بعدها إلى الزوال إلا في مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، فإنّه يستحب صلاة ركعتين في مسجدها قبل الخروج إلى الصلاة (35).

(الثالث): أن ينقل المنبر إلى الصحراء، بل يستحب أن يعمل هناك منبر من الطين (36).

______________________________

(34) لما في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: «نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يخرج السلاح في العيدين إلا أن يكون عدوّ حاضر» (1).

(35) لقول الصادق عليه السّلام في صحيح زرارة: «صلاة العيدين مع الإمام سنة و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلا الزوال» (2)، و عنه عليه السّلام في خبر الهاشمي قال: «ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا في المدينة، قال: تصلّي في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى، ليس ذلك إلا بالمدينة لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعله» (3)، و ظاهرهم الاتفاق عليه.

(36) للإجماع، و النص، فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح إسماعيل بن جابر قال: «قلت له: أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة؟

قال: ليس فيهما أذان و لا إقامة، و ليكن ينادى الصلاة ثلاث مرّات، و ليس فيهما منبر، المنبر لا يحول من موضعه، و لكن يصنع للإمام شبيه المنبر من طين، فيقوم عليه فيخطب للناس ثمَّ ينزل» (4).

ص: 68


1- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة العيد.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة العيد حديث: 10.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة العيد حديث: 1 و في باب: 33 منها.

(الرابع): أن يصلي تحت السقف (37).

مسألة 4: الأولى بل الأحوط ترك النساء لهذه الصلاة

(مسألة 4): الأولى بل الأحوط ترك النساء لهذه الصلاة إلا العجائز (38).

مسألة 5: لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة ما عدا القراءة من الأذكار و التكبيرات

(مسألة 5): لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة ما عدا القراءة من الأذكار و التكبيرات و القنوتات كما في سائر الصلوات (39).

______________________________

أقول: يحتمل أن يكون المنع عن تحريك المنبر عن موضعه، لكونه وقفا فلا يجوز حينئذ لا أن يكون مكروها. نعم، يكفي في الكراهة دعوى الإجماع عليه.

(37) لقول الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي أن تصلّي صلاة العيدين في مسجد مسقف و لا في بيت، إنّما تصلّي في الصحراء أو في مكان بارز» (1) و لعل ذلك لأجل التفأل بالبروز، و المعرضية لرحمة اللّه تعالى و هو أجلّ من أن يخيب من يتعرّض لرحمته.

(38) لخبر محمد بن شريح قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خروج النساء في العيدين، فقال: لا إلا العجوز عليها منقلاها، يعني الخفين» (2)، و هو مع قصور سنده قاصر عن إثبات الحرمة.

و أما قول عليّ عليه السّلام: «لا تحبسوا النساء من الخروج إلى العيدين فهو عليهنّ واجب» (3)فضعيف سندا، و مهجور عند الأصحاب، مع أنّه يمكن أن يكون الخروج لأمر آخر لازم لا للصلاة، و إلّا لقال: «فهي»، و يشهد له قول الصادق عليه السّلام: «لا بأس بأن تخرج النساء للعيدين للتعرض للرزق» (4)، مع أنّ العادة شاهدة على أنّ في خروجهن في الأعياد مظنة للفساد.

(39) للأصل، فما نسب إلى الذكرى من احتمال التحمل لا وجه له و لا

ص: 69


1- راجع الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة العيد حديث: 3.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة العيد حديث: 5.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة العيد حديث: 4.

مسألة 6: إذا شك في التكبيرات و القنوتات بنى على الأقل

(مسألة 6): إذا شك في التكبيرات و القنوتات بنى على الأقل (40) و لو تبيّن بعد ذلك أنّه كان آتيا بها لا تبطل صلاته.

مسألة 7: إذا أدرك مع الإمام بعض التكبيرات يتابعه فيه و يأتي بالبقية بعد ذلك

(مسألة 7): إذا أدرك مع الإمام بعض التكبيرات يتابعه فيه و يأتي بالبقية بعد ذلك و يلحقه في الركوع (41). و يكفيه أن يقول بعد كل تكبير: «سبحان اللّه» أو «الحمد للّه» و إذا لم يمهله فالأحوط الانفراد (42) و إن كان يحتمل كفاية الإتيان بالتكبيرات ولاء و إن لم يمهله أيضا فله أن يترك و يتابعه في الركوع، كما يحتمل (43) أن يجوز لحوقه إذا أدركه و هو راكع، لكنه مشكل، لعدم الدليل على تحمل الإمام لما عدا القراءة.

مسألة 8: لو سها عن القراءة أو التكبيرات أو القنوتات كلا أو بعضا لم تبطل صلاته

(مسألة 8): لو سها عن القراءة أو التكبيرات أو القنوتات كلا أو بعضا لم تبطل صلاته. نعم، لو سها عن الركوع أو السجدتين أو تكبيرة الإحرام بطلت (44).

______________________________

يجب المطابقة بين الإمام و المأموم في الأدعية و الأذكار، فيصح أن يختار كل منهما غير ما يختاره الآخر.

(40) للأصل ما لم يتجاوز المحل و إلا فلا يعتني بشكه، لقاعدة التجاوز، و أما عدم بطلان الصلاة لو تبيّن كونه آتيا بها، فلحديث «لا تعاد الصلاة».

(41) كما تقدم في صلاة الجماعة. و أما صحة الاقتصار على التسبيح و التحميد، فلأهمية المتابعة من الذكر، بل يجوز له الترك أصلا و اللحوق بالإمام بناء على الاستحباب.

(42) لم يعلم وجه هذا الاحتياط.

(43) لما دل عليه في الجماعة الشامل للمقام أيضا من غير دليل على الخلاف، و لا وجه لإشكاله رحمه اللّه فيكون المقام كما إذا لحق بالإمام في ركوع الأخيرتين من الظهرين أو العشاء و لا إشكال في صحة ذلك.

(44) لحديث «لا تعاد» في كل من المستثنى و المستثنى منه و قد تقدم في

ص: 70

مسألة 9: إذا أتى بموجب سجود السهو، فالأحوط إتيانه

(مسألة 9): إذا أتى بموجب سجود السهو، فالأحوط إتيانه.

و إن كان عدم وجوبه في صورة استحباب الصلاة، كما في زمان الغيبة لا يخلو عن قوة (45)، و كذا الحال في قضاء التشهد المنسيّ، أو السجدة المنسية.

مسألة 10: ليس في هذه الصلاة أذان و لا إقامة

(مسألة 10): ليس في هذه الصلاة أذان و لا إقامة. نعم، يستحب أن يقول المؤذن: الصلاة ثلاثا (46).

مسألة 11: إذا اتفق العيد و الجمعة

(مسألة 11): إذا اتفق العيد و الجمعة، فمن حضر العيد و كان نائيا عن البلد كان بالخيار بين العود إلى أهله و البقاء لحضور الجمعة (47).

______________________________

(فصل تكبيرة الإحرام) أنّ تركها عمدا أو سهوا يوجب البطلان، فراجع.

(45) بناء على شمول ما دل على أنّه لا يجب سجود السهو في النافلة لمثل هذه الصلاة التي كانت واجبة ذاتا أيضا، و لكنه مشكل.

(46) بلا خلاف فيه بين العلماء، و يدل عليه أيضا ما تقدم من صحيح إسماعيل بن جابر.

(47) لصحيح الحلبي: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطر و الأضحى، إذا اجتمعا يوم الجمعة، فقال: اجتمعا في زمان عليّ عليه السّلام فقال: من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت، و من قعد فلا يضرّه، و ليصلّ الظهر، و خطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد و خطبة الجمعة» «1» و مثله غيره.

أقول: المراد من القعود عدم الإتيان، و يدل عليه الإجماع أيضا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.

ص: 71

فصل في صلاة الجمعة

اشارة

(فصل في صلاة الجمعة) (1))

فصل في كيفيتها و وقتها

مسألة 1: الجمعة ركعتان

(مسألة 1): الجمعة ركعتان كالصبح- يسقط معها الظهر (1).

مسألة 2: يستحب فيها الجهر بالقراءة

(مسألة 2): يستحب فيها الجهر بالقراءة (2)، و قنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعده (3).

مسألة 3: أول وقتها زوال الشمس

(مسألة 3): أول وقتها زوال الشمس، و يخرج إذا صار ظل (فصل في صلاة الجمعة)

______________________________

(1) بضرورة الدّين، فالجمعة ظهر في يوم الجمعة و تقوم الخطبتان مكان الركعتين من الظهر، و تدل عليه نصوص كثيرة يأتي التعرض لبعضها.

(2) للنصوص المستفيضة، منها: قول أبي جعفر في صحيح زرارة:

«و القراءة فيها بالجهر» (2)- و مثله غيره- المحمول على الندب إجماعا.

(3) لقول الصادق عليه السّلام في صحيح أبي بصير: «كل قنوت قبل الركوع إلا في الجمعة فإنّ الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع و الأخيرة بعد الركوع» (3). و أما مثل قوله عليه السّلام: «إنّ القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى» (4) لا ينافي ما هو نصّ في التعدد مع تعيين محله، فلا بد و أن يحمل على الأفضلية.

ص: 72


1- من إضافات سيدنا الوالد- دام ظله- إلى ما قبل (فصل في صلاة ليلة الدفن).
2- الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث، 12.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب القنوت حديث، 6.

كل شي ء مثله (4)، و لو خرج الوقت و هو فيها أتمّها إماما كان أو مأموما (5).

______________________________

(4) أما الأول: فلأخبار مستفيضة: منها: قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن مسكان: «وقت صلاة الجمعة عند الزوال» (1)، و مثله غيره.

و أما الثاني: فقد نسب إلى الأكثر، و عن غير واحد دعوى الشهرة عليه، و عن المنتهى دعوى الإجماع عليه. و تدل عليه النصوص الظاهرة في أنّه ليس لها إلا وقت واحد حين تزول الشمس مثل قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «إنّ من الأمور أمورا مضيقة و أمورا موسعة، و إنّ الوقت وقتان، و الصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و ربما أخر إلا صلاة الجمعة، فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيق إنّما لها وقت واحد حين تزول، و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام» (2) فإنّه بعد حملها على الضيق العرفي لا الحقيقي الدقي تدل على المطلوب.

و يمكن إرجاع ما عن ابن زهرة، و أبي الصلاح من أنّ وقتها من الزوال بمقدار ما يسع للأذان و الخطبة و صلاة الجمعة إلى ذلك أيضا كإمكان إرجاع ما عن المجلسيين رحمهما اللّه من تحديد وقتها إلى أن يبلغ الظل الحادث قدمين إليه أيضا، لأنّ مراد الكل هو التحديد العرفي بحسب حال نوع المصلّين لا الدقي العقلي الذي يخالف سهولة الشريعة و قد تقدم في (فصل الأوقات) ما يتعلق بالمقام فراجع.

(5) كما صرّح به جماعة منهم المحقق رحمه اللّه، و عن ظاهر بعض الإجماع عليه، و ظاهرهم عدم الفرق بين الإمام و المأموم، و لا بين إدراك ركعة من الوقت أو مجرد التلبس بها فيه، و هذا هو الذي يقتضيه التسهيل في هذه الصلاة التي حث الشارع على وجوب اجتماع الناس و ازدحامهم عليها من كل

ص: 73


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5 و 11.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 3.
مسألة 4: تفوت الجمعة بفوات الوقت

(مسألة 4): تفوت الجمعة بفوات الوقت، فيجب إتيان الظهر حينئذ، و لا يجزي إتيان الجمعة بعد الوقت و لا قضاء لها (6).

مسألة 5: من وجبت عليه الجمعة عينا، فصلّى الظهر لا تجزي عنه

(مسألة 5): من وجبت عليه الجمعة عينا، فصلّى الظهر لا تجزي عنه و وجب عليه السعي إلى الجمعة فإن أدركها فهو و إلا أعاد الظهر و لم يجتزئ بالأول (7).

مسألة 6: إذا علم أنّ الوقت يسع لأقل الواجب من الجمعة وجب الإتيان بها

(مسألة 6): إذا علم أنّ الوقت يسع لأقل الواجب من الجمعة وجب الإتيان بها، و إن علم أنّ الوقت لا يسع له وجب عليه الظهر (8).

مسألة 7: من لم يحضر الخطبة في أول الصلاة و أدرك مع الإمام ركعة صحت جمعته

(مسألة 7): من لم يحضر الخطبة في أول الصلاة و أدرك مع الإمام ركعة صحت جمعته، و كذا من أدرك الإمام راكعا. و لو كبّر و ركع ثمَّ شك في أنّ الإمام كان راكعا أو رافعا رأسه، فالأحوط إتمامها ثمَّ الإتيان بالظهر (9).

______________________________

ناحية. و عن جمع الاختصاص بالأول، و نسبه في جامع المقاصد إلى المعظم، و لكن النسبة إلى المعظم في مقابل دعوى الإجماع على الخلاف مشكل.

(6) إجماعا، و نصّا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر الحلبي: «فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا» (1) و إطلاقه يشمل عدم إجزاء الجمعة لو أتى بها بعد الوقت.

(7) لأنّه كان مكلّفا بها. نعم، لو ظهر بعد الإتيان بالظهر فقد شرط من شروط وجوب الجمعة عليه واقعا، فالأقوى صحة الاجتزاء بما أتى بها من الظهر و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.

(8) أما الأول، فلعموم دليل وجوبها. و أما الثاني، فلعدم التكليف بها رأسا حينئذ، و يأتي في المسألة اللاحقة ما ينفع المقام.

(9) أما الأول، فللإجماع بقسميه، و جملة من الأخبار منها قول الصادق

ص: 74


1- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 3.

.....

______________________________

عليه السّلام في الصحيح: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة و إن فاتته فليصلّ أربعا» (1).

و أما الثاني فللأخبار المستفيضة: منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» (2).

و أما الأخير فقد تقدم حكمه في [مسألة 25] من (فصل الجماعة) فراجع.

ص: 75


1- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2.

فصل في شرائط وجوب الجمعة

اشارة

(فصل في شرائط وجوب الجمعة) و هي خمسة:

الأول: الإمام أو من نصبه الإمام

(الأول): الإمام أو من نصبه الإمام (1).

(فصل في شرائط وجوب الجمعة)

______________________________

(1) لا ريب في وجوب أصل الجمعة في الجملة بالأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ (1)، و من السنة نصوص متواترة تأتي الإشارة إلى بعضها، و أما الإجماع، فليس بين المسلمين خلاف في ذلك إنّما الخلاف في جهات:

الجهة الأولى: هل هي واجب مطلق- كوجوب صلاة العصر مثلا- حتى يجب على كل مكلف تحصيل شرائطها، أو واجب مشروط ببسط يد المعصوم عليه السّلام حتى لا يجب على الناس بدون حصول شرطه؟.

الجهة الثانية: بناء على الاشتراط ببسط يد المعصوم عليه السّلام هل تكون مشروعة مع فقد هذا الشرط أو لا؟.

الجهة الثالثة: بناء على المشروعية هل تسقط بإتيانها صلاة الظهر أو لا؟.

أما الجهة الأولى: فالمشهور اشتراطها بإذنه عليه السّلام و عدم الوجوب العينيّ لها.

و استدلوا عليه أولا: بأنّ مقتضى الأصل عدم الوجوب مطلقا إلا فيما هو المتيقن من مورد الأدلة و هو صورة بسط اليد.

ص: 76


1- سورة الجمعة: 9.

.....

______________________________

و ثانيا: بالإجماعات المدعاة على الاشتراط التي يقطع منها برأي المعصوم.

و ثالثا: بالسيرة المستمرّة من الفقهاء الأساطين على عدم الإتيان التي اعترف بها من ذهب إلى الوجوب العينيّ أيضا.

و رابعا: أنّه لم ينقل أحد مواظبة أحد من المعصومين عليهم السّلام في زمان عدم بسط يدهم و لا أحد من أصحابهم على هذه الفريضة و لا وجه لذلك مع كونها من الفرائض العينية كما هو واضح.

و خامسا: استقرار سيرة النبي صلى اللّه عليه و آله و الخلفاء من بعده على تعيين شخص لإمامة الجمعة، كما كانوا يعيّنون شخصا لمنصب القضاء، فلو كانت فريضة عينية على كل شخص لما استقرت السيرة على اختصاص إقامتها بشخص خاص، بل تستقر على إقامتها في كل محل و يسعون في تحصيل شرائطها كما يكون كذلك بالنسبة إلى سائر الفرائض.

و سادسا: ظاهر جملة من الأخبار عدم الوجوب العينيّ لها منها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجمعة فقال عليه السّلام: تجب على كل من كان منها على رأس فرسخين، فإن زاد على ذلك فليس عليه شي ء» (1)، و قوله عليه السّلام أيضا في صحيح الفضل بن عبد الملك قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين» (2)، عن عليّ عليه السّلام: «لا جمعة، إلا في مصر تقام فيه الحدود» (3).

و في موثق ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم، أ يصلون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: نعم، إذا لم يخافوا» (4) إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في نفي الوجوب العيني،

ص: 77


1- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.

.....

______________________________

و أنّها من المناصب الخاصة، فإنّها لو كانت من الواجبات العينية لم يكن وقع لهذا السؤال و لا لجواب الإمام عليه السّلام بل وجب على الناس تحصيل شرائطها من الإمام و الخطبة كفاية، و احتمال حمل مثل هذه الأخبار على صورة عدم التمكن أو على التقية خلاف ظاهرها خصوصا مثل موثّق سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: أما مع الإمام فركعتان، و أما لمن صلّى وحده فهي أربع ركعات، و إن صلوا جماعة»(1)، فإنّها كالنص في عدم الوجوب العيني.

و منها: ما تدل على أنّ للإمام عليه السّلام أن يرخص الناس في ترك الجمعة إن اجتمعت مع أحد العيدين، لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر الحلبي: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطر و الأضحى، إذا اجتمعا في يوم الجمعة، فقال عليه السّلام: اجتمعا في زمان عليّ عليه السّلام فقال: من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت، و من قعد فلا يضرّه، و ليصلّ الظهر- الحديث-» (2) و لا وجه لمثل هذه الأخبار مع الوجوب العينيّ أبدا.

و منها: الأخبار الدالة على أنّ الجمعة من مناصب الإمام عليه السّلام كقولهم: «لنا الخمس و لنا الأنفال و لنا الجمعة و لنا صفو المال» (3) و لو كانت مثل فريضة المغرب و العشاء بطلت هذه التعبيرات خصوصا مثل النبويّ «الجمعة، و الحكومة لإمام المسلمين»(4).

و خلاصة الكلام أنّه قد دلت الروايات (5) على أنّ الخطبتين بدل عن الركعتين من الظهر، و مقتضى الأصل عدم سقوط المبدل إلا بدليل صريح و لا دليل كذلك يدل على التعيين.

ص: 78


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 8.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
3- وردت الرواية في رسالة الفاضل ابن عصفور.
4- وردت الرواية عن الأشعثيات أو الجعفريات كما في الكتب الفقهية.
5- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2. و غيره.

.....

______________________________

و استدل على الوجوب العينيّ تارة: بقوله تعالى إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ (1). و فيه: أنّه مع قرب احتمال أن يكون المنادي منصوبا من قبل المعصوم عليه السّلام لا وجه للاستدلال بإطلاقه، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و أخرى: بالمستفيضة الدالة على وجوب الجمعة، منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «الجمعة واجبة على من إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة» (2).

و فيه: أنّها لا تدل على أزيد من أصل الوجوب، و أما كيفية الوجوب و أنّه تخييريّ أو تعيينيّ و أنّ الإذن هل يكون شرطا للوجوب أو للصحة؟ فلا يستفاد شي ء من ذلك من مثل هذه الإطلاقات خصوصا مع ملاحظة سائر الروايات، حيث إنّ في بعضها قرائن على الاستحباب كصحيح زرارة قال: «حثنا أبو عبد اللّه عليه السّلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: لا، إنّما عنيت عندكم»(3)لأنّ الحث و الترغيب لا يكون إلا في المندوبات غالبا، مع ظهوره في أنّ زرارة لم يكن يواظب عليها، و إشعار «ظننت أنّه يريد ..» أنّها من وظائف الإمام، و مثله قول أبي جعفر عليه السّلام في موثق عبد الملك: «مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها اللّه قال: قلت كيف أصنع؟

قال: صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة» (4)، فإنّ ظهوره في أنّه كان لم يواظب على إتيانها مما لا ينكر و كان تلهف الإمام عليه السّلام على أنّ أصحابه لا يوفقون لهذه الفريضة لعدم بسط يده عليه السّلام.

إن قلت: قد ثبت الإذن لنواب الغيبة بمثل قوله عليه السّلام: «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا، فإنّهم حجتي عليكم- الحديث- (5)فتجب حينئذ.

ص: 79


1- سورة الجمعة: 9.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.

.....

______________________________

قلت: الإذن في إقامتها و إقامة الحدود ملازم لبسط اليد عرفا، و مع عدمه في الإذن فكيف بالمأذون لا وجه له أصلا كما هو معلوم لدى الخبير.

ثمَّ إنّ لبسط اليد مراتب متفاوتة جدا و ليس صرف وجوده موجبا لثبوت الوجوب العينيّ، و المنساق منه ما كان للنبيّ صلى اللّه عليه و آله في زمان حياته و لم يتفق ذلك لعليّ عليه السّلام في زمان خلافته الظاهرية، لعدم تمكنه عليه السّلام من إزالة جملة من البدع، فما حال أولاده المعصومين عليهم السّلام فضلا عن فقهاء عصر الغيبة؟!!.

ثمَّ إنّه لو تمكن فقيه من تحصيل بسط اليد بالتوسل إلى حاكم الجور هل يجب عليه ذلك، و هل تجب الجمعة بعد ذلك؟ مقتضى الأصل العدم بعد انصراف الأدلة عنه فتأمل، فإنّ المسألة غير منقحة، بل غير مذكورة في كلامهم.

أما الجهة الثانية: فالمشهور جوازها، بل استحباب الإتيان بها لمثل ما تقدم من صحيح زرارة، و موثق عبد الملك، و عن جمع من القدماء و المتأخرين الحرمة لأنّها عبادة توقيفية تقصر الأدلة الواردة عن إثبات شرعيتها بلا إذن منهم عليهم السّلام.

و فيه: أنّ مثل ما تقدم من صحيح زرارة و موثق عبد الملك يكفي في الجواز، فالحرمة بلا دليل و ما استدل به لها عليل، و نعم ما قال في الجواهر:

«إنّ القول بالوجوب و الحرمة إفراط و تفريط» فراجع كلامه.

أما الجهة الثالثة: فمقتضى قاعدة الاحتياط، و ما هو المشهور- من أصالة الاحتياط في دوران الأمر بين التعيين و التخيير- عدم جواز الاكتفاء بصلاة الجمعة مع عدم بسط اليد مطلقا سواء كان في عصر الحضور أم الغيبة إلا مع تصريح خاص من المعصوم بالاكتفاء.

إلا أن يقال: إنّ وجوب هذا الاحتياط إنّما هو مع قطع النظر عن العلم بعدم تشريع صلاتين في ظهر يوم الجمعة، و أما مع ملاحظة هذا العلم القطعي و جواز صلاة الجمعة شرعا فلا يبقى موضوع لوجوب هذا الاحتياط و لذا ذهب جمع من الفقهاء إلى أولوية الاحتياط و رجحانه. مع أنّ أصل التعيين في دوران الأمر بين التعيين و التخيير محل البحث و إن نسب ذلك إلى المشهور.

ص: 80

الثاني: العدد
اشارة

(الثاني): العدد و هو خمسة أحدهم الإمام (2).

______________________________

هذا كله خلاصة ما فصله الفقهاء في هذه المسألة و من أراد التفصيل فليرجع إلى كتبهم التي ألفت في هذه المسألة خصوصا الجواهر، و مصباح الفقيه رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.

(2) أما أصل اعتبار العدد في الجملة، فيدل عليه الإجماع، و النصوص المستفيضة. و أما كفاية الخمسة. فهو الأشهر نقلا و تحصيلا، و عن جامع المقاصد و غيره أنّه المشهور، كما في الجواهر. و عن جمع اعتبار السبعة و منشأ الخلاف اختلاف النصوص.

فمنها: صحيح ابن أبي يعفور: «لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة» (1) و صحيح زرارة: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط: الإمام و أربعة» (2)إلى غير ذلك من الأخبار.

و منها: ما يدل على السبعة كقول الباقر عليه السّلام في صحيح ابن مسلم: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، و لا تجب على أقلّ منهم: الإمام، و قاضيه، و المدعي حقّا، و المدعى عليه، و الشاهدان، و الذي يضرب الحدود بين يدي الإمام»(3)، و لكن صحيح الحلبي شاهد للجمع بين الأخبار قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة» (4).

و كذا صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: على من تجب الجمعة؟ قال: تجب على سبعة نفر من المسلمين و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم» (5) فيدل المجموع على أنّ عقد الجمعة بكل من العددين صحيح، و بسبعة أفضل من الخمسة، و هذا هو الجمع الشائع في الفقه.

ص: 81


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 9.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 4.
مسألة 1: لو نقص العدد في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب

(مسألة 1): لو نقص العدد في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب (3).

مسألة 2: لو دخلوا في الصلاة و لو بالتكبير وجب الإتمام

(مسألة 2): لو دخلوا في الصلاة و لو بالتكبير وجب الإتمام و لو لم يبق إلا واحد (4).

الثالث: الخطبتان
اشارة

(الثالث): الخطبتان (5) و يجب في كل واحدة منهما الحمد للّه، و الصلاة على النبيّ و آله، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة (6).

______________________________

(3) لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط، مضافا إلى ظهور الإجماع. هذا إذا لم يعد بلا فصل عرفا، و إلا فلا يسقط الوجوب ما لم يطل الفصل بل و إن طال لعدم دليل على اعتبار التوالي بين الصلاة و الخطبة، بل مقتضى الأصل العدم إلا إذا كان بحيث يضرّ بالوحدة عرفا، و لكن الأحوط استيناف الخطبة رجاء.

(4) لأنّه شرط في الابتداء عندنا كما في كشف اللثام، و عن بعضهم نفي الخلاف فيه، و قريب منه ما في المدارك، و لكنه مشكل لظهور الأدلة في الشرطية مطلقا حدوثا و بقاء فالأحوط أما الإعادة جمعة مع تحقق الشرائط أو الإعادة ظهرا بعد إتمامها جمعة مع عدم تحققها.

(5) إجماعا، و نصوصا مستفيضة (1) و هما شرط الصحة بخلاف العدد، فإنّه شرط الوجوب، فلا تصح الجمعة و لو مع اجتماع سائر الشرائط بدون الخطبة كما لا تصح الظهر من دون إتيان ركعتين منها.

(6) أما اعتبار الحمد، فتدل عليه- مضافا إلى الإجماع- النصوص القولية و الفعلية، و الأصل فيها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق سماعة: «ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء و الصيف و يتردى ببرد يمنية أو عدني و يخطب بالناس و هو قائم يحمد اللّه و يثني عليه ثمَّ يوصي بتقوى اللّه ثمَّ يقرأ سورة من القرآن صغيرة ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم فيحمد اللّه و يثني عليه

ص: 82


1- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجمعة.
مسألة 3: الأحوط اعتبار العربية فيهما مع الإمكان

(مسألة 3): الأحوط اعتبار العربية فيهما مع الإمكان، و مع عدمه يجزي بأيّ لفظ أمكن في غير القرآن (7).

مسألة 4: يجب تقديمهما على الصلاة

(مسألة 4): يجب تقديمهما على الصلاة، فلو عكس لم تصح (8).

______________________________

و يصلّي على محمد صلى اللّه عليه و آله، و على أئمة المسلمين و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا فرغ من هذا أقام المؤذن فصلّى بالناس ركعتين يقرأ في الأولى بسورة الجمعة، و في الثانية بسورة المنافقين» (1).

و أما الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الخطبة الأولى التي لا ذكر لها في الموثق، فنسب إلى الأكثر، و عن جمع دعوى الإجماع عليه. و أنكر وجوبها السيد رحمه اللّه، لخلوّ الموثق عنها.

و أما الوعظ في الأولى فقد ذكر في الموثق، و نسب إلى المشهور وجوبه في الثانية أيضا.

و أما قراءة سورة صغيرة في الأولى فقد ذكر فيه و نسب إلى المشهور وجوبها في الثانية أيضا، و لا يترك الاحتياط بمتابعة المشهور.

و المناقشة في الموثق باشتماله على جملة من المندوبات فلا وجه، لاستفادة الوجوب منه لا وجه لها، لأنّ استفادة الندب في بعضها إنّما هو لأجل القرائن الخارجية و إلا فهو ظاهر في وجوب الجميع.

(7) نسب اعتبار العربية فيهما إلى المشهور، و لا دليل لهم إلا التأسي و وجوبه في مثل المقام الذي تكون العربية مقتضى ألسنتهم المباركة عليهم السّلام مشكل، بل ممنوع.

(8) و يدل على التقديم مضافا إلى الإجماع نصوص مستفيضة قولية و فعلية (2)، و يدل على البطلان مع العكس انتفاء المشروط بانتفاء الشرط،

ص: 83


1- الوسائل باب: 24 و 25 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1 و 2.
2- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة الجمعة.
مسألة 5: يجب أن يكون الخطيب قائما حين إيراد الخطبة مع القدرة

(مسألة 5): يجب أن يكون الخطيب قائما حين إيراد الخطبة مع القدرة (9).

مسألة 6: الأحوط اعتبار الطمأنينة فيهما

(مسألة 6): الأحوط اعتبار الطمأنينة فيهما (10).

مسألة 7: يجب الفصل بينهما بجلسة خفيفة

(مسألة 7): يجب الفصل بينهما بجلسة خفيفة (11)، و الأحوط اعتبار الطهارة فيهما، و توجه الناس إلى الخطيب، و عدم التكلم حين الخطبة، و عدم الالتفات عنه بل الإصغاء إليه (12).

______________________________

و مقتضاه التعميم بالنسبة إلى العامد و الجاهل و الناسي إلا أن يقال بشمول حديث:

«لا تعاد» (1) للأخير و فيه تأمل، و لو عكس ثمَّ أتى بجمعة أخرى بعد الخطبتين لا يبعد الإجزاء.

(9) إجماعا، و نصوصا منها ما تقدم من موثق سماعة، و أما مع العجز فنسب إلى المشهور سقوطه، بل ادعي الإجماع عليه، و تقتضيه قاعدة الميسور أيضا.

(10) للتأسي، و كونهما بدلا عن الركعتين، و كذا ما يأتي في المسألة التالية من اعتبار الطهارة و نحوها.

(11) إجماعا، و نصوصا مستفيضة، منها: ما تقدم من موثق سماعة، و منها قوله عليه السّلام: «و ليقعد بين الخطبتين» (2).

أما كونها خفيفة، فلقوله عليه السّلام: «ثمَّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة» (3) و في خبر آخر: «قدر ما يقرأ قل هو اللّه أحد» (4).

(12) كل ذلك لتنزيل الخطبة منزلة الصلاة في الروايات (5)و إن أمكنت المناقشة فيها من بعض الجهات.

ص: 84


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1 و 3.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجمعة.
مسألة 8: يجب إسماع العدد المعتبر

(مسألة 8): يجب إسماع العدد المعتبر، بل يعتبر أن يفهموا ما يقوله الخطيب، و مع عدم الفهم يخطب بلغتهم (13).

مسألة 9: يجزي المسمّى في كل ما يعتبر أن يقال في الخطبة

(مسألة 9): يجزي المسمّى في كل ما يعتبر أن يقال في الخطبة (14).

مسألة 10: لا إشكال في جواز الإتيان بالخطبتين بعد الزوال

(مسألة 10): لا إشكال في جواز الإتيان بالخطبتين بعد الزوال، و الأحوط عدم الإتيان بهما قبله (15).

______________________________

(13) لأنّه لا وجه لتشريع الخطبة إلا ذلك.

(14) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(15) المشهور كما عن التذكرة، بل المجمع عليه كما عن الغنية وجوب الإتيان بهما بعد الزوال للسيرة، و لخبر محمد بن مسلم قال: «سألته عن الجمعة فقال: أذان و إقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر-» (1).

و عن الشيخ رحمه اللّه في المبسوط، و المحقق في المعتبر، و جمع ممن تأخر عنه جواز الإتيان بهما قبل الزوال أيضا، لقول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظل الأول، فيقول جبرئيل: «يا محمد قد زالت الشمس فانزل فصلّ» (2). و يمكن الخدشة فيه: بأنّ المراد بقوله عليه السّلام: «حين تزول الشمس» ليست الأولية الدقية الحقيقية، بل العرفية منها و هي لا تنافي الإتيان بها أول الزوال و المراد بقوله عليه السّلام: «و يخطب في الظل الأول» أي: حين شروع الظل إلى أن يصير مثل الشاخص و المراد بقوله عليه السّلام: «قد زالت الشمس» هو الإخبار بتحقق الزوال حين الشروع في

ص: 85


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
مسألة 11: يجب اتحاد الإمام و الخطيب مع الإمكان

(مسألة 11): يجب اتحاد الإمام و الخطيب مع الإمكان (16).

مسألة 12: يستحب أن يكون الخطيب فصيحا بليغا مواظبا لمقتضى الحال من الزمان

(مسألة 12): يستحب أن يكون الخطيب فصيحا بليغا مواظبا لمقتضى الحال من الزمان، و المكان، و الحاضرين، عاملا بما يعظ الناس، ليكون وعظه أبلغ تأثيرا في القلوب (17).

الرابع: الجماعة فلا تصح فرادى

(الرابع): الجماعة فلا تصح فرادى (18).

الخامس: أن لا يكون هناك جمعة أخرى
اشارة

(الخامس): أن لا يكون هناك جمعة أخرى و بينهما دون فرسخ (19).

مسألة 13: تعتبر المسافة من نهاية الجماعة

(مسألة 13): تعتبر المسافة من نهاية الجماعة (20).

______________________________

الخطبة، فيكون مفاده الحث على اختصار الخطبة و إتيان الجمعة قبل بلوغ الظل إلى المثل.

(16) لظواهر كلمات الأصحاب و الأخبار منها ما تقدم من موثق سماعة(1).

(17) للإجماع، و الاعتبار، و الأخبار (2).

(18) بضرورة المذهب، بل الدّين، و هل هي شرط ابتداء أو استدامة؟

يجري هنا ما تقدم في نقص العدد في الأثناء.

(19) للإجماع، و لقول أبي جعفر عليه السّلام: «يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال، يعني لا تكون جمعة إلا فيما بينه و بين ثلاثة أميال و ليس تكون جمعة إلا بخطبة، قال: فإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء و يجمع هؤلاء» (3).

(20) لأنّها المنساق من الأدلة عرفا، فما عن جامع المقاصد من اعتبارها من المسجد إن صلّيت فيه غير ظاهر الوجه.

ص: 86


1- تقدم في صفحة: 82.
2- راجع الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجمعة، و راجع أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
مسألة 14: إن سبقت إحداهما و لو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخرة

(مسألة 14): إن سبقت إحداهما و لو بتكبيرة الإحرام- بطلت المتأخرة (21) و إن تقارنتا بطلتا معا (22).

______________________________

(21) لما عن التذكرة من الإجماع ظاهرا أو صريحا على صحتها و بطلان اللاحقة، و يشهد له تتبع كلمات الأصحاب كما في الجواهر، و لأنّ الأولى وقعت صحيحة جامعة للشرائط، و مقتضى الأصل عدم إبطال المتأخرة لها، فتختص هي بالبطلان، لأنّ الجمع إنّما حصل من ناحيتها و نظير المقام ما سبق في عدم تقدم المرأة على الرجل في مكان المصلّي. و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين العلم و الجهل و السهو و النسيان. و أما كفاية السبق بتكبيرة الإحرام، فيظهر من كشف اللثام الإجماع عليه.

(22) بلا خلاف معتد به- كما في الجواهر- لأنّ الحكم بصحتهما معا مخالف لإطلاق أدلة الاشتراط و صحة إحداهما دون الأخرى ترجيح بلا مرجح، فيتعيّن البطلان فيهما، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين علمهما معا أو جهلهما معا أو الاختلاف.

فروع- (الأول): المدار في هذا الشرط على الجمعة الصحيحة، فلو تعددت الجمعة في أقل من فرسخ و بطلت إحداهما من جهة من الجهات لا يوجب ذلك بطلان الصحيحة.

(الثاني): لا فرق في هذا الشرط بين الجمعة الواجبة و المندوبة، و ما نسب إلى ابن فهد من عدم اعتباره في المندوبة مخالف للإطلاق و الاتفاق.

(الثالث): لا فرق بين البلدان و القرى، فلو كان بلد مساحته تسع فراسخ يصح انعقاد جمعة في كل رأس فرسخ منها.

(الرابع): لو انعقدت جمعتان في أقلّ من فرسخ و اشتبه السبق و التأخر بينهما يعاد ظهرا على المشهور نقلا و تحصيلا، و عن غاية المرام نفي الخلاف فيه، لقاعدة الاشتغال.

(الخامس): يصح الاعتماد في إحراز عدم السبق على الأمارات و الأصول المعتبرة كما في سائر الأمور الشرعية.

ص: 87

فصل في من تجب عليه الجمعة

اشارة

(فصل في من تجب عليه الجمعة)

مسألة 1: يشترط في من تجب عليه شروط سبعة

(مسألة 1): يشترط في من تجب عليه شروط سبعة: الكمال بالبلوغ، و العقل، و الذكورية، و الحرية، و الحضر، و السلامة من العمى و المرض و العرج، و أن لا يكون شيخا كبيرا يشق عليه السعي إليها، و أن لا يكون بينه و بين الجمعة أزيد من فرسخين (1).

(فصل في من تجب عليه الجمعة)

______________________________

(1) أما الأولان، فلضرورة المذهب إن لم يكن من الدّين، مضافا إلى قول أمير المؤمنين عليه السّلام- الدال على البقية أيضا-: «و الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبيّ، و المريض، و المجنون، و الشيخ الكبير، و الأعمى، و المسافر، و المرأة، و العبد المملوك، و من كان على رأس فرسخين» (1)، و قول أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «صلاة واحدة فرضها اللّه عزّ و جل في جماعة و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير، و الكبير، و المجنون، و المسافر، و العبد، و المرأة، و المريض و الأعمى، و من كان على رأس فرسخين» (2).

و أما العرج فيدل عليه- مضافا إلى دعوى الإجماع عن المنتهى- مرسل السيد المنجبر: «إنّ العرج عذر» (3). و المتيقن من الإجماع ما لو كان فيه حرج، و المرسل محمول عليه أيضا، بل كل ما كان حرجيا موجبا لسقوط التكليف يوجب سقوط الجمعة أيضا كالمطر، و الحر، و البرد و نحوها، و عليه يحمل قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح عبد الرحمن: «لا بأس أن تدع الجمعة في المطر»(4).

ص: 88


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
مسألة 2: من سقطت عنه الجمعة ممن تقدم في المسألة السابقة لو حضرها صحت منه

(مسألة 2): من سقطت عنه الجمعة ممن تقدم في المسألة السابقة لو حضرها صحت منه (2).

مسألة 3: لو وجبت الجمعة و زالت الشمس يحرم تفويتها

(مسألة 3): لو وجبت الجمعة و زالت الشمس يحرم تفويتها و لو بالسفر إلا إذا كان أهمّ (3)، و كذا يحرم تفويت بعضها و لو بالاشتغال

______________________________

(فرع): البعد المذكور إنّما يلاحظ بين ما يكون منزل الشخص و بين محل إقامة الجمعة، لأنّه المنساق من الأدلة عرفا، و سيأتي في صلاة المسافر ما يناسب المقام.

(2) لما في المدارك من أنّه مقطوع به بين الأصحاب، فالسقوط رخصة لا عزيمة، و يدل عليه خبر حفص بن غياث أيضا (1) هذا في غير المجنون و أما الصّبي فالحكم فيه مبنيّ على شرعية عباداته و قد تقدم.

(فرع): إذا حضرها الكافر لم تصح منه و لم تنعقد به، لفقد شرط الصحة الذي هو الإسلام، ثمَّ إنّه لا فرق في جميع ما تقدم بين أهل البلدان و القرى و البوادي، و الخيم لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(3) لحرمة تفويت كل واجب منجز، و لو كان العذر أهمّ سفرا كان أم غيره فلا إشكال حينئذ و وجب الإتيان بالظهر.

و يكره السفر بعد طلوع الفجر من يوم الجمعة، لقول أبي الحسن عليّ بن محمد عليه السّلام: «يكره السفر و السعي في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة، فأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به» (2)، و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «ما يؤمن من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه اللّه تعالى في سفره، و لا يخلفه في أهله، و لا يرزقه من فضله»(3).

(فرع): كل مسافر وجب عليه التمام تجب عليه صلاة الجمعة أيضا مع

ص: 89


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5.

بالبيع و نحوه، و لكن لو خولف يصح البيع و إن أثم (4).

مسألة 4: يشترط في إمام الجمعة جميع ما تقدم اعتباره في إمام الجماعة

(مسألة 4): يشترط في إمام الجمعة جميع ما تقدم اعتباره في إمام الجماعة و يجري هنا جميع ما تقدم هناك من أحكام الجماعة و آدابها و شرائطها (5).

______________________________

تحقق الشرائط، لأنّه بحكم الحاضر، و المفروض وجوبها لكل حاضر و من بحكمه.

(4) لما ثبت في محله من أنّ النهي في المعاملات لا يوجب البطلان إلا إذا تعلق بالعوضين.

(5) لإطلاق أدلة ما اعتبر في الجماعة و إمامها وضعا و تكليفا وجوبا و ندبا و كراهة الشامل للمقام أيضا.

ص: 90

فصل في صلاة الاستسقاء

اشارة

(فصل في صلاة الاستسقاء)

مسألة 1: تستحب صلاة الاستسقاء عند الجدب

(مسألة 1): تستحب صلاة الاستسقاء عند الجدب، و غور الأنهار، و قلة الأمطار (1). و هي مثل صلاة العيدين (2).

______________________________

(فصل في صلاة الاستسقاء)

(1) نصوصا كثيرة، و إجماعا. منها: قول أبي جعفر عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يصلّي الاستسقاء ركعتين و يستسقي و هو قاعد» (1).

(2) نصوصا مستفيضة، و إجماعا، منها صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن صلاة الاستسقاء، فقال عليه السّلام: «مثل صلاة العيدين يقرأ فيها و يكبّر فيها كما يقرأ و يكبّر فيها، يخرج الإمام و يبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسكنة، و يبرز معه الناس، فيحمد اللّه و يمجده و يثني عليه و يجتهد في الدعاء و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير، و يصلّي مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد، فإذا سلم الإمام قلب ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، و الذي على الأيسر على الأيمن، فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذلك صنع» (2)، و في خبر ابن المغيرة: «فكبّر في صلاة الاستسقاء كما تكبّر في العيدين، في الأولى سبعا، و في الثانية خمسا، و يصلّي قبل الخطبة و يجهر بالقراءة، و يستسقي و هو قاعد» (3)، و في خبر قرب الإسناد عن عليّ عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكبّر في العيدين و الاستسقاء في الأولى سبعا، و في الثانية خمسا، و يصلّي قبل الخطبة و يجهر بالقراءة» (4). إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 91


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 3.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 8.

مسألة 2: يسأل في القنوتات الرحمة من اللّه تعالى

(مسألة 2): يسأل في القنوتات الرحمة من اللّه تعالى بإرسال الغيث و استعطافه عزّ و جل على خلقه (3)، و ليس فيه شي ء معيّن فيصح بكلّ ما تيسّر و جرى على اللسان (4)، و الأفضل ما ورد عن المعصومين عليهم السّلام (5).

مسألة 3: يستحب فيها أمور

(مسألة 3): يستحب فيها أمور-:

(الأول): أن يصوم الناس ثلاثة أيام، و أن يكون الخروج يوم الثالث (6)، و أن يكون ذلك الثالث يوم الاثنين أو يوم الجمعة (7).

______________________________

و أما موثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة، و تكبّر في الأولى سبعا، و في الأخرى خمسا» (1)، الدال على أنّ الخطبة قبل الصلاة، فهو شاذ مطروح.

(3) لأنّ ذلك هو الداعي لهذه الصلاة و الحكمة لتشريعها.

(4) للأصل، و الإطلاق، و ما ورد في قنوت الفرائض.

(5) لأنّهم أعرف بكيفية مخاطبة اللّه تعالى في كل الجهات خصوصا في الأمور النوعية.

(6) ففي خبر السراج قال: «أرسلني محمد بن خالد إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أقول له: الناس قد أكثروا عليّ في الاستسقاء فما رأيك في الخروج غدا؟ فقلت: ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال لي: قل له: ليس الاستسقاء هكذا، قل له: يخرج فيخطب الناس و يأمرهم بالصيام اليوم و غدا و يخرج بهم يوم الثالث و هم صيام- الحديث» (2)، مضافا إلى ما ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ دعوة الصائم لا ترد» (3).

(7) لخبر ابن سيار عن العسكري عليه السّلام: «إنّ المطر احتبس فقال له

ص: 92


1- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب الدعاء حديث: 2.

(الثاني): يستحب الخروج إلى الصحراء (8)، حفاة (9) على

______________________________

المأمون: لو دعوت اللّه عزّ و جل، فقال له الرضا عليه السّلام: نعم، قال:

فمتى تفعل ذلك؟ و كان يوم الجمعة. فقال عليه السّلام: يوم الاثنين، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاني البارحة في منامي و معه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا بنيّ انتظر يوم الاثنين و ابرز إلى الصحراء و استسق فإنّ اللّه سيسقيهم» (1).

و في خبر مرّة: «صاح أهل المدينة إلى محمد بن خالد في الاستسقاء، فقال لي: انطلق إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فاسأله ما رأيك فإنّ هؤلاء قد صاحوا إليّ، فأتيته فقلت له فقال لي: فليخرج قلت: متى يخرج جعلت فداك؟ قال عليه السّلام يوم الاثنين- الحديث-» (2). و أما يوم الجمعة فلأنّها من أفضل أوقات الاستجابة، حتى ورد: «إنّ المؤمن ليدعو في الحاجة فيؤخر اللّه حاجته التي سأل إلى يوم الجمعة» (3). و حيث إنّ الاثنين منصوص بالخصوص قلنا بتقدمه على الجمعة.

(8) لخبر ابن أبي عمير عن أبي البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن عليّ عليه السّلام: «مضت السنة أنّه لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء، و لا يستسقى في المساجد إلا بمكة» (4)، و قد تقدم في خبر ابن سيار عن الرضا عليه السّلام: «و ابرز إلى الصحراء و استسق».

(9) لقوله عليه السّلام: «و يمشي كما يمشي يوم العيدين» (5)، و قد تقدم استحباب المشي حافيا في صلاة العيدين (6).

ص: 93


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 1.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 2.
6- تقدم في صفحة: 65.

سكينة و وقار (10).

(الثالث): يستحب إخراج الشيوخ و الأطفال و العجائز معهم (11) و أهل الصلاح و التقوى (12)، و أن يفرقوا بين الأطفال و أمهاتهم (13).

المسألة 4: إذا فرغ الإمام من الصلاة يستحب تحويل ردائه

(المسألة 4): إذا فرغ الإمام من الصلاة يستحب تحويل ردائه، بأن يجعل ما على يمينه على يساره و بالعكس (14) ثمَّ يستقبل القبلة و يكبّر مائة تكبيرة رافعا بها صوته ثمَّ يلتفت إلى يمينه و يسبّح مائة تسبيحة، ثمَّ إلى يساره و يهلل مائة تهليلة، ثمَّ استقبل الناس و حمد اللّه

______________________________

(10) ففي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يخرج الإمام و يبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسكنة، و يبرز معه الناس- الحديث-»(1). المحمول على الندب إجماعا.

(11) للإجماع، و لأنّهم أقرب إلى رحمة اللّه و أسرع للإجابة، ففي الدعاء: «اللهم ارحمنا بمشايخ ركّع، و صبيان رضّع، و بهائم رتّع و شباب خضّع».

(12) لأنّهم مظنة الاستجابة و أقرب إلى نزول الرحمة، مضافا إلى الإجماع.

(13) إجماعا، و لأنّ ذلك أقرب إلى البكاء و الضجيج فيوجب نزول الرحمة و الرأفة، و قد نقل أنّ قوم يونس فعلوا ذلك فكشف اللّه عنهم العذاب.

(14) للتأسّي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و للتفأل بتحويل الجدب خصبا، كما في خبر ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته لأيّ علة حوّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الاستسقاء رداءه الذي على يمينه على يساره، و الذي على يساره على يمينه؟ قال عليه السّلام: أراد بذلك تحول الجدب خصبا» (2)، و نحوه غيره.

ص: 94


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 4.

مائة تحميدة (15). و المأمومون يتابعونه في ذلك كله (16)، ثمَّ يخطب

______________________________

(15) لخبر مرّة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثمَّ يستقبل القبلة فيكبّر اللّه مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يمينه فيسبح اللّه مائة تسبيحة رافعا بها صوته، ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلل اللّه مائة تهليلة رافعا بها صوته، ثمَّ يستقبل الناس فيحمد اللّه مائة تحميدة، ثمَّ يرفع يديه فيدعو، ثمَّ يدعون» (1).

(16) لأنّ ذكر اللّه حسن في كل حال، خصوصا في مثل هذه الأحوال، مع أنّه أبلغ في التضرّع و الخشوع و أرجى للإجابة. و ينبغي أن يكون ذلك كله بعد التوبة و رد المظالم، و إخراج الحقوق، و التواصل و التراحم و التصدق، و من أعظم الأسباب التوبة و الاستغفار، فإنّهما الماحيان للذنب الذي هو السبب الأقوى للجدب و الغلاء. قال تعالى اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمٰاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرٰاراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلىٰ قُوَّتِكُمْ (2). و قال عليّ عليه السّلام: «إنّ اللّه ابتلى عباده عند ظهور الأعمال السيئة بنقص الثمرات و حبس البركات، و إغلاق طرق الخيرات ليتوب تائب و يقلع مقلع- الحديث-» (3). و كل ذلك من المعدات، و أما أسرار استجابة الدعوات فغير معلومة لغيره تعالى أو من علمه اللّه تعالى بعض الأسرار، قال الصادق عليه السّلام: «إنّ سليمان بن داود خرج ليستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها، و هي تقول: اللهم أنا خلق من خلقك و لا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم، و هي رافعة قائمة من قوائمها إلى السماء. فقال: «ارجعوا فقد سقيتم بغيركم» (4).

(فرع): يستحب الاستسقاء لأهل الخصب لأجل أهل الجدب، لشمول الإطلاقات لذلك أيضا، و الظاهر عدم الفرق بين الدعاء المجرد و الصلاة بنحو ما

ص: 95


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 2.
2- سورة هود: 52.
3- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 2.
4- مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 6.

الإمام و يبالغ في تضرعاته (17)، و إن تأخرت الإجابة كرّر ذلك حتى تدركهم الرحمة (18).

______________________________

مر، و لكن الأحوط في الأخير قصد الرجاء.

(17) أما استحباب أصل الخطبة فلما سبق من النص (1)، مضافا إلى الإجماع. و أما المبالغة في التضرّع فلأنّ صلاة الاستسقاء موضوعة لذلك.

(18) لأنّ السبب المقتضي للاستحباب باق بعد، مع ما ورد من أنّ اللّه يحب الملحّ في الدعاء (2).

ص: 96


1- تقدم في صفحة: 91.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الدعاء.

فصل في صلاة الاستخارة

اشارة

(فصل في صلاة الاستخارة)

مسألة 1: الاستخارة هي الطلب من اللّه تعالى أن يوفقه و يرشده إلى خير الأشياء و أحسنها

(مسألة 1): الاستخارة هي الطلب من اللّه تعالى أن يوفقه و يرشده إلى خير الأشياء و أحسنها (1)، و هي مستحبة في جميع الأشياء (2).

(فصل في صلاة الاستخارة)

______________________________

(1) يستفاد هذا المعنى لها من اللغة و العرف و الشرع.

(2) لأنّها دعاء و مسألة من اللّه تعالى، و إيكال الأمر إلى علمه و مشيئته، و إظهار ذل العبودية لدى حضرة المعبود و تسليم الأمور إلى القهار على طبق أحسن الحكمة و أتم النظام، فالاستخارة بهذا المعنى نحو توحيد فعليّ و إظهار عملي لمعنى إنّه «لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين الأمرين» (1)، فإنّ الروح عند الحيرة تتوجه إلى عالمها الذي نزلت منه لعلها تستفيد منه شيئا، فإن كانت موحدة يلزمها التوجه إلى اللّه تعالى و إلا فتقف في الغيب الممكن، و لا يمكنها التوجه إلى الغيب الواجب بالذات لقصور ذاتها عن ذلك. و منه يعرف أنّ الاستخارة لا اختصاص لها بمذهب الإسلام بل كل من يعترف باللّه تعالى له طريق في رفع حيرته و جلب الخير و دفع الشر، و مثلها في ذلك مثل الصدقة و المشورة الجارية بين البشر، فكل من يعتقد بعالم غيب في الجملة يكون له توجهات إلى ما يعتقد به عند التحير و الضرورة سواء كان موحدا أم لا، و الكل جائز للأصل ما لم يرد نهي عنه في الشرع، لفرض أنّهم يسندون وصول الخير و دفع الشر إلى اللّه تعالى، فلا موضوعية لهذا السبب الذي جعلوه سببا، و لم أظفر على نهي إلا ما في خبر

ص: 97


1- الكافي ج: 1 صفحة: 160 حديث: 13.

.....

______________________________

الحميري عن الحجة عليه السّلام: «عن الرجل تعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما: نعم افعل، و في الآخر لا تفعل، فيستخير اللّه مرارا ثمَّ يرى فيهما فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج فهل يجوز ذلك أم لا؟ و العامل به و التارك له، أ هو يجوز مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟ فأجاب عليه السّلام: «الذي سنه العالم عليه السّلام في هذه الاستخارة بالرقاع و الصلاة» (1). و هو مضافا إلى قصور سنده مجمل في دلالته أيضا، و غايته الدلالة على أفضلية الاستخارة بالرقاع و الصلاة، و لا يدل على مرجوحية غيرهما، و لعل السّر في الحديث أنّ الخاتم كان يلعب به أحيانا فلا ينبغي أن تقع به الاستخارة.

و يدل على استحباب الاستخارة- مضافا إلى ما ذكرناه- الأخبار الكثيرة الدالة على الترغيب إلى الاستخارة، و هي على أقسام:

الأول: المطلقات و هي كثيرة، كقول الصادق عليه السّلام في خبر هارون ابن خارجة: «من استخار اللّه راضيا بما صنع خار اللّه له حتما» (2) و في خبر عمرو بن حريث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فو اللّه ما استخار اللّه مسلم إلا خار له البتة» (3)، و في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: «يا علي ما خار من استخار، و لا ندم من استشار» (4). و في خبر ابن مضارب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: من دخل في أمر بغير استخارة ثمَّ ابتلي لم يؤجر» (5)، و عنه عليه السّلام أيضا قال اللّه عزّ و جل: «من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني» (6)، و عنه عليه السّلام: «كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة من القرآن، ثمَّ قال عليه السّلام: «ما أبالي إذا استخرت على أيّ جنبي وقعت» (7).

القسم الثاني: الاستخارة بالصلاة، و هي أيضا كثيرة منها خبر عمرو بن

ص: 98


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الاستخارة و ما يناسبها حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 11.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الاستخارة و ما يناسبها حديث: 1.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الاستخارة و ما يناسبها حديث: 2.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة و ما يناسبها حديث: 10.

.....

______________________________

حريث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «صلّ ركعتين و استخر اللّه فو اللّه ما استخار اللّه مسلم إلا خار له البتة» (1). و في خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام: «كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا همّ بأمر حج و عمرة، أو بيع أو شراء، أو عتق تطهر ثمَّ صلّى ركعتي الاستخارة- الحديث-» (2) و عن عليّ بن أسباط: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: جعلت فداك ما ترى آخذ برّا أو بحرا فإنّ طريقنا مخوف شديد الخطر؟ فقال عليه السّلام: أخرج برّا، و لا عليك أن تأتي مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تصلّي ركعتين في غير وقت فريضة، ثمَّ تستخير اللّه عليه السّلام- الحديث-»(3).

القسم الثالث: الاستخارة بالرقاع، ففي خبر هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها:

بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان ابن فلانة افعل، و في ثلاث منها: بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان ابن فلانة لا تفعل، ثمَّ ضعها تحت مصلاك، ثمَّ صلّ ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل فيها مائة مرة: أستخير اللّه برحمته خيرة في عافية ثمَّ استو جالسا، و قل:

اللهم خر لي و اختر لي في جميع أموري في يسر منك و عافية، ثمَّ اضرب بيدك إلى الرقاع فشوّشها و أخرج واحدة واحدة فإن خرج ثلاث متواليات افعل، فافعل الأمر الذي تريده، و إن خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله، و إن خرجت واحدة افعل و الأخرى لا تفعل، فأخرج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها فاعمل به، و دع السادسة لا تحتاج إليها» (4). و إليها ترجع الأخبار الواردة في الاستخارة بالبنادق التي جمعها المجلسي (قدس سره) في البحار، فراجع.

القسم الرابع: الاستخارة بالحصى و السبحة، ففي مرسل ابن طاوس عن الصادق عليه السّلام: «من أراد أن يستخير اللّه تعالى فليقرأ الحمد عشر مرات- إلى أن قال عليه السّلام: ثمَّ تأخذ كفّا من الحصى أو سبحة و يكون قد قصد بقلبه

ص: 99


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة و ما يناسبها حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة و ما يناسبها حديث: 3.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة و ما يناسبها حديث: 5.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.

.....

______________________________

إن خرج عدد الحصى و السبحة فردا كان افعل، و إن خرج زوجا كان لا تفعل» (1).

القسم الخامس: بالدعاء، و الأخبار الواردة في هذا القسم كثيرة جدّا، فراجع مجامع الأخبار، كالبحار و غيره، و يمكن أن يرجع إليها ما ورد من «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يعلّم أصحابه الاستخارة، كما يعلّمهم السورة من القرآن» (2).

القسم السادس: الاستخارة بالقرآن، ففي خبر القميّ: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أريد الشي ء فأستخير اللّه فيه فلا يوفق فيه الرأي، أفعله أو أدعه؟ فقال عليه السّلام: «انظر إذا قمت إلى الصلاة، فإنّ الشيطان أبعد ما يكون من الإنسان إذا قام إلى الصلاة، أيّ شي ء يقع في قلبك فخذ به، و افتتح المصحف فانظر إلى أول ما ترى فيه فخذ به إن شاء اللّه» (3).

القسم السابع: الاستخارة بمشورة الناس، لقول الصادق عليه السّلام- في خبر هارون بن خارجة-: «إذا أراد أحدكم أمرا فلا يشاور فيه أحدا من الناس حتى يبدأ فيشاور اللّه تبارك و تعالى، قال قلت: جعلت فداك و ما مشاورة اللّه؟ قال عليه السّلام: «تبتدئ فتستخير اللّه فيه أولا ثمَّ تشاور فيه، فإنّه إذا بدأ باللّه أجرى له الخيرة على لسان من يشاء من الخلق» (4).

القسم الثامن: الاستخارة لحدوث العزم له على ما كان متحيّرا فيه، فعن ابن فضال: «سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن عليه السّلام لابن أسباط فقال:

ما ترى له- و ابن أسباط حاضر- و نحن جميعا نركب البحر أو البر إلى مصر، و أخبره بخبر طريق البر، فقال عليه السّلام: البر، و ائت المسجد في غير وقت صلاة الفريضة فصلّ ركعتين فاستخر اللّه مائة مرة، ثمَّ انظر أيّ شي ء يقع في قلبك

ص: 100


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 2.

.....

______________________________

فاعمل به»(1). و يمكن تقليل هذه الأقسام بالأخذ بالجامع القريب بينها، كما لا يخفى.

و الظاهر أن ما ذكر في هذه الأخبار من السبحة و الحصى و المشورة، و حدوث العزم و غيرها مما مرّ من باب الغالب و المثال لا الخصوصية، و مقتضى الأصل جواز استكشاف خيرة اللّه تعالى بكل وجه أمكن ذلك ما لم يكن فيه نهي شرعيّ أو عنوان محرّم أو مكروه، إذ لا دليل على حرمة استكشاف الغيب بلا جزم و يقين، بل بطريق الرجاء، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحب الفأل و يكره الطيرة (2).

و قال صاحب الجواهر في كتاب البيع: «و لعل ذلك كله من فضل اللّه على عباده و هدايته لهم بنحو ما جاء عنهم في الرقى، لأنّها تدفع القدر، فقال: إنّها من القدر، و إنّ هذا الباب باب عظيم ليس المقام مقام ذكره، خصوصا ما يتعلق بالحروف و الطلسمات و خواص الحروف، و بعض الأشياء و غيرها».

و عليه، فيجوز أن يجعل كل شي ء مباح طريقا للاستكشاف بعد الدعاء و التوجه، فإنّ ظهور الأخبار في أنّ جميع ذلك من طرق الاستكشاف مما لا ينكر.

و بناء الفقهاء على أنّ القيود الواردة في المندوبات إنّما هي من باب تعدد المطلوب، و لكن الأولى الاقتصار على ما ورد في الأخبار، و ما عليه سيرة العلماء الأبرار.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ الدعوات الواردة في الأخبار من باب الأفضلية فيجزي بكل دعاء يشتمل على الثناء على اللّه تعالى و طلب الخير منه عزّ و جل و إيكال الأمر إليه، و الصلاة على محمد و آل محمد بأيّ وجه كان ذلك، كما أنّ الظاهر أنّ عدد مائة مرّة في ذكر أستخير اللّه، أو سبع مرات، أو ثلاث مرات و غيرها من الأعداد من باب الأفضلية، فيجزي غيرها.

ص: 101


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 4.
2- سفينة البحار ص: 102 ج: 2.

مسألة 2: و هي ركعتان مثل صلاة الصبح، يصح الإتيان بها في كل وقت

(مسألة 2): و هي ركعتان مثل صلاة الصبح (3)، يصح الإتيان بها في كل وقت، و يؤتى فيها في كل ركعة الحمد و أيّ سورة شاء (4)، و يجوز بلا سورة (5). و ما ورد فيها من سورة مخصوصة (6) و مقدار خاص من السور (7) ..

______________________________

(3) إجماعا، و قد تقدم في جملة من الأخبار ما يدل على ذلك، و سيأتي بعض الأخبار أيضا.

(4) لظهور الإطلاق و الاتفاق في ذلك و في خبر مرازم: «فسألته أيّ شي ء أقرأ فيهما؟ فقال: اقرأ فيها ما شئت» (1). و أما ما ورد من أنّه «تصلي ركعتين في غير وقت فريضة» (2)، فهو محمول على كراهة التطوع في وقت الفريضة، و قد تقدم الكلام في كتاب الصلاة بحث الأوقات فراجع.

(5) لجواز ذلك في كل صلاة مندوبة مطلقا.

(6) ففي خبر مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن أيّ شي ء أقرأ فيهما؟ فقال عليه السّلام: اقرأ فيهما ما شئت، و إن شئت فاقرأ فيهما ب قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ، و قُلْ يٰا أَيُّهَا الْكٰافِرُونَ، و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن» (3)، و في خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام: «كان عليّ بن الحسين عليه السّلام إذا همّ بأمر حج و عمرة، أو بيع أو شراء أو عتق تطهّر ثمَّ صلّى ركعتي الاستخارة فقرأ فيهما بسورة الحشر، و سورة الرحمن، ثمَّ يقرأ المعوذتين، و قل هو اللّه أحد- الحديث-» (4).

(7) كما في خبر محمد بن محمد الآوي عن صاحب الأمر (عجل اللّه فرجه): «تقرأ الفاتحة عشر مرّات، و أقلّه ثلاثة، و دونه مرّة، ثمَّ تقرأ القدر عشر مرات» (5)، و في خبره الآخر عن الصادق عليه السّلام: «من أراد أن يستخير اللّه تعالى فليقرأ الحمد عشر مرات و إنا أنزلناه عشر مرات» (6).

ص: 102


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 2.

محمول على الفضل (8)، و يجوز الاكتفاء بهما عن بعض النوافل، كنافلة الليل، و نافلة الزوال، و نافلة الفجر (9).

مسألة 3: يجوز الاستنابة في الاستخارة مطلقا

(مسألة 3): يجوز الاستنابة في الاستخارة مطلقا (10)، بل هو

______________________________

(8) كما هو الشأن في كل مندوب لا سيّما في هذا الأمر الذي رغب الشارع إليه في كل أمر و بالنسبة إلى كل شخص، فيقتضي التسهيل، و قد ورد في بعض الأخبار الاكتفاء بالمرّة، كما تقدم بعضها.

(9) لإطلاق جملة من الأخبار، كقوله عليه السّلام: «و لتكن استخارة بعد صلاتك ركعتين» (1).

و في صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «أن يستخير اللّه الرجل في آخر سجدة من ركعتي الفجر مائة مرة و مرة- الحديث-» (2).

و في خبر القسري عنه عليه السّلام: «استخر اللّه في آخر ركعة من صلاة الليل و أنت ساجد مائة مرّة و مرّة- الحديث-» (3).

و في خبر الأمالي عن الصادق عليه السّلام: «يسجد عقيب المكتوبة، و يقول: اللهم خر لي مائة مرة» (4).

و إطلاق قوله عليه السّلام: انظر إذا قمت إلى الصلاة، فإنّ الشيطان أبعد ما يكون من الإنسان إذا قام إلى الصلاة أيّ شي ء يقع في قلبك فخذ به» (5).

و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الاستخارة في كل ركعة من الزوال» (6).

(10) لإطلاق أدلة الوكالة من غير ما يصلح لتقييدها في المقام. مع أنّ بعض الأخبار ظاهرة في ذلك، ففي خبر محمد بن أحمد بن يحيى عن الصادق

ص: 103


1- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.

الأولى فيما إذا كان النائب من أهل الورع و التقوى و لم يكن المنوب عنه كذلك (11)، و يمكن أن يكون ذلك أصيلا لا نائبا (12).

مسألة 4: يستحب أن يطلب العافية في الاستخارة مطلقا

(مسألة 4): يستحب أن يطلب العافية في الاستخارة مطلقا (13).

مسألة 5: يستحب الإتيان بها مطلقا في الأمكنة المتبركة

(مسألة 5): يستحب الإتيان بها مطلقا في الأمكنة المتبركة كالمساجد و المشاهد المشرّفة، لا سيّما عند قبر الحسين عليه السّلام (14) ..

______________________________

عليه السّلام: «و تجعل في ثلاث بنادق- شمع أو طين- على هيئة واحدة، و ادفعها إلى من تثق به و تأمره أن يذكر اللّه و يصلّي على محمد و آله و يطرحها إلى كمّه- الحديث-» (1).

(11) لأقربيته إلى وصول الغيب إليه من غيره.

(12) لإطلاق قوله عليه السّلام في خبر هارون بن خارجة: «إذا أراد أحدكم أمرا فلا يشاور فيه أحدا من الناس حتى يبدأ فيشاور اللّه تبارك و تعالى، قلت: جعلت فداك و ما مشاورة اللّه؟ قال عليه السّلام تبتدئ فتستخير اللّه فيه أولا ثمَّ تشاور فيه فإنّه إذا بدأ باللّه أجرى له الخيرة على لسان من يشاء من الخلق» (2).

فإذا جازت الاستنابة في الدعاء و اختار الداعي شيئا يصير أصلا من هذه الجهة.

(13) ففي موثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و لتكن استخارتك في عافية فإنّه ربما خير للرجل في قطع يده و موت ولده و ذهاب ماله» (3).

(14) لأنّها أقرب إلى عنايات اللّه عزّ و جل و ألطافه الخاصة، مع ذكر

ص: 104


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 6.

و الأزمنة الشريفة، كيوم الجمعة مثلا (15).

مسألة 6: يكره العمل بلا استخارة

(مسألة 6): يكره العمل بلا استخارة (16)، و ترتفع الكراهة بقول: اللهم خر لي في فعلي خيرا (17)، و يكفي خطوره في القلب

______________________________

المسجد في خبر الحسن بن الجهم (1)، و رأس الحسين في خبر صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما استخار اللّه عبد قط في أمره مائة مرّة عند رأس الحسين عليه السّلام فيحمد اللّه و يثني عليه إلا رماه اللّه بخير الأمرين» (2).

(15) ففي صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إذا أردت أمرا و أردت الاستخارة كيف أقول؟ فقال عليه السّلام: إذا أردت ذلك فصم الثلاثاء و الأربعاء و الخميس ثمَّ صلّ يوم الجمعة في مكان نظيف ركعتين» (3). و في صحيحه الآخر: «فإذا كان الليل اغتسل في ثلث الليل الباقي و يلبس أدنى ما يلبس من يعول من الثياب إلا أنّ عليه في تلك الثياب إزارا» (4). و هناك آداب أخر مذكورة في محالها.

(16) لجملة من الأخبار، ففي صحيح محمد بن مضارب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من دخل في أمر بغير استخارة ثمَّ ابتلي لم يوجر» (5) و في المرسل عنه عليه السّلام: «قال اللّه عزّ و جل: من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني» (6). و هو محمول على الكراهة إجماعا، و على بعض مراتب الشقاء، إذ له مراتب كثيرة جدّا.

(17) للإطلاقات الشاملة لهذا أيضا، و قد تقدم في بعض الأخبار ما يدل على ذلك.

ص: 105


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 4 و 5.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 11.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 12.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 2.

أيضا و لو بنحو الإجمال و الارتكاز (18).

مسألة 7: لا بأس بتكرار الاستخارة في شي ء واحد و في مجلس واحد

(مسألة 7): لا بأس بتكرار الاستخارة في شي ء واحد و في مجلس واحد (19).

مسألة 8: تستحب الاستخارة على المباحات مطلقا

(مسألة 8): تستحب الاستخارة على المباحات مطلقا (20) بل و للمندوبات أيضا (21).

______________________________

(18) لأنّه أيضا نوع من الاستخارة، لأنّ ضمائر القلوب مكشوفة لمن يستخير منه فتشمله الإطلاقات.

(19) لأنّ الدعاء و التوجه إلى اللّه مطلوب على كل حال.

(20) للإطلاقات و العمومات المستفيضة.

(21) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا همّ بأمر حج و عمرة، أو بيع أو شراء، أو عتق تطهّر ثمَّ صلّى ركعتي الاستخارة- الحديث-» (1).

ثمَّ إنّه من الاستخارات ما تسمّى بالجلالة على التفصيل المذكور في البحار (2)، و قيل إنّها مجرّبة. و ما ينسب إلى الحجة (عجل اللّه فرجه): «تقرأ الفاتحة عشر مرات و أقله ثلاثا و دونه مرة» ثمَّ تقرأ القدر عشرا ثمَّ تقول هذا الدعاء ثلاثا: «اللهم إنّي أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور و أستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول و المحذور، اللهم إن كان الأمر الفلاني مما قد نيطت بالبركة أعجازه و بواديه، و حفّت بالكرامة أيامه و لياليه فخر اللهم لي فيه خيرة ترد شموسه ذلولا، و تقعض أيامه سرورا، اللهم إما أمر فأئتمر و إما نهي فأنتهي، اللهم إنّي أستخيرك برحمتك خيرة في عافية، ثمَّ تقبض على قطعة من السبحة تضمر، فإن كان عدد القطعة زوجا فهو أفعال، و إن كان فردا لا تفعل أو بالعكس» (3).

ص: 106


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 3.
2- -كتاب الصلاة- صفحة: 920 الطبعة الحجرية.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الاستخارة حديث: 1.

.....

______________________________

و لنا استخارة أخذناها عن بعض مشايخنا (قدس سره) و قال: إنّها مجرّبة و هي أن تقرأ التوحيد مرّة واحدة، و تقول: يا أبصر الناظرين و يا أسمع السامعين و يا أسرع الحاسبين و يا أرحم الراحمين صلّ على محمد و آله، ثمَّ تأخذ قبضة من السبحة و تعدّ زوجا و تقول: افعل، ثمَّ تعد زوجا آخر و تقول: لا تفعل. فإن بقي في الآخر زوج افعل فحسن جدّا، و إن بقي زوج لا تفعل فهو ترك، و إن بقي واحد افعل فيكون فعله أرجح من تركه و إن بقي واحد لا تفعل يكون تركه أرجح من فعله. و هذه كلها من طرق الجعل و المواضعة، و يجوز أن يجعل طريقة أخرى غير ما ذكرناه.

ص: 107

فصل في صلاة ليلة الدفن

اشارة

(فصل في صلاة ليلة الدفن) و هي: ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي إلى «هم فيها خالدون» (1) و في الثانية بعد الحمد سور القدر عشر مرات، و يقول بعد السّلام: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد و ابعث ثوابها إلى قبر فلان»، و يسمّي الميت، ففي مرسلة الكفعمي، و موجز ابن فهد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة فإن لم تجدوا، فليصلّ أحدكم يقرأ في الأولى الحمد و آية الكرسي و في الثانية الحمد و القدر عشرا فإذا سلّم قال:

اللهم صلّ على محمد و آل محمد و ابعث ثوابها إلى قبر فلان»، فإنّه تعالى يبعث من ساعته ألف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب و حلة و مقتضى هذه الرواية أنّ الصلاة بعد عدم وجدان ما يتصدق به، فالأولى الجمع بين الأمرين مع الإمكان، و ظاهرها أيضا كفاية صلاة واحدة فينبغي أن لا يقصد الخصوصية في إتيان أربعين، بل يؤتى بقصد الرجاء، أو بقصد إهداء الثواب.

مسألة 1: لا بأس بالاستئجار لهذه الصلاة و إعطاء الأجرة

(مسألة 1): لا بأس بالاستئجار لهذه الصلاة و إعطاء الأجرة، و إن كان الأولى (2) للمستأجر الإعطاء بقصد التبرع أو الصدقة و للمؤجر (فصل في صلاة ليلة الدفن)

______________________________

(1) تقدم ما يتعلق بآية الكرسي (1).

(2) أما الأول، فلوجود المقتضي من عموم أدلة الإجارة، و وجود المنفعة

ص: 108


1- راجع ج: 3 صفحة: 373.

الإتيان تبرعا، و بقصد الإحسان إلى الميت.

مسألة 2: لا بأس بإتيان شخص واحد أزيد من واحدة بقصد إهداء الثواب

(مسألة 2): لا بأس بإتيان شخص واحد أزيد من واحدة بقصد إهداء الثواب إذا كان متبرعا (3)، أو إذا أذن له المستأجر (4) و أما إذا أعطى دراهم للأربعين، فاللازم استئجار أربعين (5) إلا إذا أذن المستأجر، و لا يلزم مع إعطاء الأجرة إجراء صيغة الإجارة، بل يكفي إعطاؤها بقصد أن يصلّي (6).

______________________________

المحللة و قد ثبت في محله جواز أخذ الأجرة على الواجب، فكيف بالمندوب مع عدم منافاة أخذ الأجرة للقربة.

و أما الثاني فللخروج عن شبهة الخلاف مضافا إلى أنّ الإشكال في شرعية هذه الصلاة يوجب كون أخذ الأجرة عليها باطلا و حراما، و لذا أشكل في المقام من لم يشكل في الأجرة على العبادات مطلقا قال في الحدائق: «و هذه الصلاة لم نظفر لها في كتب الأخبار مسندا عن الأئمة الأطهار» و الإشكال مبنيّ على عدم كفاية قاعدة التسامح للشرعية و إلا فلا وجه له، مع أنّه لا ريب في صحة العمل إن أتى به بعنوان الرجاء، فتقع الأجرة بإزاء إتيانه بعنوان الرجاء.

و أما ما يقال: من أن الخطاب في المقام متوجه إلى الغير، فيستحب على الغير إتيان الصلاة و إهداء ثوابها إلى الميت و لا وجه للاستئجار في مثله.

(ففيه)- أولا: أنّ الخطاب إلى أولياء الميت بعنوان الأعمّ من المباشرة أو التسبيب و يصح في مثله الاستئجار بلا إشكال.

و ثانيا أنّه- و إن كان متوجها إلى الغير أولا و بالذات- و لكنّه لا ينافي ذلك الاستئجار أيضا إلا إذا ثبت أنّ ذلك بعنوان المجانية المحضة و هو أول الكلام و خلاف ظاهر الإطلاق و الأصل.

(3) لكونه مطلوبا على كل حال ما لم يزاحمه أمر آخر.

(4) لكونه صاحب المال، فلا بد من مراعاة إذنه و نظره.

(5) لأصالة عدم التصرّف في مال الغير إلا بنحو ما أذن فيه كما و كيفا.

(6) لكفاية المعاطاة- كما تأتي الإشارة إليها في كتاب الإجارة- و هي

ص: 109

مسألة 3: إذا صلّى و نسي آية الكرسي- في الركعة الأولى أو القدر في الثانية

(مسألة 3): إذا صلّى و نسي آية الكرسي- في الركعة الأولى أو القدر في الثانية، أو قرأ القدر أقلّ من العشرة نسيانا- فصلاته صحيحة، لكن لا يجزي عن هذه الصلاة، فإن كان أجيرا وجب عليه الإعادة (7).

مسألة 4: إذا أخذ الأجرة ليصلّي، ثمَّ نسي فتركها في تلك الليلة يجب عليه ردها إلى المعطي

(مسألة 4): إذا أخذ الأجرة ليصلّي، ثمَّ نسي فتركها في تلك الليلة يجب عليه ردها إلى المعطي (8)، أو الاستئذان منه لأن يصلي فيما بعد ذلك بقصد إهداء الثواب (9) و لو لم يتمكن من ذلك، فإن علم برضاه بأن يصلّي هدية، أو يعمل عملا آخر أتى بها، و الا تصدق بها عن صاحب المال (10).

مسألة 5: إذا لم يدفن الميت الا بعد مدة

(مسألة 5): إذا لم يدفن الميت الا بعد مدة، كما إذا نقل إلى أحد المشاهد فالظاهر أنّ الصلاة تؤخر إلى ليلة الدفن، و إن كان

______________________________

تحصل في مثل المقام بالإعطاء و القبول و البناء على العمل و الالتزام به.

(7) أما أصل صحة الصلاة، فلحديث: «لا تعاد». و أما عدم إجزائها عن هذه الصلاة، فلظهور الإجارة في الإتيان بتمام الأجزاء إلا إذا كانت قرينة في البين على أنّها وقعت في مقابل العمل الصحيح الشرعيّ مطلقا فلا تجب الإعادة حينئذ، لفرض أنّها صحيحة شرعيّة.

(8) لعدم العمل بمقتضى الإجارة، فلا وجه لاستحقاقه الأجرة- كما يأتي في [مسألة 12] من كتاب الإجارة- نعم، لو علم أنّ الدفع كان بعنوان الصدقة يصح له التصرف فيها.

(9) لإحراز رضاء المالك حينئذ، فيجوز له التصرف فيه.

(10) لكون المال من مجهول المالك حينئذ و حكمه ذلك، لأنّ المراد بمجهول المالك ما لا يتمكن من وصوله إلى مالكه سواء كان لأجل الجهل بمالكه أصلا، أم لجهة أخرى.

ص: 110

الأولى (11) أن يؤتى بها في أول ليلة بعد الموت.

مسألة 6: عن الكفعمي إنّه بعد أن ذكر في كيفية هذه الصلاة ما ذكر قال

(مسألة 6): عن الكفعمي إنّه بعد أن ذكر في كيفية هذه الصلاة ما ذكر قال: «و في رواية أخرى بعد الحمد التوحيد مرتين في الأولى، و في الثانية بعد الحمد ألهيكم التكاثر عشرا، ثمَّ الدعاء المذكور»، و على هذا فلو جمع بين الصلاتين، بأن يأتي اثنتين بالكيفيتين كان أولى (12).

مسألة 7: الظاهر جواز الإتيان بهذه الصلاة في أيّ وقت كان من الليل

(مسألة 7): الظاهر جواز الإتيان بهذه الصلاة في أيّ وقت كان من الليل، لكن الأولى (13) التعجيل بها بعد العشاءين، و الأقوى جواز الإتيان بها بينهما، بل قبلهما أيضا بناء على المختار من جواز التطوع لمن عليه فريضة. هذا إذا لم يجب عليه بالنذر، أو الإجارة، أو نحوهما، و إلا فلا إشكال.

______________________________

(11) لأنّ قوله صلى اللّه عليه و آله: «أول ليلة»(1) ظاهر عرفا في أول ليلة الدفن، و يحتمل الشمول لأول ليلة الموت أيضا.

ثمَّ إنّه ليس المراد بالدفن خصوص الدفن في الأرض، بل يشمل الإلقاء في البحر أيضا لمن كان التكليف فيه ذلك، و لو فرض تلف جثة الميت بعد الموت، فالمدار على أول ليلة الموت.

(12) لأنّه احتياط و حسن على كل حال، و يصح أن يأتي بصلاة واحدة و يجمع فيها بين الكيفيتين، لإطلاق الخبرين المذكورين.

(13) أما الأول، فلإطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «أول ليلة». و أما التعجيل، فلأنّها خير محض و لا ريب في حسن تعجيل الخير.

و أما الأخير، فلأنّها من ذوات الأسباب التي يصح إتيانها في كل وقت، و قد تقدم في [مسألة 18] من (فصل أوقات اليومية و نوافلها) كما تقدم في [مسألة 16] من ذلك الفصل ما يتعلق بصحة إتيان التطوع لمن عليه الفريضة فراجع.

ص: 111


1- مستدرك الوسائل باب: 36 من أبواب بقية الصلاة المندوبة حديث: 1.

فصل في صلاة جعفر

اشارة

(فصل في صلاة جعفر) و تسمّى: صلاة التسبيح، و صلاة الحبوة (1)، و هي من المستحبات الأكيدة، و مشهورة بين العامة (2) و الخاصة، و الأخبار متواترة فيها، فعن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «أنّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجعفر: ألا أمنحك، ألا أعطيك، ألا أحبوك، فقال له جعفر: بلى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

فظنّ الناس أنّه يعطيه ذهبا أو فضة، فتشوّف الناس لذلك، فقال له: إنّي أعطيك شيئا إن أنت صنعته كلّ يوم كان خيرا لك من الدنيا و ما فيها، فإن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما».

و في خبر آخر قال صلّى اللّه عليه و آله: «إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أعلّمك صلاة إذا أنت صلّيتها لو كنت فررت من الزحف (فصل في صلاة جعفر)

______________________________

(1) أما تسميتها بصلاة التسبيح، فلتكرر التسبيحات فيها. و أما صلاة الحبوة، فلأنّها حباها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجعفر كما في الحديث (1).

(2) و إن نسبها إلى عباس (2) و النسبة غير صحيحة، لأنّ أهل البيت أدرى بما في البيت.

ص: 112


1- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة جعفر حديث: 5.
2- راجع سنن ابن ماجه صفحة: 442 باب: 190 ج: 1.

و كان عليك مثل رمل عالج و زبد البحر ذنوبا غفرت لك قال: بلى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» و الظاهر أنّه حباه إياها يوم قدومه من سفره، و قد بشر ذلك اليوم بفتح خيبر، فقال صلّى اللّه عليه و آله:

«و اللّه ما أدري بأيّهما أنا أشدّ سرورا بقدوم جعفر، أو بفتح خيبر، فلم يلبث أن جاء جعفر، فوثب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فالتزمه و قبّل ما بين عينيه ثمَّ قال صلّى اللّه عليه و آله: إلا أمنحك- الحديث».

و هي: أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل منها الحمد و سورة، ثمَّ يقول: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر» خمس عشرة مرّة، و كذا يقول في الركوع عشر مرّات، و بعد رفع الرأس منه عشر مرّات و في السجدة الأولى عشر مرّات، و بعد الرفع منها عشر مرّات و كذا في السجدة الثانية عشر مرّات، و بعد الرفع منها عشر مرّات ففي كل ركعة خمس و سبعون مرّة، و مجموعها ثلاثمائة تسبيحة.

مسألة 1: يجوز إتيان هذه الصلاة في كل من اليوم و الليلة

(مسألة 1): يجوز إتيان هذه الصلاة في كل من اليوم و الليلة، و لا فرق بين الحضر و السفر (3) و أفضل أوقاتها يوم الجمعة، حين ارتفاع الشمس (4) و يتأكد إتيانها في ليلة النصف من شعبان (5).

______________________________

(3) لقوله عليه السّلام في خبر ذريح: «إن شئت صلّ صلاة التسبيح بالليل، و إن شئت بالنهار، و إن شئت في السفر، و إن شئت جعلتها من نوافلك»(1).

(4) لقوله عليه السّلام: «أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة» (2).

(5) لقول أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «إن أحببت أن تتطوّع في ليلة النصف من شعبان بشي ء، فعليك بصلاة جعفر بن أبي طالب» (3).

ص: 113


1- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.

مسألة 2: لا يتعيّن فيها سورة مخصوصة

(مسألة 2): لا يتعيّن فيها سورة مخصوصة (6)، لكن الأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى: إذا زلزلت، و في الثانية و العاديات، و في الثالثة إذا جاء نصر اللّه، و في الرابعة. قل هو اللّه أحد.

مسألة 3: يجوز تأخير التسبيحات إلى ما بعد الصلاة إذا كان مستعجلا

(مسألة 3): يجوز تأخير التسبيحات إلى ما بعد الصلاة إذا كان مستعجلا (7)، كما يجوز التفريق بين الصلاتين إذا كان له حاجة ضرورية، بأن يأتي بركعتين ثمَّ بعد قضاء تلك الحاجة يأتي بركعتين أخريين (8).

______________________________

(6) أما الأول، فلإطلاق جملة من الأخبار (1). و أما الثاني، فعلى المشهور لقول الرضا عليه السّلام في خبر إبراهيم بن عبد الحميد: «يقرأ في الأولى إذا زلزلت، و في الثانية و العاديات، و في الثالثة إذا جاء نصر اللّه و الفتح، و في الرابعة بقل هو اللّه أحد»(2)، و مثله غيره المحمول على الأفضلية إجماعا، و في بعض الأخبار ذكر العاديات في الركعة الأولى (3) و يمكن الحمل على التخيير، و في الفقه الرضوي: «و إن شئت صلّيت كلها بقل هو اللّه أحد» (4).

(7) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من كان مستعجلا يصلّي صلاة جعفر مجرّدة ثمَّ يقضي التسبيح و هو ذاهب في حوائجه» (5).

(8) للأصل، و خبر عليّ بن الريان أنّه قال: «كتبت إلى أبي الحسن الماضي الأخير عليه السّلام أسأله عن رجل صلّى صلاة جعفر ركعتين ثمَّ تعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة أ يقطع ذلك لحادث يحدث؟ أ يجوز له أن يتمّها إذا فرغ من حاجته و إن قام من مجلسه أو لا يحتسب بذلك إلا أن يستأنف الصلاة و يصلّي الأربع ركعات كلها في مقام واحد؟ فكتب عليه السّلام: «بلى إن قطعه

ص: 114


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة جعفر حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.

مسألة 4: يجوز احتساب هذه الصلاة من نوافل الليل أو النهار أداء و قضاء

(مسألة 4): يجوز احتساب هذه الصلاة من نوافل الليل أو النهار أداء و قضاء، فعن الصادق عليه السّلام: «صلّ صلاة جعفر أيّ وقت شئت من ليل أو نهار، و إن شئت حسبتها من نوافل الليل و إن شئت حسبتها من نوافل النهار حسب لك من نوافلك و تحسب لك صلاة جعفر»، و المراد من الاحتساب تداخلهما، فينوي بالصلاة كونها نافلة و صلاة جعفر، و يحتمل أنّه ينوي صلاة جعفر و يجتزئ بها عن النافلة، و يحتمل أنّه ينوي النافلة و يأتي بها بكيفية صلاة جعفر فيثاب ثوابها أيضا (9).

و هل يجوز إتيان الفريضة بهذه الكيفية أو لا؟ قولان لا يبعد الجواز على الاحتمال الأخير (10)، دون الأولين. و دعوى أنّه تغيير لهيئة الفريضة و العبادات توقيفية مدفوعة: بمنع ذلك بعد جواز كل ذكر و دعاء في الفريضة، و مع ذلك الأحوط الترك (11).

مسألة 5: يستحب القنوت فيها في الركعة الثانية

(مسألة 5): يستحب القنوت فيها في الركعة الثانية من كل من

______________________________

عن ذلك أمر لا بد له منه فليقطع ثمَّ ليرجع فليبن على ما بقي إن شاء اللّه» (1).

(9) و مقتضى الإطلاق جواز الجميع و صحة الاجتزاء لهما، و لكن احتمال الأول أقرب إلى ظاهر النص، و يمكن الإشكال في الأخيرين معا بانصراف الإطلاق عنهما.

(10) لأنّه حينئذ قصد مجرّد الفريضة و أتى بالتسبيحات بكيفية خاصة فيشمله قوله عليه السّلام: «كل ما ذكرت اللّه عزّ و جل به و النبيّ فهو من الصلاة»(2).

(11) لكون هذه الكيفية غير مأنوسة في الفريضة عند المتشرعة خلفا عن سلف.

ص: 115


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 4.

الصلاتين، للعمومات، و خصوص بعض النصوص (12).

مسألة 6: لو سها عن بعض التسبيحات أو كلها في محل

(مسألة 6): لو سها عن بعض التسبيحات أو كلها في محل، فتذكر في المحل الآخر يأتي به، مضافا إلى وظيفته و إن لم يتذكر إلا بعد الصلاة قضاه بعدها (13).

مسألة 7: الأحوط عدم الاكتفاء بالتسبيحات عن ذكر الركوع و السجود

(مسألة 7): الأحوط عدم الاكتفاء بالتسبيحات عن ذكر الركوع و السجود، بل يأتي به أيضا فيهما قبلها أو بعدها (14).

______________________________

(12) كخبر رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا عليه السّلام: «أنّه كان يصلّي صلاة جعفر أربع ركعات، يسلّم في ركعتين و يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع و بعد التسبيح» (1).

و أما ما في خبر الاحتجاج عن صاحب الأمر (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف): «و القنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع، و في الرابعة بعد الركوع» (2) فلم أجد عاجلا من أفتى به، فليرد علمه إلى أهله.

(13) أما الأول: فلما عن صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه) فيما سئل عنه عن السهو في تسبيح صلاة جعفر: «إذا سها في حالة عن ذلك ثمَّ ذكره في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره» (3).

أما الثاني: فيمكن استفادته من أصل تشريع القضاء في التسبيحات بعد الصلاة في الجملة- كما تقدم في صورة الاستعجال- مضافا إلى إطلاق الفقه الرضوي: «و إن نسيت التسبيح في ركوعك، أو سجودك- أو في قيامك، فاقض حيث ذكرت على أيّ حال تكون» (4) و الأحوط قصد الرجاء.

(14) لإطلاق أدلة اعتبار الذكر في الركوع و السجود مطلقا، و قصور أدلة

ص: 116


1- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة جعفر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة جعفر.
4- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.

مسألة 8: يستحب أن يقول في السجدة الثانية من الركعة الرابعة بعد التسبيحات

(مسألة 8): يستحب أن يقول في السجدة الثانية من الركعة الرابعة بعد التسبيحات: «يا من لبس العزّ و الوقار، يا من تعطف بالمجد و تكرم به يا من لا ينبغي التسبيح الا له يا من أحصى كل شي ء علمه، يا ذا النعمة و الطول، يا ذا المن و الفضل يا ذا القدرة و الكرم أسألك بمعاقد العز من عرشك و بمنتهى الرحمة من كتابك و باسمك الأعظم الأعلى و بكلماتك التامات أن تصلّي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا و كذا» و يذكر حاجاته (15).

______________________________

المقام عن صحة الاكتفاء بالتسبيحات عنه، مضافا إلى أصالة عدم التداخل.

(15) و في بعض الأخبار: «سبحان من لبس العزّ و الوقار» (1) و هكذا ذكر لفظ «سبحان» بدل «ياء» النداء في جميع الفقرات، و لعل ذلك أولى بمناسبة التسبيح المذكور في سائر موارد هذه الصلاة و تسميتها بصلاة التسبيح.

ص: 117


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة جعفر حديث: 1.

فصل في صلاة الغفيلة

(فصل في صلاة الغفيلة) و هي: ركعتان بين المغرب و العشاء (1) يقرأ في الأولى بعد الحمد وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، و في الثانية بعد الحمد وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ ثمَّ يرفع يديه و يقول: «اللهم إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلّي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا و كذا- و يذكر حاجاته، ثمَّ يقول- اللهم أنت وليّ نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي و أسألك بحق محمد و آله عليه و عليهم السّلام لما قضيتها لي» و يسأل حاجاته و الظاهر أنّها غير نافلة المغرب (2)، و لا يجب جعلها منها بناء على المختار من جواز النوافل لمن عليه فريضة (3).

(فصل في صلاة الغفيلة)

______________________________

(1) تقدم ما يتعلق بصلاة الغفيلة، و صلاة الوصية في [مسألة 2] من (فصل أعداد الفرائض و نوافلها) و لا وجه للتكرار (1).

(2) لما تقدم في [مسألة 2] من (فصل أعداد الفرائض و نوافلها) في أول كتاب الصلاة.

(3) لما تقدم في [مسألة 16] من (فصل أوقات الرواتب).

ص: 118


1- راجع المجلد الخامس صفحة 24- 26.

فصل في صلاة أول الشهر

(فصل في صلاة أول الشهر) يستحب في اليوم الأول من كل شهر (1) أن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد، قل هو اللّه ثلاثين مرّة، و في الثانية بعد الحمد: إنّا أنزلناه ثلاثين مرة، ثمَّ يتصدق بما تيسر فيشتري سلامة تمام الشهر بهذا، و يستحب أن يقرأ بعد الصلاة هذه الآيات (2): بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهٰا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا وَ مُسْتَوْدَعَهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلٰا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ بسم اللّه الرحمن الرحيم سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً- مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ- حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ- لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ- رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ- رَبِّ لٰا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوٰارِثِينَ، و يجوز الإتيان بها في تمام اليوم، و ليس لها وقت معيّن.

(فصل في صلاة أول الشهر)

______________________________

(1) إجماعا، و نصّا (1).

(2) كما رواه السيد ابن طاوس (قدس سره) (2).

ص: 119


1- الوسائل باب: 45 من أبواب بقية الصلوات و آدابها حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث: 2.

فصل في صلاة الوصية

(فصل في صلاة الوصية) و هي (1): ركعتان بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد و إذا زلزلت ثلاث عشرة مرّة، و في الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرّة، فعن الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

أوصيكم بركعتين بين العشاءين- إلى أن قال:- فإن فعل ذلك كل شهر كان من المؤمنين، فإن فعل كل سنة كان من المحسنين، فإن فعل ذلك في كل جمعة كان من المخلصين، فإن فعل ذلك في كل ليلة زاحمني في الجنة و لم يحص ثوابه إلا اللّه تعالى.

(فصل في صلاة الوصية)

______________________________

(1) تقدم ما يتعلق بها في المسألة الثانية من (فصل أعداد الفرائض و نوافلها).

ص: 120

فصل في صلاة يوم الغدير

(فصل في صلاة يوم الغدير) و هو: الثامن عشر من ذي الحجة، و هي: ركعتان يقرأ في كل ركعة سورة الحمد و عشر مرّات قل هو اللّه أحد، و عشر مرّات آية الكرسي، و عشر مرّات إنا أنزلناه، ففي خبر عليّ بن الحسين العبدي عن الصادق عليه السّلام: «من صلّى فيه أي في يوم الغدير- ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل اللّه عزّ و جل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرّة، و عشر مرّات قل هو اللّه أحد، و عشر مرّات آية الكرسي، و عشر مرّات إنا أنزلناه عدلت عند اللّه عزّ و جل مائة ألف حجة و مائة ألف عمرة، و ما سأل اللّه عز و جل حاجة من حوائج الدنيا و حوائج الآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة، و إن فاتتك الركعتان قضيتها بعد ذلك».

و ذكر بعض العلماء (1) أنّه يخرج إلى خارج المصر، و أنّه يؤتى بها جماعة، و أنّه يخطب الإمام خطبة مقصورة مشتملة على حمد اللّه و الثناء و الصلاة على محمد و آله و التنبيه على عظم حرمة هذا اليوم، لكن لا دليل على ما ذكره (2) و قد مرّ الإشكال في إتيانها جماعة في باب صلاة الجماعة.

(فصل في صلاة يوم الغدير)

______________________________

(1) نسب ذلك إلى أبي الصلاح.

(2) و لعله استفاد ذلك فيما ورد في صلاة العيدين (1) بإلغاء الخصوصية.

ص: 121


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد. الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة العيد.

فصل في صلاة قضاء الحاجات و كشف المهمات

(فصل في صلاة قضاء الحاجات و كشف المهمات) (1) و قد وردت بكيفيات (2): (فصل في صلاة قضاء الحاجات و كشف المهمات)

______________________________

(1) يدل على استحباب هذه الصلاة الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب قوله تعالى وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلٰاةِ (1).

و من السنة: الأخبار المستفيضة، بل المتواترة بين الفريقين منها قول الصادق عليه السّلام: «من توضأ فأحسن الوضوء و صلّى ركعتين، فأتم ركوعهما و سجودهما، ثمَّ جلس فأثنى على اللّه عزّ و جل و صلّى على رسوله فقد طلب الخير في مظانّه، و من طلب الخير في مظانّه لم يخب» (2)، و عنه عليه السّلام: «ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ ثمَّ يدخل المسجد، فيركع ركعتين، فيدعو اللّه فيها- الحديث-» (3) هذه هي المطلقات. و قد وردت أخبار خاصة لصلاة الحاجة بكيفيات مخصوصة راجع مصباحي الشيخ و الكفعمي و غيرهما.

و من الإجماع: إجماع الفريقين. و من العقل حكم كل ذي شعور بأنّه نعم الشي ء الهدية أمام الحاجة.

(2) تعرضوا لجملة كثيرة منها في كتب الأدعية، و البحار، و غيرها من المجامع.

ص: 122


1- سورة البقرة: 45.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب بقية الصلاة المندوبة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب بقية الصلاة المندوبة حديث: 3.

.....

______________________________

منها: ما قيل إنّه مجرب مرارا، و هو ما رواه زياد القندي عن عبد الرحيم القصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صل ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قلت: ما أصنع؟ قال عليه السّلام:

تغتسل و تصلّي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة و تشهد تشهد الفريضة، فإذا فرغت من التشهد و سلّمت قل: اللّهم أنت السّلام و منك السّلام و إليك يرجع السّلام اللهم صلّ على محمد و آل محمد و بلّغ روح محمد منّي السّلام و بلغ أرواح الأئمة الصالحين سلامي و اردد عليّ منهم السّلام و السّلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته، اللهم إنّ هاتين الركعتين هدية منّي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأثبني عليهما ما أملت و رجوت فيك و في رسولك يا وليّ المؤمنين، ثمَّ تخر ساجدا و تقول يا حيّ يا قيوم يا حيّا لا يموت يا حيّ لا إله إلا أنت يا ذا الجلال و الإكرام يا أرحم الراحمين أربعين مرّة، ثمَّ ضع خدك الأيمن فتقولها:

أربعين مرّة، ثمَّ ضع خدك الأيسر، فتقولها: أربعين مرّة، ثمَّ ترفع رأسك و تمد يدك فتقول: أربعين مرّة، ثمَّ ترد يدك إلى رقبتك و تلوذ بسبابتك و تقول ذلك أربعين مرة، ثمَّ خذ لحيتك بيدك اليسرى و ابك أو تباك و قل: يا محمد يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أشكو إلى اللّه و إليك حاجتي و إلى أهل بيتك الراشدين حاجتي و بكم أتوجه إلى اللّه في حاجتي، ثمَّ تسجد و تقول: يا اللّه يا اللّه حتى ينقطع نفسك صلّ على محمد و آل محمد و افعل بي كذا و كذا، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فأنا الضامن على اللّه عزّ و جل أن لا يبرح حتى تقضى حاجته.

ص: 123

فصل الصلوات المستحبة كثيرة

اشارة

(فصل الصلوات المستحبة كثيرة) و هي أقسام: منها نوافل الفرائض اليومية، و مجموعها ثلاث و عشرون ركعة بناء على احتساب ركعتي الوتيرة بواحدة: (1).

منها: نافلة الليل

منها: نافلة الليل إحدى عشرة ركعة (2).

و منها: الصلوات المستحبة في أوقات مخصوصة

و منها: الصلوات المستحبة في أوقات مخصوصة، كنوافل شهر رمضان (3) (فصل الصلوات المستحبة كثيرة)

______________________________

(1) تقدم في (فصل أعداد الفرائض و نوافلها).

(2) تعرضنا له في الفصل المزبور فراجع.

(3) نصوصا متواترة في الجملة، و إجماعا- إلا ما نسب إلى ابن بابويه- و أما الأخبار الدالة على المشهور فكثيرة منها خبر المفضل عن الصادق عليه السّلام: «تصلّي في شهر رمضان زيادة ألف ركعة قال: قلت: و من يقدر على ذلك؟ قال: ليس حيث تذهب، أ ليس تصلي في شهر رمضان زيادة ألف ركعة في تسع عشرة منه في كل ليلة عشرين ركعة، و في ليلة تسع عشرة مائة ركعة، و في ليلة إحدى و عشرين مائة ركعة، و في ليلة ثلاث و عشرين مائة ركعة، و تصلّي في ثمان ليال منه في العشر الأواخر من كل ليلة ثلاثين ركعة، فهذه تسعمائة و عشرون ركعة.

قال: قلت: جعلني اللّه فداك فرّجت عنّي- إلى أن قال-: فكيف تمام الألف ركعة؟ قال: تصلّي في كل يوم جمعة في شهر رمضان أربع ركعات لأمير المؤمنين عليه السّلام و تصلي ركعتين لابنة محمد صلّى اللّه عليه و آله و تصلي بعد الركعتين أربع ركعات لجعفر الطيار .. إلى أن قال: اسمع و عه و علّم ثقات إخوانك هذه الأربع

ص: 124

.....

______________________________

و الركعتين، فإنّهما أفضل الصلوات بعد الفرائض، فمن صلاها في شهر رمضان أو غيره انفتل و ليس بينه و بين اللّه عزّ و جل من ذنب- الحديث-»(1) و مثله غيره.

و بإزاء هذه الأخبار أخبار مستفيضة ظاهرة في نفي مشروعية الزيادة على سائر الشهور منها: صحيح الحلبي قال: «سألته عن الصلاة في رمضان، فقال: ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر و ركعتا الصبح بعد الفجر كذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي و أنا كذلك أصلّي، و لو كان خيرا لم يتركه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).

و قد جمع بين القسمين من الأخبار تارة: بحمل الثاني على نفي الوجوب.

و أخرى: بحمله على عدم تأكد الاستحباب. و ثالثة: بالحمل على التقية.

و رابعة: برده إلى أهله، لعدم إمكان طرح القسم الأول من جهة التواتر الإجمالي.

و لتوزيعها كيفيتان: إحداهما: أن يصلّي في كل ليلة من الشهر عشرين ركعة ثمان بعد المغرب، و اثنتي عشرة ركعة بعد العشاء، لجملة من الأخبار منها خبر أبي بصير (3)، و يجوز العكس، لخبر سماعة بن مهران (4). و عن غير واحد من المتأخرين الحمل على التخيير، لأنّ الحكم من أصله استحبابيّ يناسب التسهيل و التيسير. و يزيد في كل ليلة- في العشر الأواخر- عشر ركعات، و في الليالي الثلاث القدرية كل ليلة مائة ركعة مضافة إلى وظيفتها و ذلك تمام الألف.

خمسمائة في العشرين، و خمسمائة في العشرة.

ثانيهما: عين هذه الكيفية، لكن بالاقتصار على المائة في كل ليلة قدر و تفريق الثمانين المتخلفة و هي العشرون من ليلة القدر الأولى، و الستون من ليلتي القدر بعدها على الجمع الأربع بصلاة عليّ عليه السّلام- و هي أربع ركعات- و فاطمة- و هي اثنتان- و جعفر- و هي أربع ركعات. و لو اتفق في الشهر جمعة خامسة تخيّر في الساقطة، و يصح أن يجعل لها قسطا بما شاء و في ليلة آخر جمعة

ص: 125


1- الوسائل باب: 7 من أبواب نافلة شهر رمضان حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب نافلة شهر رمضان حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب نافلة شهر رمضان حديث: 5.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب نافلة شهر رمضان حديث: 3.

و نوافل شهر رجب و شهر شعبان (4) و نحوها، و كصلاة الغدير، و الغفيلة، و الوصية و أمثالها.

و منها: الصلوات التي لها أسباب

و منها: الصلوات التي لها أسباب، كصلاة الزيارة، و تحية المسجد، و صلاة الشكر و نحوها (5).

و منها: الصلوات المستحبة لغايات مخصوصة

و منها: الصلوات المستحبة لغايات مخصوصة كصلاة الاستسقاء و صلاة طلب قضاء الحاجة، و صلاة كشف المهمات، و صلاة طلب الرزق، و صلاة طلب الذكاء و جودة الذهن و نحوها.

و منها: الصلوات المعينة المخصوصة

و منها: الصلوات المعينة المخصوصة بدون سبب و غاية و وقت كصلاة جعفر، و صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صلاة أمير المؤمنين عليه السّلام، و صلاة فاطمة عليها السّلام، و صلاة سائر الأئمة عليهم السّلام.

و منها: النوافل المبتدئة

و منها: النوافل المبتدئة فإنّ كل وقت و زمان يسع صلاة ركعتين يستحب إتيانها و بعض المذكورات، بل أغلبها لها كيفيات مخصوصة مذكورة في محلها.

______________________________

عشرون بصلاة عليّ عليه السّلام، و في ليلة آخر سبت عشرون بصلاة فاطمة، كل ذلك لخبر المفضل- كما تقدم- (1) و قد فصل القول فيما ذكرناه في الجواهر.

(4) و هي كثيرة، فلتراجع كتب الأدعية، و ما ألف في أعمال الشهور الثلاثة.

(5) كصلاة ليلة الفطر، و ليالي العشرة الأولى من ذي الحجة و غيرهما مما هو كثير جدّا أغنتنا كتب الأدعية عن التعرض لها.

ص: 126


1- تقدم في صفحة: 124.

فصل في كيفية الصلوات المندوبة

اشارة

(فصل في كيفية الصلوات المندوبة) جميع الصلوات المندوبة يجوز إتيانها جالسا اختيارا (1)، و كذا ماشيا و راكبا، في المحمل و السفينة (2)، لكن إتيانها قائما أفضل (3) حتى الوتيرة، و إن كان الأحوط الجلوس فيها (4) و في جواز إتيانها نائما مستلقيا أو مضطجعا في حال الاختيار إشكال (5).

(فصل جميع الصلوات المندوبة)

______________________________

(1) للإجماع، و النصوص منها خبر سهل بن اليسع عن أبي الحسن الأول عليه السّلام: «عن الرجل يصلي النافلة قاعدا و ليست به علة في سفر، أو حضر قال عليه السّلام: لا بأس به» (1).

(2) لما تقدم في (فصل فيما يستقبل له) عند قوله رحمه اللّه: «و لا يجب فيها الاستقرار و الاستقبال» (2).

(3) للإجماع، و لأنّ القيام بين يدي المولى عند عبادته من أهمّ مظاهر ذل العبودية.

(4) لما تقدم في أول (فصل أعداد الفرائض و نوافلها).

(5) ظاهر المحقق، و صريح الشهيد عدم الجواز، لأصالة عدم شرعية الصلاة بهذه الكيفية، و صريح العلامة في النهاية الجواز، و يظهر ذلك من الجواهر و مصباح الفقيه أيضا للمسامحة في الكيفية كالمسامحة في أصلها ما لم يرد

ص: 127


1- الوسائل باب: 4 من أبواب القيام حديث: 2.
2- راجع ج: 5 صفحة:- 201.

مسألة 1: يجوز في النوافل إتيان ركعة قائما و ركعة جالسا

(مسألة 1): يجوز في النوافل إتيان ركعة قائما و ركعة جالسا، بل يجوز إتيان بعض الركعة جالسا و بعضها قائما (6).

مسألة 2: يستحب إذا أتى بالنافلة جالسا أن يحسب كل ركعتين بركعة

(مسألة 2): يستحب إذا أتى بالنافلة جالسا أن يحسب كل ركعتين بركعة، مثلا إذا جلس في نافلة الصبح يأتي بأربع ركعات بتسليمتين. و هكذا (7).

______________________________

دليل على المنع عنها، و للنبوي: «من صلّى نائما فله نصف أجر القاعد» (1) و ما ورد من جواز في إتيان نوافل شهر رمضان مستلقيا (2)، و لفحوى ما ورد من جواز إتيانها ماشيا (3)، و يكفي في المندوب تسامحا، و تقتضيه أيضا سهولة الشريعة و سعة رحمة اللّه تعالى بما لا نهاية له، مؤيدا بما ورد من جواز فعلها ماشيا، و على الراحلة (4). اختيارا مع استلزامه الإخلال بجملة من أفعالها و كيفيتها، و لقاعدة الميسور، و لما ورد عن أبي بصير في نوافل شهر رمضان عن الصادق عليه السّلام: «قلت: جعلت فداك فإن لم أقو قائما؟ قال عليه السّلام: جالسا قلت: فإن لم أقو جالسا؟ قال: فصلّ و أنت مستلق على فراشك» (5) فإنّ الظاهر منه إرادة الضعف في الجملة لا عدم القدرة الموجبة لانقلاب التكليف، و طريق الاحتياط أن يأتي برجاء المطلوبية لا التوظيف الشرعي.

(6) كل ذلك لإطلاق أدلة الجلوس و القيام الشامل للمركب منهما أيضا بأيّ نحو كان التركيب ما لم يدل دليل على الخلاف و هو مفقود، بل يجوز التمسك بالأصل بعد عدم كون القيام فيها شرط الصحة.

(7) لقول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «إذا صلّى الرجل جالسا و هو

ص: 128


1- راجع سنن أبي داود ج: 1 صفحة: 344 ط: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب نافلة شهر رمضان حديث: 5.
3- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب القيام.
4- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب القيام.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب نافلة شهر رمضان حديث: 5.

مسألة 3: إذا صلى جالسا و أبقى من السورة آية أو آيتين فقام و أتمها و ركع عن قيام يحسب له صلاة القائم

(مسألة 3): إذا صلى جالسا و أبقى من السورة آية أو آيتين فقام و أتمها و ركع عن قيام يحسب له صلاة القائم، و لا يحتاج حينئذ إلى احتساب ركعتين بركعة (8).

مسألة 4: لا فرق في الجلوس بين كيفياته

(مسألة 4): لا فرق في الجلوس بين كيفياته فهو مخيّر بين

______________________________

يستطيع القيام فليضعف» (1)، و عن عليّ بن جعفر عليه السّلام: «سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلّي؟ قال عليه السّلام: يصلّي النافلة و هو جالس و يحتسب كل ركعتين بركعة، و أما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة» (2) و يحمل الأول على شدّة تأكد الاستحباب بالنسبة إلى من يستطيع القيام، و في خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له: إنّا نتحدث نقول من صلّى و هو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة و سجدتين بسجدة، فقال: ليس هو هكذا هي تامّة لكم» (3) و يظهر منه أنّ الحكم الأول و إن كان كذلك أي احتساب ركعتين بركعة و لكن يحتسب تماما بالنسبة إلى بعض خواص المؤمنين تفضلا عليهم.

(8) للإجماع، و النص، قال أبو الحسن عليه السّلام في الصحيح: «فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها و اركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم» (4).

فرعان- (الأول): لو اقتصر في النافلة على الفاتحة فقط و أبقى من آخرها آية و قام و أتمها و ركع يمكن شمول الحكم له أيضا، لأنّ المناط الركوع عن قيام مع قراءة شي ء و قد حصل، و الاحتياط في أن يفعل ذلك رجاء.

(الثاني): في الصلاة التي يؤتى فيها بسور متعدّدة لو قرأ السور و أبقى واحدة منها و فعل ذلك يلحقها الحكم أيضا، و يمكن شمول الحكم لصلاة جعفر أيضا إذا أتى بها جالسا و أبقى تسبيحة و قام و أتى بها و ركع.

ص: 129


1- الوسائل باب: 5 من أبواب القيام حديث: 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب القيام حديث: 5.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب القيام حديث: 1.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب القيام حديث: 3.

أنواعها حتى مد الرجلين: نعم، الأولى أن يجلس متربعا و يثني رجليه حال الركوع، و هو: أن ينصب فخذيه و ساقيه من غير إقعاء- إذ هو مكروه- و هو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه، و كذا يكره الجلوس بمثل إقعاء الكلب (9).

مسألة 5: إذا نذر النافلة مطلقا

(مسألة 5): إذا نذر النافلة مطلقا يجوز له الجلوس فيها (10) و إذا نذرها جالسا، فالظاهر انعقاد نذره، و كون القيام أفضل لا يوجب فوات الرجحان في الصلاة جالسا غايته أنّها أقلّ ثوابا، لكنّه لا يخلو عن إشكال (11).

مسألة 6: النوافل كلها ركعتان

(مسألة 6): النوافل كلها ركعتان لا يجوز الزيادة عليهما و لا النقيصة، إلا في صلاة الأعرابي و الوتر (12).

مسألة 7: تختص النوافل بأحكام

(مسألة 7): تختص النوافل بأحكام (13):

______________________________

(9) لإطلاق الأخبار، و قد تقدم في [مسألة 31] من (فصل القيام) أيضا، و [مسألة 1] من (فصل مستحبات السجود)، و [مسألة 2 و 5] من (فصل التشهد) فراجع إذ لا وجه للتكرار.

(10) للإطلاقات الشاملة لما إذا وجبت بالعرض أيضا، مع أنّ النذر تعلق بما هو المشروع و المفروض مشروعية الجلوس فيها إلا إذا كانت في البين قرينة دالة على تعين خصوص القيام و هي مفقودة، إلا دعوى عدم جواز الجلوس في الصلاة الواجبة و هو باطل، لأنّ الوجوب عرض على ما يتخيّر المكلف به بين الجلوس و القيام.

(11) بناء على أنّه يعتبر في متعلق النذر الرجحان من كل حيثية و جهة و لكنّه لا دليل عليه كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

(12) لما تقدم في [مسألة 1] من أول كتاب الصلاة.

(13) أنهاها في البحار إلى سبعة عشر فراجع، و لكن بعضها مخدوشة.

ص: 130

منها: جواز الجلوس و المشي فيها اختيارا كما مر.

و منها: عدم وجوب السورة فيها إلا بعض الصلوات المخصوصة (14) بكيفيات مخصوصة.

و منها: جواز الاكتفاء ببعض السورة فيها.

و منها: جواز قراءة أزيد من سورة من غير إشكال (15).

و منها: جواز قراءة العزائم فيها.

و منها: جواز العدول فيها من سورة إلى أخرى مطلقا.

و منها: عدم بطلانها بزيادة الركن سهوا.

و منها: عدم بطلانها بالشك بين الركعات، بل يتخير بين البناء على الأقل أو على الأكثر.

و منها: أنّه لا يجب سجود السهو و لا قضاء السجدة و التشهد المنسيين، و لا صلاة الاحتياط (16).

و منها: لا إشكال في جواز إتيانها في جوف الكعبة أو سطحها (17).

و منها: أنّه لا يشرع فيها الجماعة إلا في صلاة الاستسقاء و على قول في صلاة الغدير (18).

______________________________

(14) راجع [مسألة 5] من (فصل القراءة).

(15) راجع [مسألة 10] من (فصل القراءة)، و لجواز قراءة العزائم [مسألة 6] من ذلك الفصل، و لجواز العدول [مسألة 18] منه.

(16) راجع لكل ذلك السابع من الشكوك التي لا اعتبار بها و المسألة العاشرة بعده.

(17) تقدم في [مسألة 30] من (فصل مكان المصلّي) فراجع.

(18) تقدم في [مسألة 2] من (فصل الجماعة).

ص: 131

و منها: جواز قطعها اختيارا (19).

و منها: أنّ إتيانها في البيت أفضل من إتيانها في المسجد إلا ما يختص به على ما هو المشهور و إن كان في إطلاقه إشكال (20).

______________________________

(19) تقدم في (فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختيارا) فراجع (1).

(20) لا إشكال فيه لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح:

«كل ما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من أسراره، و كل ما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه»(2)، و قول مولانا الرضا عليه السّلام: «المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة و المذيع بالسيئة مخذول، و المستتر بها مغفور له» (3).

و هذه من القواعد الكلية التي تجري في جميع المندوبات إلا إذا كانت قرينة معتبرة على الخلاف، مع أنّ استتار العبادة أبعد عن تدخل الرياء فيها. ثمَّ إنّه قد أنهى المجلسي رحمه اللّه في الصلاة من البحار الفرق بين الفريضة و النافلة إلى سبعة عشر (4).

ص: 132


1- راجع الجزء: 7 صفحة: 236.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 84 من أبواب جهاد النفس.
4- راجع كتاب الصلاة من البحار صفحة 533 الطبعة الحجرية.

فصل في صلاة المسافر

اشارة

(فصل في صلاة المسافر) لا إشكال في وجوب القصر على المسافر (1)- مع اجتماع الشرائط

______________________________

(فصل في صلاة المسافر) لا ريب في ملازمة السفر للمشقة و تغير الأحوال في الجملة خصوصا الأسفار القديمة، فيناسب التسهيل في التكاليف العامة البلوى لعامة المكلفين- كالصلاة و الصوم- و هذا التسهيل حكمة الجعل لا أن يكون علة تامة منحصرة- كما في سائر علل التكاليف الواردة في الشريعة- فلا ينافي أن لا تكون المشقة في جملة الأسفار، بل كانت فيها الراحة من كل جهة، لأنّ حكم التكاليف ملحوظة بالنسبة إلى الغالب و النوع.

(1) بضرورة المذهب، و للنصوص المتواترة ففي صحيح زرارة و ابن مسلم: «قلنا لأبي جعفر عليه السّلام ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي؟

و كم هي؟ فقال: إنّ اللّه عزّ و جل يقول وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر. قالا: قلنا له: أما قال اللّه عزّ و جل و ليس عليكم جناح و لم يقل افعلوا؟!! فكيف أوجب ذلك؟ فقال عليه السّلام: أو ليس قد قال اللّه عز و جل في الصّفا و المروة فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا ألا ترى أنّ الطواف بهما واجب مفروض، لأنّ اللّه عزّ و جل ذكره في كتابه و صنعه نبيه، و كذلك التقصير في السفر شي ء صنعه النبيّ و ذكره اللّه في كتابه» (1).

ص: 133


1- الوسائل باب: 22 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

الآتية- (2) بإسقاط الركعتين الأخيرتين من الرباعيات (3).

و أما الصبح و المغرب فلا قصر فيهما (4)

فصل و أما شروط القصر فأمور

اشارة

و أما شروط القصر فأمور:

الأول: المسافة
اشارة

(الأول): المسافة (5) و هي ثمانية فراسخ امتدادية (6) ذهابا أو

______________________________

(2) لما يأتي من الأدلة على اعتبارها.

(3) للضرورة، و النصوص:

منها: قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلا المغرب ثلاث» (1).

و منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «عشر ركعات ركعتان من الظهر و ركعتان من العصر، و ركعتان من الصبح و ركعتا المغرب و ركعتا العشاء الأخيرة ليس فيهنّ الوهم- إلى أن قال-: فرضها اللّه عزّ و جل- إلى أن قال-: فزاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في صلاة المقيم غير المسافر ركعتين في الظهر و العصر و العشاء الأخيرة و ركعة في المغرب للمقيم و المسافر» (2).

(4) للإجماع، و النصوص التي تقدم بعضها.

(5) للأدلة الأربعة:

أما الكتاب فلقوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ (3).

و أما السنة: فقد مر التعرض لبعضها.

و أما الإجماع: فهو من المسلمين.

و أما العقل: فحكمه بأنّ منشأ الاختلاف هو السفر. نعم، هذا من الأحكام غير المستقلة له كما لا يخفى.

(6) البحث في هذه المسألة من جهات:

ص: 134


1- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 12.
3- سورة النساء: 101.

.....

______________________________

الجهة الأولى: في تحديد أصل المسافة و قد حدّت في الروايات بتحديدات- إجمالية، و تفصيلية زمانية، و مكانية- كلها ترجع إلى حدّ واحد، و مقتضى المتعارف بين الناس تحديد المسافة بالمساحة المكانية، فيكون التحديد الزماني طريقا إليها، لا أن يكون له موضوعية خاصة- كما أنّه يحمل المجمل على المفصّل في المحاورات العرفية- فيكون مرجع الكل إلى واحد و هو التحديد بحسب المساحة المكانية، و بذلك يجمع بين الشتات من الأخبار.

فمن الأول: قول الرضا عليه السّلام: «التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد، و إذا قصرت أفطرت» (1) و نحوه غيره.

و من الثاني: المشتمل على الأخيرين أيضا، موثق سماعة: «سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال عليه السّلام: «في مسيرة يوم و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ» (2)، و عن الصادق عليه السّلام في خبر الكاهلي «التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا- إلى أن قال-: «و قد سافر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ذي خشب و هو مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربعة و عشرون ميلا، فقصر و أفطر، فصار سنة» (3)و المراد بالسنة فرض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالنسبة إلى الموضوع لا فرض اللّه و لا السنة الاصطلاحية.

و عن الرضا عليه السّلام: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم- الحديث-» (4) و هذه الأخبار من محكمات أخبار الباب و مجمع عليها بين الأصحاب، فإن أمكن إرجاع ما خالفها إليها و إلا فلا بد من طرحها.

و أما الأخبار المخالفة فهي: خبر زكريا بن آدم عن الرضا عليه السّلام:

«التقصير في مسيرة يوم و ليلة» (5)، و خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام:

«لا بأس للمسافر أن يتم الصلاة في سفره مسيرة يومين» (6)، و خبر أبي نصر عن

ص: 135


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 8.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3 و 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4 و 1.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.

.....

______________________________

الرضا عليه السّلام: «في كم يقصر؟ فقال: «في ثلاثة برد» (1) و خبر عمرو بن سعيد قال: «كتب إليه جعفر بن محمد (أحمد) يسأله عن السفر في كم التقصير؟

فكتب عليه السّلام بخطه و أنا أعرفه قد كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا سافر أو خرج في سفر قصر في فرسخ، ثمَّ أعاد إليه المسألة من قابل، فكتب إليه في عشرة أيام» (2)، و خبر المروزي عن الفقيه عليه السّلام: «و التقصير في أربعة فراسخ»(3).

فيحمل الأول على ما إذا سار في يوم و ليلة ثمانية فراسخ، و الثاني عليه، و على التقية أيضا، أو على ما إذا سافر فيهما أقلّ من ثمانية فراسخ. و الثالث ليس في مقام الحصر حتى ينافي الأخبار السابقة، و قد ثبت أنّ مفهوم العدد ليس بحجة خصوصا في مثل المقام. و الرابع على أنّ القصر في فرسخ، لأنّه مثل القصر في حدّ الترخيص بعد تحقق شروط المسافة لا أن يكون الفرسخ تحديدا للمسافة، و ذيله مجمل لا وجه للاستناد إليه في مقابل المحكمات المفصّلات، و يحمل الأخير على الفراسخ الخراسانية التي تكون ضعف غيرها، أو على ما إذا ذهب أربعة فراسخ و رجع كذلك.

فرع: الظاهر أنّ المراد باليوم في الأخبار هو اليوم الصومي، لأنّ المتعارف في السير في الأزمنة القديمة كان من أول طلوع الفجر إلى المغرب مع أنّه قد ذكر في بعض الأخبار (بياض يوم) (4) و هو ظاهر في ذلك.

الجهة الثانية: أنّ الثمانية أعمّ من الامتدادية ذهابا و إيابا و التلفيقية المركبة منهما كما نسب إلى القدماء و المشهور، و يدل عليه أولا: إطلاق ما تقدم من الأخبار، فإنّ مقتضاه الشمول للملفقة أيضا.

و ثانيا: جملة من الأخبار الخاصة و هي على قسمين:

الأول: صحيح ابن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أدنى ما

ص: 136


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.

.....

______________________________

يقصر فيه المسافر الصلاة؟ قال عليه السّلام: «بريد ذاهبا و بريد جائيا» (1)، و عن زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن التقصير، فقال عليه السّلام:

بريد ذاهب و بريد جائي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتى ذبابا قصر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك، لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» (2)، و عن معاوية بن عمار قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «في كم أقصر الصلاة؟ فقال عليه السّلام: «في بريد ألا ترى أنّ أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير» (3)، الظاهر في البريد ذاهبا و البريد جائيا بقرينة أخبار المقام من صحيح ابن وهب و غيره.

الثاني: ما حكم التقصير فيها بالبريد كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الشحام: «يقصر الرجل الصلاة في مسير اثني عشر ميلا» (4)، و قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «التقصير في بريد و البريد أربع فراسخ» (5)، و عن الخزاز: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال عليه السّلام: «بريد» (6) إلى غير ذلك، و مقتضى الجمع العرفي حملهما على ما إذا ذهب بريدا و رجع كذلك بقرينة ما تقدم من صحيح ابن وهب و غيره.

و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن التقصير قال عليه السّلام: في بريد. قلت: بريد؟ قال عليه السّلام: «إنّه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه» (7)، و في صحيح ابن شاذان عن أبي الحسن عليه السّلام «لأنّ ما نقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا و بريد جائيا، و البريد أربعة فراسخ» (8) و عن أبي الحسن عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار:

«لأنّ التقصير في بريدين و لا يكون التقصير في أقل من ذلك، فإذا كانوا قد ساروا

ص: 137


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 15.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
6- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10 و 11.
7- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
8- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 18

.....

______________________________

بريدا و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير» (1).

و يظهر من ذلك كله ضعف ما عن الشهيد، و صاحب المدارك و غيرهما من الميل إلى التخيير في الثمانية الملفقة جمعا بين الأخبار، لأنّه خلاف ظاهرها خصوصا أخبار عرفة المشتملة على التوبيخ على ترك التقصير لأهل مكة إن خرجوا إلى عرفة و يكون الجميع بمنزلة الشارحة و المشروحة فلا تنافي بينها حتى يحمل على التخيير.

كما يظهر ضعف ما عن ابن زهرة، و أبي الصلاح من تعين التمام في الأربعة مطلقا، لكونه طرحا لجملة من الأخبار المعتبرة بلا وجه.

و أما ما نسب إلى الكليني من الاكتفاء بالأربعة الامتدادية مطلقا، (ففيه) ما ذكره في الجواهر: من أنّ الظاهر الاتفاق على وجوب التمام في مثل الفرض- كما اعترف به المقدّس البغدادي، و صرّح به ابن حمزة في وسيلته- لظاهر النصوص، خصوصا ما اشتمل منها على أنّ أدنى المسافة بريد ذاهب و بريد جائي (2). و من نظر إلى مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض و ملاحظة جهة الشارحية و المشروحية فيها لا يجد بدا إلا من الاعتراف بما قلناه.

الجهة الثالثة: هل يشترط في المسافة التلفيقية كون الذهاب أربعة فراسخ، فلا يجري التلفيق في الأقلّ منها أو يكفي مطلقا و لو كان الذهاب فرسخا و الإياب سبعة- مثلا-؟ ذهب جمع إلى الأخير جمودا على إطلاق الثمانية، و إطلاق شغل اليوم فيما تقدم من صحيح ابن مسلم لتحققهما بالملفقة مطلقا.

و فيه: أنّ ظاهر الأخبار الدالة على التحديد بالبريد، و الدالة على التحديد ذاهبا و جائيا يصح أن يكون مقيدا لهذه المطلقات و لا وجه مع وجودها للتمسك بهذه المطلقات لا أقلّ من الشك في إطلاقها، فلا يصح حينئذ التمسك بها.

إن قلت: التحديد ورد بالنسبة إلى الذهاب و الإياب معا، فيعتبر في كل منها أن يكون أربعة فراسخ لا أقلّ و لا أكثر جمودا على أربعة فراسخ المذكورة في الأخبار.

ص: 138


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 14.

.....

______________________________

قلت: أما بالنسبة إلى الأكثر، فهو مقطوع بالخلاف و لم ينقل ذلك عن أحد، و أما بالنسبة إلى الإياب، فظاهرها يقتضي التحديد بالأربعة أيضا لو لم تحمل على الغالب للملازمة الغالبية بين الذهاب أربعة فراسخ و الإياب كذلك أيضا، و يكون التحديد بالأربعة ذهابا مما لا إشكال فيه: إلا أن يقال: إنّ ذكر الأربعة إنّما هو من باب المثال لا الخصوصية بقرينة «شغل اليوم» في صحيح ابن مسلم (1) مع أنّه لا يتصور وجه للتعبدية المحضة في تحديد الذهاب بالأربعة المحضة بعد إيكال الرضا عليه السّلام ذلك إلى المتعارف في قوله عليه السّلام:

«إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم» (2).

فيكون المراد مقدار مسيرة يوم بأيّ وجه تحقق، و لا بد و أن يكون كذلك لكثرة اختلاف الأسفار امتدادا و تلفيقا و اختلاف أقسام التلفيق جدّا.

و بالجملة: إطلاق قولهم عليهم السّلام: «أربعة و عشرون ميلا» (3)، و «بريدان» (4)، و «ثمانية فراسخ» (5) يشمل جميع الأقسام المتصوّرة إلا مع دليل معتبر سندا و متنا على الخلاف و هو مفقود، مع أنّ سكوت الأئمة عليهم السّلام عن الفروع العامة البلوى غير مأنوس عنهم، كيف و قد بينوا الآداب و السنن المتعلقة بالسفر، و القصر، و التمام، فكيف ترك ما هو كالأصل و القوام.

و الحاصل: لا فرق بين التلفيق الزماني- كأيام الحيض و الخيار، و الإقامة، و نحوهما- و التلفيق المكاني مطلقا في صحة استفادته من الإطلاقات.

الجهة الرابعة: هل يشترط اتصال السير ذهابا و إيابا في المسافة الملفقة- بأن يكون في يوم واحد، أو ليلة واحدة، أو في الملفق منهما- أو لا يشترط ذلك، فيجزي مطلقا ما لم تتخلل إقامة عشرة أيام بينهما كالمسافة الامتدادية؟

المشهور فيما قارب هذه الأعصار هو الثاني؟ و اختاره صاحب الحدائق و نسبه إلى جملة من أفاضل متأخري المتأخرين، و نسبه العماني إلى آل الرسول.

ص: 139


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 8 و 1.

.....

______________________________

و يدل عليه أولا: نسبة العماني إلى آل الرسول التي هي أصرح من دعوى الإجماع- كما في الجواهر.

و ثانيا: إطلاقات الأدلة الواردة في مقام البيان في هذا الأمر الابتلائي الذي قلّ اتصال السير فيه في الأزمنة القديمة.

و ثالثا: أخبار وجوب التقصير على أهل مكة عند خروجهم إلى عرفات التي هي كالنص في عدم الاعتبار (1).

و نسب الأول إلى المشهور بين المتأخرين و به صرّح المرتضى، و ابن إدريس- كما في الحدائق- و استدل له تارة: بما تقدم في صحيح ابن مسلم من التعليل بشغل اليوم بدعوى: كونه ظاهرا في فعلية الشغل و لا يتم ذلك إلا بالرجوع ليومه.

و فيه: أنّ المتفاهم من هذا التعبير عرفا أنّ شغل اليوم طريق و كاشف عن تحقق المسافة المعتبرة شرعا، و ملحوظ طريقا للتحديد لكمية خاصة من الزمان تفرقت أو اجتمعت ما لم تكن في البين قرينة على الاتصال. و أما اعتبار فعلية شغل اليوم، فلا يدل عليه هذا الصحيح بشي ء من الدلالات المعتبرة، فهو مثل موثق أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: في كم يقصر الرجل؟ قال:

في بياض يوم، أو بريدين» (2)، و كذا غيره الظاهر في مجرد المعرفية و الكاشفية المحضة.

و أخرى: بما روي: «من أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام خرج من الكوفة إلى النخيلة، فصلّى بالناس الظهر ركعتين ثمَّ رجع من يومه» (3) بناء على أنّ للرجوع من يومه دخل في القصر.

و فيه: أنّه مضافا إلى قصور السند فإنّ الدعوى من مجرد الادعاء، و لا إشارة في الحديث إليه بوجه.

و ثالثة: بموثق سماعة: «عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال

ص: 140


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1 و 3 و 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.
3- البحار ج: 18 ص: 686 الطبعة الحجرية.

.....

______________________________

عليه السّلام: «في مسيرة يوم و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ، و من سافر قصر الصلاة و أفطر إلا أن يكون مشيّعا لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد، و إلى قرية له يكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصر و لا يفطر» (1) بدعوى: أنّ مسيرة يوم ظاهر في الفعلية امتدادية كانت أو ملفقة، و لكنه لا يقصر و لا يفطر، لانقطاع سفره بقصد محله من قريته أو أهله.

و فيه: أنّه لا إشارة فيه إلى ما نحن فيه، فكيف بالدلالة. و نعم ما قاله في الجواهر: «إنّه يحتاج في انطباقه على ما نحن فيه إلى تجسمات عديدة طويناها مخافة التطويل».

و رابعة: بمرسل المقنع: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أتى سوقا يتسوق و هو من منزله على أربع فراسخ، فإن هو أتاها على الدابة أتاها في بعض يوم، و إن ركب السفن لم يأتها في يوم، قال عليه السّلام: «يتم الراكب الذي يرجع من يومه صوما، و يقصر صاحب السفن» (2) بدعوى أنّ المراد يتم الراكب الذي لا يرجع من يومه، أو المراد يتم الراكب الذي يتمكن من الرجوع و لم يرجع.

و فيه: أنّه من المأوّل الذي ليس بحجة، بل من أحسن أفراده- كما في الجواهر- فمقتضى ما تقدم من الأدلة تعيّن القصر مطلقا و لا دليل على وجوب التمام، كما لا دليل على ما نسب إلى المشهور من التخيير بينهما لمن لم يرد الرجوع ليومه، لأنّ التخيير بعد تمامية الدليل على كل واحد من طرفيه، و تقدم عدم الدليل على التمام.

نعم، في الفقه الرضوي: «و إن سافرت إلى مقدار أربع فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك، فأنت بالخيار فإن شئت تممت و إن شئت قصرت» (3) و لكن الإشكال في اعتباره.

و دعوى: انجباره بدعوى الشهرة ممنوعة في مثل هذه المسألة التي كثرت

ص: 141


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 13 و باب: 8 منها حديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 13.
3- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

إيابا، أو ملفقة من الذهاب و الإياب (7) إذا كان الذهاب أربعة أو أزيد، بل مطلقا على الأقوى (8)، و إن كان الذهاب فرسخا و الإياب سبعة، و إن كان الأحوط في صورة كون الذهاب أقل من أربعة مع كون المجموع ثمانية الجمع (9)، و الأقوى عدم اعتبار كون الذهاب و الإياب في يوم واحد أو ليلة واحدة أو في الملفق منهما (10)، مع اتصال إيابه بذهابه (11) و عدم قطعه بمبيت ليلة فصاعدا في الأثناء (12)، بل إذا كان

______________________________

الأقوال فيها، بل عن بعض المناقشة في تحقق الشهرة على التخيير، و على فرض التحقق، فهي اجتهادية، و يظهر من ذلك ضعف سائر الأقوال التي ذكرها في الحدائق، فراجع.

(7) كل ذلك للإطلاقات و العمومات من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص.

(8) تقدم ما يتعلق به في الجهة الثالثة.

(9) للخروج من مخالفة من نسب إليه القول باعتبار عدم كون الذهاب أقل من أربعة.

(10) تقدم ما يتعلق بعدم كون الذهاب و الإياب في يوم واحد في الجهة الرابعة، و المراد باليوم الواحد- كما في أكثر العبارات، أو ليلة واحدة كما عن جمع التصريح بها أيضا، بل عن المصابيح دعوى الإجماع على الاكتفاء بها أيضا- مجرد اتصال السير عرفا، فيشمل الملفق منهما قهرا، كما أنّ المراد بشغل اليوم، أو بياض اليوم الواردين في النص ذلك أيضا و إنّما ذكرا في النص تغليبا لا تقييدا، بل المنساق من مثل هذه التعبيرات الكمية الزمانية أي [12 ساعة] متصلة كانت أو منفصلة ما لم يكن في البين قرينة على الاتصال و لم يكن تحديد شرعيّ في البين.

(11) أي: لم يتخلل في البين أحد قواطع السفر التي يأتي التعرض لها في الفصل التالي.

(12) أي: لا يقطع هذا القسم من الثمانية بمبيت ليلة فصاعدا كما لا يقطع الثمانية الامتدادية أيضا كذلك.

ص: 142

من قصده الذهاب و الإياب و لو بعد تسعة أيّام يجب عليه القصر (13)، فالثمانية الملفقة- كالممتدة- في إيجاب القصر، إلا إذا كان قاصدا للإقامة عشرة أيّام في المقصد أو غيره، أو حصل أحد القواطع الأخر، فكما أنّه إذا بات في أثناء الممتدة ليلة أو ليالي لا يضرّ في سفره، فكذا في الملفقة فيقصّر و يفطر (14)، و لكن مع ذلك الجمع بين القصر و التمام و الصوم و قضائه في صورة عدم الرجوع ليومه أو ليلته أحوط (15)، و لو كان من قصده الذهاب و الإياب و لكن كان مترددا في الإقامة في الأثناء عشرة أيّام و عدمها لم يقصّر (16)، كما أنّ الأمر في الامتدادية أيضا كذلك.

______________________________

(13) لما مر من شمول الأدلة للتلفيقية مطلقا كشمولها للامتدادية.

(14) هذه العبارات كلها تفصيل لما أجمله عند قوله: «بل مطلقا على الأقوى».

(15) للخروج عن مخالفة من اعتبر الرجوع في اليوم أو ليلته في المسافة التلفيقية من الذهاب و الإياب، و إن لم يكن لهم دليل يصح الاعتماد عليه على ما مر.

(16) راجع الشرط الرابع عند قوله رحمه اللّه: «و كذا يتم لو كان مترددا في نية الإقامة أو المرور على الوطن».

ثمَّ إنّ المعروف عند الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) التمسك بأصالة التمام عند الشك فيه و في القصر، لأنّ وجوب القصر قيّد في الأدلة بقيود خاصة، و مع الشك في تحققها يكون مقتضى الأصل عدمه و يرجع إلى إطلاقات أدلة التمام و عموماته كما هو مقتضى القاعدة في كل ما إذا شك في تقييد المطلق أو تخصيص العام، و قد يجري الأصل الموضوعيّ بالنسبة إلى التمام كما إذا كان الشك في الخروج عن حدّ الترخص و عدمه على ما يأتي في [مسألة 66] و ليس موضوع القصر السفر العرفي مطلقا حتى يصح التمسك بإطلاقات وجوب القصر على المسافر، بل يكون موضوعه سفرا خاصا محددا بحدود خاصة و قيود مخصوصة،

ص: 143

مسألة 1: الفرسخ ثلاثة أميال

(مسألة 1): الفرسخ ثلاثة أميال (17)، و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربع و عشرون إصبعا (18)، كل إصبع عرض سبع شعيرات، كل شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون (19).

______________________________

و مع هذا الأصل لا يفرض مورد يجب فيه الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام، لانحلال العلم الإجمالي بهذا الأصل كما لا يخفى، إلا إذا فرض مورد لا يجري فيه هذا الأصل كما يأتي في [مسألة 4] في ثبوت المسافة بالعدل الواحد و في [مسألة 7] و نحوهما.

(17) إجماعا، و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن الحجاج: «أربعة و عشرون ميلا» (1).

(18) على المشهور بين الناس كما في الشرائع، و في المستند المشهور المعروف بين اللغويين و الفقهاء، و العرف و قال رحمه اللّه أيضا: «استعمال الفرسخ في اثني عشر ألف ذراع بذراع اليد مقطوع به مشهور بين الفقهاء و اللغويين».

(19) على المشهور بين الناس و الفقهاء. ثمَّ إنّ في مرسل الخزاز تحديد الميل بثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع (2)، و في مرسل ابن بابويه: «أنّه ألف و خمسمائة ذراع» (3)، و عن بعض اللغويين تحديده بغير ما هو المشهور، و يمكن جعل النزاع لفظيا بالنسبة إلى الاختلاف في الذراع، لأنّ للذراع إطلاقات كثيرة عرفا و لغة، و ليس الذراع في شي ء مما هو مخالف المشهور مقيد بذراع اليد، فيمكن أن يكون العدد الذي حدّد به مطلقا هو بعينه أربعة آلاف بذراع اليد فلم يعلم المعارضة لما هو المشهور، مع أنّ الاعتماد في مثل هذا الأمر العام البلوى

ص: 144


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 15.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 13.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 16.
مسألة 2: لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ- و لو يسيرا لا يجوز القصر

(مسألة 2): لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ- و لو يسيرا- لا يجوز القصر، فهي مبنية على التحقيق لا المسامحة العرفية (20).

______________________________

على الأقوال النادرة و الأخبار الشاذة مما لا وجه له أصلا.

ثمَّ إنّه لا ريب في اختلاف الإصبع و الشعر و الشعير حتى المتوسط منها فيمكن أن يرجع إلى ذلك اختلافات المقام أيضا كما لا يخفى. و كل هذه الاختلافات ساقطة بالمساحة المعروفة في هذه الأعصار، فإنّه يصير ثمانية فراسخ بالمساحة المعروفة و كل فرسخ خمسة كيلو مترات و نصف تقريبا.

فروع- (الأول): لا فرق في المسافة الموجبة للقصر بين السير الجوي في الفضاء، أو في البر و البحر، أو في المراكب منهما، كما لا فرق في قطع المسافة الموجبة للقصر بين قطعها في ساعة واحدة أو أقل أو أكثر.

(الثاني): كلما تحققت المسافة بالأذرع المتوسطة المتعارفة يجب القصر سواء كانت أقل بأذرع متوسطة أخرى أم أكثر كذلك، و سواء علم بذلك أم لا، لتحقق الموضوع، فيشمله إطلاق الأدلة قهرا، لأنّ ثمانية فراسخ في الأدلة لم تلحظ بالنسبة إلى ذراع خاص، بل لوحظت بالنسبة إلى مطلق ما كانت متوسطة عرفا.

(الثالثة): لو كانت المسافة ثمانية فراسخ من الأرض و لم تبلغ إليها من الفضاء- مثلا- يلحق كلا حكمه، فيقصر من سافر من الأرض بخلاف من سافر من الفضاء، و كذا في البر و البحر.

(20) التحديدات إما دقية عقلية، أو دقية عرفية، أو مسامحية عرفية و الظاهر منها في الشرعيات هو الوسط، لأنّ الأدلة الشرعية منزلة على المتعارف إلا ما دل الدليل على الخلاف. و ضبط الميل في المقام حتى بالشعرة ليس لأجل كونه مبنيّا على الدقة العقلية، حتى أنّه لو كان أقل بشعرة أو شعرات لا يتحقق الموضوع مع صدق الميل عرفا، بل إنّما هو لأجل بيان المساحة الدقية العقلية أيضا لا من جهة اعتبارها في موضوع الحكم الشرعي.

ص: 145

نعم، لا يضرّ اختلاف الأذرع المتوسطة في الجملة كما هو الحال في جميع التحديدات الشرعية (21).

مسألة 3: لو شك في كون مقصده مسافة شرعية أو لا

(مسألة 3): لو شك في كون مقصده مسافة شرعية أو لا، بقي على التمام على الأقوى (22)، بل و كذا لو ظنّ كونها مسافة.

مسألة 4: تثبت المسافة بالعلم

(مسألة 4): تثبت المسافة بالعلم الحاصل من الاختبار، و بالشياع المفيد للعلم، و بالبينة الشرعية (23) و في ثبوتها بالعدل الواحد إشكال (24)، فلا يترك الاحتياط بالجمع (25).

______________________________

(21) تقدم وجهه في الفرع الثالث فراجع.

(22) لما تقدم من أصالة التمام، و عن صاحب الجواهر نفي وجدان الخلاف في المقام، و لا فرق فيه بين الظنّ بالمسافة و عدمه، لأنّ الظن غير المعتبر لا يمنع عن جريان الأصل كما ثبت في الأصول.

(23) أما الثبوت بالعلم، فلأنّه وجدانيّ لكل أحد، و كذا الشياع إن كان مفيدا للعلم، و الظاهر ثبوته بالشياع الاطمئناني أيضا و إن لم يكن مفيدا له قال في الجواهر: «و لو بالشياع المفيد للنفس الاطمئنان الذي يجري مجرى اليقين الخالص عن الاحتمال قريبه و بعيده عند الناس، و لعله لذا عطفه غير واحد من الأصحاب على العلم» و أما الثبوت بالبينة، فلما ثبت في أول الكتاب من عموم اعتبارها إلا ما خرج بالدليل.

(24) منشؤه الشك في ثبوت بناء العقلاء على اعتبار العدل الواحد في الموضوعات مطلقا، و الشك في الثبوت يكفي في عدم الاعتبار، و على فرض الثبوت قد يقال: إنّ خبر مسعدة بن صدقة (1) يصلح للردع. و يمكن جعل النزاع لفظيا، فإن أفاد الاطمئنان العرفيّ يعتبر و إلا فلا اعتبار به، و كذا الإشارات و العلامات المنصوبة على الطرق لتحديد المسافات الشائعة في جملة من الدول.

(25) للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما، فيجب الجميع حينئذ أما للعامي

ص: 146


1- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
مسألة 5: الأقوى عند الشك وجوب الاختبار

(مسألة 5): الأقوى عند الشك وجوب الاختبار (26) أو السؤال لتحصيل البينة أو الشياع المفيد للعلم، إلا إذا كان مستلزما

______________________________

فلعدم قدرته على الفحص في الأدلة، فلا يتحقق موضوع جريان أصالة التمام بالنسبة إليه حتى ينحل العلم الإجمالي. و أما للمجتهد، فلبقاء علمه الإجمالي و عدم انحلاله بعد الفحص أيضا، لأنّ جريان أصالة التمام في العلم الإجمالي المردد بين التمام و القصر يوجب الانحلال إذا صار الفحص في الأدلة موجبا لصحة الاعتذار بالأصل الجاري بعد الفحص، لا فيما إذا كان الشك في صحة الاعتذار باقيا بعد الفحص أيضا كما في المقام، فإنّه إذا تحيّر المجتهد في حجية قول العدل الواحد حتى بعد الفحص في الأدلة يكون بمنزلة العامي من هذه الجهة، فليس له الرجوع حينئذ إلى أصالة التمام، فمقتضى العلم الإجمالي هو الاحتياط لا محالة بالنسبة إلى كل منهما هذا إذا لم يحصل الاطمئنان منه، و إلا فلا وجه لوجوب الاحتياط.

(26) لأنّ الشك الذي يكون مجرى الأصول مطلقا حكمية كانت أو موضوعية- كأصالة التمام أو عدم تحقق المسافة- إنّما هو الشك المستقر، و لا استقرار له قبل الفحص خصوصا إن كان سهلا يسيرا، مع أنّ الشك في شمول أدلة الأصول لما قبل الفحص يكفي في عدم الشمول، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. نعم، خرج الشبهة التحريمية الموضوعية لقيام الدليل من الإجماع و غيره على الترخيص فيها قبل الفحص، و كذا بالنسبة إلى أصالة الطهارة في الشبهات الموضوعية و بقي الباقي إلا أنّه قد ادعي الإجماع على عدم وجوبه في الشبهات الموضوعية مطلقا و عهدته على مدعيه، و قد اختلف نظره (قدّس سرّه) في الشبهات الموضوعية في الكتاب، ففي بعضها أفتى بوجوب الفحص، و في بعضها احتاط وجوبا، و في بعضها احتاط استحبابا فراجع [مسألة 3] من زكاة النقدين فيما لو شك في النصاب، و [مسألة 13] من كتاب الخمس (المعدن)، و في الحج فيما إذا شك في الاستطاعة إلى غير ذلك مع وحدة المدرك في الجميع.

ص: 147

للحرج (27).

مسألة 6: إذا تعارض البينتان فالأقوى سقوطهما و وجوب التمام

(مسألة 6): إذا تعارض البينتان فالأقوى سقوطهما و وجوب التمام (28)، و إن كان الأحوط الجمع.

مسألة 7: إذا شك في مقدار المسافة شرعا وجب عليه الاحتياط بالجمع

(مسألة 7): إذا شك في مقدار المسافة شرعا وجب عليه الاحتياط بالجمع (29)، إلا إذا كان مجتهدا و كان ذلك بعد الفحص عن حكمه، فإنّ الأصل هو الإتمام.

مسألة 8: إذا كان شاكا في المسافة و مع ذلك قصّر لم يجز

(مسألة 8): إذا كان شاكا في المسافة و مع ذلك قصّر لم يجز (30)، بل وجب عليه الإعادة تماما. نعم، لو ظهر بعد ذلك

______________________________

(27) الظاهر كفاية استقرار الشك بالفحص عرفا و لو لم يكن مستلزما للحرج، لفرض أنّ مورد جريان الأصول الشك المستقر الثابت.

(28) أما السقوط، فلأنّه الأصل في المتعارضين بناء على سقوط الترجيح و التخيير في غير الأخبار المتعارضة. نعم، لو كانت إحدى البينتين مستندة إلى الأصل، أو كان مفادها نفي العلم فقط، و الأخرى مستندة إلى أمارة معتبرة، أو كان مفادها الشهادة بالعلم يؤخذ بما استندت إلى الأمارة المعتبرة أو شهدت بالعلم إذ لا تعارض حينئذ كما لا يخفى. و أما وجوب التمام، فلما تقدم من أصالة التمام في الصلاة إلا ما ثبت القصر فيها و المفروض عدم ثبوته، و أما الاحتياط بالجمع، فلأنّه حسن على كل حال.

(29) للعلم الإجمالي، و عدم جريان أصالة التمام لتوقفها على الفحص في الأدلة، و العامي بمعزل عن ذلك. و أما المجتهد، فحيث إنّه قادر عليه فيتحقق مجراها له، و ينحل العلم الإجمالي بذلك. هذا في الشبهة الحكمية و أما الموضوعية، فتجري أصالة التمام بالنسبة إليهما لعدم توقف جريانها فيها على الفحص في الأدلة حتى يختص بالمجتهد، بل تتوقف على الفحص عن جهات أخرى يكون المجتهد و غيره فيها سواء.

(30) لقاعدة الاشتغال، و عدم الإتيان بالمأمور به، و يجزي لو ظهر كونه

ص: 148

كونه مسافة أجزأ إذا حصل منه قصد القربة مع الشك المفروض، و مع ذلك الأحوط الإعادة أيضا.

مسألة 9: لو اعتقد كونه مسافة فقصّر

(مسألة 9): لو اعتقد كونه مسافة فقصّر، ثمَّ ظهر عدمها وجبت الإعادة، و كذا لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثمَّ ظهر كونه مسافة، فإنّه يجب عليه الإعادة (31).

مسألة 10: لو شك في كونه مسافة أو اعتقد العدم

(مسألة 10): لو شك في كونه مسافة أو اعتقد العدم، ثمَّ بان في أثناء السير كونه مسافة يقصّر و إن لم يكن الباقي مسافة (32).

مسألة 11: إذا قصد الصبيّ مسافة ثمَّ بلغ في الأثناء

(مسألة 11): إذا قصد الصبيّ مسافة ثمَّ بلغ في الأثناء وجب عليه القصر (33)، و إن لم يكن الباقي مسافة، و كذا يقصر إذا أراد

______________________________

مسافة مع حصول قصد القربة لوجود المقتضي و فقد المانع بناء على ما ثبت في محله من عدم الدليل على اعتبار الجزم بالنية و الأولى الإعادة خروجا عن خلاف من اعتبره و منه ظهر الوجه في تمام هذه المسألة.

(31) لقاعدة الاشتغال في الصورتين، و عدم كفاية امتثال الأمر الاعتقادي خصوصا مع تبيّن الخلاف.

(32) لأنّ الظاهر من الأدلة أنّ المناط في وجوب القصر قصد مسافة تكون في الواقع ثمانية فراسخ سواء علم بها المكلف أم لا و هذا موجود في الواقع من أول الأمر، و لا دليل على قصد عنوان ثمانية فراسخ بنحو الموضوعية و الخصوصية، و يأتي نظير المقام في [مسألة 14] من (فصل قواطع السفر) و على هذا، فلو أتمّ اعتمادا على أصالة التمام، أو لأجل الاعتقاد بعدم المسافة يعيدها، أو يقضيها قصرا بعد تبيّن الخلاف.

(33) لتحقق القصد، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها. و احتمال عدم الاعتبار بقصده، لما ورد من أنّ «عمد الصبيّ خطأ» (1)، و «رفع القلم عنه» (2)

ص: 149


1- الوسائل باب: 11 من أبواب العاقلة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

التطوّع بالصلاة مع عدم بلوغه. و المجنون الذي يحصل منه القصد إذا قصد مسافة ثمَّ أفاق في الأثناء يقصر. و أما إذا كان بحيث لا يحصل منه القصد فالمدار بلوغ المسافة من حين إفاقته (34).

مسألة 12: لو تردد في أقلّ من أربعة فراسخ ذاهبا و جائيا مرّات

(مسألة 12): لو تردد في أقلّ من أربعة فراسخ ذاهبا و جائيا مرّات حتى بلوغ المجموع ثمانية لم يقصر (35)، ففي التلفيق لا بد أن يكون المجموع من ذهاب واحد و إياب واحد ثمانية.

______________________________

(مخدوش) بأنّه على خلاف العرف، و الحديث مختص بالجنايات فقط، كما أنّ المراد برفع القلم الإلزام و العقاب، لا الصحة و الثواب.

و منه يظهر لزوم التقصير عليه إن أراد التطوّع لوجود المقتضي و فقد المانع سواء قلنا بشرعية عباداته أم لا. و من ذلك يظهر حكم المجنون أيضا.

و خلاصة القول: أنّه متى تحقق قصد المسافة بالقصد الصحيح العرفي يترتب عليه الحكم الشرعي- كما في سائر الأمور التي يعتبر فيها القصد عرفا- و ليس فعلية التكليف بالقصر شرطا في صحة قصد المسافة و إلا لدار، فلو قصدت الحائض المسافة ثمَّ طهرت في الأثناء وجب عليها القصر.

(34) لفرض عدم تحقق القصد منه و المفروض تقوّم المسافة الشرعية بالقصد.

(35) لظهور الأدلة، و إجماع فقهاء الملة في أنّ تشريع التقصير ليس إلا في بريدين ذاهبا و جائيا على ما تقدم، و لأصالة التمام، و عدم صدق المسافر على كثير من أفراده، و المراد بشغل اليوم الوارد في صحيح ابن مسلم(1) ليس مطلق شغله بأيّ وجه اتفق، بل في خصوص ما إذا تحققت سائر الشرائط أيضا، فما عن العلامة رحمه اللّه من الحكم بالتقصير لمن لم يصل في تردده إلى محل الترخص على إشكال تمسكا بالإطلاق ضعيف جدّا.

ص: 150


1- تقدم ذكره في صفحة: 137.
مسألة 13: لو كان للبلد طريقان

(مسألة 13): لو كان للبلد طريقان و الأبعد منهما مسافة، فإن سلك الأبعد قصر (36)، و إن سلك الأقرب لم يقصر إلا إذا كان أربعة أو أقل (37) و أراد الرجوع من الأبعد.

مسألة 14: في المسافة المستديرة الذهاب فيها للوصول إلى المقصد

(مسألة 14): في المسافة المستديرة الذهاب فيها للوصول إلى المقصد (38)، و الإياب منه إلى البلد، و على المختار يكفي كون

______________________________

(36) لعموم الأدلة، و إطلاقها مضافا إلى دعوى الإجماع، و نسب الخلاف إلى القاضي: لأصالة التمام، (و فيه): أنّه لا وجه لها في مقابل الإطلاق و العموم.

و لأنّه من السفر اللهو. (و فيه): أنّ مثل هذا السفر أعمّ من اللهو قطعا، إذ قد تكون فيه أغراض عقلائية و لو للفرار من الصوم أو للتقصير في الصلاة. و يمكن أن يجعل النزاع بين القاضي و المشهور لفظيا، فمع تحقق اللهو بمثل هذا السفر يجب التمام اتفاقا، و مع عدمه وجب القصر كذلك.

(37) تقدم اعتبار عدم كون الذهاب أقلّ و المناقشة فيه.

(38) المسافة المستديرة تارة: تكون خارج المحل بأن خرج عن حدّ الترخص من محله و سار مستديرا، و أخرى: تكون حول المحل بأن يسافر خارج حدّ الترخص عن محله مستديرا.

و على كل منهما تارة: يكون له مقصد خاص في الأثناء بأن يصدق الذهاب إليه و الإياب عنه عرفا. و أخرى يكون مقصده السير في الدائرة بأن يكون نفس السير في تمام الدائرة مقصده و مرامه، و لا ريب في شمول الإطلاقات و العمومات للجميع و لا وجه لدعوى الانصراف و لو فرض، فهو بدعوى لا يعتنى بها.

و حينئذ، فإن كان له مقصد في البين تكون من صغريات المسافة المركبة من الذهاب و الإياب، فمن اكتفى فيها بكفاية التلفيق مطلقا و لو كان الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ يقول به في المقام أيضا. و من اعتبر عدم كون الذهاب أقلّ يقول به هنا أيضا. و إن لم يكن له مقصد في البين، فلا ريب في أنّ هذه المسافة أيضا تتركب من الذهاب و الإياب إلا أنّه في الأول قصديّ التفاتيّ في الجملة، و فيها واقعيّ قهريّ فيكون مبدأ الذهاب ما حدث السير عنه، و مبدأ العود ما يكون مسامتا له

ص: 151

المجموع مسافة مطلقا و إن لم يكن إلى المقصد أربعة. و على القول الآخر يعتبر أن يكون من مبدإ السير إليه أربعة مع كون المجموع بقدر المسافة.

مسألة 15: مبدأ حساب المسافة سور البلد

(مسألة 15): مبدأ حساب المسافة سور البلد أو آخر البيوت فيما لا سور فيه في البلدان الصغار و المتوسطات (39)، و آخر المحلة في

______________________________

عرفا في الحركة السيرية، فإن كان في البين مقصد يكون للمسافة ذهاب و إياب قصديّ في الجملة و واقعيّ و إلا فالثاني فقط.

ثمَّ إنّ المحسوب من مسافة الثمانية ما وقع السير و الحركة في الدائرة بحسب المتعارف لا قطرها الذي لم يقع مورد السير أصلا- كما هو المفروض- فلو كان مجموع الدائرة تسع فراسخ- مثلا- يكون كل من الذهاب و الإياب أربعا و نصف، و لو كان التنصيف بلحاظ القطر يكون كل منهما ثلاث فراسخ، و لكنّه خلاف المتفاهم العرفي في المقام الذي يكون المدار فيه على فعلية السير و وقوعه خارجا.

(39) نسب ذلك إلى المشهور، لأنّ تحديد المسافات إنّما يلحظ بين البلاد على ما هو المتعارف بين الناس، و إطلاقات الأدلة منزلة عليه أيضا بل ذلك ظاهر بعضها، ففي صحيح زرارة: «سافر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ذي خشب و هي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربعة و عشرون ميلا، فقصر و أفطر فصارت سنّة» (1).

و نسب إلى الصدوق بأنّ مبدأ المسافة من المنزل حين تلبّسه بالسفر، لذكر الخروج من المنزل في بعض الأخبار كخبر المروزي: «فإذا خرج الرجل من منزله» (2)، و خبر صفوان: «و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان» (3). و فيه:

ص: 152


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

البلدان الكبار الخارقة للعادة (40)، و الأحوط مع عدم بلوغ المسافة من

______________________________

أنّ حملها على المنزل الذي ليس في البلد و القرية كما كان كثيرا في الأزمنة القديمة أسهل طريق للجمع بينها و بين غيرها خصوصا موثق عمار: «لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» (1).

و نسب إلى الشهيد رحمه اللّه أنّ العبرة بالخروج عن حدّ الترخص، لانقطاع حكم السفر بالدخول فيه حين الرجوع من المسافرة. و فيه: أنّه قياس، لأنّ الخطاب بالتقصير شي ء قد حدّد بالدليل المخصوص بحدّ خاص، و مبدأ تقدير المسافة شي ء آخر لا ربط لأحدهما بالآخر، فتحديد مبدإ القصر ذهابا و مبدأ الإتمام إيابا غير تحديد مبدإ المسافة.

و عن صاحب الكفاية رحمه اللّه أنّ مبدأها الشروع في السير بقصد السفر.

و فيه: أنّه خلاف المتعارف، و النصوص المنزلة عليه كما تقدم، فما نسب إلى المشهور هو الصحيح.

(40) كما صرّح به غير واحد، و في المستند نسبته إلى جماعة، لأنّ مبدأ المسافة إنّما يلاحظ من البلاد لو لم يكن البلد نفسه موردا للحاظ المسافة فيه بأن يقال: من محلة كذا إلى كذا ميل أو أقل أو أكثر- مثلا-، و إذا كان نفس البلد من حيث هو مورد تحديد المسافة و تقديرها بحسب المتعارف يكون تحديد المسافة من آخره بلا وجه، بل يكون منافيا لملاحظة المسافة في نفس البلد أيضا، فيكون مبدأ المسافة من المحلة قهرا.

و ما يقال: من عدم صدق المسافر عليه ما دام في البلد.

مدفوع- (أولا): بصدقه عليه و لو ببعض مراتبه قطعا.

(و ثانيا): أنّ حكم التقصير و الإفطار ليس معلقا على صدق عنوان المسافر، لأنّ الحكم علق في الأخبار على بريدين و ثمانية فراسخ، و بريد ذاهبا، و بريد جائيا، و مسيرة يوم، و نحو ذلك من التعبيرات.

ص: 153


1- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.

آخر البلد الجمع (41)، و إن كانت مسافة إذا لوحظ آخر المحلة.

______________________________

نعم، ذكر في بعض الأخبار لفظ المسافر متعقبا بما مرّ من التحديدات الموضوعية أيضا (1)، و المستفاد من الجميع أنّ موضوع الحكم طيّ المسافة المحدودة بالحدود الشرعية صدق المسافر عليه أم لا، و يكون بينهما عموم من وجه، فمورد الاجتماع كثير، و مورد الافتراق من طرق القيود الشرعية ما إذا سار الشخص سبعة فراسخ و نصفا- مثلا- فيصدق عليه المسافر عرفا، مع عدم تحقق السفر الشرعي، و مورد الافتراق بالعكس ما إذا كان بلده تسع فراسخ- مثلا- و سافر من ابتدائه إلى آخره، فيمكن أن لا يصدق عليه المسافر عرفا خصوصا إن كان السفر بالوسائل السريعة الحديثة، و منه يظهر أنّه لا وجه لتوهم الرجوع إلى أصالة التمام، لفرض صدق العناوين الواردة في الأخبار عليه، مع تحقق السفر الشرعي، للإطلاق و العموم الشامل لمثله أيضا.

ثمَّ لا يخفى أنّ لنا عناوين ثلاثة: المسافر، و مبدأ السير، و حدّ الترخص و لا دليل على لزوم اتحادها خارجا، بل تقدم استظهار الاختلاف فراجع.

فروع- (الأول): ظهر مما تقدم أنّه لو كان البلد بمقدار المسافة فسافر من أوله إلى آخره، أنّ مقتضى الإطلاق و العموم: القصر و الإفطار مع تحقق سائر الشرائط.

(الثاني): لو كان منزله في أول البلد- المذكور- و محل شغله في آخره و تردد كل يوم بينهما ثمَّ سافر فهل المناط في حساب مبدإ السفر هو المحل الذي فيه منزله أو ما فيه محل شغله، الظاهر أنّ المناط ما تحققت منه المسافرة عرفا.

(الثالث): يحسب مبدأ المسافة من آخر البلد لمن كان منزله في داخله عرفا. و أما من كان منزله في خارجه، فيحسب من منزله.

(41) خروجا عن خلاف من جعل المناط آخر البلد مطلقا و إن لم يكن له دليل في البلاد المتسعة جدّا.

ص: 154


1- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3 و باب: 6.
الشرط الثاني: قصد قطع المسافة
اشارة

الشرط الثاني: قصد قطع المسافة (42) من حين الخروج فلو قصد أقل منها و بعد الوصول إلى المقصد قصد مقدارا آخر يكون مع الأول مسافة لم يقصر (43). نعم، لو كان ذلك المقدار مع ضم العود مسافة قصر من ذلك الوقت بشرط أن يكون عازما على العود (44). و كذا لا

______________________________

(42) للإجماع، و النص، ففي خبر صفوان قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصر؟ قال: لا يقصر و لا يفطر، لأنّه خرج من منزله، و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه، و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصر و لم يفطر يومه ذلك (1).

و في موثق عمار قال عليه السّلام: «لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة» (2) يعني: عزم على أن يسير ثمانية فراسخ بقرينة الإجماع على عدم اعتبار فعلية السير و وقوعه خارجا، و ما دل على وجوب القصر بعد الخروج عن حدّ الترخص، بل يصح الاستدلال بالعمومات الدالة على تحديد المسافة بدعوى ظهورها فيما هو المعهود المتعارف من القصد إليها حين إرادة المسافرة و عدم كفاية مطلق تحققها و لو بنحو الشرط المتأخر إجماعا، مع أنّه خلاف نوع المسافرات المتعارفة بين الناس.

و بالجملة: أصالة التمام جارية في غير ما هو المعهود من المسافرة عند الناس، فلو لم يكن إلا نفس أدلة اعتبار المسافة لاستفيد منها اعتبار القصد إليها استفادة عرفية يأتي في [مسألة 24] بعض ما يتعلق بالمقام.

(43) لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

(44) لأنّه من المسافة التلفيقية حينئذ، فمن يعتبر فيها عدم كون الذهاب

ص: 155


1- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.

يقصر من لا يدري أيّ مقدار يقطع كما لو طلب عبدا آبقا أو بعيرا شاردا أو قصد الصيد و لم يدر أنّه يقطع مسافة أم لا (45) نعم، يقصر في العود إذا كان مسافة، بل في الذهاب إذا كان مع العود بقدر المسافة، و إن لم يكن أربعة كأن يقصد في الأثناء أن يذهب ثلاثة فراسخ، و المفروض أنّ العود يكون خمسة أو أزيد (46) و لا يقصر لو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم و إلا فلا، أو علق سفره على حصول مطلب في الأثناء قبل بلوغ الأربعة (47) إن حصل يسافر و إلا فلا. نعم، لو اطمئنّ بتيسر الرفقة أو حصول المطلب بحيث يتحقق معه العزم على المسافة قصر بخروجه عن محل الترخص (48).

مسألة 16: مع قصد المسافة لا يعتبر اتصال السير

(مسألة 16): مع قصد المسافة لا يعتبر اتصال السير، فيقصر و إن كان من قصده أن يقطع الثمانية في أيّام و إن كان ذلك اختيارا، لا لضرورة من عدوّ أو برد أو انتظار رفيق أو نحو ذلك (49). نعم، لو كان بحيث لا يصدق عليه اسم السفر لم يقصر، كما إذا قطع في كل يوم شيئا يسيرا جدّا للتنزه أو نحوه (50)، و الأحوط في هذه الصورة أيضا الجمع.

______________________________

أقل من الأربع يعتبر ذلك في المقام أيضا، و من لا يعتبره فكذلك في المقام، و كذا فيما يأتي من الفروع، و قد أثبتنا في أول الفصل عدم الاعتبار فراجع.

(45) لعدم تحقق قصد المسافة مع الجهل بها، أو الشك فيها.

(46) لكونه حينئذ من المسافة التلفيقية و قد تقدم حكمها.

(47) لأنّ المراد بالقصد في المقام كسائر موارد اعتباره العزم عليها و الجزم بالوقوع و هو مفقود في مورد هذا النحو من التعليق.

(48) لتحقق العزم على المسافرة و الجزم بها حينئذ.

(49) كل ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و عدم دليل على التقييد و التخصيص بقيد خاص و جهة مخصوصة.

(50) الظاهر صدق سفر التنزه عليه و هو خلاف المتعارف بالنسبة إلى سائر

ص: 156

مسألة 17: لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلا

(مسألة 17): لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلا، بل يكفي و لو كان من جهة التبعية للغير لوجوب الطاعة- كالزوجة و العبد- أو قهرا- كالأسير و المكره و نحوهما- أو اختيارا- كالخادم و نحوه (51)- بشرط العلم بكون قصد المتبوع مسافة، فلو لم يعلم بذلك بقي على التمام (52) و يجب الاستخبار مع الإمكان (53). نعم، في

______________________________

الأسفار لا بالنسبة إلى نوعه، لأنّ الأسفار التنزهية نوع خاص من الأسفار، فتشمله إطلاقات الأدلة، و لو فرض عدم الشمول، فمقتضى أصالة التمام تعيينه، لانحلال العلم الإجمالي بها كما تقدم.

(51) لتحقق القصد في التابع أيضا إلا أنّ منشأ تحققه في المتبوع شي ء، و منشأ تحققه في التابع جهة التبعية و ذلك لا يوجب اختلافا في أصل تحققه. هذا مضافا إلى ظهور الإطلاق و الاتفاق.

(52) أما اشتراط العلم بقصد المتبوع، فلأنّه لا يتحقق القصد و لو تبعا إلا بذلك. و أما البقاء على التمام فلعدم تحقق شرط القصر، فالمقتضي للتمام موجود و المانع عنه مفقود، فيجب لا محالة. نعم، لو اطمأنّ بتحقق قصد المسافة من المتبوع بحيث يحصل منه القصد التبعي لزم القصر لأنّ المراد بالعلم ما يعمّ الاطمئنانات المتعارفة.

(53) لأنّ الاستخبار كالتوجه إلى المكلف به المردد الذي يمكن رفع التردد بالتوجه إليه في الجملة. و في مثله يحكم العقل إما بالاحتياط، أو بالتوجه و التعلم. و منه يظهر بطلان توهّم أنّ المقام من الشبهات الموضوعية التي لا يجب الفحص فيها، أو أنّ قصد المسافة من المقدمات الوجوبية التي لا إشكال في عدم وجوب تحصيلها، مع أنّه لا دليل لهم على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية إلا دعوى الإجماع، و المتيقن منه ما اتفقوا عليه لا ما اختلفوا فيه، فكل شبهة لها معرضية الوقوع في خلاف الواقع معرضية عرفية يجب الفحص فيها حكمية كانت أو موضوعية، مع أنّ العرف يحكمون في التكاليف التبعية العرفية بوجوب الاستخبار و يلومون التابع مع عدمه و تبين المخالفة.

ص: 157

وجوب الإخبار على المتبوع إشكال، و إن كان الظاهر عدم الوجوب (54).

مسألة 18: إذا علم التابع بمفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة و لو ملفقة بقي على التمام

(مسألة 18): إذا علم التابع بمفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة و لو ملفقة بقي على التمام، بل لو ظنّ ذلك (55) فكذلك.

نعم، لو شك في ذلك فالظاهر القصر (56)، خصوصا لو ظن العدم، لكن الأحوط في صورة الظن بالمفارقة و الشك فيها الجمع (57).

مسألة 19: إذا كان التابع عازما على المفارقة مهما أمكنه أو معلقا لها

(مسألة 19): إذا كان التابع عازما على المفارقة مهما أمكنه أو معلقا لها على حصول أمر- كالعتق أو الطلاق و نحوهما- فمع العلم بعدم الإمكان و عدم حصول المعلق عليه يقصر (58) فأما مع ظنه فالأحوط الجمع، و إن كان الظاهر التمام، بل و كذا مع الاحتمال (59) إلا إذا كان

______________________________

(54) للأصل بعد عدم دليل عليه. إلا أن يقال: بوجوب إرشاد الجاهل لموضوع التكليف كوجوب إرشاده إلى نفس الحكم، و يمكن القول به إذا عدّ ذلك من شؤون الإرشاد إلى نفس الحكم عرفا.

(55) لأنّ مناط القصر قصد المسافة، و لا يتحقق في صورة العلم بالمفارقة و لا الظنّ بها، بل و كذا في صورة الشك أيضا إلا إذا كان موهوما جدّا بحيث لا ينافي تحقق القصد التبعي عرفا.

(56) إذا كان بحيث لا ينافي العزم على طيّ المسافة الشرعية كما إذا نوى الصوم مع احتمال عروض ما يمنع عن إتمامه و كذا في سائر الموارد التي يتحقق فيها القصد مع هذه الاحتمالات.

(57) لأنّ الاحتياط حسن على كل حال و لو مع الدليل.

(58) لتحقق قصد المسافة التبعية. و أما مع الظن و الشك، فإن كانا بحيث لا ينافيان صدق قصد المسافة يقصر، و مع المنافاة يتم، و كذا إن تردد في المنافاة و عدمه، لأصالة التمام عند الشك، و لكن الأحوط الجمع في الأخير.

(59) تقدم أنّ المناط في ذلك كله صدق تحقق العزم على المسافة

ص: 158

بعيدا غايته بحيث لا ينافي صدق قصد المسافة، و مع ذلك أيضا لا يترك الاحتياط (60).

مسألة 20: إذا اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شك في ذلك

(مسألة 20): إذا اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شك في ذلك، و في الأثناء علم أنّه قاصد لها، فالظاهر وجوب القصر (61) عليه، و إن لم يكن الباقي مسافة، لأنّه إذا قصد ما قصده

______________________________

و عدمه، فمع التحقق يقصر، و مع عدمه أو الشك فيه يتم.

(60) لما يظهر من المنتهى من الاتفاق على القصر، و لأنّ مثل هذه الاتفاقات اعتبارها أول الكلام في مقابل أصالة التمام في موارد الشك.

(61) مع عدم تحقق قصد المسافة من التابع لا استقلالا و لا تبعا كيف يجب عليه القصر، مع أنّ مجرّد قصد المصاحبة مع الاعتقاد تفصيلا أنّ متبوعه لم يقصد المسافة لا يوجب تحقق قصد المسافة التبعية من التابع، بل يوجب عدم تحققه فيجب حينئذ التمام لعدم موضوع القصر لا استقلالا و لا تبعا.

و التنظير بما لو قصد بلدا معينا و اعتقد عدم بلوغه مسافة مع الفارق، لأنّ المثال من باب الخطإ في التطبيق، و لا إشكال فيه بخلاف المقام الذي يكون من التقييد المحض. نعم، إن رجع إلى الخطإ في التطبيق يكون متحدا مع المثال، و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا.

فروع- (الأول): من يسافر به و لا يدري إلى أين يذهب به، فإن أمكنه الاستعلام يستعلم و إلا وجب عليه التمام بلا فرق فيه بين الجندي و غيره.

(الثاني): كما أنّ التابع تابع للمتبوع في أصل قصد المسافة تابع له في استمرار القصد و ما يأتي من الفروع المتفرّعة عليه.

(الثالث): لا فرق في التبعية بين أن تكون بلا واسطة أو معها- كما إذا تبع الولد للوالد، و الوالد للجدّ و هو لشخص آخر و هكذا- و يمكن أن يكون شخص واحد تابعا لأشخاص كما إذا كان خادما لشخص واحد في فرسخين مثلا مع قصد المتبوع المسافة ثمَّ عزله المتبوع و خدم شخصا آخر كذلك و هكذا.

ص: 159

متبوعه فقد قصد المسافة واقعا (62)، فهو كما لو قصد بلدا معينا و اعتقد عدم بلوغه مسافة، فبان في الأثناء أنّه مسافة، و مع ذلك فالأحوط الجمع.

مسألة 21: لا إشكال في وجوب القصر إذا كان مكرها على السفر أو مجبورا عليه

(مسألة 21): لا إشكال في وجوب القصر إذا كان مكرها على السفر أو مجبورا عليه (63). و أما إذا أركب على الدابة، أو ألقي في السفينة من دون اختياره، بأن لم يكن له حركة سيرية، ففي وجوب القصر و لو مع العلم بالإيصال إلى المسافة إشكال و إن كان لا يخلو عن قوة (64).

______________________________

(الرابع): يمكن أن يكون المتبوع مكرها على السفر دون التابع كما يمكن العكس، و يمكن أن يقع الإكراه بالنسبة إليهما أيضا.

(62) قصد المسافة الواقعية الجزئية التبعية مع الاعتقاد بأنّ المتبوع لم يقصد المسافة أو شك فيه مما لا يجتمعان وجدانا. نعم، القصد التبعيّ التعليقيّ يجتمع مع الاعتقاد بالخلاف فضلا عن الشك به، و لكن ظاهر النص و الفتوى عدم كفاية التعليقي من القصد، بل لا بد فيه من العزم الفعلي سواء كان استقلاليا أم تبعيا و حينئذ، فإن حصل العزم الفعليّ على السفر الشرعيّ و لو بغفلته عن اعتقاده يقصر و إلا فلا وجه لتقصيره.

(63) لإطلاقات الأدلة الشاملة لكل منهما بعد علمه بالمسافة الشرعية.

(64) لأنّ مقتضى إطلاقات أدلة القصر، و تسالم الفقهاء على وجوب القصر على الأسير- الذي يعلم بأنّه يسار به بقدر المسافة- أنّ المراد بالقصد هنا كقصد إقامة العشرة أعمّ من الإرادة الجدية الحقيقية- سواء كانت استقلالية، أم تبعية، أم العلم بالمسافة و الشروع في السير فيها مع تحقق سائر الشرائط، و لا دليل على اعتبار أزيد منه و لم يتردد فيه أحد غير صاحب المستند، و لكنه (رحمه اللّه) استظهر التقصير في الجميع من الإطلاق، و الإجماع فراجع.

و على هذا لو خرج مركوبه عن اختياره و علم بأنّه لا يقف إلا بعد طيّ المسافة

ص: 160

الثالث: استمرار قصد المسافة
اشارة

(الثالث): استمرار قصد المسافة (65) فلو عدل عنه قبل بلوغ

______________________________

الشرعية وجب عليه القصر، و يدل عليه أيضا خبر إسحاق بن عمار المنجبر بالعمل: «في قوم خرجوا في سفر- إلى أن قال- تخلف منهم رجل، قال عليه السّلام: بلى إنّما قصروا في ذلك الموضع، لأنّهم لم يشكوا في مسيرهم و إنّ السير يجدّ بهم» (1) فهو ظاهر في أنّ المناط العلم بالمسافة و معه يتحقق القصد و الإرادة، لأنّ من يعلم بصدور شي ء منه يحصل له بذلك الشي ء القصد و الإرادة في الجملة إلا أنّه قد لا يرضى، فالمراد و المقصود و حصول الإرادة و القصد شي ء، و الرضا بمتعلقهما شي ء آخر و قد يجتمعان، و قد يفترقان، فلا وجه لما يتوهم في المقام من عدم الإرادة فيهما، كما لا وجه للمناقشة في خبر عمار بعد الانجبار، و كذا المناقشة في أنّه لا يمكن أن يراد بالقصد هنا العلم لا وجه لها أيضا لتلازمهما في مثل الفرض عرفا و لو في الجملة.

(65) للإجماع، و لظهور الأدلة الأولية بحسب المتفاهم العرفي، فإنّ المنساق من اعتبار القصد و الإرادة، بل العلم بالنسبة إلى المتدرجات الوجودية سفرا كانت أم غيرها المستمر منها دون مجرّد الحدوث فقط ما لم يدل دليل على الخلاف. هذا مضافا إلى جملة من الأخبار، منها: قول أبي الحسن عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار: «في القوم الذين تخلف عنهم في أثناء الطريق من لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه- إلى أن قال-: قال عليه السّلام: إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ، فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا فإذا مضوا فليقصروا-» (2).

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح أبي ولاد- فيمن خرج قاصدا قصر أبي هبيرة، فبدا له في الليل الرجوع- «إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير لأنّك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك- الحديث-» (3).

ص: 161


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

الأربعة أو تردد أتم (66). و كذا إذا كان بعد بلوغ الأربعة لكن كان عازما على عدم العود أو كان مترددا في أصل العود و عدمه، أو كان عازما على العود لكن بعد نية الإقامة هناك عشرة أيام (67) و أما إذا كان عازما على العود من غير نيّة الإقامة عشرة أيّام فيبقى على القصر (68).

______________________________

و منها: قول الفقيه في خبر المروزي: «و إن رجع عما نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام، فعليه التمام» (1).

إن قلت: لا وجه للعمل بهذه الأخبار، لضعف سند الأول، و اشتمال الثاني على إعادة ما صلاه قصرا و هو خلاف المشهور، و معارض مع صحيح زرارة كما يأتي، و إجمال الثالث.

قلت: ضعف الأول منجبر بالعمل و الثاني محمول على الندب، و الثالث محمول على سائر الأخبار المفصّلة المبينة، مع عدم الاحتياج إلى هذه الأخبار، لكفاية العمومات و الإطلاقات بالتقريب الذي تقدم، بل و شهادة العرف بذلك أيضا، لأنّهم مع العلم بالموضوع تحصل لهم الإرادة في الجملة و إن لم يكن لهم رضاء و طيب نفس بالمراد.

(66) لعدم تحقق استمرار قصد المسافة، فينتفي المشروط بانتفاء شرطه حينئذ.

(67) أما الأول: فلعدم تحقق المسافة الشرعية بالعزم على عدم العود و أما الثاني: فلزوال استمرار قصد المسافة بالتردد. و أما الثالث: فلانقطاع استمرار قصد المسافة بالتردد. و أما الأخير: فلانقطاع استمرار القصد بالإقامة عشرة أيام و الكل من موانع وجوب القصر نصا، و إجماعا على ما مرّ و يأتي.

(68) لوجود المقتضي للقصر، و فقد المانع عنه، و يكون سفره حينئذ ملفقا من الذهاب و الإياب فيبتني على ما تقدم في السفر التلفيقي من اعتبار الرجوع

ص: 162


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.

و إن لم يرجع ليومه، بل و إن بقي مترددا (69) إلى ثلاثين يوما.

نعم، بعد الثلاثين مترددا يتم.

مسألة 22: يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع و إن عدل عن الشخص

(مسألة 22): يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع و إن عدل عن الشخص (70)، كما لو قصد السفر إلى مكان مخصوص فعدل عنه إلى آخر يبلغ ما مضى و ما بقي إليه مسافة فإنّه يقصر حينئذ على الأصح كما أنّه يقصر (71) لو كان من أول سفره قاصدا للنوع دون الشخص، فلو قصد أحد المكانين المشتركين في بعض الطريق، و لم يعين من الأول أحدهما بل أوكل التعيين إلى ما بعد الوصول إلى آخر

______________________________

ليومه، فمن اعتبره يعتبره في المقام أيضا، و قد تقدم عدم الاعتبار مطلقا في الشرط الأول فراجع.

(69) يعني التردد في زمان العود بعد العزم على أصله. و أما وجوب التمام بعد التردد ثلاثين يوما، فيأتي في القاطع الثالث من (فصل قواطع السفر) فراجع.

(70) لأنّ الحكم معلق على طبيعيّ المسافة، و ذات قصد ثمانية فراسخ و البريدين و نحو ذلك من التعبيرات و لا ريب في شمولها لجميع الأفراد المتصوّرة التي يمكن تحققها خارجا، فكل ما كان منافيا لاستمرار طبيعيّ المسافة و نوعه يضرّ باستمرار القصد، و ما لا يكون منافيا له لا يضرّ به، و الظاهر مساعدة العرف لذلك أيضا، فمن قصد مسافة ثمانية فراسخ مثلا و كان بانيا على هذا القصد، و لكنّه عدل عند الوصول إلى كل فرسخ إلى فرسخ آخر يعد قاصدا للمسافة، بخلاف ما إذا عدل عن أصل قصد المسافة أو تردد فيه، فإنّه لا يعد عند العرف قاصدا للمسافة، فما نسب إلى الرياض من احتمال عدم القصر في المسافة النوعية مخدوش، فكيف بما نسب إلى المقدّس البغدادي رحمه اللّه من الجزم بالعدم فيما لو بلغ بريدا و أراد الرجوع و إن كان ليومه.

(71) لما تقدم من شمول إطلاق الأدلة لجميع الصور شخصية كانت أو نوعية، أو المركب منهما في الابتداء، أو في الأثناء.

ص: 163

الحد المشترك كفى في وجوب القصر.

مسألة 23: لو تردد في الأثناء ثمَّ عاد إلى الجزم

(مسألة 23): لو تردد في الأثناء ثمَّ عاد إلى الجزم، فإما أن يكون قبل قطع شي ء من الطريق، أو بعده، ففي الصورة الأولى يبقى على القصر (72) إذا كان ما بقي مسافة و لو ملفقة و كذا إن لم يكن مسافة في وجه (73)، لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بالجمع (74) و أما في الصورة الثانية فإن كان ما بقي مسافة و لو ملفقة يقصر أيضا (75)، و إلا

______________________________

(72) لوجود المقتضي له و فقد المانع، فتشمله أدلة التقصير قهرا.

(73) لأنّ استمرار القصد و إن انقطع بحسب الدقة العقلية و الذي وجد ثانيا غير ما حدث أولا بحسب الدقة، و لكنه بنظر العرف المنزل عليه الأدلة بقاء للقصد الأول و عود له، فالعرف يراه باقيا و إن تعدد بالدقة العقلية، و لذا جزم في الجواهر و غيره بوجوب القصر حتى في هذه الصورة، فإن كان وجه إشكاله رحمه اللّه إلى ما ذكرناه من التعدد بحسب الدقة العقلية «ففيه»: أنّ الأدلة غير منزلة عليها.

و إن كان نظره (قدّس سرّه) إلى انقطاع حكم العام و أنّ المقام من موارد الرجوع إلى استصحاب الخاص لانقطاع استمرار العام. (ففيه): أنّه بعد حكم العرف ببقاء الاستمرار في القصد يشمله العام لا محالة، فلم ينقطع استمرار العام بنظر العرف الذي هو المناط في شمول الحكم، مع أنّ كون العام في المقام استمراريا بحسب هذه الدقيات أول الكلام، و مجرد الشك في كونه كذلك يكفي في العدم.

فرع: لو صلّى في حال التردد يتم، لفقد شرط القصر حينئذ.

(74) إن لم نقل: إنّه بجريان أصالة التمام ينحل العلم الإجمالي و إلا فلا وجه لوجوب الاحتياط بالجمع.

(75) لوجود المقتضي للقصر و فقد المانع عنه، فيشمله إطلاق الأدلة، و إجماع الأجلة.

ص: 164

فيبقى على التمام (76) نعم، لو كان ما قطعه حال الجزم أولا مع ما بقي بعد العود إلى الجزم- بعد إسقاط ما تخلل بينهما مما قطعه حال التردد- مسافة ففي العود إلى التقصير وجه، لكنّه مشكل (77) فلا يترك الاحتياط

______________________________

(76) لانقطاع استمرار القصد في السير الخارجي عرفا، و عدم بلوغ مجموع ما سار مع القصد مما قبل حصول التردد، و بعد العود إلى الجزم بمقدار المسافة كما هو المفروض فلا مقتضي للقصر حينئذ أصلا، فتجري أصالة التمام بلا مانع، و لا وجه لجريان أصالة القصر لزوال موضوعه و هو استمرار القصد، و بعد العود إلى الجزم يكون الشك في أصل حدوث وجوب القصر لا في بقائه.

و بالجملة انقطعت المسافة الشرعية بفقد شرطها و لا يمكن ضم البقية إلى ما مضى، لفرض عدم بلوغ المجموع المسافة، فلا محيص إلا من التمام إن قلت: نعم، و لكنّه مناف لإطلاق قول أبي الحسن في خبر إسحاق بن عمار:

«فإذا مضوا فليقصروا» (1).

قلت: كونه في مقام البيان حتى من هذه الجهة ممنوع مضافا إلى قصور سنده و عدم الانجبار من هذه الجهة.

(77) اختار العود إلى التقصير جمع منهم صاحب الجواهر، و استظهر من المحقق الأنصاري أيضا، و عمدة الدليل إطلاق أدلة التقصير الشامل لمثل ذلك أيضا، إذ لا دليل على اعتبار استمرار القصد بحيث لا يتخلل في أثنائه تردد أصلا، بل مقتضى إطلاق البريدين، و ثمانية فراسخ و نحوهما عدمه. هذا وجه العود إلى التقصير و ضم السير المقصود ثانيا إلى ما قصد أولا.

و أما وجه الإشكال، فاحتمال إرادة المسافة المتصلة من الإطلاقات بلا تخلل التردد في البين أصلا كعدم تخلل الإقامة و العبور على الوطن، و يكفي الشك في الشمول و في عدم الشمول، لأنّه حينئذ من التمسك بالدليل فيما لم يحرز موضوعه.

ص: 165


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10.

بالجمع (78).

مسألة 24: ما صلاه قصرا قبل العدول عن قصده لا تجب إعادته في الوقت فضلا عن قضائه خارجه

(مسألة 24): ما صلاه قصرا قبل العدول عن قصده لا تجب إعادته في الوقت فضلا عن قضائه خارجه (79).

______________________________

فروع- (الأول): لو تردد في الأثناء و سار مع قصد التردد بعنوان الجزئية للسفر و الوصول إلى المقصد ثمَّ عاد إلى الجزم و قصده الأول فلا يبعد شمول الإطلاقات له و هذا هو المتيقن من قول مثل صاحب الجواهر لصحة دعوى عدم الانقطاع عرفا. و أما لو كان سيره لا لأجل الجزئية للسفر، بل لداع آخر من التنزه و نحوه، فالظاهر هو الانقطاع، و يمكن أن يجعل النزاع بذلك لفظيا.

(الثاني): لو قطع مقدارا من المسافة مع التردد ثمَّ رجع إلى أول محل حدوث التردد فيه لحاجة، فعاد إلى عزمه السابق و سافر، فالظاهر تعين القصر، لكونه حينئذ بمنزلة من تردد و لم يقطع شيئا ثمَّ رجع إلى عزمه.

(الثالث): لو تردد في المسافرة بزعم شي ء فسار مقدارا ثمَّ بان فساد زعمه، فالظاهر كونه من صغريات المقام.

(78) وجوب هذا الاحتياط مبنيّ على عدم جريان أصالة التمام في أمثال المقام.

(79) لتحقق الامتثال و هو يقتضي الإجزاء، و لصحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام: «عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين، فصلوا و انصرف بعضهم في حاجته، فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال عليه السّلام:

تمت صلاته و لا يعيد» (1) و قد عمل به المشهور، و ظاهرهم الإجماع عليه.

و أما خبر المروزي: «و إن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة» (2) فهو- مع ضعفه، و مخالفته للمشهور، و معارضته للصحيح- محمول على الندب

ص: 166


1- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
الرابع: أن لا يكون من قصده في أول السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيام قبل بلوغ الثمانية
اشارة

(الرابع): أن لا يكون من قصده في أول السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيام قبل بلوغ الثمانية (80)، و أن لا يكون من قصده المرور على

______________________________

كصحيح أبي ولاد: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا فإنّ عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك» (1)، فيحمل على الاستحباب جمعا بينه و بين غيره.

و أما ما يقال: من أنّ صحيح زرارة دليل للمشهور لو كان السؤال عن حال من صلّى ثمَّ رجع عن قصده. و أما لو كان السؤال عمن صلّى و لم يرجع، فهو أجنبي عن المقام، فيتعيّن العمل بغيره حينئذ.

فمردود: بأنّ الاحتمال الثاني خلاف الظاهر كما لا يخفى. و هل يجري هذا الحكم فيما إذا سافر بقصد الطاعة فصلّى القصر ثمَّ عدل إلى المعصية؟ يأتي التعرض له في [مسألة 33].

(80) هذا الشرط تارة: يلحظ بالنسبة إلى ابتداء قصد المسافة. و أخرى:

بعد تحققه، و المقصود في المقام هو الأول- و يأتي البحث عن الثاني بعد ذلك- و استدل عليه في المقام بالإجماع، و بأصالة التمام، و بأنّ قصد السفر، و قصد الإقامة متباينان عرفا، فكيف يجتمعان لا أقلّ من الشك في حصول قصد المسافة الشرعية، فكيف تشمله أدلة القصر مع عدم إحراز الموضوع، و يقول أبو جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه القصر، فإذا زار البيت أتم الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر» (2).

و أشكل على الإجماع بعدم كونه مفيدا للعلم بالحكم (و فيه): أنّه يكفي حصول الاطمئنان العرفي كما في سائر الموارد و هو حاصل.

و على أصالة التمام بكونها محكومة بأدلة القصر. (و فيه): أنّ التمسك بأدلة

ص: 167


1- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.

وطنه كذلك (81)، و الا أتمّ، لأنّ الإقامة قاطعة لحكم السفر (82)

______________________________

القصر في المقام من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ ليس المراد السفر العرفي، بل الشرعي و هو مشكوك.

و أشكل على الصحيح أولا: بأنّ قوله عليه السّلام: «فإذا زار البيت» مما لا قائل به فيسقط عن الاعتبار من هذه الجهة. (و فيه) أنّ التفكيك في أجزاء الخبر الواحد بالأخذ ببعضها و طرح الآخر شائع لا بأس به.

و ثانيا: أنّ قوله عليه السّلام: «و هو بمنزلة أهل مكة» فيه إجمال، و المتيقن منه إنّما هو حين الإقامة فقط، فلا يشمل مورد قصد الإقامة و لو لم تتحقق بعد.

(و فيه): أنّ التنزيلات الشرعية إما ظاهرة في العموم إلا ما خرج بالدليل، أو بلحاظ الآثار الظاهرة المتعارفة، و على أيّ فرض منهما يصير دليلا للمقام، و المنساق منه و من غيره هو التعميم إلا ما خرج بالدليل، بل الظاهر المفروغية عن أصل هذا الحكم في الأدلة، ففي صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر، فيقيم الأيام في المكان عليه صوم؟ قال عليه السّلام: لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام- إلى أن قال-: و سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان و هو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟

قال: لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام» (1). و كذا غيره من المستفيضة المستفاد منها أنّ محل الإقامة بمنزلة الوطن إلا ما خرج بالدليل، و يأتي ذلك في محله إن شاء اللّه تعالى.

(81) لأنّ السفر و الحضر متنافيان قصدا و خارجا، شرعا، و عرفا فلا يجتمعان في القصد كما لا يجتمعان في الخارج، و يأتي التفصيل في الفصل التالي.

(82) للمستفيضة من النصوص التي تأتي فيما بعد، و ضرورة المذهب بل

ص: 168


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

و الوصول إلى الوطن قاطع لنفسه، فلو كان من قصده ذلك من حين الشروع أو بعده لم يكن قاصدا للمسافة (83). و كذا يتم لو كان مترددا في نية الإقامة، أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية (84).

نعم، لو لم يكن ذلك من قصده و لا مترددا فيه إلا أنّه يحتمل (85) عروض مقتض لذلك في الأثناء لم يناف عزمه على المسافة فيقصر نظير ما إذا كان عازما على المسافة الا أنّه لو عرض في الأثناء مانع- من لصّ أو عدوّ أو مرض أو نحو ذلك- يرجع و يحتمل عروض ذلك فإنّه لا يضر بعزمه و قصده (86).

مسألة 25: لو كان حين الشروع في السفر أو في أثنائه قاصدا للإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية

(مسألة 25): لو كان حين الشروع في السفر أو في أثنائه (87)

______________________________

الدّين، و لا يبعد أن يكون قاطعا لموضوعه أيضا، لأنّ لقطع موضوع السفر مراتب شتّى، فليكن قصد الإقامة من أدناها، و بذلك يجمع بين الكلمات، فمن ذهب إلى عدم قطعه لموضوعه أي ببعض مراتبه، و من أثبته أراده في الجملة، و يأتي بعد ذلك ما ينفع المقام.

(83) لأجل التنافي الوجداني الثابت بينهما، فلا يجتمعان في القصد.

(84) لأنّ التردد ينافي العزم على المسافرة و الجزم بها وجدانا.

(85) للاحتمال مراتب متفاوتة، فإن كان بحيث لا ينافي العزم و القصد فلا محذور فيه، و إن كان مانعا عن حصول القصد وجب التمام لما تقدم في الشرط الثالث.

(86) فيكون المقام كسائر الأعمال المتدرجة الوجود- كالصلاة و الصوم و نحوهما- الذي لا يضرّ قصد إتيانها احتمال عروض ما يمنع عن إتمامها إن كان ذلك من مجرد الاحتمال الذي لا ينافي حصول القصد إجمالا.

(87) الظاهر عدم الاحتياج إلى ذكر الأثناء هنا، لأنّ المسألة التالية متعرضة لحكم الأثناء. و قد أشكل (قدس سره) هناك و جزم بالفتوى هنا.

ص: 169

قاصدا للإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية لكن عدل بعد ذلك عن قصده، أو كان مترددا في ذلك و عدل عن ترديده إلى الجزم بعدم الأمرين. فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة في نفسه أو مع التلفيق بضم الإياب قصر، و إلا فلا (88)، فلو كان ما بقي بعد العدول إلى المقصد أربعة فراسخ و كان عازما على العود و لو لغير يومه قصر في الذهاب و المقصد و الإياب، بل و كذا لو كان أقلّ من أربعة، بل و لو كان فرسخا فكذلك على الأقوى من وجوب القصر في كل تلفيق من الذهاب و الإياب، و عدم اعتبار كون الذهاب أربعة أو أزيد كما مر (89).

مسألة 26: لو لم يكن من نيته في أول السفر الإقامة أو المرور على الوطن

(مسألة 26): لو لم يكن من نيته في أول السفر الإقامة أو المرور على الوطن و قطع مقدارا من المسافة، ثمَّ بدا له ذلك قبل بلوغ الثمانية، ثمَّ عدل عمّا بدا له و عزم على عدم الأمرين، فهل يضم ما مضى إلى ما بقي- إذا لم يكن ما بقي بعد العدول عما بدا له مسافة- فيقصر إذا كان المجموع مسافة و لو بعد إسقاطه ما تخلل بين العزم الأول و العزم الثاني إذا كان قطع بين العزمين شيئا؟- إشكال، خصوصا في صورة التخلل فلا يترك الاحتياط بالجمع، نظير ما مر في الشرط الثالث (90).

______________________________

(88) أما القصر، فلوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله أدلة التقصير قهرا. و أما الإتمام فيما لو لم تكن مسافة و لو ملفقا، فلأصالة التمام بعد عدم تحقق شرط التقصير و قد تقدم ما يتعلق باعتبار عدم كون الذهاب أقل من أربعة فراسخ.

(89) راجع الشرط الأول من أول الفصل.

(90) تقدم دليله و هو جار في المقام أيضا بعينه، فلا وجه للإعادة و التكرار.

فروع- (الأول): المراد بالمرور على الوطن القاطع للسفر المرور على ما دون حدّ الترخص منه لا خارجه.

ص: 170

الخامس: من الشروط: أن لا يكون السفر حراما
اشارة

(الخامس): من الشروط: أن لا يكون السفر حراما (91) و إلا لم يقصر، سواء كان نفسه حراما (92)- كالفرار من الزحف، و إباق العبد،

______________________________

(الثاني): المراد بقصد المرور، و قصد الإقامة مطلق العلم بهما لا خصوص القصد الاصطلاحي.

(الثالث): الظاهر شمول الحكم للمكره و المجبور و نحوهما و يجري فيه الاستقلالية و التبعية كما تقدم في قصد المسافة.

(الرابع): لو كان المرور بالطائرة- مثلا- يلاحظ فيها مقدار حدّ الترخص أيضا كغيرها مما يسير في الأرض.

(الخامس): لو قصد المرور على الوطن، فأخطأ و لم يمر به أو خالفه سائق السيارة و لم يمر به وجب التمام، لعدم تحقق قصد المسافة منه في المقدار الذي يكون بين مبدإ سيره و بلده و بعده يقصر إن كان مسافة و لو تلفيقا.

(91) للإجماع، و النصوص المستفيضة التي يأتي بعضها.

(92) لإطلاق معاقد الإجماعات، و كثير من الفتاوى الشامل لجميع ما ذكره (قدّس سرّه)، و كذا قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن مروان: «من سافر قصر و أفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد، أو في معصية اللّه، أو رسول لمن يعصي اللّه عزّ و جل، أو في طلب عدوّ، أو شحناء أو سعاية، أو ضرر على قوم مسلمين» (1)، فإنّ شمول قوله عليه السّلام: «أو في معصية اللّه» لما إذا كان السفر بنفسه محرّما مما لا ينكر خصوصا بقرينة مقابلتها لسائر الفقرات، و احتمال أن تكون كلمة (في) بمعنى (إلى) أو (اللام)، أو السببية لا وجه له، و يدل عليه أيضا موثق عبيد بن زرارة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج إلى الصيد أ يقصر أم يتم؟ قال عليه السّلام: «يتم لأنّه ليس بمسير حق» (2)لأنّ ما كان بنفسه معصية ليس بمسير حق قطعا، و مثله قوله عليه السّلام في موثق ابن

ص: 171


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.

و سفر الزوجة بدون إذن الزوج (93) في غير الواجب (94) و سفر الولد مع

______________________________

أبي عمير: «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا في سبيل حق» (1).

و خبر ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتصيّد اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصر الصلاة؟ قال عليه السّلام: لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدّين، فإنّ التصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه، و قال: «يقصر إذا شيع أخاه» (2)، فإنّ إطلاق قوله عليه السّلام: «مسير باطل» يشمل ما كان السفر حراما، و في موثق سماعة: «إلا أن يكون رجلا مشيعا لسلطان جائر» (3). فما نسب إلى الشهيد الثاني من التشكيك في هذا القسم (مخدوش) على فرض ثبوت النسبة.

ثمَّ إنّ الحرمة تارة: في نفس الحركة السيرية. و أخرى: في غايتها و ثالثة: فيهما معا. و رابعة: لا تكون نفس الحركة و لا الغاية محرّمة، بل يكون السفر علة لتحقق الحرام و مستلزما له كما يأتي في المسألة اللاحقة. و خامسة: لا تكون الحرمة في شي ء من ذلك كله أصلا، بل يصاحبه المعصية كما إذا اشتغل في السفر بالملاهي كاشتغاله بها في الحضر. و ظهر حكم القسم الأول، و منه يظهر القسم الثالث بالأولوية، و يأتي حكم البقية إن شاء اللّه تعالى.

(93) لما يأتي في كتاب النكاح من حرمة خروجها عن بيت الزوج بدون إذنه، سواء كان ذلك منافيا لحق الاستمتاع أم لا.

(94) لأنّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (4)، و يأتي في [مسألة 78] من كتاب الحج بعض ما ينفع المقام و تتمة الكلام في كتاب النكاح إن شاء اللّه.

ص: 172


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 7.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
4- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 7- كتاب الحج.

نهي الوالدين (95) في غير الواجب (96)، كما إذا كان السفر مضرّا لبدنه، و كما إذا نذر عدم السفر مع رجحان تركه و نحو ذلك. أو كان غايته أمرا محرّما (97)، كما إذا سافر لقتل نفس محترمة، أو للسرقة أو

______________________________

(95) نهي الوالدين إما أن يكون اقتراحيا محضا بلا غرض شرعيّ و لا عقلائيّ، و مقتضى الأصل عدم وجوب الإطاعة في مثله بعد انصراف الأدلة عنه.

و إما أن يكون فيه أغراض صحيحة شرعية كانت أو عقلية و لا ريب في وجوب الإطاعة حينئذ خصوصا مع إيذائهما بتركها.

و في مورد الشك في أنّه من أيّهما؟ مقتضى الأصل عدم الوجوب بعد عدم صحة التمسك بالأدلة، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، و لكن لا بد من مراعاة الاحتياط من كل جهة.

(96) لما تقدم من أنّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، و لكن لا بد من تقييد الواجب بما إذا كان مضيقا هنا و في سابقة.

(فرع): لو سافر الولد مع نهي الوالدين- أو الزوجة مع نهي الزوج- و قصّر و حصل منه قصد القربة و بعد ذلك رضي الوالدان و رضي الزوج فالمسألة من صغريات جريان الفضولي في غير العقود و قد حرّرنا المسألة في البيع فراجع.

(97) للإجماع، و لنصوص كثيرة، منها: ما تقدم من صحيح ابن مروان (1) و منها: خبر الخراساني: «دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال عليه السّلام لأحدهما: وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني، و قال للآخر وجب عليك التمام، لأنّك قصدت السلطان» (2).

و عن الصادق عليه السّلام في موثق سماعة: «و من سافر قصّر الصلاة و أفطر إلا أن يكون رجلا مشيعا لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد- الحديث-» (3) إلى غير ذلك من النصوص.

ص: 173


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.

للزنا أو لإعانة ظالم، أو لأخذ مال الناس ظلما و نحو ذلك. و أما إذا لم يكن لأجل المعصية لكن تتفق في أثنائه مثل الغيبة و شرب الخمر و الزنا و نحو ذلك مما ليس غاية للسفر فلا يوجب التمام، بل يجب معه القصر و الإفطار (98).

مسألة 27: إذا كان السفر مستلزما لترك واجب

(مسألة 27): إذا كان السفر مستلزما لترك واجب، كما إذا كان مديونا و سافر مع مطالبة الديان و إمكان الأداء في الحضر دون السفر

______________________________

(98) لظهور الأدلة، بل صراحتها في دوران الترخيص و عدمه مدار إباحة ذات السفر و غايته و عدم إباحتهما، و المفروض في المقام إباحة الذات و الغاية، فيشمله أدلة الترخيص بلا مانع، مع أنّه لا خلاف فيه من أحد، و في المستند نفي الشك عن الترخيص فيه.

فروع- (الأول): لو سافر لأجل اللهو و اللعب و ارتكاب المحرّمات بحيث لو لم يكن ذلك لم يسافر أصلا وجب التمام لحرمة مثل هذا السفر، فيشمله ما تقدم من الأدلة.

(الثاني): الغاية المحرّمة التي توجب الإتمام أعمّ من أن تكون في انتهاء السير- كما إذا سافر، لأن يسرق في محل مثلا- أو تكون في أثناء السير- كما إذا سافر لأن يسرق أموال المسافرين في أثناء السفر.

(الثالث): لو كان مكرها على السفر و المعصية فيه غاية أو نفسا يقصر، و لو اكره على السفر دون المعصية، فسافر لغاية محرّمة يتم، و لو أكره على المعصية مطلقا دون السفر، فسافر لارتكاب المعصية المكره عليها يقصر.

(الرابع): خادم العاصي بسفره يقصر إلا إذا كان سفر الخادم أيضا معصية نفسيا أو غاية.

(الخامس): يمكن انقسام السفر باعتبار نفس الحركة و باعتبار الغاية من السفر إلى الأحكام الخمسة التكليفية.

ص: 174

و نحو ذلك، فهل يوجب التمام أو لا (99)؟ الأقوى التفصيل بين ما إذا كان لأجل التوصل إلى ترك الواجب أو لم يكن كذلك، ففي الأول يجب التمام (100) دون الثاني، لكن الأحوط الجمع في الثاني (101).

مسألة 28: إذا كان السفر مباحا

(مسألة 28): إذا كان السفر مباحا لكن ركب دابة غصبية أو كان المشي في أرض مغصوبة، فالأقوى فيه القصر (102) و إن كان

______________________________

(99) مقتضى القاعدة عدم حرمته لا نفسا و لا غاية. أما الأول: فلعدم مقدمية ترك الضد للضد الآخر. و أما الثاني: فلعدم مقدمية فعل الضد لترك الضد الآخر كما ثبت كل ذلك في محله.

(100) لأنّ مقتضى الدقة العقلية و إن كان عدم مقدمية أحد الضدين للآخر وجودا و عدما إلا أنّ العرف خصوصا المتشرعة يرى ترتب ترك الواجب على مثل هذا السفر، فإذا سافر بقصد الفرار عن الواجب يصدق عرفا سفر المعصية، فتشمله أدلة التمام المنزلة على المتعارف لا الدقة العقلية، فإذا سافر بقصد الفرار عن الواجب المنجز الفعلي مع عدم تمكنه عن الإتيان له في السفر و عدم الدليل على جواز السفر يكون من سفر المعصية عند المتشرعة، بخلاف ما إذا لم يكن بهذا القصد، فيصح التفصيل عرفا و إن لم يكن له وجه دقة، و يجري هذا التفصيل في كل واجب فعليّ لا يمكن إتيانه في السفر و لم يكن دليل على صحة الفرار عنه و لا اختصاص له بالدّين و يأتي في [مسألة 39] بعض ما يتعلق بالمقام.

(101) خروجا عن خلاف من قال بالمقدمية مطلقا.

(102) لما أرسلوه إرسال المسلّمات من أنّ المناط في وجوب التمام العصيان بالسفر نفسا أو غاية كما هو ظاهر الأدلة أيضا لا العصيان فيه، و المقام من الثاني دون الأول، و هما عنوانان مختلفان عقلا و شرعا.

إن قلت: أيّ فرق بين السفر مع الضرر، و عدم إذن الزوج، و مع نهي الوالدين، و بين السفر مع المركوب الغصبي.

قلت: الفرق بينهما أنّ الحرمة في الأمثلة من باب الوصف بحال الذات

ص: 175

الأحوط الجمع (103).

مسألة 29: التابع للجائر إذا كان مجبورا أو مكرها على ذلك

(مسألة 29): التابع للجائر إذا كان مجبورا أو مكرها على ذلك أو كان قصده دفع مظلمة أو نحوها من الأغراض الصحيحة المباحة أو الراجحة قصر (104) و أما إذا لم يكن كذلك- بأن كان مختارا و كانت التبعية إعانة للجائر في جوره- وجب عليه التمام (105) و إن كان سفر الجائر طاعة، فإنّ التابع حينئذ يتم مع أنّ المتبوع يقصر (106).

مسألة 30: التابع للجائر المعد نفسه لامتثال أوامره

(مسألة 30): التابع للجائر المعد نفسه لامتثال أوامره لو أمره بالسفر فسافر امتثالا لأمره، فإن عد سفره إعانة للظالم في ظلمة كان حراما و وجب عليه التمام، و إن كان من حيث هو مع قطع النظر عن كونه إعانة مباحا، و الأحوط الجمع (107) و أما إذا لم يعد إعانة على

______________________________

بخلاف المقام، فإنّه الوصف بحال المتعلق، و يكفي هذا الفرق الموضوعي فارقا في الحكم أيضا.

(103) لإمكان، أن يقال: إنّ المتشرعة يرون هذا السفر أيضا من سفر المعصية خصوصا الثاني.

(104) لوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله أدلة القصر لا محالة.

(105) لكونه من سفر المعصية حينئذ، فيجب عليه التمام.

(106) لأنّه لا ملازمة عقلية و لا شرعية و لا عرفية بين صلاة المتبوع و التابع في القصر و الإتمام، فإن كان سفرهما سفر المعصية يتمان، و إن كان سفر الطاعة يقصران، و إن اختلفا، فلكل واحد حكمه، فإذا كان المتبوع يذهب إلى الحج- مثلا- و التابع يذهب معه و يعدّ ذلك زيادة في شوكته و يعدّ من أعوان الظلمة يجب عليه التمام مع أنّ المتبوع يقصر.

(107) لاحتمال كون المناط في القصر إباحة السفر بذاته و إن حرم من جهة أخرى، فيصير حينئذ كوقوع الحرام في السفر، و لكنه احتمال عقليّ إذ العرف يرى مثل هذا السفر حراما.

ص: 176

الظلم فالواجب عليه القصر (108).

مسألة 31: إذا سافر للصيد

(مسألة 31): إذا سافر للصيد فإن كان لقوته و قوت عياله قصر، بل و كذا لو كان للتجارة (109) و إن كان الأحوط فيه الجمع (110).

و إن كان لهوا، كما يستعمله أبناء الدنيا وجب عليه التمام (111)،

______________________________

(108) أما التمام في الأول، فلكونه من سفر المعصية، و قد تقدم مناط صدق الإعانة على الإثم في أول الكتاب. و أما وجوب القصر في الثاني، فلعدم كونه معصية بشرط أن لا يكون محرما من جهة أخرى.

(109) أما الأول: فيدل عليه مضافا إلى الإطلاق، و الاتفاق، قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر، و ليقصر» (1).

و أما الثاني: فنسب إلى أكثر القدماء قصر الصوم دون الصلاة، و في المستند ادعى بعض مشايخنا عليه الشهرة القديمة القريبة من الإجماع، و حكي عن السرائر: «أجمعوا على ذلك فتيا و رواية» و نسبه في المبسوط إلى رواية أصحابنا. و في كفاية ذلك لتقييد إطلاقات الترخيص، و التفكيك بين ملازمة القصر للإفطار و الإتمام للصيام المستفادة من قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن وهب: «إذا قصرت أفطرت و إذا أفطرت قصرت (2)» إشكال، إذ الإجماع المنقول موهون، و المرسلتان مجهولتا المتن و الدلالة.

(110) في الصلاة. و أما الصوم فلا إشكال في وجوب الإفطار عند القدماء، أيضا. نعم، في الفقه الرضوي: «و صاحب الصيد إذا كان صيده بطرا فعليه التمام في الصلاة و الصوم، و إذا كان للتجارة فعليه التمام في الصلاة و الصوم» (3) و لكنه ضعيف غير منجبر.

(111) إن كان الصيد اللهوي من اللهو المحرّم يكون السفر لأجله حراما،

ص: 177


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 17.
3- ورد مضمونه في مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

و لا فرق بين صيد البر و البحر، كما لا فرق بعد فرض كونه سفرا بين كونه دائرا حول البلد و بين التباعد عنه و بين استمراره ثلاثة أيام و عدمه على الأصح (112).

______________________________

فيدخل حينئذ في القسم الثاني من السفر المحرّم، و يدل على عدم الترخيص فيه جميع ما تقدم، و إن لم يكن كذلك، فيدل على عدم الترخيص فيه، مضافا إلى الإجماع نصوص كثيرة.

منها: ما تقدم من صحيح ابن مروان (1).

و منها: موثق ابن زرارة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج إلى الصيد أ يقصّر أم يتم؟ قال عليه السّلام: يتم لأنّه ليس بمسير حق» (2).

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عمن يخرج من أهله بالصقورة، و البزاة، و الكلاب، يتنزه الليلة و الليلتين و الثلاث هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال عليه السّلام: إنّما خرج في لهو لا يقصر» (3).

و عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «سبعة لا يقصرون الصلاة- إلى أن قال- و الرجل يطلب الصيد يريد لهو الدنيا» (4) إلى غير ذلك من الأخبار.

(112) كل ذلك لإطلاق الأدلة من غير ما يصلح للتقيد. و أما خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام، و إذا جاز الثلاثة لزمه»(5)فيمكن حمله على ما إذا لم يبلغ المسافة في الثلاثة، و مثله قوله عليه السّلام في صحيح العيص: «إن كان يدور حوله فلا يقصر و إن كان تجاوز الوقت فليقصر» (6) فيحمل على عدم بلوغ المسافة و بلوغها.

ص: 178


1- تقدم في صفحة: 171.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 8.
مسألة 32: الراجع من سفر المعصية

(مسألة 32): الراجع من سفر المعصية إن كان بعد التوبة يقصر (113)، و إن كان مع عدم التوبة فلا يبعد وجوب التمام عليه، لكون العود جزءا من سفر المعصية (114)، لكن الأحوط الجمع

______________________________

و مثله صحيح صفوان(1) فلا وجه لما عن الإسكافي «من أنّ المتصيد ماشيا إذا كان دائرا حول المدينة غير مجاوز حدّ الترخص لم يقصر يومين، فإذا جاوز الحد و استمر دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها.

فروع- (الأول): لو كان التصيد شغلا له بحيث يصدق عليه كون السفر عملا له يتم، لأنّه عمله كما يأتي.

(الثاني): هل المراد باقتيات الصيد الذي ورد فيه الترخيص خصوص الاقتيات بعينه أو يشمل ما إذا باعه و اقتات بثمنه مقتضى الجمود هو الأول، و مقتضى الإطلاق و سهولة الشريعة هو الأخير.

(الثالث): لو سافر للصيد لأجل القوت، فلما وصل المصطاد قصد للهو أيضا يقصر، و في العكس يتم.

(113) لزوال الحكم بزوال موضوعه بالتوبة، فيكون المقتضي للقصر موجودا و المانع عنه مفقودا، فتشمله الأدلة قهرا، و لو شك في أنّه تاب أو لا؟ فمقتضى ظاهر حال المسلم هو الأول.

(114) الرجوع مع عدم التوبة تارة: يكون بنفسه سفر المعصية- كما إذا سافر إلى مكان ليشتري خمرا- مثلا- للتجارة فاشتراها و حملها معه إلى بلده ليبيعها، و كذا في آلات القمار و الملاهي و نحوها- و لا إشكال في أنّه بنفسه سفر المعصية، لأنّه يسافر لغاية محرّمة كما كان كذلك أولا، و لا وجه لاحتمال الترخيص فيه.

و أخرى: لا يكون الرجوع بنفسه محرّما و لا لأجل غاية محرّمة- كما إذا سافر إلى مكان ليعصي فيه، فعصى و فرغ من عصيانه ثمَّ رجع إلى محله- و عده من سفر

ص: 179


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

حينئذ (115).

مسألة 33: إباحة السفر كما أنّها شرط في الابتداء شرط في الاستدامة أيضا

(مسألة 33): إباحة السفر كما أنّها شرط في الابتداء شرط في الاستدامة أيضا (116)، فلو كان ابتداء سفره مباحا فقصد المعصية في الأثناء انقطع ترخصه و وجب عليه الإتمام و إن كان قد قطع مسافات (117)، و لو لم يقطع بقدر المسافة صح ما صلاه قصرا، فهو

______________________________

المعصية حينئذ مبنيّ على أن يلاحظ مجموع الذهاب و الإياب في السفر شيئا واحدا له غاية واحدة هي المعصية و هو احتمال حسن ثبوتا، و لكنه خلاف ظواهر الأدلة، و سهولة الشريعة خصوصا إن بقي بعد صدور العصيان أياما ثمَّ رجع.

و ثالثة: يشك في أنّه من أيّ القسمين، و المرجع فيه أصالة التمام، و هكذا في القسم الثاني و إن كان الأحوط فيهما الجمع.

و رابعة: يكون إلى غير بلده، بل إلى محل آخر لغرض مباح أو مندوب ثمَّ يرجع منه إلى بلده، و في عدّه جزءا من سفر المعصية إشكال، بل منع، فالمناط كله على عدّ الرجوع من تتمة سفر المعصية عرفا و عدمه.

(115) لأنّه حسن على كل حال و إلا فمقتضى الأصل هو التمام.

(116) لإطلاق الأدلة، و اتفاق أعلام الملة كما في سائر الشرائط حيث إنّها معتبرة حدوثا و بقاء، فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخيص حينئذ و بالعكس بلا خلاف يعلم من الأصحاب في الموضعين، كما في الذخيرة، و كذا في المستند.

(117) لأنّ موضوع التمام هو السفر الباطل، و ما كان في معصية اللّه تعالى، و مهما تحقق هذا العنوان وجب التمام، كما أنّ موضوع القصر السفر المباح و ما كان من سير الحق و كل ما تحقق ذلك وجب القصر.

و احتمال أن يكون مجرّد حدوث السفر المباح موجبا للقصر مطلقا حتّى يتحقق إحدى القواطع.

مدفوع: بأنّ إطلاق ما دل على وجوب الإتمام في السفر غير السائغ يجعل

ص: 180

كما لو عدل عن السفر و قد صلّى قبل عدوله قصرا حيث ذكرنا سابقا أنّه لا يجب إعادتها (118).

______________________________

التلبس بسفر المعصية مطلقا بمنزلة القاطع للسفر أيضا حدوثا و بقاء، مع أنّ ظاهرهم الإجماع عليه.

إن قلت: نعم، و لكن المنساق من الأخبار ما إذا كان حدوث السفر بعنوان الباطل و المعصية، فلا يشمل ما إذا كان في الأثناء، و الإجماع أيضا لا يشمل ما إذا كان العدول إلى المعصية بعد بلوغ المسافة، لأنّ المتيقن منه ما إذا كان قبله.

قلت: ظاهر الأخبار، و كلمات المجمعين هو الأعم من ذلك كما هو أوضح من أن يخفى على من راجعها.

إن قلت: مقتضى الاستصحاب هو القصر بعد تحقق المسافة.

قلت: نعم، لو لا تبدل العنوان الدائر مداره الحكم المستلزم لتبدل الحكم قهرا.

فرعان- (الأول): لا فرق في وجوب التمام بين كون ما بقي مسافة أو لا، كما لا فرق بين كون ما سافر مقدار المسافة أو أقل أو أكثر.

(الثاني): لو صلّى في حال قصد المعصية تماما ثمَّ عدل إلى الطاعة لا إعادة و لا قضاء عليه.

(118) لما تقدم وجهه في [مسألة 24]، فراجع.

إن قلت: يحتمل أن تكون إباحة السفر قيدا للموضوع، فلم يتحقق موضوع المسافة أصلا- لا ظاهرا و لا واقعا- و حينئذ فتكون هذه المسألة من صغريات ما تقدم في [مسألة 9]، و ما تقدم من زرارة (1) لا من [مسألة 24]، فإنّ موردها ما إذا سافر بقصد المسافة، مع تحقق المسافرة الشرعية ثمَّ رجع عن قصدها فلا يشمل المقام.

قلت: الظاهر من الأدلة أنّها قيد للحكم لا الموضوع و مع ذلك، فكونها قيدا

ص: 181


1- راجع صفحة: 178.

و أما لو كان ابتداء سفره معصية فعدل في الأثناء إلى الطاعة فإن كان الباقي مسافة. فلا إشكال في القصر (119)، و إن كانت ملفقة (120) من الذهاب و الإياب، بل و إن لم يكن الذهاب أربعة على الأقوى (121) و أما إذا لم يكن مسافة و لو ملفقة، فالأحوط الجمع بين القصر و التمام، و إن كان الأقوى القصر (122) بعد كون مجموع ما نواه بقدر المسافة و لو

______________________________

للحكم معلوم و تقيد الموضوع بها مشكوك و يدفع ذلك بالأصل و يأتي بعد ذلك ما ينفع المقام.

(119) لثبوت الموضوع مستجمعا للشرائط كما هو المفروض، فتشمله أدلة وجوب القصر قهرا.

(120) على ما تقدم في المسافة التلفيقية، فمن اختار كفاية التلفيق مطلقا يقول به في المقام أيضا- كالماتن- و من اعتبر عدم كون الذهاب أقل من أربعة يقول به هنا أيضا، فيكون المقام من صغريات ما تقدم موضوعا و حكما.

(121) تقدم ما يتعلق به فراجع.

(122) بدعوى أنّ اشتراط إباحة السفر إما قيد للحكم بالترخيص فقط، فتحقق حينئذ موضوع القصر، فما دام عاصيا يتم، و ما دام مطيعا يقصّر- كما سيصرّح رحمه اللّه بذلك- لإطلاق الدليلين الشامل للحالتين. و إما قيد للموضوع بلحاظ الحكم، فيكون كذلك أيضا.

و إما احتمال أن يكون قيدا للموضوع في حدّ نفسه مع قطع النظر عن الحكم أصلا، فخلاف المنساق من الأدلة، لأنّ تقييد الموضوعات بالقيود الشرعية إنّما يكون بلحاظ الأحكام المترتبة عليها دون نفسها من حيث هي: و لكن يرد عليه ظهور التسالم على اعتبار كون الباقي مسافة قال في مصباح الفقيه:

«و يعتبر فيه أيضا كون الباقي مسافة بلا خلاف فيه على الظاهر- إلى أن قال-: و كيف كان، فلا خلاف بينهم على الظاهر في عدم كفاية كونه بانضمام ما قطعه بوجه غير سائغ مسافة، لعدم الاعتداد بما قطعه بهذا الوجه شرعا».

ص: 182

.....

______________________________

و قال في الجواهر: «يعتبر في هذا بقاء مسافة، إذ لا عبرة بما مضى قطعا و إن تجاوز المسافة».

و يمكن أن يكون تقييد الموضوعات بلحاظ نفسها أيضا بمعنى أنّ الشارع ألقاها عن الموضوعية عن فقد الشرط رأسا، فيكون وجودها كالعدم، فللشارع تنزيل الموجود منزلة المعدوم و بالعكس. و يمكن استظهار كون إباحة السفر قيدا للموضوع من قوله عليه السّلام: «فإنّ التصيد مسير باطل» (1)، و قوله عليه السّلام: «إلا في سبيل حق»(2)و نحو ذلك من التعبيرات. نعم، مع الشك في ذلك، فالمتيقن رجوع القيد إلى الحكم أو الموضوع بلحاظه عملا بأصالة الإطلاق في ذات الموضوع في حدّ نفسه، و لا تعارض بأصالة الإطلاق في الحكم و الموضوع بلحاظ الحكم لسقوطها فيهما على أي تقدير كما هو واضح.

إن قلت: ما يظهر من المشهور من كون الإباحة قيدا للموضوع مخالف لما يظهر منهم في أصل المسألة، فإنّه لو كان ابتداء السفر مباحا، فعدل في الأثناء إلى المعصية، فإما أن يكون ما قطعه قبل العدول مسافة أو لا يكون المجموع بقدر المسافة و لا ريب في وجوب التمام بعد العدول سواء كان القيد قيدا للموضوع أم للحكم، و لا ثمرة للنزاع من هذه الجهة.

و إما أن يكون المجموع بقدر المسافة فسار أولا بقصد الطاعة و صلّى قصرا ثمَّ عدل إلى المعصية، فيجب عليه التمام، فإن كان القيد قيدا للموضوع وجب عليه إعادة ما صلاه قصرا، لعدم تحقق المسافة الشرعية أصلا، مع أنّهم لا يقولون بالإعادة، فيظهر منه أنّهم جعلوا القيد في أصل المسافة قيدا للحكم لا للموضوع، فما وجه الاختلاف مع كون المبنى واحدا أصلا و عكسا، فإن كان قيدا للموضوع يكون فيهما كذلك، و إن كان للحكم فكذلك.

قلت: إنّي تفحصت عاجلا فيما حضرني من الكتب، فلم أر تعرضا من المشهور لخصوص هذا الفرع أي: ما إذا سافر بقصد الطاعة ثمَّ عدل إلى المعصية و كان المجموع بقدر المسافة الشرعية فقط و حكم المشهور بصحة ما صلاه قصرا في

ص: 183


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 7.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.

ملفقة، فإنّ المدار على حال العصيان و الطاعة، فما دام عاصيا يتم و ما دام مطيعا يقصر من غير نظر إلى كون البقية مسافة أو لا.

______________________________

هذه الصورة أيضا، فراجع الكلمات. نعم، تعرّضوا لمسألة ما إذا نوى المسافة و سافر و تجاوز عن حدّ الترخص و صلّى قصرا ثمَّ بدا له عن المسافرة و قالوا: إنّه لا يعيد صلاته- كما تقدم و يأتي.

و أما مرسل السياري عن أبي الحسن عليه السّلام: «إنّ صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتمّ، فإذا رجع إليها قصر» (1) فضعيف سندا، و غير معمول به متنا و حمله على من سافر لا بقصد الصيد ثمَّ عدل عن الطريق بقصده حتى يكون مما نحن فيه بلا شاهد.

فروع- (الأول): لو كان السفر طاعة في ابتدائه، فقصد المعصية في الأثناء هل ينقطع الترخص بمجرد القصد أو يتوقف على الضرب في الأرض بهذا القصد؟

وجهان المنساق من الأدلة هو الثاني- كما استظهر صاحب الجواهر رحمه اللّه و غيره- و يأتي مثله في [مسألة 41]، و كذا العكس.

(الثاني): لو كان ابتداء السفر بقصد الطاعة و في الأثناء عدل إلى قصد المعصية، فقطع شيئا من المسافة بهذا القصد ثمَّ عاد إلى قصد الطاعة فهل يعتبر كون الباقي بنفسه مسافة في التقصير أم يكفي بلوغه بضميمة ما مضى من المباح بإسقاط المتخلل؟ قولان نسب الأول إلى جمع، منهم العلامة، و الثاني إلى جمع آخر منهم الصدوقان، و المحقق و الشهيد، و قد تقدم في [مسألة 23]، ما ينفع المقام فراجع فإنّ دليل المسألتين واحد، و لكن الاحتياط هنا أشد من جهة احتمال زوال ما حدث أولا بقصد الطاعة عن السفرية، لعروض قصد المعصية، فلا يبقى موضوع للضم حينئذ.

(الثالث): لو سافر مباحا ثمَّ رجع عن قصد المسافرة أصلا و بعد ذلك سافر مقدارا من المسافة لارتكاب المعصية ثمَّ عاد إلى قصد المسافة الأولية و سار يكون

ص: 184


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
مسألة 34: لو كانت غاية السفر ملفقة من الطاعة و المعصية

(مسألة 34): لو كانت غاية السفر ملفقة من الطاعة و المعصية (123)، فمع استقلال داعي المعصية لا إشكال في وجوب التمام (124)، سواء كان داعي الطاعة أيضا مستقلا أو تبعا (125) و أما إذا

______________________________

حكمه حكم ما سبق فراجع.

(123) تارة: يكون قصد المعصية علة تامة مستقلة منحصرة بحيث لو لم يكن لم يسافر أصلا و لا ريب في تعيين التمام.

و أخرى: يكون علة تامة غير منحصرة بمعنى أنّه لو لم يكن قصد المعصية لسافر لغرض صحيح أيضا و يجب فيه التمام أيضا، لصدق أنّه «مسير باطل»، و غير حق بعد فرض كون الداعي الفعلي للسفر قصد المعصية.

و ثالثة: يكون كل منهما جزء العلة بحيث لو لم يكن الآخر لم يكف هذا، فيحتمل القصر بدعوى: ظهور أدلة التمام فيما إذا كان قصد المعصية مستقلا سواء كان انحصاريا أم بدليا. و يحتمل التمام بدعوى: ظهور أدلة التمام في كفاية الاستناد إلى قصد المعصية سواء كان بنحو الاستقلال أم جزء العلة، و هو الأقوى، لأنّ الترخيص إرفاق و هو لا يناسب قصد المعصية مطلقا.

و رابعة: يكون أحد القصدين تابعا و الآخر متبوعا و يأتي فيه ما تقدم في الثالثة من الاحتمالين، مضافا إلى التفصيل بين ما إذا كان داعي الإباحة تابعا، فيتم، أو بالعكس، فيقصر. و ما استظهرناه: من أنّ الحكم الإرفاقي لا يناسب قصد المعصية آت هنا أيضا. إلا أن يقال: إنّ الأدلة منزلة على العرفيات بحسب مقاصدهم العرفية في أسفارهم مضافا إلى سهولة الشريعة، و العرف لا يرى للقصد التبعي المحض أثرا، فيقصر حينئذ لو كان قصد المعصية تبعا.

(124) لوجود المقتضي، و فقد المانع، فتشمله الأدلة لا محالة.

(125) لفرض أنّ داعي المعصية مستقل و لا ينافيه استقلال داعي الطاعة أيضا لو لم يكن داعي المعصية في البين، لأنّه من الاستقلالي البدلي يعني: لو فرض زوال داعي المعصية ليسافر بداعي الطاعة، لكنه غير موجود فعلا، لوجود

ص: 185

كان داعي الطاعة مستقلا و داعي المعصية تبعا، أو كان بالاشتراك ففي المسألة وجوه (126) و الأحوط الجمع (127) و إن كان لا يبعد وجوب التمام (128)، خصوصا في صورة الاشتراك بحيث لو لا اجتماعهما لا يسافر.

مسألة 35: إذا شك في كون السفر معصية أو لا

(مسألة 35): إذا شك في كون السفر معصية أو لا مع كون الشبهة موضوعية- فالأصل الإباحة (129) إلا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة، أو كان هناك أصل موضوعيّ، كما إذا كانت الحلية مشروطة بأمر وجوديّ، كإذن المولى و كان مسبوقا بالعدم أو كان الشك في

______________________________

بديله، و لا يمكن اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد. و أما إذا كان داعي الطاعة تبعيا، فلفرض أنّ استقلالية داعي المعصية تمنع عن استناد السفر إلى الداعي التبعي لاضمحلال كل تبعيّ مع وجود ما هو المستقل في البين.

(126) أحدها: التمام بدعوى: أنّ صرف وجود قصد المعصية يجزي فيه و لو بنحو التبعية تمسكا بالإطلاق و الأصل أي: أصالة التمام.

ثانيها: القصر بدعوى أنّه لا بد في التمام من استقلال داعي المعصية، لأنّه المنساق من قوله عليه السّلام: «مسير باطل»(1).

ثالثها: التفصيل بين استقلالية داعي المعصية فيتم، و استقلالية داعي الطاعة، فيقصر، و في صورة الاشتراك يتم، لأصالة التمام.

(127) للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما، فيجب الاحتياط إن لم ينحل العلم الإجمالي بأصالة التمام و إلا فلا يجب هذا الاحتياط.

(128) لأصالة التمام من غير ما يصلح للحكومة عليه، ثمَّ إنّ المرجع في تشخيص قصد المسافر إنّما هو نفسه إذ القصود مما لا يطلع عليها إلا القاصد و اللّه تعالى.

(129) لأدلة البراءة العقلية و النقلية الشاملة للشبهات التحريمية موضوعية كانت أو حكمية.

ص: 186


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة المسافر حديث: 7.

الإباحة و العدم من جهة الشك في حرمة الغاية و عدمها و كان الأصل فيها الحرمة (130).

مسألة 36: هل المدار في الحلية و الحرمة على الواقع أو الاعتقاد

(مسألة 36): هل المدار في الحلية و الحرمة على الواقع أو الاعتقاد (131)،

______________________________

(130) لما ثبت في محله من حكومة الأصول الموضوعية مطلقا على غيرها و مثاله ما إذا كان مال، أو نفس، أو عرض محترما و سافر لأجل هتكه، فأصالة بقاء الاحترام في الغاية على أصالة الإباحة إن شك في زوال حرمة الغاية.

(فرع): لو كان السفر موردا للاحتياط العقلي- كما إذا كان من أطراف الشبهة المحصورة- وجب الاحتياط بالجمع إلا إذا جرى فيه أصل غير معارض، أو قلنا بجريان أصالة التمام حتّى في هذا المورد.

(131) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب القواعد. و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة الواردة في المقام.

أما الأول: فلا ريب في أنّ القيود المعتبرة في القصر و الإتمام كسائر القيود المعتبرة في موضوعات سائر الأحكام في أنّ المناط فيها على الواقع، و أنّ الوظائف المعتبرة- من الأمارات و الأصول- طرق محضة إلى الواقع و لا موضوعية فيها بوجه، و من ثمرات ذلك الإجزاء عند عدم تبين الخلاف كما هو من المسلمات لديهم بلا خلاف، و عدم الإجزاء مع تبين الخلاف، فلو أحرز إباحة السفر بالأمارة أو الأصل يقصر، و لو تبين الخلاف يتم و يقضي تماما ما صلاه قصرا، و لو أحرزت الحرمة يتم، و مع تبين الخلاف يقصر و يقضي قصرا ما صلاه تماما، و ذلك كله لأنّ الأمارات و الأصول و القواعد و الأوامر الاعتقادية كلها طريقية محضة إلى الواقع، فمع تبين الخلاف يبطل الطريق و يبقى الواقع على ما هو عليه.

نعم، لو كان منشأ وجوب التمام خوف الضرر- نفسيا، أو غيريا- و أتم ثمَّ تبيّن الخلاف لا يقضي قصرا، لأنّه من تبدل الموضوع لا من تبين الخلاف كما في سائر الموارد التي يكون الخوف فيها موضوعا للحكم ثمَّ يظهر الخلاف، إذ

ص: 187

.....

______________________________

الجميع من تبدل الموضوع، فمقتضى القاعدة عدم الإجزاء مطلقا عند تبين الخلاف إلا في مورد واحد و هو مورد تحقق الخوف، مع ظهور عدمه واقعا، فإن كان المستفاد- من الأخبار الواردة في المقام- مطابقا للقاعدة فنعم الوفاق و إلا فنأخذ بالأخبار و نخصص بها القاعدة.

و أما الثاني: فالتعبيرات الواردة في النصوص هكذا:

منها: قول الصادق عليه السّلام: «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا في سبيل حق» (1) و هو ظاهر في الحق الواقعيّ كما في سائر الألفاظ الظاهرة في المعاني الواقعية، و يمكن حمله على الأعم من الحق الواقعيّ و الاعتقادي.

و منها: قوله عليه السّلام أيضا: «في قول اللّه عزّ و جل فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ قال: الباغي الصيد، و العادي السارق «و ليس لهما- أي:

«الباغي و العادي- أن يقصرا» (2).

و منها: قوله عليه السّلام: «من سافر قصر و أفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد، أو في معصية اللّه، أو رسول لمن يعصي اللّه» (3) و ظهوره، بل صراحته في اشتراط التمام بتنجز النهي مما لا ينكر، لأنّه لا معصية مع عدم فعلية النهي من كل جهة و حينئذ فنفس الحرمة الواقعية مع الجهل بها لا توجب التمام، و بقرينة المقابلة إنّ كل ما ليس بمعصية يقصر فيه الصلاة و لو كان محرما في الواقع، و يستفاد ذلك أيضا من خبر الخراساني(4) قال: «دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال لأحدهما:

وجب عليك التقصير، لأنّك قصدتني، و قال للآخر: وجب عليك التمام، لأنّك قصدت السلطان» حيث يدل على أنّ المدار على القصد و العزم و الإرادة إلى المعصية الواقعية.

و يتحصل من مجموع الأخبار الواردة بقرينة بناء تكليف السفر على التسهيل صور:

الصورة الأولى: الإباحة الواقعية و لا ريب حينئذ في وجوب التقصير.

ص: 188


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.

و الظاهر من جهة الأصول الإشكال (132)، فلو اعتقد كون السفر حراما بتخيل أنّ الغاية محرّمة فبان خلافه، كما إذا سافر لقتل شخص بتخيل أنّه محقون الدم فبان كونه مهدور الدم، فهل يجب عليه إعادة ما صلاه تماما أو لا؟ و لو لم يصلّ و صارت قضاء، فهل

______________________________

الصورة الثانية: الإباحة الظاهرية المكشوفة بالأمارات و الأصول مع عدم تبين الخلاف و هي كسابقتها في وجوب القصر، لعموم دليل اعتبار تلك الأمارات و الأصول.

الصورة الثالثة: عين الصورة السابقة مع تبين الخلاف بعد الإتيان بوظيفة القصر، و مقتضى دوران التمام مدار تحقق المعصية إجزاء القصر و عدم وجوب الإعادة و القضاء تماما، لفرض عدم تحقق المعصية حين الإتيان بوظيفة القصر.

الصورة الرابعة: الاعتقاد بالحلية من أيّ وجه حصل، و مقتضى عدم تحقق المعصية إجزاء وظيفته ما لم يتبيّن الخلاف؟ و عدم وجوب القضاء أو الإعادة بعد التبين، و لكن لا بد من تقييده بما إذا لم يحصل تقصير في حصول الاعتقاد.

الصورة الخامسة: كونه معصية واقعية.

الصورة السادسة: كونه معصية بحسب الأمارة و الأصل المعتبر، و مقتضى تحقق المعصية في الصورتين وجوب التمام فيهما.

الصورة السابعة: نفس الصورة مع تبين الخلاف و مقتضى القاعدة فيها القصر بعد التبين و الإعادة أو القضاء لما صلاه تماما إلا أن يتمسك بإطلاق ما ورد من التمام في سفر المعصية و هو حسن، و مع الشك فالمرجع أصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة القصر لذلك و الأحوط الجمع.

الصورة الثامنة: الاعتقاد بالمعصية مع عدم كونه كذلك في الواقع، و المسألة من صغريات التجرّي بناء على حرمته يتم، و بناء على العدم يقصر و الأحوط الجمع. هذه بعض الصور على نحو الإجمال.

(132) لا إشكال في كل ما هو معتبر شرعا أمارة كان أو أصلا ما لم ينكشف الخلاف.

ص: 189

يقضيها قصرا أو تماما؟ وجهان (133) و الأحوط الجمع (134)، و إن كان لا يبعد كون المدار على الواقع إذا لم نقل بحرمة التجرّي، و على الاعتقاد إن قلنا بها (135). و كذا لو كان مقتضى الأصل العملي الحرمة و كان الواقع خلافه أو العكس، فهل المناط ما هو في الواقع أو مقتضى الأصل بعد كشف الخلاف؟ وجهان: و الأحوط الجمع (136) و إن كان لا يبعد كون المناط هو الظاهر الذي اقتضاه الأصل إباحة أو حرمة (137).

مسألة 37: إذا كانت الغاية المحرّمة في أثناء الطريق

(مسألة 37): إذا كانت الغاية المحرّمة في أثناء الطريق لكن كان السفر إليه مستلزما ليقطع مقدارا آخر من المسافة، فالظاهر أنّ المجموع يعد من سفر المعصية (138)، بخلاف ما إذا لم يستلزم.

______________________________

(133) تقدم أنّ مقتضى أصالة التمام هو البقاء عليه بعد الشك في شمول أدلة القصر لمثل الفرض.

(134) للعلم الإجمالي إن لم تجر أصالة التمام، و لم يكن مطلق التجرّي و الطغيان منشأ للتمام.

(135) الظاهر أنّ حرمة المعصية إنّما تكون لأجل تحقق الطغيان بها على المولى و هو متحقق في مورد التجرّي بلا كلام، فلا بد من كونه موجبا للتمام.

(136) تقدم وجههما آنفا، فلا وجه للإعادة.

(137) و هذا هو المتعيّن، لعموم أدلة اعتباره، مع بناء التقصير على التسهيل بحيث تكون الإعادة أو القضاء مع تبين الخلاف منافيان له. ثمَّ إنّ من فروع المقام ما إذا سافر لغاية محرّمة فلم يتيسر له تحقق الغاية.

(138) الاستلزام إن كان وجودا و غاية، أو وجودا فقط، فلا إشكال في التمام، لأنّه من سفر المعصية بلا كلام، و كذا إن كان غاية فقط بحيث تعد غاية تلك المسافة غاية محرّمة عرفا، و إن لم يكن كذلك، فالظاهر هو القصر كما إذا تمَّ بنزين السيارة قبل الوصول إلى الغاية المحرّمة- مثلا- و ذهب إلى المسافة لأخذ البنزين ثمَّ عاد إلى محل ارتكاب الحرام، فيقصر في المسافة لأخذ البنزين لوجود المقتضي له و فقد المانع.

ص: 190

مسألة 38: السفر بقصد مجرد التنزه

(مسألة 38): السفر بقصد مجرد التنزه ليس بحرام (139) و لا يوجب التمام.

مسألة 39: إذا نذر أن يتمّ الصلاة في يوم معيّن

(مسألة 39): إذا نذر أن يتمّ الصلاة (140) في يوم معيّن أو

______________________________

(139) للأصل، و السيرة، و ظهور الإجماع.

(140) النذر في المقام على أقسام:

الأول: أن ينذر ترك السفر و كان ذلك راجحا، فينعقد و يكون نفس السفر حينئذ معصية و يجب فيه الإتمام و الصيام على ما تقدم في أول هذا الشرط كما تجب الكفارة، للحنث.

الثاني: أن يكون متعلق النذر نفس إتمام الصلاة من حيث هو إتمام لها و كان ذلك راجحا كما هو الظاهر، فينعقد نذره و تجب عليه الإقامة و الوفاء بالنذر إن كان مطلق وجود الإتمام مورد النذر لا وجوده الاتفاقي، و لو خالف و سافر يقصر بناء على أنّ السفر المستلزم لترك الواجب ليس بحرام خصوصا في المقام، لخبر عبد اللّه بن جندب سمعت عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك» (1) و مثله غيره، إذ يمكن إلحاق الصلاة بالصوم في هذا الحكم، لملازمتهما في الإتمام و القصر، إلا ما خرج بالدليل.

الثالث: هذه الصورة بعينها مع القول بحرمة السفر المستلزم لترك الواجب، فقد يشكل بأنّ حرمته مما يلزم من وجودها العدم، لأنّ الحرمة إنّما تكون لأجل تفويت الواجب و المفروض أنّه يجب التمام في هذا السفر فلا يلزم التفويت، فلا وجه للحرمة، فيلزم من فرض وجودها العدم. و يمكن أن يجاب عنه بأنّ التمام الذي فات شي ء، و التمام المأتيّ به شي ء آخر، فيمكن أن يكون للتمام النذري الحضري خصوصية غير متداركة بالتمام المترتب على عصيان النذر.

ص: 191


1- الوسائل باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.

يصوم يوما معينا وجب عليه الإقامة، و لو سافر وجب عليه القصر على ما مر من أنّ السفر المستلزم لترك واجب لا يوجب التمام إلا إذا كان بقصد التوصل إلى ترك الواجب، و الأحوط الجمع.

مسألة 40: إذا كان سفره مباحا لكن يقصد الغاية المحرّمة في حواشي الجادة

(مسألة 40): إذا كان سفره مباحا لكن يقصد الغاية المحرّمة في حواشي الجادة فيخرج عنها لمحرّم و يرجع إلى الجادة، فإن كان السفر لهذا الغرض كان محرّما موجبا للتمام (141)، و إن لم يكن لذلك و إنّما يعرض له قصد ذلك في الأثناء (142) فما دام خارجا عن الجادة يتم و ما دام عليها يقصر (143)، كما أنّه إذا كان السفر لغاية محرّمة و في أثنائه

______________________________

و قد يشكل أيضا بأنّ إباحة مثل هذا السفر مما يلزم من وجودها عدمها لتوقفها على عدم تفويت الواجب المطلق، و مع التفويت لا وجه للإباحة، فلا وجه للقصر أيضا.

و يمكن أن يجاب عنه بعدم حرمة التفويت، لما تقدم من خبر عبد اللّه بن جندب، بضميمة ملازمة الصوم و الصلاة في الإتمام و القصر إلا ما خرج بالدليل، و على هذا فلا يبقى موضوع للإشكال الأول أيضا، بل لا يبقى وجه للقسم الثالث أصلا، إذ لا وجه لحرمة السفر المستلزم لترك الواجب و على فرضها، فمثل خبر ابن جندب يكون مخصصا للمقام و إن كان ينبغي مراعاة الاحتياط و يأتي في [مسألة 28] من (فصل قواطع السفر) نظير هذه المسألة.

(141) لكونه حينئذ من سفر المعصية موضوعا و حكما.

(142) بشرط أن لا يكون ذلك من مجرّد اتفاق المعصية في أثناء السفر، فإنّه لا يوجب التمام- كما مرّ- بل لا بد من صدق كون السفر في خارج الجادة سفر المعصية، و صدق طيّ المسافة لأجلها، فالخروج عن الجادة تارة يكون لأجل طيّ المسافة المحرّمة، و أخرى: لأجل قضاء حاجة محرّمة و مورد المقام هو الأول دون الثاني.

(143) لما تقدم منه رحمه اللّه عند قوله في [مسألة 33]، فما دام عاصيا

ص: 192

يخرج عن الجادة و يقطع المسافة أو أقلّ لغرض آخر صحيح يقصر ما دام خارجا (144) و الأحوط الجمع في الصورتين.

مسألة 41: إذا قصد مكانا لغاية محرّمة

(مسألة 41): إذا قصد مكانا لغاية محرّمة فبعد الوصول إلى المقصد قبل حصول الغرض يتم (145)، و أما بعده فحاله حال العود (146) عن سفر المعصية في أنّه لو تاب يقصر و لو لم يتب يمكن القول بوجوب التمام، لعدّ المجموع سفرا واحدا (147) و الأحوط الجمع هنا و إن قلنا

______________________________

يتم و ما دام مطيعا يقصر، و ذكرنا: أنّه يصح بناء على كون الإباحة قيدا للحكم أو للموضوع بلحاظه. و أما بناء على كونها قيدا لنفس السفر من حيث هو، فيعتبر في التقصير بعد رجوعه إلى الجادة كون الباقي مسافة و لو ملفقة.

(144) أما في صورة قطع المسافة فلا إشكال فيه، لشمول أدلة الترخيص له. و أما في صورة الأقل، فيصح بناء على مبناه رحمه اللّه من كون الإباحة قيدا للحكم كما تقدم. و أما بناء على كونها قيدا للسفر فقط، فلا يتحقق موضوع المسافة الشرعية حينئذ حتّى يقصر، فيكون المرجع أصالة التمام. ثمَّ إنّه يجري في المقام ما ذكرناه من القسمين في الخروج عن الجادة آنفا.

(145) لتلبسه فعلا بسفر المعصية، فيجب عليه الإتمام.

(146) هذا صحيح بناء على كون الإباحة شرطا للحكم، فيتحقق موضوع السفر حينئذ و يقصر لو تاب، لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع. و أما لو كانت قيدا للموضوع، فيحتاج إلى كون الباقي بمقدار المسافة، لفرض عدم تحقق السفر بعد.

(147) لا دليل عليه بنحو الكلية و على فرضه، فليس المناط وحدة السفر و تعدده، بل المناط كونه مباحا أو حراما، ففي الأول يقصر و في الثاني يتم، و بناء على مبناه رحمه اللّه من كون الإباحة قيدا للحكم و أنّه يتم مع العصيان و يقصر مع الطاعة يلزمه الفتوى بالقصر حينئذ، و بناء على كونها قيدا للموضوع، فما تحقق لم يكن مسافة و هو بعد غير متلبس بها، فلا وجه للقصر، و مقتضى أصالة التمام وجوبه، و مقتضى الاحتياط الجمع كما لا يخفى.

ص: 193

بوجوب القصر في العود بدعوى عدم عدّه مسافرا (148) قبل أن يشرع في العود.

مسألة 42: إذا كان السفر لغاية لكن عرض في أثناء الطريق قطع مقدار من المسافة لغرض محرّم

(مسألة 42): إذا كان السفر لغاية لكن عرض في أثناء الطريق قطع مقدار من المسافة لغرض محرّم منضما إلى الغرض الأول، فالظاهر وجوب التمام في ذلك المقدار من المسافة، لكون الغاية في ذلك المقدار ملفقة من الطاعة و المعصية (149) و الأحوط الجمع، خصوصا إذا لم يكن الباقي مسافة.

مسألة 43: إذا كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثمَّ عدل في الأثناء إلى الطاعة

(مسألة 43): إذا كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثمَّ عدل في الأثناء إلى الطاعة، فإن كان العدول قبل الزوال وجب

______________________________

(148) و الظاهر أنّه المتعيّن سيّما بناء على كون الإباحة قيدا لموضوع السفر.

(149) تقدم في [مسألة 34] أقسام التلفيق و أحكامها فراجع. و لم يظهر وجه لخصوصية الاحتياط إن لم يكن الباقي مسافة بناء على مبناه من كون الإباحة قيدا للحكم، فإنّه متى يكون مطيعا يقصر مطلقا، و متى يكون عاصيا يتم كذلك.

نعم، بناء على كونه قيدا للموضوع، و عدم كون ما بقي مع المقدار المباح الذي قطعه قبل عروض قصد المعصية مسافة لا وجه للقصر حينئذ و لعله (قدّس سرّه) أشار بالخصوصية إلى ذلك.

و خلاصة الكلام: أنّ ما كان قبل عروض قصد المعصية و بعد زواله إما أن يكون كل واحد منهما بقدر المسافة مستجمعا للشرائط، فلا إشكال في القصر فيهما، و إما أن يكون أحدهما بمقدارها دون الآخر، فما بلغ بقدرها يتعيّن فيه القصر، و في غيره يبتني القصر على صحة الانضمام و عدمها، و كذا إن لم يكن كل واحد منهما بقدرها، و لكن كان المجموع بمقدارها، فإنّ القصر فيه أيضا مبنيّ عليها، و تقدم في [مسألة 23] ما ينفع المقام.

ص: 194

الإفطار (150)، و إن كان بعده. ففي صحة الصوم و وجوب إتمامه إذا كان في شهر رمضان مثلا وجهان (151) و الأحوط الإتمام و القضاء، و لو انعكس بأن كان طاعة في الابتداء و عدل إلى المعصية في الأثناء، فإن لم يأت بالمفطر و كان قبل الزوال صح صومه (152) و الأحوط قضاؤه أيضا (153) و إن كان بعد الإتيان بالمفطر أو بعد الزوال بطل (154)،

______________________________

(150) لتحقق السفر الجامع للشرائط حينئذ قبل الزوال، و يأتي ما يتعلق به في [مسألة 1] من (فصل شرائط وجوب الصوم) و يعتبر كون الباقي مسافة و لو ملفقة، و أن يكون الإفطار بعد الضرب في الأرض لا بمجرد انقلاب القصد إلى الطاعة.

(151) مبنيان على أنّ الإباحة قيد لموضوع السفر، فكأنّه لم يسافر قبل الزوال، بل سافر بعده فيتم صومه و لا شي ء عليه، أو قيد لخصوص الحكم فقط، فهو سافر قبل الزوال إلا أنّه حيث كان عاصيا وجب عليه الإمساك و بعد العدول عن عصيانه يفطر، لوجود المقتضي و فقد المانع، فيشمله ما دل على أنّ من سافر قبل الزوال يفطر و حيث اخترنا الأول يجب عليه الإتمام، و حيث إنّ الماتن اختار الثاني لزمه الجزم ببطلان الصوم هنا أيضا، فلا وجه للاحتياط الوجوبي على كلا التقديرين.

(152) لأنّه كمن كان مسافرا و لم يفطر و حضر قبل الزوال و يأتي حكمه في مسألة من (فصل شرائط وجوب الصوم) و لا فرق فيه بين كون الإباحة قيدا للموضوع أو للحكم. هذا إذا لم يكن إحداث أصل السفر قبل الزوال و إلا فيأتي حكمه في محله إن شاء اللّه تعالى.

(153) لأنّ الاحتياط حسن في كل حال حتى مع وجود الدليل.

(154) أما في صورة الإفطار، فلزوال موضوع الصوم. و أما في صورة قصد المعصية بعد الزوال فلأنّه مثل ما إذا كان مسافرا و حضر بعد الزوال، و سيأتي بطلان الصوم حينئذ كما سيأتي وجه استحباب الإمساك في بقية النهار إن كان من شهر رمضان في [مسألة 3] من (فصل أقسام الصوم).

ص: 195

و الأحوط إمساك بقية النهار تأدبا إن كان من شهر رمضان.

مسألة 44: يجوز في سفر المعصية الإتيان بالصوم الندبي

(مسألة 44): يجوز في سفر المعصية الإتيان بالصوم الندبي و لا يسقط عنه الجمعة و لا نوافل النهار و الوتيرة، فيجري عليه حكم الحاضر (155).

السادس من الشرائط: أن لا يكون ممن بيته معه

(السادس) من الشرائط: أن لا يكون ممن بيته معه (156)، كأهل

______________________________

فرع:- لو أحدث السفر قبل الزوال في شهر رمضان بقصد الطاعة و بعد تحقق المسافة الشرعية قصد المعصية قبل الزوال، فصحة الصوم و عدمها مبنية على أنّ من أحدث السفر في نهار شهر رمضان ثمَّ حضر قبل الزوال و لم يتناول شيئا هل يصح الصوم منه؟ و هو كمن كان مسافرا فحضر قبل الزوال، أو لا يصح؟ و يأتي البحث عنه إن شاء اللّه تعالى.

(155) لأنّ السفر الفاقد للشرائط الشرعية كالعدم نصا،- كما سيجي ء- و إجماعا، بلا فرق فيه بين كون الإباحة قيدا للحكم أو للموضوع.

(156) للإجماع، و النصوص، و لعدم صدق المسافر عليه عرفا، لتقوم المسافرة بالتغرب عن الأهل، لأنّ السفر خلاف الحضر، و من كان بيته معه و هو حاضر عند أهله و في بيته. فكيف يكون مسافرا، فلو لم يكن في البين الإجماع، و النصوص في عدم الترخيص لهم لكنا نحكم بخروجهم عن الموضوع تخصصا، و من النصوص قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر سليمان بن جعفر الجعفري:

«الأعراب لا يقصرون و ذلك أن منازلهم معهم» (1)، و خبر إسحاق بن عمار:

«سألته عن الملاحين و الأعراب هل عليهم تقصير؟ قال عليه السّلام: لا، بيوتهم معهم» (2)، و خبر إسماعيل ابن أبي زياد عن جعفر عليه السّلام عن أبيه قال: «سبعة لا يقصرون- إلى أن قال- و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر» (3).

ص: 196


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.

البوادي- من العرب و العجم- الذين لا مسكن لهم (157) معينا، بل يدورون في البراري و ينزلون في محل العشب و الكلاء و مواضع القطر و اجتماع الماء- لعدم صدق المسافر عليهم. نعم، لو سافروا لمقصد آخر من حج أو زيارة أو نحوهما قصروا (158) و لو سافر أحدهم لاختيار منزل أو لطلب محل القطر أو العشب و كان مسافة، ففي وجوب القصر أو التمام عليه إشكال، فلا يترك الاحتياط بالجمع (159).

______________________________

(157) المدار على صدق كون بيتهم معهم سواء كان لهم مسكن أم لا.

(158) لعمومات التقصير فيما إذا لم يكن معهم، مضافا إلى ظهور الإجماع. و أما إن حجوا، أو زاروا مع بيوتهم، فالظاهر وجوب التمام عليهم، لصدق كون بيوتهم معهم إلا إذا تخصصوا بخصوصية يصدق بها المسافرة عندهم لأجل تلك الخصوصية.

(159) إن سافروا مع بيوتهم، فالظاهر التمام و إلا فالمتعيّن القصر، لصدق الحضور عند الأهل و البيت في الأول، و السفر في الثاني، و مع الشك فالمرجع أصالة التمام.

فروع- (الأول): لا فرق فيما تقدم بين البر و البحر و المركب منهما، كما لا فرق بين ما إذا كان زمان إقامتهم في محل قليلا أو كثيرا إلا إذا كانت كثرة الإقامة موجبة لصدق الوطن عرفا، فيجري عليه حكم الوطن حينئذ، و على الخروج منه حكم السفر مع تحقق الشرائط.

(الثاني): لا فرق في ذلك بين ما إذا كانت الإقامة بإعطاء عوض، أو مجانا، كما لا فرق في كون بيوتهم معهم حين النقل من محل إلى آخر بأن يحمل على دوابهم، أو على المراكب الحديثة بحيث يصدق أنّ بيوتهم معهم، و مع الشك فالمرجع أصالة التمام.

(الثالث): الظاهر عدم الفرق مع صدق ذلك بين كونه باختيارهم، أو بقهر قاهر، كما لا فرق بين خفة بيوتهم و أثاثها أو ثقلها و كثرة الأثاث، كما لا فرق بين الشخص الواحد الذي لا أهل له و من له الأهل و العيال.

ص: 197

السابع: أن لا يكون ممن اتخذ السفر عملا و شغلا له
اشارة

(السابع): أن لا يكون ممن اتخذ السفر عملا و شغلا له (160)

______________________________

(160) للإجماع، و لأصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة التقصير بالنسبة إليهم، و لنصوص مستفيضة و هي على قسمين:

الأول: ما تضمن ذكر بعض العناوين الخاصة مثل صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكاري و الجمال» (1)و خبر إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال: «سبعة لا يقصرون الصلاة الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطرة و منبت الشجر، و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل» (2)، و مجموع ما ذكر في تمام الأخبار بعد رد بعضها الى بعض عشرة: المكاري، و الكري، و الراعي، و الاشتقان، و الملاح، و البريد، و الأعراب، و التاجر، و الجابي، و الأمير.

الكري: كغني من يكري نفسه لحوائج الناس في السفر و كان شائعا في السابق، و الاشتقان معرب (دشتبان) و منه أمين البيادر، و فسر بالبريد أيضا كما يأتي، و البريد من حمل الرسائل و كان شائعا في السابق، و المراد بالتاجر من يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و كان شائعا في الأزمنة السابقة، و لو كنا نحن و هذه العناوين الواردة في هذه الأخبار لقلنا: إنّها من باب المثال لملازمتها لتكرر السفر معهم.

الثاني: ما يمكن استفادة الكلية منها كصحيح هشام: «المكاري و الجمال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر رمضان»(3).

ص: 198


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

.....

______________________________

و مثله خبر ابن الربيع (1)، و خبر ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خمسة يتمون في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكري و الاشتقان و هو البريد، و الراعي و الملاح لأنّه عملهم»(2)، و ما تقدم من خبر إسماعيل بن أبي زياد حيث يشتمل على الدوران في الأمارة و التجارة (3)، و خبر ابن جزك قال:

«كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام إنّ لي جمالا و لي قوام عليها و لست أخرج فيها إلا في طريق مكة لرغبتي في الحج، أو في الندرة إلى بعض المواضع فما يجب عليّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل أ يجب عليّ التقصير في الصلاة و الصيام في السفر أم التمام؟ فوقع عليه السلام: إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك تقصير و إفطار» (4)، فيستفاد منها أنّ المناط كله تحقق الاختلاف و عدم المقام، و صدق المزاولة العملية للسفر، و صدق الدوران، و صدق الملازمة للسفر، فمهما صدق شي ء من تلك الأمور وجب التمام سواء انطبق عليه بعض العناوين العشرة المتقدمة أم لا.

و بعبارة أخرى: المكاراة و الملاحة و نحوهما طريق إلى تحقق ملازمة السفر لا أن يكون لها موضوعية خاصة، فما تعارف في هذه الأعصار من الذهاب أول اليوم إلى المسافة للشغل، أو للتعلم أو نحو ذلك و الرجوع في آخر اليوم وجب التمام عليهم أيضا، لإطلاق قوله عليه السّلام: «لأنّه عملهم» (5)، و إطلاق قوله عليه السّلام: «ليس له مقام» (6)، و مفهوم خبر ابن جزك- المتقدم- و ظاهر المستند التعميم بالنسبة إلى غير العناوين العشرة الواردة في الأخبار.

إن قلت: كيف يصدق عليهم أنّهم ممن اتخذ السفر عملا- كما في المتن- و كيف يصدق أنّه عملهم كما في الأخبار.

قلت: لا ريب في صدقهما عليهم، لأنّ معنى عملية السفر و ملازمته له ليس أن يكون خصوص نفس السفر من حيث هو مع قطع النظر عن غاية أخرى عملا له، لأنّه حمل لتلك الأخبار الكثيرة على النادر خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة

ص: 199


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 12.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
6- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

.....

______________________________

القديمة، بل المراد الأعم منه و مما يكون لملازمة السفر مقدمة وجودية له سواء كان ملازمة السفر مطلوبا بذاته، أو لغاية أخرى أي غاية كانت، فالمناط كله ترتب غرض عقلائي في السفر أو عليه، بأن كان تحصيل ذلك الغرض متوقفا على ملازمة السفر.

إن قلت: يعتبر في الصدق المذكور أن يكون الشي ء مما لا موضوع له أصلا إلا بالسفر- كالمكاراة، و الملاحة، و البريد و نحوها- فلا يشمل غيرها.

و بعبارة أخرى: ما يكون السفر داخلا في مفهومه و حقيقته لا ما يكون من مقدماته الوجودية.

قلت: ظاهر تعبيرات النصوص أعمّ من ذلك خصوصا بعد التمثيل فيها بالتاجر الذي يدور في تجارته، و الأمير و الجابي إذ لا ريب في عدم كون السفر داخلا في مفهومها.

إن قلت: تقدم في صحيح هشام: «الذي يختلف و ليس له مقام» (1)و لا بد من صدق ذلك، و من يسافر أول اليوم إلى المسافة لشغل و يرجع آخره إلى محله لا يصدق عليه ذلك، بل يصدق أنّ له مقام و محل يغدو عن محله و يروح إليه.

قلت: قوله عليه السلام: «ليس له مقام» يحتمل أن يكون بيانا لقوله عليه السّلام «يختلف» و يحتمل أن يراد به عدم الإقامة عشرة أيام كما يأتي، و يحتمل أن يراد به عدم المقام في المحل بحسب المتعارف- كإقامة الناس في ديارهم و محالّهم- و لا ريب في صدقه بتمام هذه الاحتمالات عليه.

إن قلت: إنّ من يسافر أول الصبح- مثلا- إلى محل بينهما المسافة الشرعية و يرجع العصر إلى محله الأول يكون كذي الوطنين الذي يسافر من أحد وطنيه إلى وطنه الآخر، فكما أنّه يقصر، فكذا في المقام.

قلت: ذو الوطنين إذا تكرّر منه ذلك كل يوم يجب عليه الإتمام، لشمول أدلة المقام له أيضا.

ص: 200


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

كالمكاري و الجمّال و الملاح و الساعي و الراعي و نحوهم، فإنّ هؤلاء يتمون الصلاة و الصوم في سفرهم الذي هو عمل لهم و إن استعملوه لأنفسهم، كحمل المكاري متاعه أو أهله من مكان إلى مكان آخر (161)، و لا فرق بين من كان عنده بعض الدواب يكريها إلى الأماكن القريبة من بلاده فكراها إلى غير ذلك من البلدان البعيدة و غيره (162) و كذا لا فرق بين من جدّ في سفره بأن جعل المنزلين منزلا واحدا و بين من لم يكن كذلك (163)، و المدار على صدق اتخاذ السفر عملا له عرفا

______________________________

(161) لإطلاق الدليل الشامل لذلك أيضا.

(162) لإطلاقات الأدلة التي تشمل الأمكنة القريبة البالغة حدّ المسافة و البعيدة و المركبة منهما، بل تشمل ما إذا كان مكاريا، فصار ملاحا، أو بالعكس كما تشمل سائق السيارة و القطار و الطيارة و نحوها- سواء انفرد بعمله فقط- أم تحوّل من سوق مركوب إلى سوق مركوب آخر- كما لو صار ملاح السفينة البحرية ملاحا لسفينة فضائية، أو سائقا لسيارة مثلا.

(163) على المشهور بين الإمامية- لما تقدم من العمومات و الإطلاقات الشاملة لكل واحد منهما، و عن جمع منهم صاحبي الحدائق و الذخيرة وجوب القصر على من جدّ به السير، لقول أحدهما عليهما السّلام في صحيح ابن مسلم: «المكاري و الجمال إذا جدّ بهما السير، فليقصرا» (1)، و صحيح البقباق قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المكارين الذين يختلفون، فقال عليه السّلام: إذا جدّوا السير، فليقصروا» (2) و حملوا الجدّ على ظاهره من زيادة السير على المتعارف بحيث تحصل المشقة، و عن الكليني حمله على جعل المنزلين منزلا واحدا. و عن الذكرى حمله على ما إذا أنشأ سفرا من غير عمله.

و عن العلامة على ما إذا سافر بعد إقامة عشرة أيام. و عن الروض ما إذا قصد المسافة قبل تحقق الكثرة و لا شاهد على هذه المحامل كلها. نعم، الحمل الأول

ص: 201


1- الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

و لو كان في سفرة واحدة (164) لطولها و تكرّر ذلك منه (165) من مكان غير

______________________________

مطابق للمتفاهم العرفي لو لا وهن الأخبار بإعراض الأصحاب و عدم ظهور عامل بها من فقهائنا القدماء (رضوان اللّه عليهم). و يمكن إرجاع ما عن الكليني رحمه اللّه إلى ما ذكروه بأن يكون ذكر المنزلين من باب المثال لنهاية الزيادة في السير لا الخصوصية.

(164) لما تقدم من أنّ المناط صدق كون السفر عملا له و أنّه ملازم للسفر، و يمكن صدق ذلك بسفرة واحدة- كمن كان مشتغلا بشغل و ترك شغله رأسا و أعد أسباب عملية السفر و شرع فيه بانيا على اتخاذه عملا لنفسه- و قد تقدم أنّ العناوين العشرة من المكاري و نحوه لا موضوعية لها، بل تكون طريقا لصدق ملازمة السفر و نحوها مما تقدم، فلا وجه لجعل المدار على صدق تلك العناوين، مع أنّ الظاهر صدقها أيضا بأول مرّة إذا شرع فيها مع تهيئة أسبابها بانيا على ملازمتها، تاركا لغيرها من المشاغل، و كذا من كان من أهل النجف- مثلا- و اتخذ عملا في كربلاء و بنى على أن يروح كل يوم إلى كربلاء لعمله و يرجع فإذا شرع في ذلك يقال له إنّه شرع في عمل يتقوّم بالسفر و يلازمه المسافرة.

(165) الظاهر عدم الاحتياج إلى التكرار، بل يكفي مطلق التلبس بانيا على ملازمته و مزاولته، فعملية السفر مثل عملية سائر الأعمال في أنّه يكفي في صدقها التلبس بها بانيا على الاستمرار و الثبات.

إن قلت: قد تقدم في صحيح هشام: «الذي يختلف و ليس له مقام» (1) و كذا في غيره، و لا بد في صدق الاختلاف من التكرار و لا يكفي فيه صرف الوجود.

قلت: الظاهر أنّ المراد بالاختلاف، الاختلاف الشأني الاستعدادي التهيّئي لا الفعلي من كل جهة و يكفي فيه مجرد التهيؤ، للاختلاف و التردد و البناء عليه، و مع الشك، فالمرجع أصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة التقصير لمثله.

ص: 202


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

بلده إلى مكان آخر، فلا يعتبر تحقق الكثرة بتعدد السفر ثلاث مرات أو مرّتين (166) فمع الصدق في أثناء السفر الواحد أيضا يلحق الحكم- و هو

______________________________

(166) إذ ليس للفظ الكثرة في الأدلة عين و لا أثر حتى يستفاد منها التعدد، فما عن الرياض من اعتبار الثلاثة، و ما عن المختلف من اعتبار المرتين، فإن كان لأجل توقف صدق الاختلاف على ذلك، فقد تقدم ما فيه. و إن كان لأجل أنّ الغالب ذلك (ففيه): أنّه غير مسلّم فيما إذا شرع في السفر بانيا على الاستمرار عليه و ملازمته، فإنّ الظاهر صدق العناوين الخاصة و عمليّة السفر عليه في أول سفره أيضا. نعم، لو لم يصدق عليه ذلك، أو شك فيه يحتاج إلى التكرار حينئذ.

و يمكن أن يجعل النزاع بذلك لفظيا و يقال: إنّه مع البناء على عملية السفر و الاستمرار عليه يكفي مجرّد التلبس به و مع عدمه لا بد من التكرار فصدق عملية السفر تارة: قصديّ يكفي فيه البناء و التلبس، و أخرى: انطباقيّ قهريّ يعتبر فيه التكرار و لكنّه مشكل، لأنّ الظاهر كونه من الأمور القصدية مطلقا لا الانطباقية القهرية. و مع الشك، فالمرجع أصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة التقصير لمثل المقام.

فروع- (الأول): بناء على لزوم القصر على من جدّ به السير هل يختص ذلك بخصوص المكاري و الجمال، لذكرهما بالخصوص في الخبر- كما تقدم- أو يعم غيرهما أيضا من الأصناف العشرة التي تقدم ذكرها بحمل ذكرهما على المثال لا التخصيص؟ وجهان، بل قولان اختار في المستند الأول و هو الظاهر.

(الثاني): يختص التقصير لمن جدّ به السير على القول به بخصوص المحل الذي جدّ فيه السير دون غيره حتى المنزل الذي ينزل فيه، فيتم فيها، لقول الصادق عليه السّلام في مرسل عمران: «المكاري و الجمال إذا جدّ بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين، و يتما في المنزل» (1). ثمَّ إنّ الظاهر شمول

ص: 203


1- الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.

وجوب الإتمام- نعم، إذا لم يتحقق الصدق إلا بالتعدد يعتبر ذلك.

مسألة 45: إذا سافر المكاري و نحوه ممن شغله السفر سفرا ليس من عمله

(مسألة 45): إذا سافر المكاري و نحوه ممن شغله السفر سفرا ليس من عمله، كما إذا سافر للحج أو للزيارة يقصر (167). نعم، لو حج أو زار لكن من حيث إنّه عمله، كما إذا كرى دابته للحج أو

______________________________

الحكم على القول به للمراكب السريعة العصرية أيضا إن تجاوزت عن سيرها المعتاد.

(الثالث): تقدم أنّ من يروح غدوة إلى المسافة الشرعية لعمل و يرجع رواحا و كان ذلك عملا له يتم، و كذا من كان كذلك في الليل بأن يروح أول الليل و يرجع آخره، بل و كذا في المركّب منهما بأن كان يروح أول الظهر و يرجع نصف الليل- مثلا.

(الرابع): من يذهب كل ليلة جمعة- مثلا- إلى المسافة للوعظ و الإرشاد و إقامة الجماعة وجب عليه التقصير، لأنّه مسافر، و كذا إن كان ذلك في كل خمسة أيام- مثلا- بل و كذا في كل أربعة أيام، بل و ثلاثة أيام أيضا، و يشكل إن كان ذلك في كل يومين مرّة، و أشكل منه إن كان في يوم دون يوم، و لا يبعد التمام في الأخير، لصدق عملية السفر و ملازمته بالنسبة إليه و من ذلك يعلم حكم من يتشرّف في كل ليلة جمعة من النجف الأشرف إلى كربلاء المقدسة، فإنّه مسافر يجب عليه التقصير في سفره و يتم بعد الرجوع إلى النجف الأشرف إن كان وطنه و يأتي التفصيل في (فصل قواطع السفر).

(الخامس): من كان صانعا للسائق و المكاري و الملاح يكون بحكمه- واحدا كان أو متعددا- لتحقق المناط فيه أيضا.

(السادس): مع صدق عملية السفر لا فرق بين كون سفره أكثر من حضره- كما إذا سافر خمسة أيام و حضر ثلاثة أيام- أو كان بالعكس.

(167) لصدق المسافر عليه، فتشمله أدلة الترخيص لا محالة.

ص: 204

للزيارة و حج أو زار بالتبع أتمّ (168).

______________________________

(168) لكونه في عمله حينئذ، فيشمله قول أبي جعفر عليه السّلام:

«يتمّون الصلاة في سفنهم» (1)، و صحيح ابن مسلم: «ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير» (2)، فإنّ المتفاهم منه عرفا وجوب الإتمام حال الاشتغال بعمله و التلبس به من حيث إنّه عمله و هو متحقق في المقام بخلاف الصورة الأولى، فما عن المستند من الإتمام حتى فيها مخدوش.

و الحاصل فإنّ الأقسام خمسة: الأول: ما إذا فرغ عن شغله بالكلية و رفع اليد عنه و سافر للزيارة و لا ريب في وجوب القصر عليه و إن كان في سيارته و مركوبه.

الثاني: ما إذا كانت المسافرة للزيارة من جهة اشتغاله بعمله بحيث لولاه لم يسافر إليها و لا إشكال في وجوب التمام عليه، لأنّه في عمله.

الثالث: ما إذا كان قصد الاشتغال بالعمل أصليّا و قصد الزيارة تبعيا، و هو يتم أيضا، لصدق أنّه في عمله.

الرابع: عكس ذلك و لا يبعد وجوب التمام عليه أيضا، لصدق الاشتغال بالعمل و التلبس به، و تقتضيه أصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة التقصير لمثله.

الخامس: كون كل منهما داعيا مستقلا بحيث لو لا الزيارة لم يشتغل بعمله، و لو لا اشتغاله بعمله لم يذهب إلى الزيارة، و يعلم حكمه من القسم الرابع بالأولوية.

فائدة: لو شك في ثبوت عملية السفر، فمع سبق الثبوت أو العدم يستصحب، و مع عدم الحالة السابقة فالمرجع أصالة التمام و الأحوط الجمع، و لا وجه للتمسك بالعمومات الدالة على التمام، و لا العمومات الدالة على القصر بالنسبة إليه، لأنّ التمسك بكل منهما من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 205


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 7.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
مسألة 46: الظاهر وجوب القصر على الحملدارية الذين يستعملون السفر في خصوص أشهر الحج

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 9، ص: 206

(مسألة 46): الظاهر وجوب القصر على (الحملدارية) الذين يستعملون السفر في خصوص أشهر الحج (169) بخلاف من كان متخذا ذلك عملا له في تمام السنة، كالذين يكرون دوابهم من الأمكنة البعيدة- ذهابا و إيابا- على وجه يستغرق ذلك تمام السنة أو معظمها فإنّه يتم حينئذ (170).

______________________________

نعم، لو قيل: إنّ موضوع القصر المسافر العرفي و المسافة العرفية إلا ما خرج بالدليل، فتشمله أدلة التقصير، لكنه مشكل، بل ممنوع.

(169) لظهور الإجماع، و لأنّ السفر ليس عملا لهم عرفا، فلا تشملهم أدلة التمام، و لأنّ لهم مقاما فلا يعمهم ما تقدم من صحيح هشام (1)، مضافا إلى مكاتبة ابن جزك: «إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك تقصير و إفطار» (2) الظاهرة في خروجه كل سنة إلى مكة، و مع ذلك حكم عليه السّلام عليه بالتقصير. نعم، إذا كان شغله المكاراة في هذا الوقت بحيث يقال عرفا إنّه مكار و سائق في الوقت المخصوص يصير نظير من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء، أو بالعكس و يأتي في المسألة اللاحقة حكمه.

(170) لصدق عملية السفر و استمراره و ملازمته و مزاولته بالنسبة إليه و يكفي في حدوثه التلبس بالسفر بانيا على الاستمرار و المزاولة- كما تقدم.

فروع- (الأول): من يسافر في كل سنة، في محرّم الحرام و صفر، و شهر رمضان- للوعظ و الإرشاد- يقصر، لعمومات الترخيص و إطلاقاته، إلا إذا استغرق ذلك تمام السنة أو معظمها بحيث صدق مزاولة السفر و ملازمته بالنسبة إليه.

(الثاني): الذين يذهبون تمام الزيارات في كل سنة إلى المشاهد المشرّفة للبيع على الزوار و التجارة معهم يقصرون إلا مع صدق عملية السفر بالنسبة إليهم، و كذا الذين يحجون كل سنة ندبا أو نيابة يقصرون، لما مر.

ص: 206


1- تقدم في صفحة: 198.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
مسألة 47: من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس

(مسألة 47): من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس الظاهر وجوب التمام عليه (171)، و لكن الأحوط الجمع.

مسألة 48: من كان التردد إلى ما دون المسافة عملا له

(مسألة 48): من كان التردد إلى ما دون المسافة عملا له، كالحطاب و نحوه قصر إذا سافر و لو للاحتطاب (172) إلا إذا كان يصدق عليه المسافر عرفا، و إن لم يكن بحد المسافة الشرعية فإنّه يمكن أن يقال (173): بوجوب التمام عليه إذا سافر بحد المسافة خصوصا فيما هو

______________________________

(الثالث): لو شك أحد من هؤلاء في أنّ تكليفه التمام أو القصر، فمع وجود الحالة السابقة يعمل بها، و مع عدمها يحتاط بالجمع و إن كان مقتضى أصالة التمام كفايته.

(171) لأنّ شغل عملية السفر ليس إلا كسائر الأشغال لا يعتبر في صدقها الاستمرار تمام السنة، بل المدار في الصدق حين التلبس، فما دام متلبسا يصدق عليه عملية السفر و ما دام فارغا لا يصدق، فمن كان في الصيف بقالا- مثلا- و في الشتاء خبازا لا ريب في صدق العنوانين عليه عند التلبس بالحالتين، فكذا في المقام، بل لو كان له شغل و كان سائقا للسيارة في أوقات الزيارة بحيث صدق ذلك العنوان عليه يتم حينئذ أيضا، لأنّ الصدق عرفيّ و الانطباق قهريّ.

(172) لوجود المقتضي للتقصير و فقد المانع لو استجمع سائر شرائط القصر.

(173) لم ينقل هذا القول عن أحد غير ما حكي عن الموجز الحاوي و لا وجه له، لأنّ المنساق من الأدلة أنّ موضوع القصر و التمام لا بد و أن يكون واحدا، فكما أنّه لا وجه للقصر فيما دون المسافة، لا وجه لصيرورة عملية السفر فيما دونها موجبا للتمام أيضا، و لو سافر مرّة إلى حد المسافة. نعم، لو كان بانيا على المكاراة في المسافة الشرعية و جعلها عملا و تلبس بذلك فيما دون المسافة لأن يسافر إلى الحد الشرعي أمكن القول بالتمام حينئذ لصدق كونه متلبسا بعملية السفر الشرعي، لأنّ ما دون المسافة حينئذ لا يكون ملحوظا في حدّ نفسه.

ص: 207

شغله من الاحتطاب مثلا.

مسألة 49: يعتبر في استمرار من شغله السفر على التمام أن لا يقيم في بلده أو غيره عشرة أيام

(مسألة 49): يعتبر في استمرار من شغله السفر على التمام أن لا يقيم في بلده أو غيره عشرة أيام (174)، و إلا انقطع حكم عملية

______________________________

فالأقسام ثلاثة: الأول: كون السفر إلى المسافة الشرعية عملا له و لا ريب في أنّه موجب للتمام.

الثاني: كون السفر إلى ما دون المسافة الشرعية عملا له و يجب عليه التمام لا من حيث أنّ السفر يكون عملا له، لفرض عدم تحقق المسافة الشرعية، بل من حيث عدم تحقق المسافرة الشرعية منه.

الثالث: كون الأعم منها عملا له و يجب عليه التمام مطلقا، أما فيما دون المسافة فلعدم تحقق المسافة الشرعية، و أما في المسافة الشرعية، فلفرض عملية السفر.

(174) للإجماع، و لمرسل يونس- المنجبر بالعمل، مع أنّه من أصحاب الإجماع كما هو المعروف- عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتم؟ قال عليه السّلام: أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبدا، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام، فعليه التقصير و الإفطار» (1) و المراد بقوله عليه السّلام: «أكثر من عشرة أيام» أي: عشرة أيام أو أكثر بقرينة الصدر.

و أما صحيح هشام عنه عليه السّلام أيضا: «المكاري و الجمال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر رمضان» (2)، فحمله على خصوص مقام العشرة يحتاج إلى قرينة و هي مفقودة، إذ يحتمل أن يكون بيانا للاختلاف، أو

ص: 208


1- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

السفر (175) و عاد إلى القصر في السفرة الأولى خاصة (176) دون الثانية،

______________________________

يكون المراد به المقام العرفي الذي يكون أعمّ من العشرة.

و أما خبر ابن سنان عنه عليه السّلام أيضا: «المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقلّ قصر في سفره بالنهار و أتمّ صلاة الليل، و عليه صيام شهر رمضان، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام» (1) فأسقط صدره عن الاعتبار إعراض الأصحاب عنه، و لا بأس بالعمل بذيله.

نعم، رواه الصدوق رحمه اللّه مذيلا هكذا: «فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر و ينصرف إلى منزله، و يكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في السفر و أفطر» (2) و ظاهره اعتبار الأمرين في التقصير و لا قائل به أيضا.

و في المرسل المنجبر باتفاق الأصحاب و في قطعهم بالحكم غنى و كفاية، و يشهد له الاعتبار أيضا في الجملة، لأنّ عملية السفر تتقوّم بالحركة السيرية و المزاولة لها إلا في الفترات المفتقرة عرفا للنوم، أو قضاء الحوائج- كما في سائر الحرف و الصناعات- و في غيرها لا تلبس بها فعلا فتقطع العملية قهرا و قد حدّده الشارع بعشرة أيام على ما هو شأنه في الأمور التشكيكية في سائر موضوعات الأحكام.

(175) للنص، و الإجماع كما تقدم (3). و المراد بالانقطاع إنّما هو بحسب الفعلية لا بحسب مطلق المراتب و لو شأنا.

(176) كما عن جمع من الفقهاء، لأنّها المتيقن من الأدلة، فيرجع في غيرها إلى العمومات الدالة على وجوب التمام على من كان عمله السفر، لأنّ المفروض أنّه لم يرفع اليد عن عمله أصلا، بل هو بان عليه حين الإقامة أيضا، بل هو أولى بذلك، فيكون هذا الشغل كسائر الأشغال، فمن كان بناء مثلا و ترك شغله أياما ثمَّ اشتغل به لا يتوقف صدق عملية البناء عليه على التكرار، و هكذا في

ص: 209


1- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
3- تقدم في [مسألة 46] من هذا الفصل.

فضلا عن الثالثة، و إن كان الأحوط الجمع فيهما (177)، و لا فرق في الحكم المزبور بين المكاري و الملاح و الساعي و غيرهم ممن عمله السفر (178) أما إذا أقام أقلّ من عشرة أيام بقي على التمام (179) و إن

______________________________

المقام و لو لا الدليل على الانقطاع في المقام لقلنا بوجوب الإتمام في السفرة الأولى أيضا، لكونها مثل حدوث عملية أول السفر الذي اكتفينا فيه بالسفرة الأولى مع إعداد نفسه لذلك أو تهيئة أسبابه بلا فرق من هذه الجهة بين الحدوث و البقاء و لا فرق في ذلك بين كون إقامة عشرة أيام تخصيصا لحكم التمام عمن عمله السفر مع بقاء الموضوع، أو كان خروجا موضوعيا شرعيا فيستفاد من مجموع أخبار المقام قاعدة كلية و هي: أنّ من صار عمله السفر، فكل سفر صدر منه فإن كان مسبوقا بإقامة عشرة أيام يقصر فيه، و في غيره يتم، و هي مختصة بالسفرة الأولى فقط، لا الثانية و الثالثة.

و أما استصحاب وجوب التمام في السفرة الثانية أو الثالثة (ففيه): مضافا إلى أنّه مع وجود عموم التمام لمن كان عمله السفر لا وجه للتمسك بالاستصحاب أنّه محكوم باستصحاب وجوب القصر الثابت عليه قبل الشروع في السفرة الأولى، لأنّ الشك في بقاء حكم التمام مسبب عن الشك في تغيير ذلك الحكم، فيكون المقام من حكومة الاستصحاب التعليقي على الحكم الفعلي.

(177) خروجا عن خلاف من ذهب إلى التقصير فيهما و إن كان لا دليل عليه.

(178) على المشهور، و من غير وجدان الخلاف و القطع بعدم الفرق- كما في الجواهر- و اتفاق الفتاوى على عدم الفرق كما في الرياض، و إن كانت الروايات مختصة بالمكاري، و نقل في الشرائع قولا بالاختصاص به و لم يعرف قائله- كما اعترف به جمع- و في المستند إنّ بعض الأجلّة قواه، و يمكن حمل ما ذكر في الروايات على المثال، فيعم الجميع، و مقتضى ما ذكرناه من انقطاع عملية السفر عرفا كونه مطابقا للقاعدة، فلا وجه للاختصاص حينئذ.

(179) للعمومات الدالة على التمام بالنسبة إلى من عمله السفر من غير ما يصلح للتخصيص.

ص: 210

كان الأحوط مع إقامة الخمسة الجمع (180)، و لا فرق في الإقامة في بلده عشرة بين أن تكون منوية أم لا (181)، بل و كذا في غير بلده أيضا (182)، فمجرد البقاء عشرة يوجب العود إلى القصر، و لكن

______________________________

(180) خروجا عن خلاف ما نسب إلى الإسكافي من كون الخمسة كالعشرة و لا مستند له، و مقتضى ما تقدم من خبر ابن سنان التقصير في صلاة النهار، و الإتمام في صلاة الليل و في الصيام (1)، كما نسب إلى الشيخ، و ابني حمزة و براج، و لكن مقاومته لتخصيص مثل قوله عليه السّلام: «أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخل أقلّ من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبدا. و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام، فعليه التقصير و الإفطار» (2) المعتضدة بالمعتبرة الدالة على الملازمة بين القصر و الإفطار بعيد جدّا، فلا بد من رد علمه إلى أهله.

(181) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و كذا لا فرق فيها بين أن تكون لعذر أم لا.

(182) لظهور الإطلاق الشامل لغير المنوية في غير بلده أيضا، و لأنّ المناط كله سلب عنوان عملية السفر الحاصل بالوقوف في مكان مترددا، بل لو لم يكن دليل على اعتبار النية في العشرة القاطعة للسفر لقلنا فيها أيضا بكفاية مطلق العشرة و لو لم تكن منوية، كما يكفي بقاء ثلاثين يوما مترددا، و لكن نسب إلى المشهور اعتبار النية في غير البلد إما لأنّها المنساق من الإقامة في غير البلد.

و فيه: أنّه إن كان لأجل غلبة ذلك فالغلبة الوجودية لا اعتبار بها في مقابل الإطلاق، و إن كان لأجل تنظير المقام بالإقامة من المسافر المعتبر فيها القصد- كما يأتي- (ففيه): أنّه قياس، و إن كان لأجل ما عن الشهيد الثاني، و المحدّث المجلسي رحمه اللّه من دعوى الإجماع على عدم الاعتبار بالعشرة المترددة

ص: 211


1- تقدم في صفحة: 209.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.

الأحوط- مع الإقامة في غير بلده بلا نية- الجمع في السفر الأول بين القصر و التمام (183).

مسألة 50: إذا لم يكن شغله و عمله السفر لكن عرض له عارض فسافر أسفارا عديدة لا يلحقه حكم وجوب التمام

(مسألة 50): إذا لم يكن شغله و عمله السفر لكن عرض له عارض فسافر أسفارا عديدة لا يلحقه حكم وجوب التمام (184)، سواء كان كل سفرة بعد سابقها اتفاقيا أم كان من الأول قاصدا لأسفار عديدة، فلو كان له طعام أو شي ء آخر في بعض مزارعه، أو بعض القرى و أراد أن يجلبه إلى البلد فسافر ثلاث مرات أو أزيد بدوابّه أو بدوابّ الغير لا يجب عليه التمام، و كذا إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى مكان فاحتاج إلى إسفار متعددة في حمل أثقاله و أحماله.

مسألة 51: لا يعتبر فيمن شغله السفر اتحاد كيفيات و خصوصيات أسفاره من حيث الطول و القصر

(مسألة 51): لا يعتبر فيمن شغله السفر اتحاد كيفيات و خصوصيات أسفاره من حيث الطول و القصر، و من حيث الحمولة، و من حيث نوع الشغل، فلو كان يسافر إلى الأمكنة القريبة فسافر إلى البعيدة، أو كان دوابّه الحمير فبدل بالبغال أو الجمال، أو كان مكاريا

______________________________

(ففيه): أنّ اعتباره أول الكلام خصوصا في مثل هذا الإجماع الذي ليس منه اسم و لا رسم في كتب المتقدمين من الأعلام، بل أهمل جمع كثير لذكر غير البلد أو ذكره من غير تعرض للنية، فمن أين حصل الإجماع؟، فيكون إجماعا اجتهاديا محضا و لا اعتبار به.

(183) لاحتمال عدم انقطاع العملية إلا بالنية كما نسب إلى المشهور، فيجب التمام، و احتمال انقطاعها و لو مع عدم النية كما هو مقتضى الإطلاق فيجب القصر و يجمع بينهما احتياطا.

(184) لأنّ تكرار السفر أعمّ من صدق عمليته عرفا و شرعا سواء كانت العملية مقومة لمفهومه- كالمكاراة و الملاحة و نحوهما- أم كانت مقدمة لوجوده- كالتاجر الذي يدور في تجارته و نحوه مما تقدم- و المدار في الإتمام صدق العملية لا تحقق التكرار، و حكم بقية المسألة واضح بعد وضوح أصل الكبرى.

ص: 212

فصار ملاحا أو بالعكس يلحقه الحكم و إن أعرض عن أحد النوعين إلى الآخر أو لفق من النوعين (185). نعم، لو كان شغله المكاراة فاتفق أنّه ركب السفينة للزيارة أو بالعكس قصر، لأنّه سفر في غير عمله بخلاف ما ذكرنا أولا فإنّه مشتغل بعمل السفر غاية الأمر أنّه تبدل خصوصية الشغل إلى خصوصية أخرى، فالمناط هو الاشتغال بالسفر و إن اختلف نوعه.

مسألة 52: السائح في الأرض الذي لم يتخذ وطنا منها يتم

(مسألة 52): السائح في الأرض الذي لم يتخذ وطنا منها يتم (186)، و الأحوط الجمع (187).

مسألة 53: الراعي الذي ليس له مكان مخصوص يتم

(مسألة 53): الراعي الذي ليس له مكان مخصوص يتم (188).

مسألة 54: التاجر الذي يدور في تجارته يتم

(مسألة 54): التاجر الذي يدور في تجارته يتم (189).

______________________________

(185) لأنّه ليس للمكاراة و الملاحة و نحوهما موضوعية خاصة في الإتمام و الصيام حتّى يدور الحكم مدارها، بل كل ذلك طريق لتحقق «عملية السفر» و «الاختلاف»، و «عدم المقام» و نحو ذلك مما تقدم، فالمناط على صدقها بأيّ نحو كانت، و في أيّ صنف تحققت اتحد أو تبادل كما في كل مورد أحرزنا مناط الحكم من الأدلة و تبادلت بعض الخصوصيات.

(186) لكونه ممن يكون بيته معه، و السفر عمله، فهو مثل البدويّ المذكور في خبر إسماعيل بن أبي زياد (1).

(187) لاحتمال اختصاص الإتمام بخصوص السبعة الواردة في خبر ابن أبي زياد، و لكنّه احتمال ضعيف كما مر.

(188) لأنّ السفر عمله ورد ذكره بالخصوص في خبر ابن أبي زياد.

(189) لما تقدم من أنّ السفر عمله كما دل عليه خبر ابن أبي زياد (2).

ص: 213


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
مسألة 55: من سافر معرضا عن وطنه

(مسألة 55): من سافر معرضا عن وطنه لكنه لم يتخذ وطنا غيره يقصر (190).

مسألة 56: من كان في أرض واسعة قد اتخذها مقرا

(مسألة 56): من كان في أرض واسعة قد اتخذها مقرا إلا أنّه كل سنة مثلا في مكان منها يقصر إذا سافر عن مقر سنته (191).

مسألة 57: إذا شك في أنّه أقام في منزله أو بلد آخر عشرة أيّام

(مسألة 57): إذا شك في أنّه أقام في منزله أو بلد آخر عشرة أيّام أو أقل بقي على التمام (192).

الثامن: الوصول إلى حدّ الترخص
اشارة

(الثامن): الوصول إلى حدّ الترخص (193)، و هو المكان الذي

______________________________

(190) لوجود المقتضي من عمومات التقصير، و فقد المانع من عدم عملية السفر و نحو ذلك.

(191) يجري فيه ما تقدم، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

(192) لأصالة عدم المقام عشرة أيام سواء كان منشأ الشك، الشك في أول وروده، أم انقضاء المدة التي أقامها في أنّها عشرة أو أقل.

(193) للإجماع، و النص، ففي صحيح ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال عليه السّلام: إذا توارى عن البيوت» (1).

و في صحيح ابن سنان عنه عليه السّلام: «سألته عن التقصير قال عليه السّلام: إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم. و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر، و إذا قدمت من سفرك، فمثل ذلك» (2).

و في صحيح حماد عنه عليه السّلام أيضا: «إذا سمع الأذان أتم المسافر» (3)، و في خبر إسحاق بن عمار: «أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه؟» (4).

ص: 214


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.

يتوارى عنه جدران بيوت البلد و يخفى عنه (194)، أذانه، و يكفي تحقق

______________________________

و نسب إلى والد الصدوق رحمه اللّه الاكتفاء بالخروج من المنزل، لمرسل الفقيه: «إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه» (1) و نحوه الرضوي (2)، و في الموثق: «أفطر إذا خرج من منزله».

و الكل شاذ قابل للتقييد، مضافا إلى قصور سند الأولين.

(194) نسب ذلك إلى أكثر المتأخرين، و حكي عن السيد و الشيخ في الخلاف أيضا، فقالوا: باعتبار تحققهما معا، لتقييد إطلاق كل من صحيحي ابن مسلم و ابن سنان بالآخر، و سيأتي وجه آخر يدل عليه، و لكن ليس في الروايات التي ظفرنا عليها لفظ الجدران كما لا يخفى.

و نسب إلى المشهور بين القدماء كفاية تحقق أحدهما، فإن كان نظرهم إلى أنّ المستفاد من الأدلة وجوب الترخيص في مقدار بعد خاص من المحل، فيتحقق ذلك بكل منهما، فيكون الشرط في الواقع هو الجامع بينهما، (ففيه): أنّه مبنيّ على عدم الاختلاف بينهما، و الظاهر تحققه إلا أن يرجع قولهم إلى ما يأتي بيانه.

و إن كان نظرهم إلى ثبوت التعارض و الحكم بالتخيير مع فقد المرجح (ففيه): أنّه مبنيّ على أنّ التخيير الثابت في المتعارضين ثابت في المسألة الفرعية أيضا و هو مشكل. و عن المقنع اعتبار خصوص الأول، و عن المفيد و الديلمي و الحلي خصوص الثاني و هما مبنيان على ثبوت الترجيح. إما في الأول، أو في الثاني، مع أنّه لا مرجح في البين حتى يصح الأخذ به.

و هذه الأقوال مبنية على ثبوت التعارض بين الأخبار و الالتجاء إلى دفعه، و يمكن المنع عنه حتى لا يبقى موضوع لها، و ذلك لأنّ لتواري الجدران، و عدم سماع الأذان مراتب متفاوتة حتى بالنسبة إلى المتوسطين من حاسة السمع و البصر، فإنّ للتوسط مراتب متفاوتة أيضا، فتواري البيوت المتوسطة منها في

ص: 215


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

.....

______________________________

البصر المتوسط، و عدم سماع الأذان في الصوت المتوسط، و السمع كذلك متلازمان غالبا بالنسبة إلى أدنى مرتبة التوسط، فلا تعارض بينهما بالنسبة إلى هذه المرتبة من المتوسط، و مقتضى الإطلاق كفايتها، فما نسب إلى أكثر المتأخرين و السيد و الشيخ رحمه اللّه من اعتبار تحققهما معا مستند إلى ذلك، مع أنّ مقتضى الأصل بقاء التمام إلا بعد اجتماع الأمرين معا، فتكون هذه المرتبة كاشفة عن تحقق مقدار بعد خاص عن المحل يصدق معه الخروج عن الأهل عرفا و يكون مناطا للترخيص، إذ لا وجه بجعل شيئين يكون بينهما اختلاف- و لو في الجملة- علامة لشي ء واحد من جهة الاختلاف بلا فرق بين العلامات الحقيقية أو الشرعية، كما لا وجه لكون مقدار البعد الذي يكون مناطا للترخيص متفاوتا في الواقع، فهو متحد و العلامتان كاشفتان عنه و هما متلازمتان غالبا بالنسبة إلى أدنى المرتبة المتوسطة منهما، و لذا لم تذكر في الأخبار كل من العلامتين إلا منفردة عن الأخرى في هذه المسألة العامة البلوى، و ليس ذلك إلا لمكان الملازمة بينهما.

إن قلت: مع فرض التلازم في الجملة لا وجه لجعل علامتين، بل تكفي إحداهما.

قلت: هذا نحو تسهيل و تيسير للناس، مع أنّه ليس كل أحد يخرج عن محله في وقت الأذان حتى يكون ذلك وحده هو المناط في الحكم، بل يمكن فرض محل ليس فيه بيوت- كما إذا قصد الإقامة في مزرعة أو بستان ليس فيها بيت و لا جدار، و إنّما يعيش في ظلال الأشجار و مساقط الثمار- فقد وسع في تعدد العلامة توسعا على الأمة.

ثمَّ إنّه تارة: يعلم بتحقق العلامتين من تواري الجدران، و عدم سماع الأذان فلا ريب في وجوب القصر. و أخرى: يعلم بعدم تحققهما معا و لا إشكال في وجوب التمام. و ثالثة: يعلم بوجود إحدى الأمارتين دون الأخرى بالنسبة إلى أدنى المرتبة المتوسطة لو فرض حصول مثل هذا العلم فيقع التعارض حينئذ، و المرجع استصحاب التمام بعد عدم شمول عمومات القصر لمثله، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و لكن الفرض لا وقوع له خارجا.

إن قلت: نسب إلى ظاهر الأصحاب عدم كونهما علامتين لحد خاص من البعد عن المحل.

ص: 216

.....

______________________________

قلت: لا وجه لهذه النسبة، و على فرض الصحة لا اعتبار بها ما لم تكن من الإجماع المعتبر.

إن قلت: ليس في الأدلة التي وصلت إلينا لفظ «خفاء الجدران»، بل ليس فيها لفظ الجدران أصلا، لأنّه قد علق الحكم فيها على التواري عن البيوت و سماع الأذان و عدمه، فما وجه تعبير جمع من الفقهاء بخفاء الجدران و خفاء الأذان، مع أنّ المنساق من صحيح ابن مسلم (1)تواريه عن البيوت لا تواري البيوت عنه.

قلت: أما خفاء الأذان يكون عبارة أخرى عن عدم سماعه، و لعل في تعبيرهم رحمهم اللّه بالخفاء إشارة إلى ما قلناه من أنّ المناط تحقق أدنى المرتبة المتوسطة من عدم السماع و هو عبارة أخرى عن الخفاء عرفا. و أما التعبير بخفاء الجدران، فلأنّ المذكور في صحيح ابن مسلم: «إذا توارى عن البيوت» و التواري بمعنى الاستتار و الاستخفاء قال تعالى يَتَوٰارىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مٰا بُشِّرَ بِهِ (2) أي: يستتر و يستخفي منهم، فتعبيرهم بالخفاء تعبير بمعنى التواري، و حيث إنّه من باب المفاعلة و هي غالبا من الطرفين، فلا فرق بين أن يقال: توارى و خفي عن البيوت كما في الصحيح، و بين أن يقال توارت و خفت البيوت عنه كما عن جمع من الفقهاء، و لعل اختيارهم لهذا التعبير من أجل أنّه لا طريق إلى معرفة تواري البيوت عن المسافر إلا خفاء جدرانها عرفا فيكون هذا التعبير تفسيرا عرفيا لما في الصحيح.

إن قلت: يتعيّن الأخذ بصحيح ابن مسلم، لكون مفاده ميسرا غالبا لكل مسافر بخلاف ما يدل على سماع الأذان، فإنّ الأذان قد يكون و قد لا يكون كما إذا خرج المسافر في الليل، أو قبل الظهر أو المغرب.

قلت: مضافا إلى أنّ البيوت قد تكون، و قد لا تكون كما فرضناه في محل الإقامة فإنّ العلامتين طريقتان إلى مقدار بعد خاص عن المحل، فيقدر وجودهما

ص: 217


1- تقدم في صفحة: 214.
2- سورة النحل: 59.

أحدهما مع عدم العلم بعدم تحقق الآخر (195). و أما مع العلم بعدم تحققه فالأحوط اجتماعهما (196) بل الأحوط مراعاة اجتماعهما مطلقا (197)، فلو تحقق أحدهما دون الأخر أما يجمع بين القصر و التمام، و إما يؤخر الصلاة إلى أن يتحقق الأخر، و في العود عن السفر أيضا ينقطع حكم القصر إذا وصل إلى حدّ الترخص من وطنه أو محل إقامته (198)،

______________________________

فيما لا تكونان فيه كما يأتي في المسائل اللاحقة.

و أما ما عن المجلسي رحمه اللّه في صلاة البحار من احتمال حمل هذه الأخبار على التقية فلا وجه للعمل بها حينئذ، فهو رحمه اللّه أعلم بما احتمل إذ ليس كل ما وافق العامة صادر للتقية.

و توهم أنّ الظاهر حصول خفاء الأذان قبل خفاء الجدران غالبا إن لم يكن دائما، فالمناط كله على الأول و يكون الثاني كاشفا عنه.

مدفوع: بأنّ لخفاء الجدران مراتب متفاوتة جدّا- كما تقدم- يكفي أدنى المراتب بالنسبة إلى المتوسطين و هو ملازم لخفاء الأذان أيضا.

(195) لأنّه من جهة الملازمة بينهما في الجملة يستكشف تحقق الآخر أيضا عند عدم العلم بعدم تحققه.

(196) بناء على اعتبار اجتماعهما معا لا بد من الجزم به و لا وجه للاحتياط، و بناء على كفاية تحقق إحدى العلامتين لا بد من الجزم بالكفاية، و بناء على التردد في أصل المسألة، فالمرجع استصحاب التمام بعد عدم جواز التمسك بأدلة القصر، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و وجوب الاحتياط مبنيّ على عدم العلم الإجمالي بالاستصحاب كما مرّ في غير مقام.

(197) لما نسب إلى القدماء من اعتبار ذلك و تقدم التفصيل فراجع.

(198) على المشهور شهرة عظيمة، و عن الذكرى كادت تكون إجماعا، و يدل عليه ما تقدم من ذيل صحيح ابن سنان: «و إذا كنت في الموضع الذي لا

ص: 218

و إن كان الأحوط تأخير الصلاة إلى الدخول في منزله (199) و الجمع بين القصر و التمام إذا صلّى قبله بعد الوصول إلى الحد.

مسألة 58: المناط في خفاء الجدران جدران البيوت

(مسألة 58): المناط في خفاء الجدران جدران البيوت (200) لا خفاء الأعلام و القباب و المنارات (201)، بل و لا خفاء سور البلد إذا كان له

______________________________

تسمع فيه الأذان فقصر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» (1)، و قوله عليه السّلام في صحيح حماد: «إذا سمع الأذان أتم المسافر» (2). و الظاهر أنّ ذكر الأذان من باب المثال- مضافا إلى ما تقدم من الملازمة بينهما في الجملة- فتشمل التواري أيضا، فلا وجه لما عن ظاهر الشرائع، و نسب إلى غيره أيضا من الاقتصار على خصوص عدم سماع الأذان فقط.

و لا تعارضها الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ المسافر يقصر حتى يرد منزله كقول الصادق عليه السّلام في صحيح عمار: «إنّ أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتموا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصروا» (3)، و قوله عليه السّلام في صحيح العيص: «لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته» (4) إلى غير ذلك من الأخبار، فإنّ ما كان منها قابلا للحمل على الخبرين يحمل عليهما، و ما لم يكن كذلك يحمل على التقية، أو يطرح، لإعراض المشهور عنها مضافا إلى وهنها باشتمال بعضها على عدم اعتبار حد الترخص في الذهاب أيضا (5) و هو مما أجمعوا في جميع الطبقات على خلافه.

(199) جمودا على ظواهر ما تقدم من الأخبار، و خروجا عن مخالفة والد الصدوق، و أبي علي، و علم الهدى رحمهم اللّه. و منه يظهر وجه الاحتياط أيضا.

(200) تقدم أنّه ليس في الأخبار لفظا الخفاء و الجدران، و إنّما ذكرهما الأصحاب تفسيرا لتواري البيوت الذي ذكر في صحيح ابن مسلم.

(201) لظهور الإجماع عليه- كما يظهر من كلماتهم- مضافا إلى أن

ص: 219


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة المسافر حديث: 7.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.

سور، و يكفي خفاء صورها و إشكالها و إن لم يخف أشباحها (202).

مسألة 59: إذا كان البلد في مكان مرتفع بحيث يرى من بعيد يقدّر كونه في الموضع المستوي

(مسألة 59): إذا كان البلد في مكان مرتفع بحيث يرى من بعيد يقدّر كونه في الموضع المستوي، كما أنّه إذا كان في موضع منخفض يخفى بيسير من السير أو كان هناك حائل يمنع عن رؤيته كذلك يقدّر في الموضع المستوي، و كذا إذا كانت البيوت على خلاف المعتاد من حيث العلوّ أو الانخفاض فإنّها ترد إليه (203)، لكن الأحوط خفاؤها مطلقا. و كذا إذا كانت على مكان مرتفع، فإنّ الأحوط خفاؤها مطلقا (204).

مسألة 60: إذا لم يكن هناك بيوت و لا جدران يعتبر التقدير

(مسألة 60): إذا لم يكن هناك بيوت و لا جدران يعتبر التقدير (205). نعم، في بيوت الأعراب و نحوهم ممن لا جدران لبيوتهم

______________________________

المذكور في الصحيح لفظ البيوت و لا ربط لها بالسور، و القباب، و المنابر، لأنّهما مختلفان كما هو معلوم.

(202) لأنّ لفظ البيوت ظاهر في صورها لا أشباحها، مضافا، إلى دعوى الإجماع عن الأستاذ الأكبر على أنّ العبرة بالصورة لا الشبح- كما في الجواهر.

(203) كل ذلك لأنّ المتبادر من الأدلة ما هو المتعارف منها، و كون التواري من جهة البعد لا من جهة أخرى، فلا دليل لمن اكتفى بمطلق التواري و لو من سائر الجهات، و مقتضى الأصل هو التمام إلا فيما هو المنساق من الأدلة و كلمات الأعلام.

(204) جمودا على المتيقن في مقابل الأصل.

(205) لأنّه لا موضوعية لهما، و تقدم كونهما طريقا إلى تحقق البعد عن الأهل و المحل عرفا، و للبعد عنه مراتب حدّده الشارع بحدّ خاص و هو فعليّ فيما فيه البيوت و الأذان، و تقديريّ في غيره.

ص: 220

يكفي خفاؤها. و لا يحتاج إلى تقدير الجدران (206).

مسألة 61: الظاهر في خفاء الأذان كفاية عدم تميز فصوله

(مسألة 61): الظاهر في خفاء الأذان كفاية عدم تميز فصوله (207)، و إن كان الأحوط اعتبار خفاء مطلق الصوت (208) حتى المتردد بين كونه أذانا أو غيره فضلا عن المتميز كونه أذانا مع عدم تميز فصوله.

مسألة 62: الظاهر عدم اعتبار كون المناط الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر في البلاد الصغيرة و المتوسطة

(مسألة 62): الظاهر عدم اعتبار كون المناط الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر في البلاد الصغيرة و المتوسطة، بل المدار أذانها و إن كان في وسط البلد على مأذنة مرتفعة (209). نعم، في البلاد الكبيرة يعتبر كونه في أواخر البلد من ناحية المسافر (210).

______________________________

(206) لكونه من قبيل لزوم ما لا يلزم، لما عرفت من أنّ لفظ الجدران في كلام الأصحاب لا في أخبار الباب، فيكون كلامهم تفسيرا لما في الصحيح فيما يحتاج إلى التفسير لا في غيره، فالمناط حينئذ نفس البيوت المذكورة فيه كما هو واضح.

(207) لأنّه المتبادر من ظاهر النص (1)، و يحتمل أن يكون المراد به التمثيل لكل صوت رفيع، فالمدار في التقصير على البعد عن المحل بمقدار لا تسمع الأصوات المرتفعة المتعارفة، فذكر الأذان من باب المثال لذلك لا لخصوصية فيه حتى يلاحظ تمييز فصوله و عدمه و يبحث عن ذلك، بل المناط كله الوصول إلى محل من شأنه ذلك كان في البين أذان أم لا، و وجدت جدران أم لا.

(208) لاحتمال إرادة ذلك من ظاهر الدليل و إن كان لا ريب في أنّه عليل.

(209) لظهور الأدلة فيما هو المعتاد المتعارف في كل عصر و زمان في القرى و البلدان و هو مقتضى الإطلاق، و التقييد بكونه في آخر البلد في هذه الصورة مخالف لظهور الإطلاق.

(210) لجريان حكم المحالّ المختلفة على محلات مثل هذه البلدان عرفا

ص: 221


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3 و 7.
مسألة 63: يعتبر كون الأذان على مرتفع معتاد في أذان ذلك البلد

(مسألة 63): يعتبر كون الأذان على مرتفع معتاد في أذان ذلك البلد (211) و لو منارة غير خارجة عن المتعارف في العلوّ.

مسألة 64: المدار في عين الرائي و أذن السامع على المتوسط

(مسألة 64): المدار في عين الرائي و أذن السامع على المتوسط في الرؤية و السماع في الهواء الخالي عن الغبار و الريح و نحوهما من الموانع عن الرؤية أو السماع، فغير المتوسط يرجع إليه، كما أنّ الصوت الخارق في العلو يرد إلى المعتاد المتوسط (212).

مسألة 65: الأقوى عدم اختصاص اعتبار حدّ الترخص بالوطن

(مسألة 65): الأقوى عدم اختصاص اعتبار حدّ الترخص بالوطن، فيجري في محل الإقامة أيضا (213)، بل و في المكان الذي

______________________________

خصوصا في هذه الأعصار التي اتسعت بعض البلاد غاية الاتساع و مع ذلك تتسع كل يوم و تزداد نفوسها، و نسب في الجواهر هذا القول إلى أكثر من تأخر عن العلامة.

(211) لظهور الأدلة فيما هو المتعارف بين الناس.

(212) كل ذلك لانسباق التوسط من الأدلة عرفا، فغير المتوسط لا بد و أن يرجع إليه، و منه يعلم أنّه لا اعتبار بما يسمع من مكبّرات الصوت، بل لا بد من إرجاعها إلى الأصوات المتعارفة في غير المكبّرة.

(213) كما عن جمع من الأساطين منهم الحلي و العلامة و الشهيد، و نسبه في مفتاح الكرامة إلى كلام الأكثر و قال: «فقد ذكروا ذلك متسالمين عليه و الأخبار منطبقة الدلالة عليه بلا إشكال فيه» و استوجهه في المدارك.

و ما يمكن أن يستدل به أمور: منها: استصحاب وجوب التمام، و لا وجه للتمسك بعموم وجوب القصر، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ ليس كل مسافر وجب عليه القصر، بل المسافر الخاص الشرعي، و لا ريب في الشك في صدق المسافر الشرعي عليه لاحتمال اعتبار التجاوز عن الترخيص فيه حتى في محل الإقامة، و لا فرق في ذلك بين كون الإقامة قاطعة لحكم السفر أو لموضوعه.

ص: 222

بقي فيه ثلاثين يوما مترددا (214)، و كما لا فرق في الوطن بين ابتداء السفر و العود عنه في اعتبار حدّ الترخص كذلك في محل الإقامة (215)،

______________________________

و منها: شمول إطلاقات المقام لمحل الإقامة أيضا، فإنّ قوله عليه السّلام: «إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان فأتم» (1)، و قوله عليه السّلام في التقصير: «إذا توارى عن البيوت» يدل على أنّ من حدود التمام مطلقا سماع الأذان كما أنّ من حدود القصر مطلقا عدم سماعه و التواري عن البيوت، فتكون هذه الأدلة حاكمة على ما يدل على وجوب القصر على المسافر و شارحة لها.

و منها: قول أبي جعفر في صحيح زرارة: «من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة- الحديث-» (2)، فإنّ الظاهر من التنزيل إما بلحاظ تمام الآثار أو أظهرها و على كل منهما يدل على ثبوت حد الترخص لمثل محل الإقامة، فإنّه من أظهر الآثار الشرعية التي يدل عليها تنزيلاتها.

و لباب المقال: إنّه يستفاد من الجميع أنّ اعتبار حد الترخص من حدود انتقال القصر إلى التمام، و بالعكس في الوطن و ما يلحق به مطلقا. هذا مع أنّ مقدار ما يسمع فيه الأذان و يرى البيوت يعدّ جزءا من المحل عرفا أيضا في الجملة، فلم يرد من الشارع تعبد خاص حتى يبحث عن اختصاصه بمورد دون آخر.

(214) يجري فيه بعض ما تقدم في محل الإقامة.

(215) لما تقدم من دليل التنزيل، و حكم العرف أنّ محل سماع الأذان و رؤية الجدران من توابع محل الإقامة، فما حكي عن الشهيد الثاني و غيره من التفصيل بين الدخول و الخروج من عدم الاعتبار في الأول دون الثاني لم يظهر وجهه.

ص: 223


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.

فلو وصل في سفره إلى حدّ الترخص من مكان عزم على الإقامة فيه ينقطع حكم السفر و يجب عليه أن يتم، و إن كان الأحوط التأخير إلى الوصول إلى المنزل، كما في الوطن. نعم، لا يعتبر حدّ الترخص في غير الثلاثة (216)، كما إذا ذهب لطلب الغريم أو الآبق بدون قصد المسافة ثمَّ في الأثناء قصدها، فإنّه يكفي فيه الضرب في الأرض.

مسألة 66: إذا شك في البلوغ إلى حدّ الترخص

(مسألة 66): إذا شك في البلوغ إلى حدّ الترخص بنى على عدمه فيبقى على التمام في الذهاب و على القصر في الإياب (217).

مسألة 67: إذا كان في السفينة أو العربة فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخص بنية التمام ثمَّ في الأثناء وصل إليه

(مسألة 67): إذا كان في السفينة أو العربة فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخص بنية التمام ثمَّ في الأثناء وصل إليه، فإن كان قبل الدخول في قيام الركعة الثالثة أتمّها قصرا و صحت (218)، بل و كذا إذا

______________________________

(216) لإطلاق أدلة التقصير من غير معارض، و ظهور أدلة اعتبار حدّ الترخص في الوطن و ما نزل منزلته.

(217) للاستصحاب في الموردين، لكن لو كان الذهاب و الإياب من طريق واحد و حصل له الشك في نقطة واحدة ذهابا و إيابا و صلّى فيها تماما في الأول و قصرا في الثاني يحصل له العلم ببطلان إحدى الصلاتين، و يمكن أن يجاب عنه بإمكان اختلاف مفاد الأصل بحسب تعدد الجهات و طريق الاحتياط مراعاة اختلاف مكان الصلاتين لو اتفق الفرض.

(218) لتبدل حكم القصر و التمام بتبدل الموضوع، بل الظاهر عدم كونهما من الأمور المتقوّمة بالقصد، فلو قصد صلاة الظهر و سلّم على ركعتين مع اجتماع شرائط القصر تصح قصرا، كما أنّه لو سلّم على الأربع تصح تماما مع اجتماع شرائطه، و في مواضع التخيير لا يلزم قصد القصر و التمام، بل له أن يقصد صلاة الظهر- مثلا- ثمَّ يسلّم بأيّ نحو اتفق، و الوجه في ذلك كله أصالة البراءة عن شرطية قصد القصرية و التمامية و قد تقدم في [مسألة 2] من (فصل النية) بعض ما يتعلق بالمقام.

ص: 224

دخل فيه قبل الدخول في الركوع (219) و إن كان بعده فيحتمل وجوب الإتمام، لأنّ الصّلاة على ما افتتحت (220). لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بالإعادة قصرا أيضا (221). و إذا شرع في الصلاة في حال العود قبل الوصول إلى الحدّ بنية القصر، ثمَّ في الأثناء وصل إليه أتمّها تماما و صحت (222) و الأحوط في وجه إتمامها قصرا (223) ثمَّ إعادتها تماما.

______________________________

(219) لإمكان إتمامها قصرا، و عدم دليل على كون زيادة مثل هذا القيام مبطلا، بل مقتضى الأصل عدمه، كما أنّ مقتضاه عدم وجوب سجود السهو لمثل هذه الزيادة، لعدم كونها سهوية و طريق الاحتياط واضح.

(220) تقدم في [مسألة 18 و 19] من (فصل النية) أنّه لو كان بانيا على إتيان صلاة الفريضة، فنوى النافلة، أو بالعكس تصح صلاته بحسب القاعدة، لأنّ النية تكون حينئذ من الخطإ في التطبيق، و إنّما المناط على ما بنى عليه أولا، و قد وردت الروايات على طبق هذه القاعدة، و لكن لا ربط لها بمثل المقام الذي ليس من الخطإ في التطبيق في شي ء.

إن قلت: إنّ الركعة الثالثة وقعت عن أمر بها بالفرض، فلا بد من الإجزاء.

قلت: نعم، لو لا عدم إمكان إتمام الصلاة، لانقلاب الموضوع.

(221) للعلم الإجمالي بتردد تكليفه بين القصر و التمام، فيجب الاحتياط بناء على أنّه يستفاد من إطلاق قوله عليه السّلام: الصلاة «على ما افتتح عليه» (1) أنّ صرف وجود صحة نية التمام يجزي في وجوب الإتمام. و هذا الاحتمال لا يبلغ مرتبة الاستظهار. و لكنه يصلح للاحتياط.

(222) لانقلاب الحكم بانقلاب موضوعه- كما تقدم.

(223) لاحتمال شمول الصلاة «على ما افتتح عليه» للمقام أيضا، فيصح الاحتياط من هذه الجهة، و مع رعاية هذا الاحتياط لا يبقى موضوع الاحتياط لحرمة إبطال العمل، فتأمل.

ص: 225


1- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب نية الصلاة.
مسألة 68: إذا اعتقد الوصول إلى الحد فصلّى قصرا ثمَّ بان أنّه لم يصل إليه

(مسألة 68): إذا اعتقد الوصول إلى الحد فصلّى قصرا ثمَّ بان أنّه لم يصل إليه وجبت الإعادة أو القضاء تماما (224) و كذا في العود إذا صلّى تماما باعتقاد الوصول فبان عدمه وجبت الإعادة أو القضاء قصرا (225)، و في عكس الصورتين، بأن اعتقد عدم الوصول فبان الخلاف- ينعكس الحكم فيجب الإعادة قصرا في الأولى و تماما في الثانية (226).

______________________________

فروع- (الأول): لو شرع في الصلاة في السفر بينة القصر و أمكنه التسليم و التقصير قبل الوصول إلى حدّ الترخص و مع ذلك لم يفعل حتى وصل إليه، فالظاهر جواز إتمامها تماما و تصح، لأنّ انقلاب الحكم بانقلاب الموضوع قهريّ.

(الثاني): لو كان حين الشروع في الصلاة مسافرا و علم بأنّه يمر في أثنائها على حد الترخص فلا إشكال في أنّه يصح له قصد التكليف الفعلي، كما لا إشكال في أنّه يجوز له قصد القصر. و هل يجوز له قصد التمام مع بنائه على الإتمام حين الوصول إليه أم لا يجوز؟ وجهان الظاهر هو الأول، لأصالة عدم المانعية لمثل هذا القسم من النية.

(الثالث): لو شك في الوصول إلى حدّ الترخص في الشبهة الموضوعية، فالظاهر عدم وجوب الفحص و إن كان أحوط.

(224) لعدم الإجزاء في الإتيان بالأوامر الاعتقادية مع تبين الخلاف- كما ثبت في محله- و لكن الإعادة يجب أن تكون بحسب التكليف الفعلي، و القضاء بحسب ما فات كما هو واضح لا يخفى.

(225) لعين ما تقدم في سابقتها من غير فرق.

(226) أما القصر في الصورة الأولى، فلفرض أنّه وصل إلى حد الترخص في الواقع، فيكون تكليفه القصر، و لا أثر لاعتقاد الخلاف في تبدل التكليف الواقعي. و أما وجوب الإعادة تماما في الصورة الثانية أي: ما إذا عاد من السفر و اعتقد عدم الوصول إلى حد الترخص فقصر ثمَّ بان الخلاف، فلفرض أنّه وصل إلى حدّ الترخص واقعا و كان تكليفه التمام فلم يأت، و ما أتاه من القصر بالأمر

ص: 226

مسألة 69: إذا سافر من وطنه و جاز عن حدّ الترخص ثمَّ في أثناء الطريق وصل إلى ما دونه

(مسألة 69): إذا سافر من وطنه و جاز عن حدّ الترخص ثمَّ في أثناء الطريق وصل إلى ما دونه، إما لاعوجاج الطريق أو لأمر آخر، كما إذا رجع لقضاء حاجة أو نحو ذلك فما دام هناك يجب عليه التمام (227) و إذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر (228) إذا كان الباقي مسافة (229). و أما إذا سافر من محل الإقامة و جاز عن الحدّ ثمَّ وصل إلى ما دونه، أو رجع في الأثناء لقضاء حاجة بقي على التقصير (230) و إذا صلّى في الصورة الأولى (231) بعد الخروج عن حدّ الترخص قصرا ثمَّ وصل إلى ما دونه، فإن كان بعد بلوغ المسافة فلا إشكال في صحة صلاته (232)، و أما إن كان قبل ذلك فالأحوط وجوب الإعادة (233)، و إن

______________________________

الاعتقادي لا أثر له بعد كشف الخلاف.

(227) لأنّه فيما دون حدّ الترخص، و كل مسافر كان فيما دون الحد وجب عليه التمام نصّا، و إجماعا كما تقدم.

(228) لأنّه مسافر خارج عن الحد، فتشمله أدلة التقصير مع اجتماع سائر الشرائط.

(229) اعتبار كون الباقي مسافة مبنيّ على أن يكون عوده إلى ما دون حد الترخص بقصد الرجوع عن نية المسافرة. و أما إن كان بانيا عليها، فيكفي كون المجموع مسافة، لكونها حينئذ من المسافة الملفقة. إلا أن يقال: بانصراف التلفيق عن مثله عرفا، و لكنه مشكل، بل ممنوع و يأتي التفصيل عما قريب إن شاء اللّه تعالى.

(230) لعموم أدلة التقصير من غير ما يصلح للتخصيص، و يأتي تفصيل هذه المسألة بأقسامها في الفصل التالي [مسألة 24].

(231) أي: فيما إذا سافر عن وطنه.

(232) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشملها أدلة التقصير لا محالة و لا بد حينئذ من الصحة.

(233) مقتضى عدم الإتيان بالمأمورية الجزم بوجوب الإعادة، و لكن عدم

ص: 227

كان يحتمل الإجزاء إلحاقا بما لو صلّى (234) ثمَّ بدا له في السفر قبل بلوغ المسافة.

مسألة 70: في المسافة الدورية حول البلد دون حدّ الترخص في تمام الدور أو بعضه

(مسألة 70): في المسافة الدورية حول البلد دون حدّ الترخص في تمام الدور أو بعضه مما لم يكن الباقي قبله أو بعده مسافة يتم الصلاة (235).

______________________________

الجزم بها، لاحتمال الإلحاق بما لو صلّى ثمَّ بدا له في السفر قبل بلوغ المسافة.

و الأقسام فيه ثلاثة: الأول: ما إذا كان بانيا على المسافرة التي قصدها أولا و الظاهر تعين الإلحاق، بل هو داخل فيه موضوعا و حينئذ فإن كان الباقي مسافة، فهو و إلا فتكون من المسافة التلفيقية و يشترط أن يعد الرجوع جزءا من المسافة عرفا و لا يكون لغوا محضا.

الثاني: ما إذا كان بانيا على المسافرة مع الشك في الرجوع و عدمه، فبدا له الرجوع، فإن كان الشك و الترديد مما يعتنى به بحيث يكون منافيا لتحقق قصد المسافرة تجب الإعادة أو القضاء، لعدم تحقق قصد المسافة منه حتى يصح التقصير. نعم، لو كان الشك و الترديد بحيث لا ينافي تحقق قصد المسافة يكون من القسم الأول.

الثالث: ما إذا علم بالرجوع و لا إشكال في عدم الإجزاء، لفقد قصد المسافة حينئذ.

(234) يصح الإلحاق فيما إذا لم يكن قصد الرجوع منافيا لقصد المسافة، و في غيره لا وجه للإلحاق.

(235) لأدلة التمام، مضافا إلى أصالة التمام، لو كانت المسافة الدورية فوق حدّ الترخص وجب التقصير كما تقدم، و لو تركب منهما، فحكمه حكم المسافة الامتدادية فيما مرّ من الأقسام و الأحكام.

ص: 228

«فصل في قواطع السفر»

اشارة

«فصل في قواطع السفر» موضوعا أو حكما (1)، و هي أمور:

أحدها: الوطن
اشارة

(أحدها): الوطن (2)، فإنّ المرور عليه قاطع للسفر و موجب

______________________________

(فصل في قواطع السفر)

(1) يمكن أن يكون قصد الإقامة ثلاثين يوما قاطعا لموضوع السفر أيضا- كالمرور على الوطن- لأنّ السفر عبارة عن السير و الحركة و يباينهما الوقوف عن السير السفري، فيكون قاطعا للموضوع قهرا، فإطلاق المسافر عليه إما باعتبار ما كان أو باعتبار ما يكون، أو يكون باعتبارهما معا. نعم، يغتفر في الحركة السفرية بما يتسامح فيه عرفا، و كذا أوقات الاستراحة بالنوم أو بغيره، فلا بأس بإطلاق المسافر عليه فعلا في هذه الموارد للمسامحة العرفية و أما في غيرها فلا ريب في أنّ المسافرة و الوقوف عنها متباينان موضوعا. نعم، قد حدد الشارع مقدار الوقوف عنها بعشرة أيام و التردد ثلاثين يوما كما هو شأنه في تحديد جميع الموضوعات القابلة للتشكيك- كالكر، و المسافة، و أيام الحيض، و العدة، و نحوها مما هو كثير- فأصل انقطاع موضوع السفر بهما في الجملة عرفيّ و التحديد شرعيّ.

(2) الوطن: من الأمور العرفية في جميع الملل و الأديان، و جميع الأماكن و الأزمان، و هذه المادة شائعة لغة، و عرفا، و كتابا، و سنة قال تعالى لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّٰهُ فِي مَوٰاطِنَ كَثِيرَةٍ (1)، و قال أبو الحسن عليه السّلام: «كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير» (2)و تأتي الإشارة إلى جملة أخرى

ص: 229


1- سورة التوبة: 25.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

للتمام (3) ما دام فيه أو فيما دون حدّ الترخص منه (4) و يحتاج في العود

______________________________

منها. و معناها: الثبات و القرار في الجملة- كالمكان، و المحل، و المقر، فكل موضع مما يجتمع فيه الإنسان مع غيره من بني نوعه من حيث إنّه مدنيّ بالطبع وطن له- مجردا عن كل تحديد من زمان القرار، و عن اعتبار الولادة، أو الملك فيه و غير ذلك من الجهات الخارجة عن عنوان المقر و المحل.

نعم، يعتبر فيه الثبات في الجملة بحسب المتعارف من إطلاقاته في موارد استعمالاته، بل لا يبعد انصرافه إلى ما بني على الدوام، و لكن لا اعتبار به لاستناده إلى غلبة الوجود يتحد معناه اللغوي و العرفي، فإن ثبت من الشرع معنى يغايرهما نقول به، و إلا فالمرجع فيه اللغة و العرف- كما هو كذلك في جميع موضوعات الأحكام- مع أنّه ليس للوطن موضوعية خاصة حتى يبحث عن معناه، و المناط كله الخروج عن عنوان السفر عرفا و شرعا، و من جهة صدق الخروج عن ذلك وجب التمام، و لا ريب في تقوّم المسافرة عرفا و شرعا بالبعد عن الأهل و المسكن، فكل من كان في أهله و مسكنه، فليس بمسافر و يجب عليه التمام، و هذا هو المراد بالأخبار بعد رد بعضها إلى بعض.

(3) للضرورة الفقهية، و النصوص المستفيضة: منها: صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر، إنّما هو المنزل الذي توطنه» (1) و يأتي بعضها الآخر.

(4) لما مر من أنّه من حدود ما تتم فيه الصلاة نصّا (2) و إجماعا.

فرع: الظاهر عدم اعتبار الاختيار في قاطعية العبور على الوطن للسفر- فلو ألقي المسافر في السيارة- مثلا- و عبر به على وطنه بلا شعور و التفات منه ينقطع سفره- لما يستفاد من الأدلة من أنّه من الوضعيات غير المنوطة بالاختيار.

ص: 230


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 8.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10.

إلى القصر بعده إلى قصد مسافة جديدة (5) و لو ملفقة- مع التجاوز عن حدّ الترخص. و المراد به المكان الذي اتخذه مسكنا و مقرّا له دائما (6) بلدا كان أو قرية أو غيرهما- سواء كان مسكنا لأبيه و أمه و مسقط رأسه أو غيره (7) مما استجده. و لا يعتبر فيه بعد الاتخاذ المزبور حصول ملك له فيه (8).

______________________________

(5) لانقطاع ما وقع سابقا بالمرور على الوطن، فكأنّه لم يقع، فلا بد من تحقق المسافرة من استئناف مسافة أخرى مستجمعا لما مرّ من الشرائط، و تقدم ما يتعلق بالتلفيق و اعتبار التجاوز عن حدّ الترخص فلا وجه للإعادة.

(6) أما اعتبار المسكنية و المقرية في الجملة فمن مقوّماته لغة، و عرفا، و شرعا. و أما اعتبار الدوام فلا دليل عليه من عرف و لا شرع. نعم، يكون هو المنصرف منه عند الإطلاق، و لكنه لا اعتبار بمثل هذا الانصراف.

ثمَّ إنّ المراد بالاتخاذ أعم من الاستقلال و التبعي و الاختياري و القهري، فكل ما صدق المقر الخاص يتحقق به الاستيطان عند الناس.

(7) لعدم دليل على اعتبار ذلك كله، و مقتضى الإطلاق و العرف عدمه، و لم يرد تقييد من الشارع في ذلك أيضا. ثمَّ إنّ المراد بالوطن المستجد في كلام الفقهاء أي: الوطن الاتخاذي في مقابل الوطن الأصلي.

(8) للأصل، و الإطلاق، و تشهد له اللغة و العرف أيضا، و لكن في صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الرجل يقصر في ضيعته، فقال عليه السّلام: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال عليه السّلام: أن يكون له فيها منزل يقيم فيها ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها» (1).

و هذه الصحيحة- الواردة في معنى الاستيطان- صارت منشأ لنزاع الفقهاء حتى انتهت أقوالهم إلى ثمانية على ما ضبطها في المستند، و الظاهر، بل

ص: 231


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.

.....

______________________________

المقطوع به أنّه عليه السّلام ليس في مقام بيان معنى تعبدي للاستيطان في مقابل ما هو المتعارف في جميع الأمكنة و الأزمان حتى تكون الصحيحة مخالفة للروايات الكثيرة الواردة في مقام البيان عند السؤال عن حكم الوطن، بل يكون ذكر ستة أشهر جار مجرى التمثيل لبيان أحد أفراد ما يتحقق به الاستيطان لا لموضوعية خاصة بها بالخصوص، كما أنّ المنزل أعم من الملك لغة، و عرفا، و وجدانا فلا وجه لاستفادة الملك منها، كما أنّ الظاهر أنّ المراد بقوله عليه السّلام: «يقيم فيها ستة أشهر» إنّما هو لأجل تهيئة المحل للإقامة فيها بقصد الاستيطان لا لاعتبار الإقامة الفعلية (ستة أشهر) فلا تكون الصحيحة مخالفة للعرف، و لا لما اشتهر من معنى الاستيطان في الأذهان، مع أنّه يحتمل أن يكون المراد «بإقامة ستة أشهر» تحديد أصل زمان الاستيطان لا أن يكون ذلك معتبرا في مبدإ حدوثه، فمن قصد إقامة ستة أشهر فما زاد في بلد فما لم يعرض عنها يكون بمنزلة أهلها، فكما أنّ الشارع حدد زمان الإقامة بعشرة أيام- و جعل البقاء ثلاثين يوما مترددا في محل موجبا للتمام- حدد زمان التوطن بقصد ستة أشهر تسهيلا على الأنام و تيسيرا عليهم، و مع هذا الاحتمال كيف يجزم بأنّه يعتبر في حدوث الوطن شرعا الإقامة الفعلية ستة أشهر.

إن قلت: كيف يخفى المعنى العرفي للاستيطان على مثل محمد بن إسماعيل حين سأل الإمام عليه السّلام، فيعلم من ذلك أنّه كان له معنى غير ما هو المعروف عند الأنام.

قلت: فيه أولا: أنّه لو لم يسأل الراوي عن ذلك لاكتفى الإمام عليه السّلام بما قال و كان المفهوم العرفي متبعا حينئذ، و لو كان المعنى الشرعي موضوع الحكم لكان على الإمام عليه السّلام بيانه ابتداء من غير سؤال.

و ثانيا: عدم التعرض له في سائر الأخبار في هذا الحكم العام البلوى إلى زمن أبي الحسن الرضا عليه السّلام يستلزم إما تقصير الأئمة في بيان الحكم المبتلى به عند الناس، أو قصور الظروف عن بيانه، أو معروفية هذا المعنى عند السائلين في الأزمنة السابقة على زمان أبي الحسن عليه السّلام. و الأول لا وجه لتوهمه، و الأخيرين في غاية البعد كما لا يخفى، إذ ليس الحكم مخالفا للتقية

ص: 232

.....

______________________________

حتى يقال: إنّ عدم بيان المعصوم عليه السّلام كان للتقية و قصور الظروف.

و بالجملة: استفادة التعبد في الوطن من هذه الأخبار بعيد في الغاية، مع أنّ الشك في التعبدية يكفي في العدم في الأمور العرفية الدائرة بين الناس.

ثمَّ إنّ مجموع الأخبار على قسمين: الأول: قول الصادق عليه السّلام في صحيح إسماعيل بن الفضل: «إذا نزلت قراك و أرضك فأتم الصلاة، و إذا كنت في غير أرضك فقصّر» (1) و صحيح البزنطي: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يخرج إلى ضيعته» فيقيم اليوم و اليومين و الثلاثة أ يتم أم يقصر؟ قال عليه السّلام: يتم الصلاة كلما أتى ضيعة من ضياعه» (2).

و صحيح ابن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض، فيخرج ليقيم فيها (فيطوف فيها) أ يتم أم يقصر؟

قال: عليه السّلام يتم» (3)، و صحيح عمران: «قلت لأبي جعفر الثاني عليه السّلام: جعلت فداك إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا- خمسة فراسخ- فربما خرجت إليها، فأقيم فيها ثلاثة أيام، أو خمسة أيام أو سبعة، فأتم الصلاة أم أقصر؟ فقال عليه السّلام: قصّر في الطريق، و أتم في الضيعة» (4).

و موثق عمار: «في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها، قال عليه السّلام يتم الصلاة و لو لم يكن له إلا نخلة واحدة و لا يقصر» (5).

و مقتضى ظاهر هذه الأخبار كفاية مجرّد الملك في الإتمام توطن فيه أم لا، قصد الإقامة أم لا، و لكن سياقها العرفي- خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة- ما إذا كانت الضيعة أو الضياع، أو محل النخلة مسكن للشخص بأن يكون ممن له مساكن متعدّدة صيفا و شتاء، و يمكن حملها على ما إذا علم بالبقاء عشرة أيام كما هو الغالب فيمن يذهب إلى ضيعته- خصوصا في الأزمنة القديمة- جمعا بينها و بين القسم الآخر من الأخبار.

ص: 233


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 17.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 12.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 14.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.

نعم، يعتبر فيه الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفا أنّه وطنه (9) و الظاهر

______________________________

القسم الثاني من الأخبار: صحيح سعد قال: «سأل عليّ بن يقطين أبا الحسن الأول عليه السّلام عن الدار تكون للرجل بمصر، و الضيعة فيمر بها قال عليه السّلام: إن كان مما قد سكنه أتم الصلاة فيها و إن كان مما لم يسكنه فليقصر» (1) فإنّه ظاهر في أنّه ليس المدار على مجرّد الملك، بل على السكونة التي هي عبارة أخرى عن التوطن، و خبر حمزة بن بزيع «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك إنّ لي ضيعة دون بغداد، فأخرج من الكوفة أريد بغداد، فأقيم في تلك الضيعة أقصّر أو أتم؟ فقال عليه السّلام: إن لم تنو المقام عشرة أيام، فقصر» (2) إلى غير ذلك من الأخبار الموافقة للشهرة، و عمومات الكتاب و السنة، فليحمل القسم الأول على ما ذكرناه، أو على التقية، لما نقل عن مالك من كفاية مطلق الملك، أو يرد علمه إلى أهله، لابتلائه بالمعارضة بما هو أقوى منه، و أيّ خصوصية حتّى لم يلاحظ للشارع فيه حال الضعفاء و الفقراء الذين لا ملك لهم مع بناء الشرع في تشريع الأحكام على ملاحظة حال الضعفاء.

و بالجملة: كل من نظر في مثل هذه الأخبار و لو بالنظر البدوي يطمئن بأنّه لا موضوعية للملك من حيث هو، بل هو طريق عرفيّ و كاشف غالبيّ عن تحقق السكونة و الاستيطان، أو المقام و لو عشرة أيام.

ثمَّ إنّه بناء على كفاية مطلق الملك في التمام يجب- على من اشترى أرضا للاتجار بها في بلد من البلدان- أن يتم إذا عبر عليها و الالتزام به مشكل جدا.

(9) لأنّ حدوث التوطن كحدوث سائر الأوصاف التي يكفي فيه البناء على ملازمتها مع التلبس بتلك الصفة في الجملة، فمن بنى على أن يكون خياطا، أو نجارا- مثلا- و هيّأ أسباب ذلك و شرع فيه يصدق ذلك الوصف عليه بمجرد التلبس به و لا يتوقف ذلك على مرور زمان- قليلا كان أو كثيرا- و كذا من هيّأ منزلا و لوازم العيش فيه على ما هو المتعارف في الأوطان في محل و بنى على البقاء فيه و دخله

ص: 234


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 7.

أنّ الصدق المذكور يختلف بحسب الأشخاص و الخصوصيات، فربما يصدق بالإقامة فيه بعد القصد المزبور (10) شهرا أو أقل، فلا يشترط الإقامة ستة أشهر (11) و إن كان أحوط (12) فقبله يجمع بين القصر و التمام إذا لم ينو إقامة عشرة أيام.

مسألة 1: إذا أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجد

(مسألة 1): إذا أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجد و توطن في غيره، فإن لم يكن له فيه ملك أصلا أو كان و لم يكن قابلا للسكنى- كما إذا كان له فيه نخلة أو نحوها- أو كان قابلا له و لكن لم يسكن فيه ستة أشهر بقصد التوطن الأبدي يزول عنه حكم الوطنية (13) فلا يوجب

______________________________

يصدق أنّه اتخذ وطنا و أنّ المحل وطنه.

(10) لاختلاف الأشخاص باختلاف ما يتعلق بهم و يتبعهم كما لا ريب فيه و لا يعتبر القصد، بل يعتبر العلم بالبقاء في الجملة أيضا كما في قصد الإقامة.

(11) لفرض صدق التوطن بدونها كما مرّ مفصلا.

(12) للجمود على ما مرّ من صحيح ابن بزيع (1) و الخروج عن مخالفة من اعتبره.

(13) لإطلاق أدلة التقصير من غير ما يصلح للتقييد و قد استقر عليه مذهب الإمامية في هذه الأعصار و ما قاربها.

فما نسب إلى الإسكافي من كفاية المرور على مطلق الملك في قطع السفر، و إلى جمع منهم العلامة في جملة من كتبه من اعتبار الملك و الاستيطان ستة أشهر، و ما نسب إلى بعض من كفاية الإقامة ستة أشهر بقصد التوطن مطلقا إلى غير ذلك من الأقوال المذكورة في المفصلات منشأها الاستظهار من الأخبار بحسب ما وصلت إليه أذهانهم الشريفة.

و الكل مخدوش: بما تقدم و حاصله:

ص: 235


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.

المرور عليه قطع حكم السفر. و أما إذا كان له فيه ملك قد سكن فيه بعد اتخاذه وطنا له دائما (14) ستة أشهر، فالمشهور على أنّه بحكم الوطن العرفي (15) و إن أعرض عنه إلى غيره، و يسمّونه بالوطن الشرعي و يوجبون عليه التمام إذا مرّ عليه ما دام بقاء ملكه فيه لكن الأقوى عدم جريان حكم الوطن عليه بعد الإعراض، فالوطن الشرعيّ غير ثابت (16)،

______________________________

أنّ ما ذكر من الأخبار- من الملك و لو نخلة (1)، و الإقامة ستة أشهر (2)- لا موضوعية فيه بوجه، بل هو من طرق صدق المسكن و الوطن عرفا، فيكون المناط كله على العرف، و قد مرّ عدم الدليل على اعتبار قصد التوطن الأبدي في تحقق الوطن، لا من العقل، و لا من الشرع و لا من العرف.

(14) تقدم أنّه لا دليل على اعتبار الدوام.

(15) على المشهور نقلا و تحصيلا، بلا خلاف فيه إلا من نادر، بل في الروض عن التذكرة الإجماع عليه- كذا في الجواهر- و لا ريب في أنّ مثل هذه الشهرة من الشهرات الاجتهادية في الأدلة، و لا اعتبار بها عند المجتهدين، و ليست من الشهرات التعبدية التي يلزم الوقوف لديها، و حكى في المستند عن التذكرة الإجماع على كفاية ستة أشهر مطلقا و قال بعض الأجلة: «لا أعرف فيه خلافا» فكيف يجمع بين دعوى الإجماع على كفاية إقامة ستة أشهر مطلقا بدعوى الإجماع على اعتبار الملك مع إقامة ستة أشهر، فيعلم من ذلك كله أنّ دعوى مثل هذه الإجماعات أيضا لا اعتبار به.

(16) لأنّ ثبوته إما بالأدلة اللفظية، أو بالإجماع و الفتاوى، و قد أثبتنا عدم دلالتهما عليه، فلا وجه للاستناد إليهما في إثبات ذلك، و لا دليل من غيرهما يعتمد عليه في ثبوت الوطن التعبدي، مع أنّ عبارة الشيخ- في النهاية، و ابن البراج في الكامل، و أبي الصلاح- ظاهرة في الوطن العرفي دون الشرعي- على

ص: 236


1- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
2- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.

و إن كان الأحوط الجمع (17) بين إجراء حكم الوطن و غيره عليه، فيجمع فيه بين القصر و التمام إذا مرّ عليه و لم ينو إقامة عشرة أيّام، بل الأحوط الجمع إذا كان له نخلة أو نحوها غير قابل للسكنى و بقي فيه بقصد التوطن ستة أشهر، بل و كذا إذا لم يكن سكناه بقصد التوطن، بل بقصد التجارة مثلا (18).

مسألة 2: قد عرفت عدم ثبوت الوطن الشرعيّ، و أنّه منحصر في العرفيّ

(مسألة 2): قد عرفت عدم ثبوت الوطن الشرعيّ، و أنّه منحصر في العرفيّ، فنقول يمكن تعدد الوطن العرفيّ بأن يكون له منزلان في بلدين أو قريتين من قصده السكنى فيهما أبدا (19) في كل منهما مقدارا من السنة، بأن يكون له زوجتان مثلا كل واحدة في بلدة يكون عند كل واحدة ستة أشهر أو بالاختلاف، بل يمكن الثلاثة أيضا، بل لا يبعد الأزيد أيضا (20).

______________________________

ما حكى عبارتهم في مصباح الفقيه- فكيف خفي عليهم مثل صحيح ابن بزيع المتقدم، و مع ظهور عباراتهم في الوطن العرفي كيف تصح دعوى الإجماع على الوطن التعبدي الشرعي، مع أنّهم أساطين القدماء و مهرة الفن؟!.

(17) جمودا على ما تقدم من صحيح ابن بزيع، و خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور، و تقدم ذكر النخلة في موثق عمار.

(18) لاحتمال الموضوعية في إقامة ستة أشهر و إن لم يقصد التوطن، كما تكون إقامة عشرة أيّام موضوعا للتمام و إن لم تكن للتوطن، و احتمال الموضوعية في الملك و لو لم يكن للسكنى، و لكن لا يخفى أنّ مثل هذه الاحتمالات لا ينبغي أن يعتنى بها في مقام الاستدلال و إلا لاختل نظام الفقه كما هو معلوم للمحققين من الفقهاء.

(19) لا بد و أن يلغى قيد الأبدية كما مرّ مرارا.

(20) المدار على الصدق العرفي- ثلاثة كانت، أو خمسة- و يمكن فرض ذلك بناء على ثبوت الوطن الشرعي أيضا، إذ لا يلزم أن تكون إقامة ستة أشهر في

ص: 237

مسألة 3: لا يبعد أن يكون الولد تابعا لأبويه أو أحدهما في الوطن

(مسألة 3): لا يبعد أن يكون الولد تابعا لأبويه (21) أو أحدهما في الوطن ما لم يعرض بعد بلوغه عن مقرّهما، و إن لم يلتفت بعد بلوغه (22) إلى التوطن فيه أبدا فيعد وطنهما وطنا له أيضا، إلا إذا قصد الإعراض عنه، سواء كان وطنا أصليا لهما و محلا لتولده أو وطنا مستجدا لهما، كما إذا أعرضا عن وطنهما الأصلي و اتخذا مكانا آخر وطنا لهما و هو معهما قبل بلوغه ثمَّ صار بالغا، و أما إذا أتيا بلدة أو قرية و توطنا فيها و هو معهما مع كونه بالغا فلا يصدق وطنا له إلا مع قصده بنفسه (23).

مسألة 4: يزول حكم الوطنية بالإعراض و الخروج و إن لم يتخذ بعد وطنا آخر

(مسألة 4): يزول حكم الوطنية بالإعراض و الخروج و إن لم يتخذ بعد وطنا آخر، فيمكن أن يكون بلا وطن مدّة مديدة (24).

______________________________

الأوطان المتعدّدة في سنة واحدة، فيتخذ أربعة أوطان يقيم في كل واحد منها ستة أشهر في كل سنتين و هكذا.

(21) لأنّ الوطنية عبارة عن إحراز البقاء في محل بعنوان أنّه الوطن و المسكن سواء كان منشأ ذلك الإرادة التفصيلية أو الإجمالية استقلالية كانت أو تبعية، اختيارية كانت أو قهرية، فمن حبس في محل يعلم ببقائه فيه و عدم خروجه عنه سنين بحسب العادة يصير ذلك وطنا و مسكنا له، و كذا كل تابع بالنسبة إلى متبوعه.

(22) المناط تحقق الإعراض الفعلي بالغا كان المعرض أم لا، كما أنّ المناط في التبعية صدقها عرفا بالغا كان التابع أم لا، و من ذلك يظهر ما في التقييد بالبلوغ هنا و فيما يأتي منه رحمه اللّه إذ لا دليل على هذا القيد من عقل أو نقل.

(23) إن لم تصدق التبعية العرفية و إلا فلا يحتاج إلى قصده بنفسه مع الصدق العرفي.

(24) بلا ريب فيه و لا شبهة، و يدل عليه ظهور الإجماع، و السيرة.

ص: 238

مسألة 5: لا يشترط في الوطن إباحة المكان الذي فيه

(مسألة 5): لا يشترط في الوطن إباحة المكان الذي فيه، فلو غصب دارا في بلد و أراد السكنى فيها أبدا يكون وطنا له، و كذا إذا كان بقاؤه في بلد حراما عليه من جهة كونه قاصدا لارتكاب حرام أو كان منهيّا عنه من أحد والديه أو نحو ذلك (25).

مسألة 6: إذا تردد بعد العزم على التوطن أبدا

(مسألة 6): إذا تردد بعد العزم على التوطن أبدا، فإن كان قبل أن يصدق عليه التوطن عرفا بأن لم يبق في ذلك المكان بمقدار

______________________________

(25) لأنّ صدق الوطنية من الوضعيات غير المنوطة بالتكليف، بل و لا بالعمد و الاختيار أيضا كما تقدم.

فروع- (الأول): لا فرق في حكم الوطن بين البر، و البحر و الفضاء فمن توطن في سفينة بحرية أو غيرها يجري عليه حكم الوطن، لأنّ بيوتهم و وطنهم معهم.

(الثاني): إذا استخدم الشخص أحدا ظلما و عدوانا و كان الخادم بانيا على مفارقة المخدوم مهما أمكنه يكون الخادم تابعا للمخدوم في الوطنية ما لم يفارقه، لصدق التبعية العرفية حتّى مع هذا القصد.

(الثالث): لا تزول الوطنية بعروض الجنون و الإغماء، بل و السكتة الناقصة أيضا، للأصل.

(الرابع): لو كان الزوج في وطن و الزوجة في وطن آخر، فوطن الولد ما يكون فيه عرفا سواء كان وطن الوالد أم الوالدة أم هما معا أم غير ذلك.

(الخامس): الذين جرت عادتهم على الخروج في الصيف إلى محال خاصة- مع تهيؤ وسائل السكن و التعيش في تلك المحال بانين على ذلك مزاولين له- يصدق عليهم ذو الوطنين أو الأوطان، و يمكن أن يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الجهات كما لا يخفى.

(السادس): لو توطنت الزوجة بدون رضاء الزوج في محل، أو الولد مع نهي الوالدين، تتحقق الوطنية، لما مر من تحققها حتى مع الحرمة في المكان.

ص: 239

الصدق، فلا إشكال في زوال الحكم (26) و إن لم يتحقق الخروج و الإعراض، بل و كذا إن كان بعد الصدق في الوطن المستجد (27) و أما في الوطن الأصلي إذا تردد في البقاء فيه و عدمه، ففي زوال حكمه قبل الخروج و الإعراض إشكال لاحتمال صدق الوطنية ما لم يعزم على العدم (28)، فالأحوط الجمع بين الحكمين.

مسألة 7: ظاهر كلمات العلماء- رضوان اللّه عليهم- اعتبار قصد التوطن أبدا في صدق الوطن العرفيّ

(مسألة 7): ظاهر كلمات العلماء- رضوان اللّه عليهم- اعتبار قصد التوطن أبدا في صدق الوطن العرفيّ، فلا يكفي العزم على السكنى إلى مدّة مديدة، كثلاثين سنة أو أزيد، لكنّه مشكل (29)، فلا

______________________________

(26) بل لم يثبت حتى يزول، و لعل ذلك مراده (قدّس سرّه) أيضا لأنّ التوطن منوط بالصدق العرفي، و لا يكفي فيه مجرد القصد قطعا.

(27) يأتي ما يتعلق به قريبا.

(28) مقتضى الأصل بقاء حكم الوطنية ما لم يخرج عن المحل بلا فرق بين الأصلي و المستجد بعد تحقق صدق الوطنية عرفا و تقوّم التوطن بالقصد حدوثا.

و أما اعتباره بقاء فمما لا دليل عليه، بل مقتضى الإطلاقات بعد صدق الوطنية عدم اعتبار القصد بقاء، فيكون مثل الولاية، و الوصاية، و الوكالة و نحوها مما يكفي فيها القصد حدوثا و لا تزول إلا بتحقق العزل خارجا. نعم، في بعض أقسام المستجد يمكن الحكم بالزوال بحصول التردد كما إذا اتخذ محلا وطنا و أقام فيه أياما قليلة ثمَّ تردد و لكنه يمكن إرجاع ذلك إلى التشكيك في صدق الوطنية كما في القسم الأول، فالأقسام ثلاثة:

الأول: صدق الوطنية عرفا، فلا يزول الحكم إلا بالإعراض.

الثاني: عدم الصدق فالتردد يمنع عن الصدق و لو بعد ذلك.

الثالث: الشك في الصدق و عدمه و حكمه حكم القسم الثاني.

(29) لأنّه لا اعتبار بظاهر الكلمات ما لم يكن من الإجماع المعتبر. ثمَّ إنّه تارة: يتوطن الشخص في محل غير متوجه إلى التوقيت و التأبيد، بل يهيّئ أسباب التوطن مرتجيا ما يقتضيه التقدير و تقضيه مشيئة العليم الخبير.

ص: 240

يبعد الصدق العرفي بمثل ذلك، و الأحوط في مثله إجراء الحكمين بمراعاة الاحتياط.

الثاني: من قواطع السفر العزم على إقامة عشرة أيام
اشارة

(الثاني): من قواطع السفر العزم على إقامة عشرة أيام (30)

______________________________

و أخرى: يكون بقصد التأبيد و الدوام و لا ريب في صدق الوطن عليهما عرفا.

و ثالثة: يوقته بمدة معتنى بها عرفا- كثلاثة أعوام أو أكثر- و الظاهر ثبوت الصدق العرفي أيضا. نعم، لا ريب في الانصراف إلى الدوام، و لكنه من جهة الغالب و الغلبة، فلا يوجب اختصاص اللفظ به بل المتبع هو العرف و اللغة و الإطلاقات الشاملة للجميع.

و رابعة: يوقته بزمان يعلم بعدم الصدق أو يشك فيه و مقتضى الأصل عدم ترتب آثار الوطن عليه.

و خامسة: يتوطن في المحل إلى أن يموت و هي أيضا من قصد الدوام، و لو تصادف الموت بعد مدة قليلة.

و لباب الكلام: أنّ عدم صدق الوطن أو الشك فيه مانع عن جريان الحكم لا أن يكون قصد الدوام شرطا بعد صدق التوطن عرفا. و حينئذ يسهل الأمر على الطلبة الساكنين في النجف الأشرف لتحصيل العلم، فإنّهم ما دام استقرارهم فيها و عدم إعراضهم عنها يطلق أنّهم متوطنون و ساكنون في هذه البلدة المقدّسة و لا يكونون مسافرين، بل لا يطلق عليهم المسافر، و لا المقيم عشرة أيام، و لا المتردد ثلاثين يوما، و لا ممن لا مسكن له، و لا وطن له عرفا، بل يطلق عليهم أنّهم متوطنون في النجف الأشرف لتحصيل العلم مع التفاتهم، إلا أنّهم لا يتوقفون فيه إلا أعواما و يفرقون بينهم و بين مسافر يقيم في محل شهرا أو شهرين.

فإذا سافر الطلاب الساكنون في النجف الأشرف إلى كربلاء- مثلا- ثمَّ رجعوا يرون أنفسهم في مقرّهم و مسكنهم بعد الرجوع كسائر أهالي النجف، و يستنكرون من أنفسهم لزوم قصد الإقامة بعد المراجعة من السفر.

(30) للإجماع، بل الضرورة، و لنصوص مستفيضة، بل متواترة منها:

ص: 241

متواليات (31) في مكان واحد (32)، من بلد أو قرية أو مثل بيوت الأعراب

______________________________

قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة قال: «قلت له: أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا؟ و متى ينبغي له أن يتم؟ فقال عليه السّلام:

إذا دخلت أرضا و أيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة» (1) و ما يوهم الاكتفاء بالخمس ليس في مقام بيان الحكم الواقعي قطعا.

(31) على المشهور، لأنّه المتفاهم من الأدلة كما في نظائر المقام، و لا ينافي التوالي الخروج إلى ما دون المسافة، لما يأتي في [مسألة 8]، و الصورة السابعة من [مسألة 24].

(32) لانسباق الوحدة من الأدلة عرفا، و لكنّها قابلة للتشكيك- كوحدة العالم و الإقليم، و المملكة، و البلد، و المحلة و نحوها- و يمكن أن يراد بها في المقام الوحدة الاعتبارية في المحل و ما يتعلق به بحيث تكون عادة أهله الذهاب إليه للأشغال المتعارفة، أو للسياحة، أو الاستراحة ثمَّ الرجوع و لو في الليل، فإنّ ما يتعلق بمحل الإقامة بحسب المتعارف يتحد معه عرفا و تكون لها وحدة اعتبارية، فالمراد وحدة المحل باعتبار ما يتردد منه إلى أطرافه و منها إليه عرفا، فيشمل الخارج عن حدّ الترخص أيضا إن تعارف التردد منه و إليه و بالعكس، كما يمكن أن يراد بالوحدة في مقابل المسافرة، فالمراد وحدة المحل، أي: باعتبار ما دون المسافة الشرعية، و إن شئت فعبّر عنها بالوحدة الغرضية، لأنّ للمقيمين أغراض في محال إقامتهم، فكل ما جمعه غرض واحد عرفي يكون واحدا و يصح التعبير عنها بالوحدة الترددية و الاختلاف أي: كل ما جرت عادة أهل المحل بالتردد و الاختلاف إليه و لم يرد من الشرع تحديد له، فما لم يسافر و لم يحدث سفرا بحيث تبطل الإقامة تكون الوحدة محفوظة، و حكى ذلك عن فخر المحققين، و الأستاذ الأكبر في مصابيحه، و المحدّث الكاشاني، و نسب إلى العلامة أيضا في أجوبة بعض مسائله، و هو احتمال حسن ثبوتا، و المتيقن مما

ص: 242


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.

.....

______________________________

يبطل به قصد الإقامة إجماعا، و مع صدق الإقامة عرفا كذلك تشمله إطلاقات الأدلة أيضا.

نعم، مع الشك فيه لا وجه للتمسك بها، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و لكن إن شك في الصدق فيه فلا يشك في القسم السابق عليه، فإنّ صدق الإقامة في مثله شائع عرفا، فتشمله الإطلاقات لا محالة، و ذكر البلد و المكان في الروايات- المتقدمة- يكون من باب المثال، و فيها ما يمكن استفادة توسعة محل الإقامة مثل صحيح ابن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون له الضياع بعضها قريب من بعض يخرج فيقيم فيها أ يتم أم يقصر؟ قال عليه السّلام: يتم» (1)، فإنّ للقرب مراتب متفاوتة يشمل مقدار الفرسخ أيضا، و ظاهره قصد الإقامة في جميع الضياع المتقاربة، و لا ريب في صدق أنّ الكوفة قريبة من النجف، و الكاظمين قريبة من بغداد، و كذا نحوهما من المحال المتقاربة.

إن قلت: قد ادعي الإجماع على اعتبار وحدة محل الإقامة، و صحيح ابن الحجاج يحتمل أن يكون مثل سائر الأخبار التي تدل على الإتمام في مطلق الضيعة مما تقدم بعضها (2)، مع أنّه في رواية الشيخ و الصدوق: «يطوف» بدل «يقيم» (3)، فتكون قرينة على أنّها مما يدل على الإتمام في مطلق الضيعة، فلا ربط له بمحل الإقامة.

قلت: أما دعوى الإجماع. ففيه- أولا: أنّ الظاهر كون الإجماع من الإجماعات الاجتهادية في الأدلة لا التعبدية المحضة.

و ثانيا: المتيقن منه ما إذا لم يتعارف التردد من أحد المحلّين إلى الآخر و لم يعد من المتقاربين عرفا.

و أما صحيح ابن الحجاج فلا ريب في كون نسخة الكافي أضبط و قد ضبط فيه بلفظ «يقيم»، و احتمال كونه مما يدل على الإتمام في مطلق الضيعة خلاف الظاهر، مع أنّه يمكن استفادة التوسعة من قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح

ص: 243


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 12 و تقدم بعض الروايات في صفحة: 233.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 12 و تقدم بعض الروايات في صفحة: 233.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة المسافر حديث: 12 و تقدم بعض الروايات في صفحة: 233.

أو فلاة من الأرض أو العلم بذلك (33)، و إن كان لا عن اختيار (34) و لا يكفي الظن بالبقاء فضلا عن الشك (35).

______________________________

زرارة: «إذا دخلت أرضا و أيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة» (1) إذ لا ريب في شموله للمحال المتقاربة عرفا، و قوله عليه السّلام أيضا في صحيح زرارة: «من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة» (2)، فإنّ إطلاق المنزلة يشمل ما إذا خرج إلى ما دون المسافة و بات فيه أيضا، مع أنّ الحجاج غالبا يخرجون للعمرة المفردة إلى خارج الحرم و لا ريب في شمول الإطلاق له أيضا.

إن قلت: عمدة الدليل على اعتبار الوحدة الإجماع و الانسباق العرفي، و المتيقن منهما دون حدّ الترخص، و عدم الخروج عنه.

قلت: أما الإجماع فقد تقدم الكلام فيه. و أما الانسباق العرفي، فلا نسلّم اختصاصه بما دون حدّ الترخص، بل الظاهر إن لم يكن المقطوع به الأعمّ منه، و مما جرت عادة أهل المحل للتردد إليه، فلباب معنى الإقامة، الإقامة في محل بنحو كان أهله يقيمون فيه، فيجري على المقيم بعد الإقامة حكم الأهل إلا إذا دل دليل على الخلاف، و يأتي بعض ما ينفع المقام.

(33) لما تقدم من قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام. فأتم الصلاة» (3) فيكون القصد و العزم طريق إلى إحراز البقاء و العلم به.

(34) لإطلاق الدليل الشامل للقهريّ و الاختياريّ.

(35) لتضمن الأدلة لفظ النية، و اليقين، و العزم، و الإرادة، و قوله عليه السّلام: «و إذا أجمع على مقام عشرة أيام صام و أتم الصلاة» (4) و لا ريب في عدم صدقها على الظن و الشك، بل مقتضى قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في

ص: 244


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

و الليالي المتوسطة داخلة بخلاف الليلة الأولى و الأخيرة (36)، فيكفي عشرة أيام و تسع ليالي و يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر على الأصح (37)، فلو نوى المقام عند الزوال من اليوم الأول إلى الزوال من اليوم الحادي عشر كفى و يجب عليه الإتمام، و إن كان الأحوط الجمع (38). و يشترط وحدة محل الإقامة فلو قصد الإقامة في أمكنة متعدّدة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر، كأن عزم على الإقامة في النجف و الكوفة أو في الكاظمين و بغداد (39)، أو عزم على الإقامة في

______________________________

صحيح ابن مسلم: «فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر، فليعد ثلاثين يوما ثمَّ ليتم- الحديث-» (1) وجوب القصر مضافا إلى عمومات التقصير على المسافر و إطلاقاته.

(36) أما دخول الليالي المتوسطة، فلانسباق الاستمرار و تبادره من الأدلة، و في المستند: أنّه اتفاقي. و أما خروج الليلة الأولى و الأخيرة، فلتعليق الحكم على الأيام و الليل خارج عنها عرفا و لغة، و دخول الليالي المتوسطة إنّما هو لأجل انسباق الاستمرار- لا لدخول الليل في مفهوم اليوم- كما في سائر الموارد التي يعتبر فيها الاستمرار.

(37) نسب ذلك إلى المشهور، لأنّ المتفاهم عرفا من الأدلة هذا المقدار من الساعات النهارية تمت الأيام أو انكسرت، و عن المدارك عدم الكفاية جمودا على ظاهر الأدلة و رده شيخنا الأنصاري «بأنّه تصديق للحقيقة و تكذيب للعرف، و قد ثبت في محله أنّ العرف مقدّم على الحقيقة، لأنّ مدار الإفادة و الاستفادة على الظواهر العرفية و لو كانت لأجل القرائن داخلية أو خارجية.

(38) جمودا على الحقيقة و خروجا عن خلاف من خالف.

(39) أما الدليل على اعتبار وحدة محل الإقامة، فقد تقدم، و خلاصته:

ص: 245


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 12.

رستاق من قرية إلى قرية من غير عزم على الإقامة في واحدة منها عشرة أيّام، و لا يضرّ بوحدة المحل فصل مثل الشط بعد كون المجموع بلدا واحدا، كجانبي الحلة و بغداد و نحوهما (40). و لو كان البلد خارجا عن المتعارف في الكبر فاللازم قصد الإقامة في المحلة منه (41) إذا كانت

______________________________

أنّ المراد بها الوحدة العرفية بحسب مقاصدهم و أغراضهم النوعية و ترددهم و اختلافهم في حوائجهم. و أما عدم صحة قصد الإقامة في مثل الكاظمين و بغداد، فإن كان المراد قصد الإقامة في الكاظمية و التردد إلى بغداد كما يتردد أهالي الكاظمين إليه أو العكس، فيأتي حكمه في المسألة اللاحقة، و إن كان المراد قصد الإقامة في محلتين مختلفتين عرفا، فهو خلاف ظاهر الإجماع، و خلاف المتفاهم من الأخبار، و مع الشك في استفادته فالمرجع استصحاب القصر، بل الظاهر كونه خلاف الإقامة الواحدة المتعارفة بين الناس.

و بالجملة هنا أقسام:

الأول: الإقامة في محل واحد و الذهاب إلى خارجه مرة أو غير مرة.

الثاني: توسعة محل الإقامة مع مراعاة الوحدة الاعتبارية كقصد الإقامة في المحال المتسعة ما لم يخرج عن المتعارف.

الثالث: قصد إقامة واحدة في محلين مختلفين عرفا.

الرابع: قصد الإقامة في محل واحد خارج عن المتعارف- كالإقامة في بلد تكون مساحته أربع فراسخ مثلا. و يجوز الأولان كما مر بخلاف الأخيرين، و لا ملازمة بين جواز الإقامة في الأولين و جوازها في الأخيرين، فلا بد فيهما من تعيين محل واحد عرفيّ و قصد الإقامة فيه.

الخامس: الشك في أنّ مورد الإقامة من أيّ الأقسام، و مقتضى الأصل، و الإطلاق عدم تحققها إلا إذا أحرز أنّه من أحد الأولين.

(40) لأنّ المفروض صدق الوحدة بالنسبة إلى محل الإقامة.

(41) و لكن لا يضرّ بقصد الإقامة فيها التردد منها إلى سائر المحال التي تعارف التردد بينها كما يأتي.

ص: 246

المحلات منفصلة بخلاف ما إذا كانت متصلة، إلا إذا كان كبيرا جدّا بحيث لا يصدق وحدة المحل و كان كنية الإقامة في رستاق مشتمل على القرى مثل قسطنطينية و نحوها.

مسألة 8: لا يعتبر في نية الإقامة قصد عدم الخروج من خطة سور البلد على الأصح

(مسألة 8): لا يعتبر في نية الإقامة قصد عدم الخروج من خطة سور البلد على الأصح (42)، بل لو قصد حال نيتها الخروج إلى بعض بساتينها و مزارعها و نحوها من حدودها مما لا ينافي صدق اسم الإقامة في البلد عرفا جرى عليه حكم المقيم حتى إذا كان من نيته الخروج عن حدّ الترخص، بل إلى ما دون الأربعة إذا كان قاصدا للعود عن قريب بحيث لا يخرج عن صدق الإقامة في ذلك المكان عرفا، كما إذا كان من نيته الخروج نهارا و الرجوع قبل الليل (43).

______________________________

(42) للإطلاق، و الأصل، و العرف.

(43) لأنّ العزم على الإقامة و قصدها و العلم بها من المبينات العرفية و هذه كلها غير تحقق الإقامة خارجا، و الإتمام معلق على هذه العناوين لا على تحقق إقامة عشرة أيام في الخارج كما يأتي في [مسألة 19].

و قصد إقامة عشرة أيام تارة: يكون بنحو الدقة العقلية و هو مقطوع بخلافه، لأنّ الشرعيات غير مبنية عليها.

و أخرى: بنحو الموضوعات العرفية القابلة للمسامحة على ما هو الشائع المتعارف فيها و الأدلة منزلة عليها، فلو ورد المسافر إلى النجف الأشرف و قصد إقامة عشرة أيام فيها و كان بناؤه حين القصد الذهاب إلى الكوفة و البقاء هناك يوما، فإذا رجع إلى أهله و وطنه يصح له أن يقول قصدت الإقامة في النجف عشرة أيام، فكيف بما إذا كان الذهاب إلى الكوفة و البقاء هناك بقدر نصف يوم- مثلا- و هذا المقدار من الصدق يكفي في شمول الأدلة له.

إن قيل: فعلى هذا يكون لنفس قصد الإقامة موضوعية خاصة لا أن يكون طريقا إلى ما يقع منها في الخارج.

ص: 247

.....

______________________________

يقال: قصدها طريق إلى الخارج بنحو المسامحة العرفية و بما يحكم الشارع بالصحة لا بنحو الدقة العقلية.

نعم، لو كان بحيث يشك في الصدق العرفي لا يصح التمسك بالعمومات و الإطلاقات، لكونه حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. هذا مضافا إلى ما تقدم من أنّ الذهاب إلى محال جرت عادة أهل المحل التردد إليها لا يضرّ بقصد الإقامة و صدقها ما لم يبلغ المسافة الشرعية.

إن قلت: كيف يصدق عزم الإقامة عشرة أيام مع البناء على أن يذهب يوما- مثلا- إلى غير محل الإقامة.

قلت: الصدق مبنيّ على المسامحة، و على أنّ الخروج إلى ما دون المسافة لا ينافي الإقامة العرفية، فتارة: يكون قصد الخروج بنحو لا ينافي قصد الإقامة عرفا- كما إذا قصد الإقامة في النجف و خرج بمقدار أربع عشرة ساعة إلى مسجد الكوفة و السهلة.

و أخرى: يكون بقدر يشك في الصدق و عدمه كالعشرين ساعة مثلا.

و ثالثة: يكون بقدر يضرّ بالصدق عرفا، كيوم و ليلة مثلا و الأول يصح بخلاف الأخيرين.

ثمَّ إنّه لا تلازم بين هذه المسألة أي: جواز قصد الخروج عن محل نية الإقامة في ابتداء النية و عدم جوازه و بين ما يأتي في [مسألة 22] في ذيل القسم السابع من جواز الخروج بعد تحقق نية الإقامة و العود بعد يوم أو أيام، لأنّ الكلام في المقام في أصل حدوث قصد الإقامة و وجوب التمام، فيبحث عن أنّ مثل هذا البناء ينافي حدوث أصل قصد الإقامة أولا، و مقتضى الأصل، و إطلاق أدلة التقصير على المسافر وجوب القصر عليه، و فيما يأتي يبحث عن أنه بعد ثبوت التمام على المقيم بإتيان رباعية تامة لا يزول هذا الحكم إلا بإحداث المسافرة سواء خرج عن محل الإقامة أم لا، و سواء بقي في الخارج يوما أو أياما أم لا، و مقتضى الأصل و الإطلاق وجوب التمام عليه مطلقا ما لم يحدث سفرا.

فروع- (الأول): لو قصد الإقامة في النجف و بنى على أن يخرج في كل

ص: 248

مسألة 9: إذا كان محل الإقامة بريّة قفراء لا يجب التضييق في دائرة المقام

(مسألة 9): إذا كان محل الإقامة بريّة قفراء لا يجب التضييق في دائرة المقام، كما لا يجوز التوسيع كثيرا (44) بحيث يخرج عن صدق وحدة المحل، فالمدار على صدق الوحدة عرفا و بعد ذلك لا ينافي الخروج عن ذلك المحل إلى أطرافه بقصد العود إليه و إن كان إلى الخارج عن حدّ الترخص، بل إلى ما دون الأربعة، كما ذكرنا في البلد فجواز نيّة الخروج إلى ما دون الأربعة لا يوجب جواز توسيع محل

______________________________

يوم بمقدار ثلاث ساعات أو أكثر إلى مسجد الكوفة، فالظاهر عدم منع ذلك عن قصد إقامة العشرة، كما لو قصد الإقامة في النجف و بنى على أن يذهب إلى مسجد الكوفة لإتيان فرائضه اليومية في كل وقت فريضة بقدر ساعة أو أكثر، فإنّه لا ينافي ذلك مع قصد الإقامة.

(الثاني): لو قصد الإقامة في النجف- مثلا- و بنى على أن يبيت كل ليلة في مسجد الكوفة، فظاهرهم المنافاة لقصد الإقامة، و يمكن الإشكال عليه بصدق عنوان نية الإقامة في محل واحد عرفا، فتشمله الأدلة قهرا.

(الثالث): لو تحقق قصد الإقامة عرفا ثمَّ ذهب إلى خارج محل الإقامة بمقدار شككنا في أنّه يضرّ بالإقامة أم لا، فمقتضى الأصل بقاء قصد الإقامة.

(44) أما عدم وجوب التضييق، فللأصل، و الإطلاق. و أما عدم جواز التوسيع كثيرا، فالظاهر أنّه يدور مدار الأغراض العقلائية الصحيحة، فمن سافر من محله للبيع و الشراء مع عشائر متفرقين في مساحة ثلاثة فراسخ- مثلا- بحيث تكون التجارة مع هذه العشائر مورد غرضه و قصد الإقامة في ثلاثة فراسخ لهذا الغرض، يصدق أنّه أقام في محل واحد في فرسخ- مثلا- بحيث يكون نفس هذا الحدّ محل إقامته في عشرة أيام أو أكثر، لأنّ لمحل الإقامة حينئذ وحدة عرفية مع تحقق قصد إقامة عشرة أيام فلا مانع من شمول الأدلة له أيضا، فيكون مثل ما إذا قصد الإقامة في بلد وسيع و لا فرق بينهما من حيث الوحدة، و إنّما الفرق من جهة التوسعة و عدمها، و لا ينافي ذلك صدق الوحدة، لأنّ لها مراتب كثيرة جدا

ص: 249

الإقامة كثيرا (45) فلا يجوز جعل محلها مجموع ما دون الأربعة، بل يؤخذ على المتعارف و إن كان يجوز التردد إلى ما دون الأربعة على وجه لا يضرّ بصدق الإقامة فيه.

مسألة 10: إذا علق الإقامة على أمر مشكوك الحصول لا يكفي

(مسألة 10): إذا علق الإقامة على أمر مشكوك الحصول لا يكفي (46)، بل و كذا لو كان مظنون الحصول فإنّه ينافي العزم على البقاء المعتبر فيها. نعم، لو كان عازما على البقاء لكن احتمل حدوث المانع لا يضر (47).

مسألة 11: المجبور على الإقامة عشرا

(مسألة 11): المجبور على الإقامة عشرا، و المكره عليها يجب عليه التمام (48) و إن كان من نيته الخروج على فرض رفع الجبر و الإكراه، لكن بشرط أن يكون عالما بعدم ارتفاعها و بقائه عشرة أيّام كذلك (49).

مسألة 12: لا تصح نية الإقامة في بيوت الأعراب

(مسألة 12): لا تصح نية الإقامة في بيوت الأعراب و نحوهم ما لم يطمئنّ بعدم الرحيل عشرة أيّام (50) إلا إذا عزم على المكث بعد

______________________________

(45) إن لم يكن لنفس التوسيع من حيث هو غرض صحيح. و أما إن كان مورد الغرض الذي يقدم عليه متعارف الناس موسعا بلا مانع منه، كما إذا أقام في ثلاثة فراسخ لأجل التفحص عن خصوصيات الأرض و ما يتعلق بها من الجهات.

(46) لعدم تحقق العلم بالإقامة و لا العزم عليها حينئذ.

(47) لأنّ احتمال تحقق المانع لا يمنع عن العزم على شي ء و القصد إليه لتحقق هذا الاحتمال في غالب العزائم و المقاصد المتعارفة بين الناس.

(48) إن تحقق العلم العادي بالبقاء عشرة أيام كما يأتي منه رحمه اللّه.

(49) لتحقق اليقين بالبقاء عشرة أيام الذي هو أيضا موجب للتمام- كما تقدم.

(50) لعدم حصول اليقين و لا العزم بدون الاطمئنان كذلك.

ص: 250

رحلتهم إلى تمام العشرة (51).

مسألة 13: الزوجة و العبد إذا قصدا المقام بمقدار ما قصده الزوج و السيد

(مسألة 13): الزوجة و العبد إذا قصدا المقام بمقدار ما قصده الزوج و السيد و المفروض أنّهما قصدا العشرة- لا يبعد كفايته (52) في تحقق الإقامة بالنسبة إليهما، و إن لم يعلما حين القصد أنّ مقصد الزوج و السيد هو العشرة (53). نعم، قبل العلم بذلك عليهما التقصير (54).

______________________________

(51) لتحقق العلم بالبقاء عشرة أيام، فيجب عليه التمام.

(52) إن حصل منهما قصد الإقامة عشرة أيام بحيث ينافي التردد فيها بحسب المتعارف يكفي ذلك، لإطلاق الأدلة الشامل للقصد الإجمالي التبعي أيضا.

إن قلت: مع حصول قصد الإقامة لا ريب في الاكتفاء به و ليس ذلك من القصد الإجمالي في شي ء.

قلت: يمكن أن يكون الإجمال في الجهات الخارجية عن أصل القصد في الجملة، و الاكتفاء بهذا القسم من القصد موضع وفاق. و أما إن كان من مجرّد التردد بحيث يكون مصداق ما ورد في الروايات كقول أبي جعفر عليه السّلام:

«و إن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصّر- الحديث-» (1) فلا ريب في عدم الاكتفاء به و يتحتم القصر إلى ثلاثين يوما كما يأتي، لأنّ غالب المترددين في محل قاصدون البقاء مقدارا من المدّة في الجملة يمكن انطباقها على عشرة و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فمن قال بالاكتفاء أراد الأول، و من قال بعدمه أراد الآخر، فيكون النزاع بينهم لفظيا، فلا وجه للتطويل حينئذ.

(53) لأنّ قصد ما قصده المتبوع قصد العشرة إجمالا بعد فرض أنّ المتبوع قصد العشرة و المفروض كفاية القصد الإجمالي في الإقامة.

(54) للأصل و الإطلاق بعد عدم تحقق العلم بالعشرة و لا قصدها هذا

ص: 251


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.

و يجب عليهما التمام (55) بعد الاطلاع و إن لم يبق إلا يومين أو ثلاثة، فالظاهر وجوب الإعادة أو القضاء عليهما بالنسبة إلى ما مضى مما صليا قصرا (56) و كذا الحال إذا قصد المقام بمقدار ما قصده رفقاؤه و كان مقصدهم العشرة فالقصد الإجمالي كاف (57) في تحقق الإقامة لكن الأحوط الجمع في الصورتين (58) بل لا يترك الاحتياط (59).

مسألة 14: إذا قصد المقام إلى آخر الشهر مثلا و كان عشرة كفى

(مسألة 14): إذا قصد المقام إلى آخر الشهر مثلا و كان عشرة كفى و إن لم يكن عالما به حين القصد، بل و إن كان عالما

______________________________

بحسب الحكم الظاهري، و لكن لو صلّى تماما- غفلة، أو جهلا، أو عمدا- و حصل منه قصد القربة تصح و لا قضاء عليه، لفرض أنّ تكليفه الواقعي في علم اللّه تعالى هو التمام.

(55) هذه ثمرة الاكتفاء بالقصد الإجمالي، فمن قال به أوجب التمام بالنسبة إلى ما بقي و إن لم يبق إلا يوما واحدا، و قضاء ما صلاه قصرا بالتمام.

و من قال بعدمه قال بوجوب القصر مطلقا إلا مع قصد الإقامة، و لو كان قد صلّى تماما وجب عليه القضاء قصرا.

(56) لقاعدة الاشتغال، و إطلاق أدلة وجوب التمام بعد تحقق موضوعه واقعا و إن لم يعلم به ظاهرا.

(57) خلاصة ما أطالوا القول فيه: أنّ قصد العشرة الواقعية و لو بنحو الإجمال و الإشارة كاف، أو يعتبر قصد عنوان العشرة بنحو الموضوعية و الالتفات التفصيلي، و مقتضى الإطلاق، و أصالة عدم اعتبار قيد الموضوعية، و كون العناوين طرقا مطلقا إلى الواقع هو الأول.

(58) لاحتمال اعتبار العشرة من الموضوعية، و خروجا عن خلاف من اعتبرها كذلك.

(59) لاحتمال اعتبار الالتفات التفصيلي في الإقامة. و مما ذكرنا ظهر أنّه لا دليل على وجوب هذا الاحتياط.

ص: 252

بالخلاف (60)، لكن الأحوط في هذه المسألة أيضا الجمع بين القصر و التمام بعد العلم بالحال، لاحتمال اعتبار العلم حين القصد.

مسألة 15: إذا عزم على إقامة العشرة ثمَّ عدل عن قصده

(مسألة 15): إذا عزم على إقامة العشرة ثمَّ عدل عن قصده،

______________________________

(60) هذه المسألة أيضا من فروع كفاية القصد الإجمالي، فإن كان هذا النحو من القصد- بحيث ينافي التردد- يكفي و إلا فلا وجه للاكتفاء كما مرّ في المسألة السابقة.

إن قلت: تقدم في [مسألة 20] من (فصل صلاة المسافر) أنّه إذا اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شك في ذلك و في الأثناء علم أنّه قاصد لها، فالظاهر وجوب القصر عليه و إن لم يكن الباقي مسافة، فليكن المقام أيضا كذلك.

قلت: ما تقدم في [مسألة 20] مطابق للقاعدة، لأنّه من باب الخطإ في التطبيق إذ التابع قصد ما قصده المتبوع و يكون زعم التابع خطأ محضا لا أن يكون قصده مقيّدا بزعمه في الواقع. و حينئذ فمقتضى المتابعة حصول قصد المسافة من التابع أيضا، لأنّ المتبوع قصدها، و التابع قصد ما قصده المتبوع واقعا، فيكون زعمه باطلا. نعم، لو كان بنحو التقييد المحض لا وجه للاكتفاء به حينئذ و قد تقدم بعض الكلام.

(فرع): لو دخل يوم الحادي و العشرين من شهر رمضان إلى محل و قصد الإقامة فيه، و لكن بنى على أنّه إن تحقق الشك في يوم العيد أن يسافر لا يضرّ ذلك بقصد الإقامة، لما تقدم في [مسألة 10]، فيصح قصده و يتم صلاته و صومه، فلا وجه للإشكال- بأنّه لا يتحقق منه القصد فلا يجب عليه الصوم، و مع فرض عدم وجوب الصوم يعلم أنّه لا يسافر و يعلم ببقاء عشرة أيام فيجب عليه الصوم حينئذ، فيلزم من فرض وجود الموضوع عدمه و هو خلف باطل- لأنّ هذا الإشكال مبنيّ على عدم إمكان تحقق قصد الإقامة منه و هو مردود بأنّ احتمال تحقق هذا النحو من الحوادث لا يضر بقصد الإقامة كما في جميع المقاصد و العزائم العرفية.

ص: 253

فإن كان صلّى مع العزم المذكور رباعية بتمام بقي على التمام ما دام في ذلك المكان (61)، و إن لم يصلّ أصلا أو صلّى مثل الصبح و المغرب، أو شرع في الرباعية لكن لم يتمها و إن دخل في ركوع الركعة الثالثة رجع إلى القصر (62) و كذا لو أتى بغير الفريضة الرباعية مما لا يجوز فعله

______________________________

(61) للأصل و الإجماع، و إطلاقات أدلة قصد الإقامة الظاهرة في كفاية حدوثه فقط، كما يأتي في المسألة التاسعة عشرة، و لصحيح أبي ولاد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت نويت- حين دخلت المدينة- أن أقيم بها عشرة أيام و أتم الصلاة، ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها، فما ترى لي أتم أم أقصر؟ قال عليه السّلام: إن كنت دخلت المدينة و حين صلّيت بها صلاة واحدة فريضة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار، إن شئت فانو المقام عشرا و أتم و إن لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك و بين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة» (1).

و ربما يعارضه خبر الجعفري: «لما أن نفرت من مني نويت المقام بمكة، فأتممت الصلاة، ثمَّ جاءني خبر من المنزل فلم أجد بدا من المصير إلى المنزل، و لم أدر أتم أم أقصر، و أبو الحسن عليه السّلام يومئذ بمكة، فأتيته و قصصت عليه القصة، فقال عليه السّلام: «ارجع إلى التقصير» (2). و لكنّه موهون بقصور السند، و إعراض الأصحاب، فلا يصلح لمعارضة الصحيح.

(62) أما الأول فلزوال قصد الإقامة فيزول الحكم قهرا. و أما الثاني فلأنّ المتفاهم عرفا من قوله عليه السّلام: «فريضة بتمام ..» ما تتصف بالتمام و القصر، لا مثل الصبح و المغرب التي لا يختلف حكمها من حيث قصد الإقامة و عدمه.

ص: 254


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

للمسافر- كالنوافل و الصوم و نحوهما (63)- فإنّه يرجع إلى القصر مع العدول (64). نعم، الأولى مع الصوم، إذا كان العدول عن قصده بعد الزوال (65) و كذا لو كان العدول في أثناء الرباعية بعد الدخول في ركوع

______________________________

و أما الأخير فالأقوال في قوله عليه السّلام: «صلاة واحدة فريضة بتمام» أربعة: الاكتفاء بالشروع في الرباعية بنية التمام، نسب ذلك إلى المبسوط، لأنّ «الصلاة على ما افتتحت». و للاستصحاب. و الاكتفاء بالدخول في ركوع الثالثة، نسب ذلك إلى التذكرة، لأنّه يلزم من الرجوع إلى القصر إبطال العمل و هو منهيّ عنه. و الاكتفاء بالقيام إلى الركعة الثالثة و إن لم يركع، لأنّ الرجوع إلى القصر حينئذ يستلزم وقوع الزيادة العمدية في الصلاة. و الإتيان بالرباعية تماما، و هو الظاهر من النص، و تعيين البقية يحتاج إلى قرينة، و هي مفقودة. مع بطلانها في نفسها، إذ لا وجه للاستصحاب في مقابل ظاهر الدليل، كما لا يخفى، و شمول دليل إبطال العمل لمثل الفرض ممنوع، كما أنّ صدق الزيادة العمدية فيما رجع إلى القصر لا وجه له، لصيرورة الزيادة لغوا محضا بعد الرجوع إلى القصر لا أن تقع في صلاة القصر.

(63) كصلاة الجمعة.

(64) لأنّ ظاهر النص أنّ البقاء على التمام بعد العدول عن قصد الإقامة منوط بوقوع صلاة تامة صحيحة أدائية، و حملها على كون الصلاة من باب المثال لمطلق ما لا يجوز للمسافر إتيانه، خلاف الظاهر. و أما قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن وهب: «هما واحد إذا قصرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت» (1). فليس في مقام بيان حكم ما نحن فيه، فلا وجه للتمسك بإطلاقه، لكون الصوم أيضا مثل الصلاة من هذه الجهة.

(65) خروجا عن مخالفة جمع، منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد.

لقولهم بإلحاق الصوم بالصلاة إن كان الرجوع عن نية الإقامة بعد الزوال.

ص: 255


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 17.

الركعة الثالثة، بل بعد القيام إليه و إن لم يركع بعد (66).

مسألة 16: إذا صلّى المقيم رباعية بتمام بعد العزم على الإقامة

(مسألة 16): إذا صلّى المقيم رباعية بتمام بعد العزم على الإقامة لكن مع الغفلة عن إقامته ثمَّ عدل، فالظاهر كفايته في البقاء على التمام. و كذا لو صلاها تماما لشرف البقعة (67)، كمواطن التخيير، و لو

______________________________

بدعوى: أنّ عدم جواز الإفطار حينئذ يكون مثلما إذا رجع عن نيته بعد الغروب.

(و فيه): أنّ صحة الصوم أعم من إجراء حكم المقيم عليه، و يأتي في المسألة الحادية و العشرين بعض الكلام.

و حكي عن جمع آخر منهم العلامة رحمه اللّه في جملة من كتبه إلحاق الصوم الواجب بالصلاة بمجرد الشروع فيه، لتحقق النية صحيحة، فتؤثر أثرها.

و عن آخرين إلحاقه بها إن كان العدول عن نية الإقامة بعد الغروب لصحة الصوم.

و الكل غير ظاهر الوجه، كما لا يخفى، لأنّ الصحة أعمّ من ترتيب أثر الإقامة.

فالأقوى عدم الإلحاق مطلقا، لإطلاق أدلة القصر شرعا، و سقوط قصد الإقامة بالتردد، أو العزم على العدم وجدانا إلا مع النص على الخلاف.

(66) خروجا عن مخالفة ما نسب إلى العلامة رحمه اللّه فيما إذا دخل في ركوع الركعة الثالثة، و عن مخالفة غيره حيث اكتفى بالقيام للثالثة. مع أنّ الكل خلاف ظاهر صحيح أبي ولاد، و إطلاق أدلة التقصير، كما تقدم.

(67) جمودا على إطلاق ما تقدم من صحيح أبي ولاد، و لكن احتمال أن يكون إتيان الفريضة التامة مستندا إلى خصوص الإقامة، و لا يحصل ذلك إلا مع الالتفات إليها في الجملة قريب جدا، لإطلاق أدلة كفاية قصد إقامة العشرة في الإتمام، و ما مرّ من التفصيل إنّما هو فيما إذا كان قصد العدول في الأثناء لا بعد تمام العشرة.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ كلمة (و لو) في قوله (قدّس سرّه): «و لو مع الغفلة» من سهو القلم، لأنّه مع الالتفات إلى الإقامة في الأماكن الأربعة يتعيّن عليه التمام، و لا موضوع للتخيير حينئذ.

ص: 256

مع الغفلة عن الإقامة. و إن كان الأحوط الجمع بعد العدول حينئذ و كذا في الصورة الأولى (68).

مسألة 17: لا يشترط في تحقق الإقامة كونه مكلفا بالصلاة

(مسألة 17): لا يشترط في تحقق الإقامة كونه مكلفا بالصلاة، فلو نوى الإقامة و هو غير بالغ، ثمَّ بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقية الأيام. و إذا أراد التطوع بالصلاة قبل البلوغ يصلّي تماما. و كذا إذا نواها و هو مجنون، إذا كان ممن يتحقق منه القصد، أو

______________________________

(68) لاحتمال عدم شمول الصحيح للصورتين.

فروع- (الأول): لو تمت العشرة يبقى على التمام مطلقا، عدل أم لا، صلى فريضة بتمام أم لم يصلّ، لإطلاق أدلة كفاية قصد إقامة العشرة في الإتمام. و ما مر من التفصيل إنّما هو فيما إذا كان قصد العدول في الأثناء لا بعد تمام العشرة.

(الثاني): لو نوى الإقامة و دخل في الصلاة بنية التمام و عدل عنها بعد القيام للركعة الثالثة و قبل الدخول في ركوعها، تصح الصلاة و يصح الاكتفاء بها للإتمام ما دام في محل الإقامة، بناء على ما نسب إلى بعض. أما بناء على ما قلناه، فالصحة مبنية على أنّ الزيادة العمدية المبطلة تنطبق على مثل هذا القيام أم لا.

و الجزم بالبطلان مشكل. و حينئذ يجلس و يتمها قصرا و لا شي ء عليه، و الأحوط الإعادة. و يأتي في المسألة السادسة و العشرين ما يتعلق بالمقام.

(الثالث): لو قصد الإقامة و اعتقد صحته، فصلّى فريضة بتمام ثمَّ بان عدم صحة قصد إقامته وجب عليه إعادة ما صلاه قصرا و التقصير في بقية صلواته إلا إذا نوى إقامة مستأنفة، لأنّ الظاهر من الصحيحة إنّما هو فيما إذا لم يكن أصل قصد الإقامة باطلا.

(الرابع): قد تقدم في المسألة الخامسة عدم اشتراط إباحة المكان في الوطن، و الظاهر أنّ محل قصد الإقامة أيضا كذلك للأصل، و لظهور الإطلاق، و الاتفاق.

ص: 257

نواها حال الإفاقة، ثمَّ جنّ، ثمَّ أفاق. و كذا إذا كانت حائضا حين النية، فإنّها تصلّي ما بقي بعد الطهر من العشرة تماما، بل إذا كانت حائضا تمام العشرة يجب عليها التمام، ما لم تنشئ سفرا (69).

مسألة 18: إذا فاتته الرباعية بعد العزم على الإقامة ثمَّ عدل عنها بعد الوقت

(مسألة 18): إذا فاتته الرباعية بعد العزم على الإقامة ثمَّ عدل عنها بعد الوقت، فإن كانت مما يجب قضاؤها و أتى بالقضاء تماما ثمَّ عدل، فالظاهر كفايته في البقاء على التمام (70). و أما إن عدل قبل إتيان قضائها أيضا، فالظاهر العود إلى القصر (71)، و عدم كفاية استقرار القضاء عليه تماما، و إن كان الأحوط الجمع حينئذ، ما دام لم يخرج (72). و إن كانت مما لا يجب قضاؤه، كما إذا فاتت لأجل الحيض أو النفاس، ثمَّ عدلت عن النية قبل إتيان صلاة تامة، رجعت إلى القصر فلا يكفي مضيّ وقت الصلاة في البقاء على التمام.

______________________________

(69) كل ذلك لإطلاق أدلة الإقامة الشامل لجميع ذلك كله من غير ما يصلح للتقييد فيها. نعم، لا بد و أن يكون الصبيّ و المجنون بحيث يصح أن يحصل منهما القصد إلى الإقامة و إلا فلا أثر له عقلا و نقلا. و يكفي علمهما بها و إن لم يتحقق منهما القصد، لما ذكرنا من كفاية العلم بها.

(70) لظهور الإطلاق و عدم ما يصلح للتقييد إلا دعوى الانصراف، و هو بدويّ لا اعتناء به.

(71) لأنّ المتفاهم من النص وقوع الصلاة التامة و الإتيان بها خارجا، لا مجرد اشتغال الذمة بالفريضة التامة و لو لم يؤت بها في الخارج.

(72) لاحتمال كون مجرد اشتغال الذمة منشأ لتنجز الإتمام مطلقا و لو لم تقع منه صلاة خارجا، و لكنه احتمال مخالف للمتفاهم من ظاهر الدليل، بل و ظهور الإجماع، لأنّ الاختلاف إنّما هو في مراتب التلبس بالصلاة من مجرد النية، أو الدخول في الركعة الرابعة، أو القيام للثالثة، أو إتمام الرابعة، و لم نستظهر من أحد كفاية مجرد اشتغال الذمة بها مطلقا.

ص: 258

مسألة 19: العدول عن الإقامة قبل الصلاة تماما قاطع لها من حينه

(مسألة 19): العدول عن الإقامة قبل الصلاة تماما قاطع لها من حينه (73)، و ليس كاشفا عن عدم تحققها من الأول (74) فلو فاتته حال العزم عليها صلاة أو صلوات أيّام، ثمَّ عدل قبل أن يصلّي صلاة واحدة بتمام، يجب عليه قضاؤها تماما (75) و كذا إذا صام يوما أو أيّاما حال العزم عليها، ثمَّ عدل قبل أن يصلّي صلاة واحدة بتمام، فصيامه صحيح (76). نعم، لا يجوز له الصوم بعد العدول، لأنّ المفروض انقطاع الإقامة بعده (77).

مسألة 20: لا فرق في العدول عن قصد الإقامة بين أن يعزم على عدمها

(مسألة 20): لا فرق في العدول عن قصد الإقامة بين أن يعزم على عدمها، أو يتردد فيها (78). في أنّه لو كان بعد الصلاة تماما بقي على التمام، و لو كان قبله رجع إلى القصر (79).

______________________________

(73) لإطلاق الأدلة المقتضي لكون الموضوع للتمام مجرد حدوث قصد الإقامة فقط من دون دليل يصلح لتقييده بالصلاة تماما. نعم، أثر إتيان الصلاة بالتمام يظهر بالنسبة إلى ما بعد الرجوع عن قصد الإقامة، فمع الإتيان بها تماما يبقى عليه بعد الرجوع، و مع عدمه يقصر، مع أنّه لو كان قصد الإقامة مشروطا بإتيان الصلاة تماما لزم كون الأمر بالتمام مشروطا بوقوعه، و هو باطل، كما لا يخفى.

(74) لأنّه مخالف للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(75) لأنّه كان تكليفه الواقعي حين تعلق الأمر به، فيجب قضاء ما فات كما فات.

(76) لوجود المقتضي و هو قصد الإقامة و فقد المانع.

(77) تقدم في المسألة الخامسة عشرة ما يتعلق به، فراجع.

(78) لأنّ المناط في الإقامة إما العزم عليها، أو العلم بها و التردد ينافيهما، كالعزم على العدم.

(79) لشمول إطلاق صحيح أبي ولاد (1) لكل منهما.

ص: 259


1- تقدم في صفحة: 254.
مسألة 21: إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم، ثمَّ عدل بعد الزوال قبل الصلاة تماما

(مسألة 21): إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم، ثمَّ عدل بعد الزوال قبل الصلاة تماما، رجع إلى القصر في صلاته (80) لكن صوم ذلك اليوم صحيح (81) لما عرفت من أنّ العدول قاطع من حينه، لا كاشف، فهو كمن صام ثمَّ سافر بعد الزوال.

مسألة 22: إذا تمت العشرة لا يحتاج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة

(مسألة 22): إذا تمت العشرة لا يحتاج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة (82)، بل إذا تحققت بإتيان رباعية تامة كذلك (83)، فما دام لم ينشئ سفرا جديدا يبقى على التمام (84).

مسألة 23: كما أنّ الإقامة موجبة للصلاة تماما

(مسألة 23): كما أنّ الإقامة موجبة للصلاة تماما،

______________________________

(80) لبطلان إقامته بالرجوع عنها مع عدم الإتيان لصلاة بالتمام فيتعيّن عليه القصر لا محالة. نعم، لو قيل بأنّ الصوم كالصلاة يتم، و تقدم أنّه موافق للاحتياط بالجمع، و إن كان مخالفا لظاهر الدليل.

(81) لأنّ الشخص إما مسافر، أو حاضر، أو مقيم، أو متردد ثلاثين يوما. و الأقسام الأخيرة منفية عنه وجدانا فيتعين الأول. إنّما الكلام في أنّه كالحاضر الذي سافر بعد الزوال حتى يجب عليه إتمام الصيام، أو أنّه داخل في العمومات الدالة على عدم صحة الصوم من المسافر و أنّه متى قصّر أفطر، لأنّه ليس ممن أحدث السفر بعد الزوال، بل عاد إلى كونه مسافرا بحكم الشرع، و يمكن ترجيح الأول، لأنّه بعد عدم كون العدول كاشفا عن عدم تحقق الإقامة من الأول يكون كمن كان حاضرا فسافر بعد الزوال، و حكم الشرع بأنّه مسافر بعد الزوال يكون كإيجاد السفر بعده.

(82) للإطلاقات الدالة على أنّ قصد الإقامة يوجب التمام الشاملة لما إذا تمت الإقامة أيضا، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(83) لما مر من صحيح أبي ولاد.

(84) لإطلاق أدلة إقامة العشرة، و إطلاق صحيح أبي ولاد الشامل كل منهما للمقام.

ص: 260

و لوجوب- أو جواز- الصوم، كذلك موجبة لاستحباب النوافل الساقطة حال السفر، و لوجوب الجمعة، و نحو ذلك من أحكام الحاضر (85).

مسألة 24: إذا تحققت الإقامة و تمت العشرة أولا و بدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة
اشارة

(مسألة 24): إذا تحققت الإقامة و تمت العشرة أولا و بدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة (86) و لو ملفقة، فللمسألة صور:

الأولى: أن يكون عازما على العود إلى محل الإقامة

(الأولى): أن يكون عازما على العود إلى محل الإقامة و استئناف إقامة عشرة أخرى. و حكمه، وجوب التمام في الذهاب، و المقصد، و الإياب، و محل الإقامة الأولى. و كذا إذا كان عازما على الإقامة في غير محل الإقامة الأولى، مع عدم كون ما بينهما مسافة (87).

الثانية: أن يكون عازما على عدم العود إلى محل الإقامة

(الثانية): أن يكون عازما على عدم العود إلى محل الإقامة و حكمه وجوب القصر (88) إذا كان ما بقي من محل إقامته إلى مقصده

______________________________

(85) لأنّ المقيم في محل بمنزلة أهله، و لأنّ الإقامة قاطعة لسفر المسافر فيكون كالحاضر فضلا عما إذا كانت قاطعة لموضوعه.

(86) حق التعبير أن يقال: إذا ثبت حكم التمام و لو بإتيان رباعية تامة و بدا له الخروج إلى ما دون المسافة أو إليها و لو ملفقة. ليشمل جميع الصور، لأنّ بعضها تكون من قصد المسافة، كما يأتي في الصورة الثانية. و لكن تجري في جملة من الصور شبهة الخروج عن حدّ الترخص فلا بد لمن يقول بكونه مضرّا أو موجبا للاحتياط من ملاحظة ذلك أيضا.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق وجوب التمام على المقيم، و استصحاب وجوبه، و أصالة عدم حدوث موجب القصر هو التمام في جميع الصور إلا مع إنشاء السفر.

(87) لعمومات وجوب التمام على المقيم، و عدم تحقق المسافرة المستأنفة بعد قطع السفر الأول بالإقامة، فلا موضوع لأدلة التقصير أصلا، مضافا إلى ظهور الإجماع على وجوب التمام.

(88) لأنّ المفروض في هذه الصورة أنّه قصد قطع المسافة و تحقق سائر شرائط التقصير فتشمله أدلة وجوب القصر قهرا، مضافا إلى أنّ الحكم اتفاقيّ، كما

ص: 261

مسافة، أو كان مجموع ما بقي مع العود إلى بلده أو بلد آخر مسافة، و لو كان ما بقي أقل من أربعة على الأقوى من كفاية التلفيق، و لو كان الذهاب أقلّ من أربعة.

الثالثة: أن يكون عازما على العود إلى محل الإقامة من دون قصد إقامة مستأنفة

(الثالثة): أن يكون عازما على العود إلى محل الإقامة من دون قصد إقامة مستأنفة، لكن من حيث إنّه منزل من منازله في سفره الجديد. و حكمه وجوب القصر أيضا (89) في الذهاب و المقصد، و محل الإقامة.

______________________________

يظهر منهم. و قد تقدم أنّه يعتبر في التلفيق أن لا يكون الذهاب أقل من الأربعة، و المراد بالتلفيق هنا الذهاب و العود إلى وطنه و بلد آخر، لا العود إلى محل الإقامة، لفرض أنّه لا يعود إليها، لفرض البناء على عدم العود إلى محل الإقامة.

(89) نسبه الشهيد إلى المتأخرين، و حكى اختيار العلامة له في كثير من كتبه، و حيث أنّه ليس في المسألة دليل خاص، فلا بد من تطبيقها على كليات قواعد صلاة المسافر. و لا بد أيضا من بيان الأقسام حتى لا يختلط الكلام.

القسم الأول: أن يكون إنشاء السفر من محل الإقامة بحسب المتعارف، بأن خرج عنها بقصد الإعراض و إنشاء السفر متوجها إلى هذه الجهة و كان الذهاب أربعة فراسخ أو أكثر، و لا إشكال في شمول أدلة التقصير له عند جميع من يقول بصحة التقصير في مورد التلفيق.

القسم الثاني: أن يكون أقلّ منها، فالتقصير حينئذ مبنيّ على أنّ هذا المقدار من المسافة التي تلغى و ترفع اليد عنها بالعود يصح أن يعد جزءا من المسافة المعتبرة في التقصير، كما هو مقتضى الجمود على إطلاقات أدلة المسافة، فلا بد من التقصير أيضا، لوجود المقتضي للقصر و فقد المانع عنه فتشمله أدلة القصر لا محالة.

القسم الثالث: أن نقول بعدم صدق المسافة على هذه المسافة التي تلغى و ترفع اليد عنها بالعود، لانصراف الأدلة عنها فلا وجه للتقصير في الذهاب،

ص: 262

الرابعة: أن يكون عازما على العود إليه من حيث إنّه محل إقامته

(الرابعة): أن يكون عازما على العود إليه من حيث إنّه محل إقامته، بأن لا يكون حين الخروج معرضا عنه، بل أراد قضاء حاجة في خارجه و العود إليه، ثمَّ أنشأ السفر منه و لو بعد يومين، أو يوم، بل أو أقلّ. و الأقوى في هذه الصورة البقاء على التمام (90) في الذهاب، و المقصد، و الإياب، و محل الإقامة ما لم ينشئ سفرا و إن كان الأحوط الجمع في الجميع، خصوصا في الإياب (91)، و محل الإقامة.

______________________________

لعدم كونه مسافة فينتفي موضوع القصر في الذهاب حتى يقصر، فيتعيّن التقصير من حين الشروع في الإياب، و يتعيّن الإتمام في الذهاب لعده حينئذ من حدود محل إقامته، و لكن الانصراف ممنوع، و صدق المسافرة عرفا مما لا إشكال فيه، إذ الأغراض و الدّواعي في المسافرة مختلفة جدّا، فلا وجه لتعيين الإتمام في الذهاب، و طريق الاحتياط واضح في هذه المسألة السيالة في جملة من الموارد، و كلام العلامة و غيره في المقام مضطرب، و الحكم ما ذكرناه، فلا يحتاج إلى التطويل، كما صنعه بعض.

ثمَّ إنّه يجري في المقام أيضا ما مرّ في أول فصل (صلاة المسافر) في المسافة التلفيقية من أنّه هل يعتبر كون الذهاب أربعة فراسخ، أو يجزي مطلق التلفيق و لو كان فرسخا؟ فتأمل فيه فإنّه أيضا من إحدى جهات الاضطراب و التشويش في المسألة.

(90) نسب ذلك إلى جمع من متأخري المتأخرين، لإطلاقات أدلة وجوب التمام على المقيم، و استصحاب بقاء التمام عليه، و قد تقدم في المسألة الثامنة أنّ الخروج عن حدّ الترخص لا يضرّ بقصد الإقامة حدوثا و بقاء.

(91) أما الاحتياط في الجميع فلاحتمال أن يكون الخروج عن محل الإقامة إلى الخارج عن حدّ الترخص مضرّا بها. و أما تخصيص الإياب و محل الإقامة فلاحتمال أن يعد إنشاء السفر من الإياب و ينطبق عليه السفر قهرا.

ثمَّ إنّ المراد بقوله: (و لو بعد يومين ..) أي بعد يوم أو يومين من

ص: 263

الخامسة: أن يكون عازما على العود إلى محل الإقامة

(الخامسة): أن يكون عازما على العود إلى محل الإقامة، لكن مع التردد في الإقامة بعد العود و عدمها، و حكمه: أيضا وجوب التمام (92). و الأحوط الجمع، كالصورة الرابعة.

السادسة: أن يكون عازما على العود مع الذهول عن الإقامة و عدمها

(السادسة): أن يكون عازما على العود مع الذهول عن الإقامة (93) و عدمها. و حكمه أيضا: وجوب التمام، و الأحوط الجمع كالسابقة (94).

السابعة: أن يكون مترددا في العود و عدمه

(السابعة): أن يكون مترددا في العود و عدمه، أو ذاهلا عنه و لا يترك الاحتياط بالجمع فيه (95) في الذهاب، و المقصد، و الإياب،

______________________________

التوقف في محل الإقامة. و أما التوقف في غير محل الإقامة فيأتي في ذيل الصورة السابعة.

(92) لإطلاق ما دل على التمام على المقيم، مضافا إلى الاستصحاب، و قد مرّ في مسألة عشرين عدم تبدل حكم الإقامة ما لم ينشئ سفرا جديدا، سواء تردد فيه أو بنى على العدم. ثمَّ إنّ منشأ الاحتياط هنا ما تقدم في الصورة الرابعة.

(93) فهو لا ينافي إنشاء السفر، و يكفي في وجوب التمام حينئذ الأصل و الإطلاق، كما تقدم.

(94) منشأ الاحتياط احتمال كون الخروج إلى ما دون المسافة مضرّ بالإقامة.

(95) مقتضى الأصل و الإطلاق كفاية الإتمام إلا مع صدق إنشاء السفر عرفا. و في صدقه مع التردد و الذهول إشكال، بل منع. فإيجاب الاحتياط مشكل و إن كان لا ريب في حسنه. و لا فرق في ذلك بين أن يكون عدم العود لأجل قصد الإقامة في المقصد، أو كان بناؤه على الإقامة ثانيا في محل الإقامة، أو كان مترددا، و ذلك كله لعدم تحقق قصد المسافرة منه، و مع عدم تحقق هذا القصد كيف يحكم بالتقصير في جميع فروض هذه المسألة خصوصا في صورة الذهول التي لا يتمشى منه قصد المسافة، و كذا مع التردد أيضا، لأنّه ينافي القصد، فلا

ص: 264

و محل الإقامة إذا عاد إليه إلى أن يعزم على الإقامة، أو ينشئ السفر.

و لا فرق في الصور التي قلنا فيها بوجوب التمام بين أن يرجع إلى محل الإقامة في يومه، أو ليلته أو بعد أيّام (96). هذا كله إذا بدا له الخروج إلى ما دون المسافة بعد العشرة أو في أثنائها بعد تحقق الإقامة. و أما إذا كان من عزمه الخروج في حال نية الإقامة، فقد مر (97) أنّه إن كان من قصده الخروج و العود عما قريب، و في ذلك اليوم من غير أن يبيت خارجا (98)، عن محل الإقامة، فلا يضرّ بقصد إقامته و يتحقق معه، فيكون حاله بعد ذلك حال من بدا له.

و أما إن كان من قصده الخروج إلى ما دون المسافة في ابتداء نيته، مع البيتوتة هناك ليلة أو أزيد، فيشكل معه تحقق الإقامة (99) و الأحوط الجمع من الأول إلى الآخر، إلا إذا نوى الإقامة بدون القصد المذكور جديدا، أو يخرج مسافرا.

مسألة 25: إذا بدا للمقيم السفر، ثمَّ بدا له العود إلى محل الإقامة و البقاء عشرة أيام

(مسألة 25): إذا بدا للمقيم السفر، ثمَّ بدا له العود إلى محل الإقامة و البقاء عشرة أيام، فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ قصر في الذهاب، و المقصد، و العود (100). و إن كان قبله فيقصر حال

______________________________

وجه لتفصيل الفروض بعد معلومية كليّ المسألة و انطباق الصغريات عليه قهرا.

(96) لإطلاق دليل وجوب التمام على المقيم، و أصالة بقائه، و أصالة عدم ثبوت موجب التقصير.

(97) و تقدم تفصيله في المسألة الثامنة من الفصل السابق، فراجع.

(98) بعض أقسام البيتوتة لا يضرّ بقصد الإقامة، كما إذا خرج بعد مضيّ ساعتين من المغرب، و رجع قبل الفجر خصوصا في الليالي القصار، لما مرّ.

(99) في بعض أقسام البيتوتة لا في كلها، كما عرفت آنفا.

(100) لتحقق المسافرة فتشمله أدلة التقصير قهرا. و كذا فيما بعد التجاوز عن حدّ الترخص، لأنّه مسافر شرعيّ.

ص: 265

الخروج- بعد التجاوز عن حد الترخص- إلى حال العزم على العود و يتم عند العزم عليه (101)، و لا يجب عليه قضاء ما صلّى قصرا (102).

و أما إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة، بقي على القصر حتّى في محل الإقامة، لأنّ المفروض الإعراض عنه. و كذا لو ردته الريح، أو رجع لقضاء حاجة، كما مرّ سابقا (103).

مسألة 26: لو دخل في الصلاة بنية القصر، ثمَّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمّها و أجزأت

(مسألة 26): لو دخل في الصلاة بنية القصر، ثمَّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمّها و أجزأت (104). و لو نوى الإقامة و دخل في الصلاة بنية التمام، فبدا له السفر، فإن كان قبل الدخول في الركعة الثالثة أتمّها قصرا و اجتزأ بها (105) و إن كان بعده بطلت و رجع إلى

______________________________

(101) لما تقدم في الشرط الثالث من اعتبار استمرار قصد المسافة، فلو عدل عنه قبل الأربعة أو تردد أتم.

(102) لما تقدم في المسألة الرابعة و العشرين من الفصل السابق، فراجعها فإنّها متحدة مع المقام.

(103) في المسألة التاسعة و الستين من الفصل السابق.

(104) للإجماع، و إطلاق أدلة الإتمام على المقيم، و خصوص صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام: «عن الرجل يخرج في السفر، ثمَّ يبدو له في الإقامة، و هو في الصلاة. قال عليه السّلام: يتم إذا بدت له الإقامة» (1) و نحوه غيره. و قد تقدم في المسألة الثالثة من فصل النية: أنّه لا يعتبر قصد القصر و التمام، بل كلما صح انطباق القصر عليه يكون قصرا، و كلما صح انطباق التمام عليه يكون تماما، و تقدم في المسألة الخامسة و العشرين من فصل الشك ما يرتبط بالمقام.

(105) لتبدل الحكم بتبدل الموضوع، و صحة انطباق القصر عليها فيصح

ص: 266


1- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

القصر، ما دام لم يخرج. و إن كان الأحوط إتمامها تماما، و إعادتها قصرا، و الجمع بين القصر و الإتمام ما لم يسافر، كما مرّ (106).

مسألة 27: لا فرق في إيجاب الإقامة- لقطع حكم السفر و إتمام الصلاة- بين أن تكون محللة، أو محرّمة

(مسألة 27): لا فرق في إيجاب الإقامة- لقطع حكم السفر و إتمام الصلاة- بين أن تكون محللة، أو محرّمة، كما إذا قصد الإقامة لغاية محرّمة- من قتل مؤمن أو سرقة ماله، أو نحو ذلك- كما إذا نهاه عنها والده، أو سيده، أو لم يرض بها زوجها (107).

مسألة 28: إذا كان عليه صوم واجب معيّن غير رمضان كالنذر أو الاستئجار أو نحوهما

(مسألة 28): إذا كان عليه صوم واجب معيّن غير رمضان كالنذر أو الاستئجار أو نحوهما، وجب عليه الإقامة مع الإمكان (108).

مسألة 29: إذا بقي من الوقت أربع ركعات

(مسألة 29): إذا بقي من الوقت أربع ركعات و عليه

______________________________

قصرا لا محالة إلا بناء على احتمال أنّ الدخول في الصلاة بنية التمام يكفي في البناء عليه، و تقدم ضعفه فراجع.

(106) في المسألة الخامسة عشرة، و تقدم ما يتعلق بها، و لا وجه للتكرار.

(107) كل ذلك لإطلاق الأدلة من غير ما يصلح للتقييد، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(108) بلا إشكال فيه إن كان مرجع النذر إلى ترك السفر للصوم، أو كان مورد الاستئجار هكذا. و كذا إذا كان الحضور شرطا للصوم الواجب بوجوده المطلق الذي يجب تحصيله، فلا ريب في وجوب ترك السفر أيضا.

و أما إذا كان شرطا للوجوب أو للواجب بوجوده الاتفاقي فلا دليل على وجوب ترك السفر و تحصيل الحضور، و يأتي في كتاب الصوم أنّه شرط له بالنحوين الأخيرين. نعم، يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من الصوم الاستئجاري المعين هو الحضور في الوقت المعين و الصيام فيه، و لكنه من جهة الأمر الإجاري لا من جهة أصل الصوم الواجب، و تقدم في المسألة التاسعة و الثلاثين من شرائط التقصير ما يرتبط بالمقام، و قد ذكرنا هناك خبر عبد اللّه بن جندب.

ص: 267

الظهران، ففي جواز الإقامة إذا كان مسافرا، و عدمه من حيث استلزامه تفويت الظهر و صيرورتها قضاء إشكال (109) فالأحوط عدم نية الإقامة، مع عدم الضرورة، نعم، لو كان حاضرا، و كان الحال كذلك، لا يجب عليه السفر لإدراك الصلاتين في الوقت.

مسألة 30: إذا نوى الإقامة ثمَّ عدل عنها

(مسألة 30): إذا نوى الإقامة ثمَّ عدل عنها، و شك في أنّ عدوله كان بعد الصلاة تماما حتى يبقى على التمام أم لا، بنى على عدمها فيرجع إلى القصر (110).

مسألة 31: إذا علم بعد نية الإقامة بصلاة أربع ركعات و العدول عن الإقامة

(مسألة 31): إذا علم بعد نية الإقامة بصلاة أربع ركعات و العدول عن الإقامة، و لكن شك في المتقدم منهما مع الجهل

______________________________

(109) لأنّه لو لم يقصد الإقامة يقدر أن يأتي بالظهرين، و لو قصدها يصير الظهر قضاء، و لكن الظاهر أنّ المقام من تبديل موضوع التكليف لا تفويت الواجب المنجز من كل جهة، و مقتضى إطلاقات أدلة قصد الإقامة و عموماتها، و أصالة البراءة جوازه حتى في المقام. و كذا لا يجب السفر في الفرض الآتي، للأصل و إطلاق دليل اختصاص مقدار أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر، هذا و لكن جواز التبديل لموضوع التكليف مطلقا أيضا محل إشكال، كشمول إطلاق أدلة قصد الإقامة للفرض فإنّه أيضا مشكل مع فعلية التكليف بالصلاتين، فيبقى الإشكال الذي ذكره (قدّس سرّه) بحاله، و فرق بينه و بين الفرض الآتي عرفا، لأنّ المقام من تفويت القدرة، و ما يأتي من قبل تحصيلها، و مقتضى الأصل عدم الوجوب، بل إطلاق دليل اختصاص الوقت بالعصر و وجوبه عليه فقط دون الظهر ينفي وجوب تحصيل القدرة للصلاتين.

(110) لأنّ الشك في أصل إتيان الصلاة تماما، و مقتضى الأصل عدم الإتيان بها فيثبت موضوع القصر حينئذ لا محالة بعد تحقق العدول عن الإقامة وجدانا، فيكون المقام من الموضوعات المركبة بعض أجزائها بالوجدان و بعضها بالأصل.

ص: 268

بتاريخهما، رجع إلى القصر مع البناء (111) على صحة الصلاة، لأنّ الشرط في البقاء على التمام وقوع الصلاة تماما حال العزم على الإقامة، و هو مشكوك.

______________________________

(111) قد علل (قدّس سرّه) الرجوع إلى القصر بقوله: لأنّ الشرط في البقاء على التمام وقوع الصلاة تماما حال العزم على الإقامة، و هو مشكوك فإن كان المراد بذلك حال الالتفات إلى العزم تفصيلا فهو ينافي ما تقدم منه (قدّس سرّه) في المسألة السادسة عشرة من الاكتفاء بإتيان رباعية تامة و لو في حال الغفلة عن الإقامة.

و إن كان المراد الأعمّ من ذلك فهو من مجرد الدعوى، بل الظاهر أنّ التمام من آثار نفس قصد الإقامة أو العلم بها، و إتيان الصلاة تامة يؤثر في بقاء أثر ذلك القصد السابق إلى الزمان اللاحق، و مع الشك في بقائه و زواله يستصحب بقاؤه.

و الحاصل أنّه لا مجرى للأصل في نفس الصلاة و العدول، لكونها من موارد جريان الأصل في مجهولي التاريخ، و لا أثر للأصل فيهما اتفاقا إما لجريانه و سقوطه بالمعارضة، أو لعدم الجريان أصلا، لعدم إحراز اتصال زمان الشك باليقين، و هذا النزاع علميّ بينهم لا يترتب عليه ثمرة عملية. و مع عدم جريان الأصل فيهما تصل النوبة إلى الأصل الحكمي و الموضوعي، و الأول وجوب التمام و الثاني عدم حدوث موجب القصر فيجب التمام.

و أما الإشكال على قوله رحمه اللّه: رجع إلى القصر مع البناء على صحة الصلاة. بأنّه يوجب المخالفة القطعية، للعلم الإجمالي بالتكليف، لأنّه إن كان العدول بعد الصلاة تماما وجب عليه البقاء على التمام، و إن كان قبلها وجب إعادة ما مضى. فهو مخدوش: بأنّ صحة الصلاة إنّما هي لقاعدة الفراغ و القصر في الصلوات الآتية لما ذكره الماتن، و التفكيك في مفاد القواعد و الأصول لا بأس به، كما إذا شك بعد الفراغ من صلاة الظهر مثلا في أنّه تطهّر لها أم لا. فتصح الظهر لقاعدة الفراغ و تجب الطهارة للعصر، لقاعدة الاشتغال، فإنّه يعلم إجمالا إما ببطلان صلاة الظهر أو بعدم وجوب الطهارة للعصر.

ص: 269

مسألة 32: إذا صلّى تماما ثمَّ عدل، و لكن تبيّن بطلان صلاته

(مسألة 32): إذا صلّى تماما ثمَّ عدل، و لكن تبيّن بطلان صلاته، رجع إلى القصر، و كان كمن لم يصلّ (112). نعم، إذا صلّى بنية التمام و بعد السّلام شك في أنّه سلّم على الأربع، أو على الاثنتين أو الثلاث، بنى على أنّه سلّم على الأربع و يكفيه في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعدها (113).

مسألة 33: إذا نوى الإقامة، ثمَّ عدل عنها بعد خروج وقت الصلاة

(مسألة 33): إذا نوى الإقامة، ثمَّ عدل عنها بعد خروج وقت الصلاة، و شك في أنّه هل صلّى في الوقت حال العزم على الإقامة، أم لا؟ بنى على أنّه صلّى، لكن في كفايته في البقاء على حكم التمام إشكال (114). و إن كان لا يخلو من قوة خصوصا إذا بنينا

______________________________

(112) لأنّ الصلاة الباطلة كالعدم، فيؤثر العدول أثره بلا مانع.

(113) لعدم الاعتبار بالشك بعد الفراغ، و مقتضى ظاهر حالة الإتمام على ما قام إليها، و يمكن شمول إطلاق قول الصادق عليه السّلام له أيضا: «هي على ما افتتح الصلاة عليه» (1). و بعد تحقق الموضوع شرعا- و هو صلاة التمام- فيترتب الحكم قهرا، لكفاية البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعدها.

(فرع): إذا صلى المسافر قصرا ثمَّ قصد الإقامة و صلى أربع ركعات بتمام، ثمَّ علم إجمالا ببطلان إحدى صلاتية، ثمَّ عدل عن قصد الإقامة، فهل يجب عليه القصر أو التمام ما دام في ذلك المكان؟ وجهان: مقتضى أصالة عدم وجوب التمام عليه هو القصر. و كذا لو صلّى صلاة الصبح أو المغرب، ثمَّ صلّى رباعية بتمام ثمَّ علم إجمالا ببطلان إحدى الصلوات.

(114) أما البناء على أنّه صلّى، فلقوله عليه السّلام في صحيح زرارة و الفضيل: «و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت، و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شي ء حتى تستيقن» (2). و أما الإشكال في الكفاية فلأجل أنّ المتفاهم

ص: 270


1- الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 2.
2- الوسائل باب: 60 من أبواب المواقيت حديث: 1.

على أنّ قاعدة الشك بعد الفراغ، أو بعد الوقت إنّما هي من باب الأمارات، لا الأصول العملية (115).

مسألة 34: إذا عدل عن الإقامة بعد الإتيان بالسلام الواجب

(مسألة 34): إذا عدل عن الإقامة بعد الإتيان بالسلام الواجب، و قبل الإتيان بالسلام الأخير- الذي هو مستحب- فالظاهر كفايته في البقاء على حكم التمام و في تحقق الإقامة. و كذا لو كان عدوله قبل الإتيان بسجدتي السهو (116)، إذا كانتا عليه، بل و كذا لو كان قبل الإتيان بقضاء الأجزاء المنسية، كالسجدة و التشهد المنسيين، بل و كذا لو كان قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أو في أثنائها (117) إذا شك

______________________________

من قوله عليه السّلام: «فلا إعادة عليك ..» هل هو الحكم بالوقوع بلحاظ تمام الآثار أو خصوص نفي القضاء فقط؟، و مقتضى ظهور الإطلاق و سهولة الشريعة و سماحتها هو الأول إلا مع القرينة على الخلاف، و نقول ذلك في جميع التنزيلات الشرعية مطلقا.

(115) لا دليل على اعتبار مثبتات الأمارات مطلقا، بل يدور ذلك مدار الاستظهارات العرفية، و هي قد تقتضي الاعتبار و لو في مثبتات الأصول و قد لا يستفاد منها الاعتبار حتى في مثبتات الأمارات فنرجع إلى أصالة عدم الحجية و لو في مثبتات الأمارات، و إلا فمقتضى الأصل عدم الحجية في كل منهما، و قد فصّلنا القول في الأصول.

(116) لصدق أنّه صلّى فريضة بتمام، و لا ريب في أنّ ترك الجزء المستحب و سجدتي السهو لا يوجب الخلل في الصلاة و لو كان عن عمد.

(117) المناط كله صدق أنّه صلّى صلاة فريضة، و هو في الجزء المنسي مشكل، و في صلاة الاحتياط أشكل، و مع الشك في الصدق لا يجوز التمسك به، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، و ذلك يوجب الشك أيضا في أنّ العدول يكون من العدول المؤثر أم لا، و مع الشك فيه، فالمرجع استصحاب وجوب التمام و عدم حدوث موجب القصر، و من ذلك يعلم وجه الاحتياط.

ص: 271

في الركعات، و إن كان الأحوط فيه الجمع، بل و في الأجزاء المنسية.

مسألة 35: إذا اعتقد أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة فقصدها ثمَّ تبيّن أنّهم لم يقصدوا

(مسألة 35): إذا اعتقد أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة فقصدها ثمَّ تبيّن أنّهم لم يقصدوا، فهل يبقى على التمام أم لا؟ فيه صورتان (118):

(إحداهما): أن يكون قصده مقيدا بقصدهم.

(الثانية): أن يكون اعتقاده داعيا له إلى القصد من غير أن يكون مقيّدا بقصدهم، ففي الأولى يرجع إلى التقصير، و في الثانية يبقى على التمام، و الأحوط الجمع في الصورتين (119).

______________________________

(118) الذي يظهر من مجموع كلماته رحمه اللّه أنّ الصورتين ترجعان إلى صورة واحدة، لأنّ قوله (قدّس سرّه): «فقصدها» أي قصد الإقامة و قوله: «أن يكون قصده مقيدا بقصدهم» أي: قصده الإقامة. و حينئذ فتحقق قصد الإقامة منه في الجملة و تحقق العلم منه بها، و ذلك يكفي في تحقق قصد الإقامة بلا فرق بين أن يكون القصد مقيدا بقصدهم، أو يكون قصدهم داعيا لقصده. نعم، لو كان المراد بالصورة الأولى أن ينوي هكذا: بأنّي أقصد ما قصده رفقائي فلا يتحقق قصد الإقامة منه حينئذ، لأنّ المفروض أنّ رفقاءه لم يقصدوها، و لعل ذلك مراده من الصورة الأولى خصوصا على ما اختاره (قدّس سرّه) في المسألة الثالثة عشرة من كفاية القصد الإجمالي، فتكون الصورة الأولى من فروع تلك المسألة.

فراجع.

(119) للخروج عن مخالفة من اعتبر القصد التفصيلي و لم يكتف بالقصد الإجمالي. و لما مرّ من استظهار كفاية القصد الإجمالي. و أما ما عن بعض من لزوم البقاء على التمام و عدم التقييد في نظائر المقام، فمبنيّ على أنّه في اعتقاده بأنّ رفقاءه قصدوا الإقامة حصل له العلم بها و هو يجزي، كما مرّ فلا وجه بعد ذلك للتقييد. فهو مخدوش: بأنّ هذا العلم تارة مطلق من كل جهة، و أخرى يكون على نحو القضية التعليقية.

ص: 272

الثالث: من القواطع التردد في البقاء و عدمه ثلاثين يوما
اشارة

(الثالث): من القواطع التردد في البقاء و عدمه ثلاثين يوما (120) إذا كان بعد بلوغ المسافة (121). و أما إذا كان قبل بلوغها، فحكمه التمام حين التردد لرجوعه إلى التردد في المسافرة و عدمها (122)، ففي الصورة الأولى إذا بقي في مكان مترددا في البقاء، و الذهاب، أو في البقاء و العود إلى محله، يقصر إلى ثلاثين يوما (123) ثمَّ بعده يتم ما دام في ذلك المكان (124)، و يكون بمنزلة من نوى الإقامة عشرة

______________________________

(120) للإجماع و النصوص المستفيضة التي تأتي الإشارة إليها.

(121) نصّا و إجماعا.

(122) إن كان التردد في قصد الإقامة و عدمه، أو في العود إلى الوطن و عدمه. و أما إذا كان بانيا على أصل المسافرة في الجملة و تردد في بعض المنازل في البقاء أقل من عشرة أيام أو الذهاب، فليس ذلك من التردد في أصل المسافرة و عدمها، لما مرّ في المسألة الثانية و العشرين من أول فصل صلاة المسافر من كفاية قصد نوع السفر و لا يعتبر قصد شخصه، و يأتي في المسألة الثانية و الأربعين بعض الكلام.

(123) لعمومات وجوب التقصير على المسافر و إطلاقاته، مضافا إلى ما يأتي من النصوص.

(124) تدل على ذلك مضافا إلى الإجماع، نصوص مستفيضة، ففي صحيح أبي ولاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن شئت فانو المقام عشرا و أتم، و إن لم تنو المقام عشرا فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة» (1).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «و إن لم تدر ما مقامك بها، تقول غدا أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمَّ

ص: 273


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

أيّام (125)، سواء أقام فيه قليلا أو كثيرا، حتّى إذا كان بمقدار صلاة واحدة (126).

مسألة 36: يلحق بالتردد ما إذا عزم على الخروج

(مسألة 36): يلحق بالتردد (127) ما إذا عزم على الخروج غدا

______________________________

لك شهر فأتم الصلاة، و إن أردت أن تخرج من ساعتك» (1).

و في خبر أبي بصير: «و إن كنت تريد أن تقيم أقل من عشرة أيام فأفطر ما بينك و بين شهر، فإذا تمَّ الشهر فأتم الصلاة و الصيام» (2).

و في موثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام: «المقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم» (3)، و إطلاقه يشمل حتى صورة الخروج إلى عرفات، و لكنه مخالف للإجماع. إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما خبر حنان عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا دخلت البلدة، فقلت اليوم أخرج أو غدا فاستتمت عشرا فأتم» (4). فهو قاصر سندا و مهجور متنا، و يمكن أن يكون (شهرا) فحرف إلى (عشرا).

(125) لذكر التردد ثلاثين يوما في سياق قصد الإقامة في أخبار الباب(5)، و كلمات الأصحاب.

(126) لموثق ابن أبي عمير عن أبي أيوب: «سأل محمد بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا أسمع: عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيام، فليتم الصلاة. فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر، فليعدّ ثلاثين يوما ثمَّ ليتم و إن كان أقام يوما، أو صلاة واحدة» (6).

(127) لإطلاق ما تقدم من صحيح أبي ولاد، فإنّ الحكم قد علق فيه على ما إذا لم ينو المقام عشرة أيام فبأيّ وجه لم يتحقق قصد المقام عشرة أيام و بقي ثلاثين يوما تشمله الأدلة، سواء كان قاصدا لمقام تسعة أيام أم عازما على الخروج

ص: 274


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 14.
5- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11 و غيره.
6- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11 و غيره.

أو بعد غد ثمَّ لم يخرج، و هكذا إلى أن مضى ثلاثون يوما، حتى إذا عزم على الإقامة تسعة أيّام- مثلا- ثمَّ بعدها عزم على إقامة تسعة أيّام أخرى، و هكذا فيقصر إلى ثلاثين يوما ثمَّ يتم و لو لم يبق إلا مقدار صلاة واحدة.

مسألة 37: في إلحاق الشهر الهلالي إذا كان ناقصا بثلاثين يوما

(مسألة 37): في إلحاق الشهر الهلالي إذا كان ناقصا بثلاثين يوما إذا كان تردده في أول الشهر وجه لا يخلو عن قوة (128) و إن كان

______________________________

غدا أو بعد غد، أو مترددا فيه، فلا خصوصية للتردد من حيث هو، بل المناط كله عدم قصد الإقامة، فعلى هذا تشمل الأدلة تمام الصور في عرض واحد لا أن يكون بعضها ملحقا ببعض، و يقتضيه الارتكاز العرفي أيضا، لأنّ المسافر إذا أقام مدّة في محله يسلب عنه اسم المسافر في الجملة، سواء كان مترددا أم لا، فحدد الشارع صورة قصد الإقامة بعشرة أيام و غيرها بثلاثين يوما، و يظهر ذلك مما تقدم من خبر أبي بصير أيضا قال عليه السّلام: «و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيام فأفطر ما بينك و بين شهر، فإذا تمَّ الشهر فأتم الصلاة و الصيام» (1).

و في صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و إن أقمت تقول غدا أخرج أو بعد غد، و لم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا أتم الشهر فأتم الصلاة» (2).

(128) جمودا على لفظ (الشهر) الوارد في غالب الأخبار. و لكن فيه: أنّ الشهر مردد بين الأقل و الأكثر، و قوله عليه السّلام فيما مرّ من موثق ابن أبي عمير:

«فليعد ثلاثين يوما» مفصل يصلح للبيان و الشرح و رفع الإجمال عن الشهر، و معه لا وجه للتمسك بإطلاق الشهر، لأنّه حينئذ من التمسك بالمجمل مع وجود المبيّن، هذا مع أنّ في بعض الأخبار: «فإذا تمَّ لك شهر فأتم الصلاة» (3).

و يمكن أن يكون المراد به كون الشهر تاما لا آخر الشهر مطلقا- تماما كان أو ناقصا- مع أنّ أخبار الباب في مقام التحديد. و التحديد بما هو مردد بين الأقل

ص: 275


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 17.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 17.

الأحوط عدم الاكتفاء به (129).

مسألة 38: يكفي في الثلاثين التلفيق إذا كان تردده في أثناء اليوم

(مسألة 38): يكفي في الثلاثين التلفيق (130) إذا كان تردده في أثناء اليوم، كما مرّ في إقامة العشرة، و إن كان الأحوط عدم الاكتفاء و مراعاة الاحتياط.

مسألة 39: لا فرق في مكان التردد بين أن يكون بلدا أو قرية

(مسألة 39): لا فرق في مكان التردد بين أن يكون بلدا أو قرية أو مفازة (131).

مسألة 40: يشترط اتحاد مكان التردد

(مسألة 40): يشترط اتحاد مكان التردد (132)، فلو كان بعض

______________________________

و الأكثر خلاف سياق التحديد مطلقا، مضافا إلى أنّ استصحاب وجوب القصر في المشكوك يقتضي تمام الثلاثين.

هذا كله إذا كان ابتداء التردد في أول الشهر. و أما إذا كان في الأثناء فظاهرهم الاتفاق على اعتبار العد بالثلاثين، و يقتضيه استصحاب وجوب القصر أيضا، و هو شاهد على اعتبار الثلاثين مطلقا.

(129) هذا ليس من الاحتياط في شي ء، بل الاحتياط في الجمع، كما لا يخفى.

(130) لأنّ المتفاهم من الأدلة المقدار الخاص من الزمان المنطبق على الملفق و غيره، كما هو كذلك في نظائر المقام.

(131) لإطلاق جملة من الروايات و الكلمات، و ذكر البلد أو المصر في بعضها من باب المثال لا التقييد، و يدل عليه ذكر التردد ثلاثين يوما في مقابل إقامة العشرة، و قد تقدم عدم اعتبار محل خاص فيها.

(132) لأنّه الظاهر من الأدلة عرفا خصوصا بعد ذكر التردد في سياق قصد الإقامة في جملة من الأخبار، فيستفاد منه جريان جميع ما ثبت لقصد الإقامة من الأحكام على التردد أيضا إلا ما خرج بالدليل، فكما استظهرنا أنّ قصد الإقامة قاطع لموضوع السفر يكون التردد أيضا كذلك، ففي صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا دخلت بلدا و أنت تريد المقام عشرة أيام فأتم

ص: 276

الثلاثين في مكان و بعضه في مكان آخر لم يقطع حكم السفر، و كذا لو كان مشتغلا بالسير و هو متردد، فإنّه يبقى على القصر إذا قطع المسافة و لا يضر بوحدة المكان إذا خرج عن محل تردده إلى مكان آخر و لو ما دون المسافة بقصد العود إليه عما قريب، إذا كان بحيث يصدق عرفا أنّه كان مترددا في ذلك المكان بثلاثين يوما، كما إذا كان مترددا في النجف و خرج منه إلى الكوفة لزيارة مسلم، أو لصلاة ركعتين في مسجد الكوفة و العود إليه في ذلك اليوم أو في ليلته، بل أو بعد ذلك اليوم.

مسألة 41: حكم المتردد بعد الثلاثين كحكم المقيم في مسألة الخروج إلى ما دون المسافة

(مسألة 41): حكم المتردد بعد الثلاثين كحكم المقيم (133) في مسألة الخروج إلى ما دون المسافة مع قصد العود إليه في أنّه يتمّ ذهابا و في المقصد و الإياب، و محل التردد إذا كان قاصدا للعود إليه من حيث إنّه محل تردده، و في القصر بالخروج إذا أعرض عنه و كان العود إليه من حيث كونه منزلا له في سفره الجديد و غير ذلك من الصور التي ذكرناها.

مسألة 42: إذا تردد في مكان تسعة و عشرين يوما

(مسألة 42): إذا تردد في مكان تسعة و عشرين يوما أو أقلّ ثمَّ

______________________________

الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصر، و إن أقمت تقول غدا أو بعد غد و لم تجمع على عشرة فقصر ما بينك و بين شهر، فإذا تمَّ الشهر فأتم الصلاة- الحديث-» (1)، فإنّه عليه السّلام ساق قصد الإقامة و تمام الشهر مع التردد مساق شي ء واحد فيكون حكمهما واحدا لا محالة. و من ذلك يظهر حكم باقي المسألة.

(133) لكون كل منهما قاطعا للسفر نصا و إجماعا، بلا فرق في ذلك بين كون القطع موضوعيا أو حكميا، فيجري على المتردد ثلاثين يوما جميع أحكام المقيم، إلا ما نص على الخلاف، و لا نص كذلك في البين.

ص: 277


1- تقدم في صفحة: 275.

سار إلى مكان آخر و تردد فيه كذلك، و هكذا بقي على القصر ما دام كذلك (134) إلا إذا نوى الإقامة في مكان أو بقي مترددا ثلاثين يوما في مكان واحد.

مسألة 43: المتردد ثلاثين إذا أنشأ سفرا بقدر المسافة لا يقصر إلا بعد الخروج عن حدّ الترخص

(مسألة 43): المتردد ثلاثين إذا أنشأ سفرا بقدر المسافة لا يقصر إلا بعد الخروج عن حدّ الترخص كالمقيم، كما عرفت سابقا (135).

______________________________

(134) لعمومات وجوب التقصير على المسافر، و إطلاقاته من دون مانع عنه في البين، و اعتبار وحدة المكان في محل التردد، كما في محل الإقامة.

و من ذلك يظهر حكم بعض أهل المنبر و الطبيب و البيطار و نحوهم الذين يدورون في السفر بين البلدان المتقاربة و لا يقيمون عشرة أيام في محل واحد، فإنّهم يقصرون، و لا يجري عليهم حكم المقيم و لا المتردد ثلاثين يوما و إن مرت عليهم شهور، إلا إذا صار ذلك عملهم فيتمون حينئذ من هذه الجهة.

(135) راجع المسألة الخامسة و الستين من مسائل حدّ الترخص. و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 278

«فصل في أحكام صلاة المسافر»

اشارة

«فصل في أحكام صلاة المسافر» مضافا إلى ما مرّ في طيّ المسائل السابقة قد عرفت أنّه يسقط بعد تحقق الشرائط المذكورة من الرباعيات ركعتان (1)، كما أنّه تسقط النوافل النهارية، أي نافلة الظهرين (2)، بل و نافلة العشاء و هي الوتيرة أيضا على الأقوى (3)،

______________________________

(فصل في أحكام صلاة المسافر)

(1) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلا المغرب ثلاث» (1)، و قد تقدم في أول كتاب الصلاة، و أول صلاة المسافر أيضا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك ضرورة المذهب.

(2) للإجماع، و النصوص المستفيضة. منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «عن الصلاة تطوعا في السفر. قال عليه السّلام:

لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئا نهارا» (2)، و في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلا المغرب- الحديث-» (3). و نحوهما غيرهما.

(3) على المشهور، بل عن الحلي دعوى الإجماع عليه، لما تقدم من صحيح ابن سنان و صحيح أبي بصير، إلا أنّه قال عليه السّلام: «إلا المغرب فإنّ بعدهما أربع ركعات لا تدعهن في سفر و لا حضر». و لكن في خبر الفضل عن

ص: 279


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 7.

و كذا يسقط الصوم الواجب (4) عزيمة، بل المستحب أيضا إلا في بعض المواضع المستثنيات، فيجب عليه القصر في الرباعيات فيما عدا الأماكن الأربعة (5)، و لا يجوز له الإتيان بالنوافل النهارية بل و لا الوتيرة إلا بعنوان الرجاء و احتمال المطلوبية، لمكان الخلاف في سقوطها و عدمه (6)، و لا تسقط نافلة الصبح و المغرب، و لا صلاة الليل (7)، كما لا إشكال في أنّه يجوز الإتيان بغير الرواتب من الصلوات المستحبة (8).

مسألة 1: إذا دخل عليه الوقت و هو حاضر

(مسألة 1): إذا دخل عليه الوقت و هو حاضر، ثمَّ سافر قبل الإتيان بالظهرين يجوز له الإتيان بنافلتهما (9) سفرا، إن كان يصليهما

______________________________

الرضا عليه السّلام: «إنّما صارت العتمة مقصورة، و ليس تترك ركعتاها، لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوعا، ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع» (1)إلا أنّ إعراض المشهور عنه أوهنه، فالسقوط مبنيّ على عدّها من الرواتب. و عدمه مبنيّ على عدمه، و طريق الاحتياط قصد الرجاء في الإتيان بها لا الورود.

(4) لما يأتي في (فصل شرائط وجوب الصوم و صحته) إن شاء اللّه تعالى.

(5) راجع المسألة الحادية عشرة من هذا الفصل.

(6) راجع المسألة الثانية من أول كتاب الصلاة.

(7) للنصوص، و الإجماع، منها خبر الحرث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان أبي عليه السّلام لا يدع ثلاث عشرة ركعة في الليل في سفر و لا حضر» (2). و المراد به صلاة الليل و نافلة الفجر، و تقدم صحيح أبي بصير في نافلة المغرب.

(8) للإطلاق و الاتفاق، و عدم دليل على السقوط.

(9) لأنّ الأمر بالنوافل ليس أمرا غيريّا مترشحا عن الفريضة، كالأمر بالأذان

ص: 280


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 3.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.

قصرا و إن تركهما في الوقت يجوز له قضاؤها (10).

______________________________

و الإقامة مثلا. و لا ريب في أنّ حكمة تشريعها إنّما هي تتميم ما نقص من الفريضة من موجبات القبول، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «إنّما جعلت النافلة ليتم بها ما يفسد من الفريضة» (1) كما لا إشكال في سقوطها في السفر مع استغراقه لتمام الوقت. إنّما الكلام في أنّها نافلة الوقت، بمعنى أنّه مهما صح الإتيان بها في وقتها يتعلق الأمر بها و إن أتى بالفريضة مقصورة، أو أنّها تابعة لإتيان الفريضة تامة، سواء كان ذلك في أول الوقت أم آخره، و مقتضى الإطلاقات الكثيرة المرغبة إليها، و ما دل على أنّها بمنزلة الهدية صحة كل منهما فيجوز الإتيان بها مطلقا إلا مع استغراق السفر لتمام الوقت بحيث لم يتعلق الأمر بالنافلة أصلا، و يمكن استفادة ذلك من موثق عمار أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن الرجل إذا زالت الشمس و هو في منزله ثمَّ خرج في السفر.

فقال عليه السّلام: يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمَّ يصلّي الأولى بتقصير ركعتين، لأنّه قد خرج من منزله قبل أن تحضر الأولى. و سئل عليه السّلام: «فإن خرج بعد ما حضرت الأولى قال عليه السّلام: يصلّي الأولى أربع ركعات، ثمَّ يصلّي بعد النافلة ثمان ركعات لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير- و هو ركعتان- لأنّه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر» (2). و اشتماله على عدم دخول وقت الظهر بمجرد الزوال، و على أنّ العبرة في التقصير بحال الوجوب لا الأداء، و هو خلاف المشهور كما يأتي في المسألة التاسعة لا يضرّ بالاستدلال لصحة التفكيك في مفاد الخبر الواحد.

(10) لعموم ما دل على استحباب قضاء النوافل الشامل لهذه الصورة أيضا. ثمَّ إنّ المراد بالجواز في الموردين من هذه المسألة في مقابل نفي المشروعية، فيكون بمعنى الاستحباب أداء و قضاء.

ص: 281


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 10.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
مسألة 2: لا يبعد جواز الإتيان بنافلة الظهر في حال السفر

(مسألة 2): لا يبعد جواز الإتيان بنافلة الظهر في حال السفر إذا دخل عليه الوقت و هو مسافر و ترك الإتيان بالظهر حتى يدخل المنزل من الوطن أو محل الإقامة (11). و كذا إذا صلى الظهر في السفر ركعتين و ترك العصر إلى أن يدخل المنزل لا يبعد جواز الإتيان بنافلتها في حال السفر (12). و كذا لا يبعد جواز الإتيان بالوتيرة في حال السفر إذا صلّى العشاء أربعا في الحضر ثمَّ سافر، فإنّه إذا تمت الفريضة صلحت نافلتها (13).

مسألة 3: لو صلّى المسافر بعد تحقق شرائط القصر تماما

(مسألة 3): لو صلّى المسافر بعد تحقق شرائط القصر تماما، فإما أن يكون عالما بالحكم و الموضوع، أو جاهلا بهما أو

______________________________

(11) لأنّ المناط في سقوط النافلة ليس صرف وجود السفر فقط، بل المناط استغراق السفر لتمام الوقت و إتيان الفريضة قصرا، و بانتفاء أيّ منهما ينتفي التقصير عن النافلة. و هذا الوجه قريب جدّا، لكثرة ما ورد من الاهتمام بالنوافل و الترغيب إليها أداء و قضاء.

(12) لأنّه يجري فيها أيضا عين ما تقدم في نافلة الظهر.

(13) لعل هذه الجملة مستفادة من مجموع ما ورد من الأخبار المرغبة إلى النوافل و أنّها لا تسقط بإتيان الفريضة قصرا، لا أن تكون بنفسها خبرا معتبرا، لأنّ ما في صحيح الحناط هكذا «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال عليه السّلام: يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة» (1) فيدل على أنّه كلما تقصر الفريضة في السفر تسقط النافلة، و لا ربط له بالمقام- أصلا و عكسا- كما لا يخفى. و لكن الظاهر أنّ الصحيح ليس في مقام بيان الملازمة مطلقا، بل المنساق منه عرفا ليس إلا أنّ السفر يوجب التقصير في الفريضة و سقوط النافلة، كسائر الأدلة الواردة في التقصير في الجملة، فلا بد من استفادة سائر المسائل من الرجوع إلى دليل آخر من عموم أو إطلاق و نحوهما.

ص: 282


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 4.

بأحدهما، أو ناسيا (14) فإن كان عالما بالحكم و الموضوع عامدا في غير الأماكن الأربعة بطلت صلاته و وجب عليه الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه (15). و إن كان جاهلا بأصل الحكم، و أنّ حكم المسافر

______________________________

(14) أصول الأقسام خمسة: فتارة يعلم بالحكم و الموضوع، و أخرى يجهل بهما، و ثالثة يعلم بأحدهما و يجهل بالآخر، و رابعة مع التردد فيهما. و خامسة: مع نسيانهما أو أحدهما و تضرب الخمسة في الخمسة تصير الأقسام خمسة و عشرين، و مقتضى عدم تحقق الامتثال، و قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء في الجميع إلا إذا دل دليل عليه بالخصوص، مع أنّ الحكم متفق عليه بين الأصحاب.

(15) لعدم الإتيان بالمأمور به، مضافا إلى النص و الإجماع المدعى عن جمع منهم العلامة في التذكرة و الشهيد في الدروس. و في صحيح زرارة و محمد ابن مسلم: «قلنا لأبي جعفر عليه السّلام: رجل صلّى في السفر أربعا، أ يعيد، أم لا؟ قال عليه السّلام: إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له، فصلّى أربعا أعاد. و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها، فلا إعادة عليه» (1)، و في صحيح الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: صلّيت الظهر أربعا و أنا في سفر.

قال عليه السّلام: أعد»(2)، و في خبر الأعمش: «و من لم يقصر في السفر لم تجز صلاته، لأنّه زاد في فرض اللّه عزّ و جل» (3).

و المراد بالإعادة في صحيح زرارة و الحلبي عدم الإجزاء و إتيان الصلاة ثانيا، بلا فرق بين الوقت و خارجه لا الإعادة في مقابل القضاء. و يجب تقييد الأخيرين بصحيح زرارة، لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

و أما صحيح العيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل صلّى و هو مسافر فأتم الصلاة. قال عليه السّلام: إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا» (4)، فإما أن يكون بينه و بين صحيح زرارة التباين،

ص: 283


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة المسافر حديث: 8.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

.....

______________________________

بدعوى: أنّ المنساق منه عرفا خصوص الناسي للسفر، فلا تعارض بينه و بين صحيح زرارة، لاختلاف موردهما بالجهل و النسيان. و إما أن تكون النسبة بينهما العموم المطلق، بدعوى: أنّ صحيح العيص شامل للناسي و الجاهل و غيره، و صحيح زرارة مختص بخصوص الجاهل بالحكم فقط، فلا ريب في لزوم تقييد إطلاق صحيح العيص بالجاهل بالحكم. و إما أن تكون النسبة بينهما العموم من وجه، بدعوى: اختصاص صحيح زرارة بخصوص الجاهل بالحكم و إطلاقه بالنسبة إلى الوقت و خارجه، و اختصاص صحيح العيص بخصوص الإعادة في الوقت و إطلاقه بالنسبة إلى الجاهل و غيره، فيجتمعان على سقوط القضاء عن الجاهل، و يتعارضان بالنسبة إلى الإعادة في الوقت و بعد تساقطهما يرجع إلى قاعدة الاشتغال.

(ففيه): أنّ تساقط العامين من وجه في مورد التعارض إنّما هو مع عدم الترجيح لأحدهما، و إلا فلا وجه للتساقط، و الترجيح في المقام مع صحيح زرارة، للشهرة العظيمة، و المستفيضة الدالة على صحة الصوم مع الجهل المؤيدة للمقام.

و الحاصل: إنّ المسافر الجاهل بالحكم إن أتم تصح صلاته و لا شي ء عليه. فما نسب إلى الإسكافي و الحلبي من الإعادة في الوقت، لصحيح العيص، مخدوش. و العجب من دعوى الغنية الإجماع عليه، مع الشهرة العظيمة على عدم الإعادة. كما أنّ ما نسب إلى العماني من البطلان مطلقا و لزوم الإعادة و القضاء، تمسكا بإطلاق صحيح الحلبي. مخدوش أيضا.

إن قيل: تخصيص وجوب القصر بالعالمين به دور صريح، مع أنّ إطلاق الدليل يشمل الجاهل القاصر و المقصر، و ظاهرهم العصيان في الثاني، و كيف يجمع العصيان مع صحة الصلاة.

قلت: لم يقل أحد باختصاص الوجوب بالعالم، بل الصحيح يدل على إجزاء التمام عن القصر في صورة الجهل تسهيلا من الشارع و امتنانا، كما في جميع موارد إجزاء غير الواقع عنه في الشريعة و هي كثيرة. هذا مع أنّ تقييد الحكم بالعالم به بنتيجة التقييد صحيح من دون دور في البين، كما أثبتناه في

ص: 284

التقصير لم يجب عليه الإعادة فضلا عن القضاء (16). و أما إن كان عالما بأصل الحكم و جاهلا ببعض الخصوصيات، مثل أنّ السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر، أو أنّ المسافة ثمانية، أو أنّ كثير السفر إذا أقام في بلده أو غيره عشرة أيّام يقصر في السفر الأول، أو أنّ العاصي بسفره إذا رجع إلى الطاعة يقصر و نحو ذلك و أتمّ وجب عليه الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه (17). و كذا إذا كان عالما بالحكم

______________________________

الأصول. و العقاب في المقصر إنّما هو على ترك الخصوصية القصرية المنتهي إلى اختياره مع عدم إمكان تداركها بعد إتيان الصلاة تماما فقد فوّت تلك الخصوصية على نفسه بسوء اختياره، مع كونها غير قابلة للتدارك بعد أن أتمّ الصلاة جهلا، مع أنّ في أصل ثبوت العقاب بحث، و على فرض ثبوته فهو مكفر بإتيان الصلاة تماما.

(16) لما تقدم في صحيح زرارة و محمد بن مسلم. و ظاهرهم الإجماع عليه أيضا. ثمَّ إنّ الأقسام. مع الجهل بالحكم أربعة: الجهل بالموضوع، و العلم به، و التردد فيه، و نسيانه. و تصح الصلاة في جميع هذه الأقسام الأربعة، لإطلاق الدليل الشامل لها.

ثمَّ إنّه إما أن لا يعلم بالحكم أصلا، أو يعلم به بعد الفراغ من الصلاة، أو يعلم به في أثنائها. و لا ريب في الإجزاء في الأوّلين، و في الأخير إن أمكن العدول إلى القصر يعدل، و إلا تتم صلاته و لا شي ء عليه و إن كان الأحوط الإعادة.

(17) لقاعدة الاشتغال في جميع ذلك بعد أن كان المتفاهم من صحيح زرارة و محمد بن مسلم خصوص الجهل بأصل الحكم فقط، و هو المتيقن من الإجماع أيضا. و الشك في إطلاق الدليل يكفي في عدم جواز التمسك بإطلاقه في الحكم المخالف للقاعدة. نعم، مع الجهل بالحكم يكون معذورا، سواء كان جاهلا بالموضوع أم عالما به، أو ناسيا له أو مترددا فيه، فتصح الصلاة في أربع صور مع الجهل بالحكم، للإطلاق الشامل للجميع، كما مرّ.

ص: 285

جاهلا بالموضوع كما إذا تخيل عدم كون مقصده مسافة مع كونه مسافة، فإنّه لو أتمّ وجب عليه الإعادة أو القضاء. و أما إذا كان ناسيا لسفره (18)، أو أنّ حكم السفر القصر (19)، فأتمّ فإن تذكر في الوقت وجب عليه الإعادة و إن لم يعد وجب عليه القضاء في خارج الوقت (20)، و إن تذكر بعد خروج الوقت لا يجب عليه القضاء (21). و أما إذا لم يكن

______________________________

(18) للإجماع، و لما تقدم من صحيح العيص الظاهر في النسيان عرفا، و لخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات. قال عليه السّلام: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه» (1). و المراد باليوم وقت الصلاة فيشمل العشاء أيضا، و المتيقن من الإجماع و المنساق من صحيح العيص و خبر أبي بصير نسيان الموضوع، و المرجع في غيره قاعدة الاشتغال كما تقدم الجاهل بالحكم.

(19) مقتضى القاعدة عدم الإجزاء في ناسي الحكم، و لا إطلاق في الدليل يشمله أيضا، و يكفي الشك في عدم الشمول، لأنّه حينئذ من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، فتجب الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه الا أن يقال: إنّه بعد أن كان جاهل الحكم معذورا نصّا و إجماعا، فالناسي له أيضا كذلك، للقطع بعدم الفرق بينهما في العذرية، لكن الشأن في ثبوت القطع، لعدم الفرق بينهما.

(20) لقاعدة الاشتغال، و لعموم قضاء الفائت مثل ما فات من غير مخصص.

(21) لما تقدم من صحيح العيص، و خبر أبي بصير، و لظهور الإجماع و لا فرق في عدم القضاء في مورد نسيان الموضوع بين العلم بالحكم، أو الجهل به، أو نسيانه أيضا، أو التردد فيه، فتصير الصور أربعا، كما في الجهل بالحكم،

ص: 286


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

ناسيا للسفر و لا لحكمه و مع ذلك أتمّ صلاته ناسيا وجب عليه الإعادة و القضاء (22).

مسألة 4: حكم الصوم فيما ذكر حكم الصلاة، فيبطل مع العلم و العمد

(مسألة 4): حكم الصوم فيما ذكر حكم الصلاة، فيبطل مع العلم و العمد (23) و يصح مع الجهل بأصل الحكم (24)، دون الجهل

______________________________

كل ذلك لإطلاق الدليل الشامل للجميع.

(22) لإطلاق أدلة التقصير على المسافر، و قاعدة الاشتغال، و عدم دليل على الإجزاء، و هذا هو المشهور.

(فرع): لو أتم في محل بزعم أنّه من مواضع التخيير فبان الخلاف وجب عليه الإعادة أو القضاء قصرا، لقاعدة الاشتغال. و لو أتم في محل جهلا أو نسيانا فبان أنّه من مواضع التخيير تصح و لا شي ء عليه، لوجود المقتضي و فقد المانع.

(23) للنص، و الإجماع، بل ضرورة المذهب، قال الصادق عليه السّلام: «الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر» (1)، و قال عليه السّلام أيضا: «لو أنّ رجلا مات صائما في السفر ما صلّيت عليه» (2)، و يأتي بقية الكلام في محله إن شاء اللّه.

(24) لنصوص كثيرة، و ظهور الإجماع:

منها: صحيح البصري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال عليه السّلام: إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فليس عليه القضاء، و قد أجزأ عنه الصوم» (3)، و عنه عليه السّلام في صحيح العيص: «من صام في السفر بجهالة لم يقضه» (4)، و مثله صحيح ليث (5)، و في صحيح الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صام في السفر، فقال عليه السّلام: إن كان بلغه أنّ

ص: 287


1- الوسائل باب: 1 من أبواب من يصح الصوم منه حديث: 15.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب من يصح الصوم منه حديث: 9.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب من يصح الصوم عنه حديث: 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب من يصح الصوم عنه حديث: 5.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب من يصح الصوم عنه حديث: 6.

بالخصوصيات و دون الجهل بالموضوع (25).

مسألة 5: إذا قصر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد

(مسألة 5): إذا قصر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد (26)، إلا في المقيم المقصر للجهل بأنّ حكمه التمام (27).

______________________________

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه» (1).

(25) كل ذلك لإطلاق ما دل على بطلان الصوم في السفر من دون ما يصلح للتقييد، و تقتضيه قاعدة الاشتغال أيضا، و كذا الناسي للموضوع فلا يجزيه صومه في السفر و إن صحت صلاته تماما فيه، و ذلك للدليل في الصلاة دون الصوم، و تلازم القصر و الإفطار و الإتمام، و الصيام لم يثبت على نحو الكلية.

نعم، يصح في الجملة في الموارد التي عمل بها الفقهاء.

(26) لإطلاق دليل التكليف الواقعي، و قاعدة الاشتغال، و يظهر منهم الإجماع عليه أيضا.

(27) مقتضى الإطلاقات، و قاعدة الاشتغال البطلان فيه أيضا. نعم، في صحيح ابن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أتيت بلدة، فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن تركه رجل جاهلا فليس عليه إعادة» (2) و لكن إعراض المشهور عنه- إذ لم يحك الفتوى بمضمونه الا عن ابن سعيد و بعض متأخري المتأخرين- يوجب الوهن فيه.

و أما خبر محمد بن إسحاق بن عمار: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة كانت معنا في السفر، و كانت تصلّي المغرب ركعتين ذاهبة و جائية. قال عليه السّلام: ليس عليها قضاء» (3). فهو من الشواذ التي لا بد من رده إلى أهله، إذا لم يحك القول بمضمونه لا من متقدم و لا متأخر، كما في المستند.

ص: 288


1- الوسائل باب: 2 من أبواب من يصح الصوم عنه حديث: 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة المسافر حديث: 7.
مسألة 6: إذا كان جاهلا بأصل الحكم، و لكن لم يصلّ في الوقت

(مسألة 6): إذا كان جاهلا بأصل الحكم، و لكن لم يصلّ في الوقت وجب عليه القصر في القضاء بعد العلم به (28)، و إن كان لو أتمّ في الوقت كان صحيحا، فصحة التمام منه ليس لأجل أنّه تكليفه، بل من باب الاغتفار (29)، فلا ينافي ما ذكرنا قوله: «اقض ما فات كما فات»، ففي الحقيقة الفائت منه هو القصر، لا التمام. و كذا الكلام في الناسي للسفر أو لحكمه، فإنّه لو لم يصلّ أصلا- عصيانا أو لعذر- وجب عليه القضاء قصرا.

مسألة 7: إذا تذكر الناسي للسفر أو لحكمه في أثناء الصلاة

(مسألة 7): إذا تذكر الناسي للسفر أو لحكمه في أثناء الصلاة، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّ الصلاة قصرا (30) و اجتزأ بها، و لا يضرّ كونه ناويا من الأول للتمام، لأنّه من

______________________________

(28) لأنّ المنساق من الأدلة أنّ حكم التمام ما داميّ لا دائميّ، يعني إنّه يجزي لو أتى بها ما دام الجهل، و لذا لو أتم القضاء قبل العلم بالخلاف، فالظاهر الإجزاء.

(29) كما في جميع التكاليف العذرية، فإنّها لا تقلب الواقع عما هو عليه، بل هي تسهيلات شرعية ما دامية، أي في وقت العذر فقط، فمع الإتيان بها في ظرف العذر تكفي عن الواقع، و مع العدم يبقى الواقع على ما هو عليه، و الظاهر أنّ المرتكزات العرفية في التكاليف الدائرة بهم تقتضي ذلك أيضا.

(30) الظاهر، بل المقطوع به بحسب الأدلة و عند المتشرعة أنّ حقيقة الصلاة واحدة و إن اختلفت حالات المصلّين من حيث القصر و التمام، و الجماعة و الفرادى، و الصحة و المرض، و غير ذلك من العوارض التي لا تحصى، فلو دخلنا أول الظهر في مسجد و بعض الناس يصلي الظهر فرادى، و آخر يصليها جماعة، و ثالث يصليها قصرا، و رابع يصليها تماما، و خامس يصليها قاعدا و سادس يصليها مضطجعا، و بعض بالإيماء و الإشارة إلى غير ذلك نحكم بالوجدان أنّ الكل يصلون صلاة الظهر مع هذا الاختلاف الفاحش بلا فرق بين

ص: 289

.....

______________________________

القول بالصحيح أو الأعم، لأنّ الصحيح له عرض عريض جدّا، فالحقيقة واحدة في جميع الصلوات، و الاختلاف إنّما هو في الخصوصيات، و هل تكون تلك الخصوصيات متقوّمة بالقصد كتقوّم الصلاة به، فالحاضر إذا لم يقصد التمام تبطل صلاته، و المنفرد إن لم يقصد الانفراد لا صلاة له، و المسافر إن لم يقصد القصر تفسد صلاته، و كذا بالنسبة إلى الاضطجاع و القعود و القيام و نحوها. أو أنّها خصوصيات انطباقية قهرية، فكل من صح شرعا انطباق القصر على صلاته و سلم على الركعتين تصح صلاته- قصد القصرية أم لا- و هكذا التمام و الفرادى و صلاة المرضى بشتى أنواعها؟ مقتضى الأصل و الإطلاق، بل السيرة عدم اعتبار قصد هذه الخصوصيات مطلقا بعد تحقق قصد أصل الصلاة المأمور بها، سواء كانت هذه الجهات من خصوصيات الأمر أم من خصوصيات المأمور به، إذ لا فرق في جريان الأصل و الإطلاق بينهما، بل مقتضاهما الصحة و الإجزاء حتى أنّه لو قصد إحدى تلك الخصوصيات في محل الأخرى، و لكنه أتى بما هو تكليفه الفعلي جامعا للشرائط.

نعم، لو كان ذلك عمدا، فالصحة و الإجزاء مبنيّ على أنّه تشريع أم لا، و على الأول فهل يكون هذا القسم من التشريع موجبا للبطلان؟ و لا دليل على أنه من التشريع مطلقا، لاحتمال أن يكون قصده من اللغو الباطل الذي لا أثر له أصلا، كما لا دليل على كون هذا القسم من التشريع- على فرض كونه تشريعا- يوجب البطلان، لأنّ المتيقن من الإجماع- الذي ادعوه على أنّ التشريع يوجب بطلان العبادة- إنّما هو فيما إذا كان في قيود المأمور به، لا في مثل هذه الجهات. هذا إذا لم يوجب فقد قصد القربة، و إلا فلا وجه للصحة مطلقا.

ثمَّ إنّ كلما لا يكون قصده مقوّما لا يضرّ قصد خلافه إلا إذا أضرّ بالقربة، فلو قصد الإتمام في محل القصر عمدا أو بالعكس و سلم على الركعتين في الأول، و على الأربع في الأخير تصح صلاته مع تحقق جميع الأجزاء و الشرائط من القربة و غيرها، للأصل و الإطلاق، هذا في صورة العمد فكيف بغيرها.

فتلخص: أنّه يكفي تحقق قصد النوع الخاص من الصلاة- كالظهر و العصر مثلا- في الصحة بعد تحقق القربة. فإن كان مكلفا بالقصر و أمكن إتمامها قصرا

ص: 290

باب الداعي و الاشتباه في المصداق، لا التقييد فيكفي قصد الصلاة و القربة بها. و إن تذكر بعد ذلك بطلت و وجب عليه الإعادة مع سعة الوقت، و لو بإدراك ركعة من الوقت (31)، بل و كذا لو تذكر بعد الصلاة تماما و قد بقي من الوقت مقدار ركعة، فإنّه يجب عليه إعادتها قصرا (32). و كذا الحال في الجاهل بأنّ مقصده مسافة إذا شرع في

______________________________

تصح كذلك، و إن كان مكلفا بالتمام و أمكن إتمامها تماما تصح تماما. و تسمية بعض ذلك من العدول فيه مسامحة واضحة.

(31) أما البطلان فلزيادة الركوع. و أما وجوب الإعادة و لو بإدراك ركعة، فلقاعدة الاشتغال، و لقاعدة من أدرك.

فروع- (الأول): إذا ضاق الوقت حتى عن إدراك الركعة، فإنّه يمكن القول بالصحة، و عدم وجوب القضاء، لأنّ ظاهر قوله عليه السّلام: «إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا». أنّ وجوب الإعادة متوقف على التذكر في زمان يمكن فيه الإعادة بحسب الوظيفة الشرعية و لو بإدراك ركعة، و أما مع عدم التمكن منها كذلك، فلا موضوع لها، و المفروض أنّه لا يجب القضاء أيضا. و بعبارة أخرى: فإما أن تجب الإعادة في الوقت، و المفروض عدم التمكن منها، أو القضاء، و المفروض عدم وجوبه فتتعيّن الصحة لا محالة.

(الثاني): لو بقي من الوقت ركعة و شرع في الصلاة بقصد التمام و لما خرج الوقت تذكر، يمكن القول بالصحة و الإجزاء، لعين ما مرّ في الفرع الأول.

(الثالث): إذا صلّى تماما في الوقت و بعد خروج الوقت علم ببطلان صلاته يجب عليه القضاء قصرا، لعدم الإتيان بالمأمور به.

(32) لصدق قوله عليه السّلام: «إن كان في وقت فليعد»(1). فإنّه أعم من الوقت الحقيقي الخارجي و التنزيلي الشرعي، لأنّ قاعدة (من أدرك) شارحة و مفسرة لمثل هذا الحديث و حاكمة عليه.

ص: 291


1- تقدم في صفحة: 283.

الصلاة بنية التمام ثمَّ علم بذلك، أو الجاهل بخصوصيات الحكم إذا نوى التمام ثمَّ علم في الأثناء أنّ حكمه القصر (33)، بل الظاهر أنّ حكم من كان وظيفته التمام إذا شرع في الصلاة بنية القصر جهلا ثمَّ تذكر في الأثناء العدول إلى التمام (34)، و لا يضرّه أنّه نوى من الأول ركعتين مع أنّ الواجب عليه أربع ركعات لما ذكر من كفاية قصد الصلاة متقربا و إن تخيل أنّ الواجب هو القصر، لأنّه من باب الاشتباه في التطبيق و المصداق، لا التقييد. فالمقيم الجاهل بأنّ وظيفته التمام إذا قصد القصر ثمَّ علم في الأثناء يعدل إلى التمام و يجتزئ به، لكن الأحوط الإتمام و الإعادة (35)، بل الأحوط في الفرض الأول أيضا الإعادة قصرا بعد الإتمام قصرا.

مسألة 8: لو قصر المسافر اتفاقا لا عن قصد

(مسألة 8): لو قصر المسافر اتفاقا لا عن قصد، فالظاهر صحة صلاته (36)،

______________________________

(33) فإنّه يتم الصلاة قصرا مع الإمكان، و إلا فيستأنفها كذلك.

(34) لكون ذلك مطابقا للقاعدة، و لا فرق فيها بين الموارد، و تسمية نحو ذلك من العدول مسامحة، لأنّ مورد العدول ما كان متقوّما بالقصد، كالظهرية و العصرية، و تقدم أنّ القصرية و التمامية ليستا مما يتقوّمان بالقصد، فراجع.

(35) خروجا عن شبهة اعتبار الجزم بالنية حتى بالنسبة إلى هذه الجهات من أول الصلاة.

(36) لإتيانه بالمأمور به، فتشمله إطلاقات الأدلة. و منشأ البطلان أمور كلها مخدوشة:

الأول: دعوى صاحب الجواهر عدم وجدان الخلاف في البطلان و فيه: على فرض كونه من الإجماع، فالمتيقن منه ما إذا أوجب ذلك الإخلال بشي ء من المأمور به جزءا أو شرطا، و المفروض عدمه.

الثاني: أنّه تشريع. و فيه: أنّه لا تشريع إلا في مورد الالتفات،

ص: 292

و إن كان الأحوط الإعادة (37)، بل و كذا لو كان جاهلا بأنّ وظيفته القصر فنوى التمام، لكنّه قصر سهوا (38) و الاحتياط بالإعادة في هذه الصورة آكد و أشدّ (39).

مسألة 9: إذا دخل عليه الوقت و هو حاضر متمكن من الصلاة و لم يصلّ

(مسألة 9): إذا دخل عليه الوقت و هو حاضر متمكن من الصلاة و لم يصلّ، ثمَّ سافر، وجب عليه القصر. و لو دخل عليه الوقت و هو مسافر، فلم يصلّ حتى دخل المنزل من الوطن، أو محل الإقامة، أو حدّ الترخص منهما أتم فالمدار على حال الأداء، لا حال الوجوب

______________________________

و المفروض أنّه غير ملتفت، فكيف يكون تشريعا، و على فرضه فكون مثل هذا القسم من التشريع موجبا للبطلان أول الدعوى.

الثالث: أنّ التسليم وقع بلا قصد إليه، فيبطل من هذه الجهة. و فيه: أنّه يكفي القصد الإجمالي و الارتكازي المصادف للواقع، و هو متحقق قهرا.

الرابع: فقد قصد التقرب. و فيه: أنّ المفروض تحققه، مع أنّه لا اختصاص لهذا الإشكال بالمقام. فالمقتضي للصحة موجود، و المانع عنها مفقود، فيتعيّن الحكم بالصحة لا محالة.

(37) لشبهة احتمال اعتبار الجزم حتى في هذه الخصوصيات.

(38) يجري ما تقدم في الصورة السابقة هنا أيضا إشكالا و جوابا.

(39) لاحتمال أن يكون تكليفه التمام لأجل جهله، كما تقدم في المسألة الثالثة، فما أتى به ليس بمأمور به، و ما كان مأمورا به لم يؤت به. و فيه: أنّ الجهل لا يغيّر الواقع عما هو عليه. نعم، لو أتى بالتمام جهلا يكون معذورا في ترك الواقع. و أما لو أتى بالقصر فقد أتى بما ثبت عليه في الواقع، و مقتضى القاعدة الإجزاء حينئذ. نعم، لو قيل بانقلاب الواقع لأجل الجهل لا وجه للإجزاء حينئذ، و من ذلك تظهر الخدشة في أشدّية الاحتياط و آكديته، هذا كله إن كان الجهل بأصل الحكم، و إلا فلا وجه لهذه الشبهة أصلا.

ص: 293

و التعلق (40). لكن الأحوط في المقامين الجمع.

______________________________

(40) على المشهور فيهما شهرة عظيمة، و عن السرائر: في الأول دعوى الإجماع عليه، و في الثاني أنّه لم يذهب إلى ذلك- أي إلى أنّ المدار على وقت الوجوب- أحد، و لم يقل به فقيه، و لا مصنف ذكره في كتابه لا منا و لا من مخالفينا. و تقتضيه مرتكزات المتشرعة، و إطلاقات الأدلة.

و أما الأخبار الخاصة الواردة، فعلى أقسام: الأول: ما هو ظاهر، بل نصّ في أنّ المدار على وقت الأداء، كصحيح إسماعيل بن جابر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر، فلا أصلّي حتى أدخل أهلي، فقال عليه السّلام: صلّ، و أتم الصلاة. قلت: فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر، فلا أصلّي حتى أخرج فقال عليه السّلام: فصلّ، و قصر، فإن لم تفعل فقد خالفت و اللّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» (1).

و هذا الحديث من المحكمات التي لا وجه لعروض شبهة فيه، فإن أمكن رد غيره إليه، و إلا لا بد من رده إلى أهله.

و صحيح العيص عنه عليه السّلام أيضا: «عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر، ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها. قال عليه السّلام: يصلّيها أربعا، و قال عليه السّلام: لا يزال يقصر حتى يدخل بيته» (2).

و صحيح محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يريد السفر، فيخرج حتى تزول الشمس، فقال عليه السّلام: إذا خرجت فصلّ ركعتين» (3).

و خبر الوشاء: «سمعت الرضا عليه السّلام يقول: إذا زالت الشمس و أنت

ص: 294


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

.....

______________________________

في المصر، و أنت تريد السفر فأتم. فإذا خرجت و أنت بعد الزوال قصر العصر» (1).

و في الفقه الرضوي: «فإن خرجت من منزلك، و قد دخل عليك وقت الصلاة في الحضر فلم تصلّ حتى خرجت، فعليك التقصير، و إن دخل عليك وقت الصلاة في السفر و لم تصلّ حتى تدخل أهلك فعليك التمام» (2). هذه هي أدلة المشهور من الأخبار الخاصة.

القسم الثاني: ما دل على أنّ المدار على وقت الوجوب لا الأداء، كصحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدخل من سفره، و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق، فقال عليه السّلام: يصلّي ركعتين. و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعا» (3).

و صحيحه الآخر عنه عليه السّلام: «عن رجل يدخل مكة من سفره، و قد دخل وقت الصلاة. قال عليه السّلام: يصلّي ركعتين. فإن خرج إلى سفر، و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعا» (4).

و فيه: أنّه يمكن أن يكون إرشادا إلى إتيان الصلاة في أول الوقت و ليس في مقام بيان جهة أخرى.

و خبر موسى بن بكر عن أبي جعفر عليه السّلام: «عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر، فأخّر الصلاة حتى قدم و هو يريد يصليها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها. قال عليه السّلام:

يصليها ركعتين صلاة المسافر، لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي له أن يصلّي عند ذلك» (5).

ص: 295


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 12.
2- مستدرك الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.
5- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.

.....

______________________________

و صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام المنقول عن السرائر: «في رجل مسافر نسي الظهر و العصر حتى دخل أهله، قال عليه السّلام: يصلّي أربع ركعات. و قال لمن نسي الظهر و العصر و هو مقيم حتى يخرج، قال عليه السّلام:

يصلّي أربع ركعات في سفره. و قال عليه السّلام: إذا دخل على الرجل وقت و هو مقيم، ثمَّ سافر، صلّى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره» (1).

و خبر بشير النبال: «خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام حتى أتينا الشجرة، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا نبال، قلت: لبيك. قال عليه السّلام: إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري و غيرك. و ذلك: أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج» (2).

و فيه: أنّه يحتمل أن يكون المراد إتيان الصلاة في أول الوقت في المدينة، إذ من المستبعد أن لا يصلّي أبو عبد اللّه عليه السّلام صلاته في أول الوقت في مسجد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قد جرت عادة العوام فضلا عن الإمام عليه السّلام. إلى غير ذلك من الأخبار.

و يرد عليها: أنّ ما كان منها قابلا للتوجيه للحمل على القسم الأول يوجه.

و ما لم يكن كذلك يرد علمه إلى أهله، لعدم مقاومته لصحيح ابن جابر المشتمل على التأكيد بالحلف و مخالفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

القسم الثالث: ما يظهر منه التخيير، كصحيح ابن حازم قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله، فسار حتى يدخل أهله، فإن شاء قصر، و إن شاء أتم. و الإتمام أحب إليّ» (3). و فيه: أنّه يمكن أن يكون المراد به التخيير في الموضوع، يعني إن شاء صلّى في السفر فيقصر لا محالة، و إن شاء صلّى في أهله فيتم لا محالة.

و نسب الشيخ رحمه اللّه الجمع بين القسمين الأولين بالحمل على التخيير، و جعل

ص: 296


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 13.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 9.
مسألة 10: إذا فاتت منه الصلاة، و كان في أول الوقت حاضرا و في آخره مسافرا أو بالعكس

(مسألة 10): إذا فاتت منه الصلاة، و كان في أول الوقت حاضرا و في آخره مسافرا أو بالعكس، فالأقوى أنّه مخيّر بين القضاء قصرا أو تماما (41)، لأنّه فاتت منه الصلاة في مجموع الوقت،

______________________________

هذا الصحيح شاهدا للجمع. و فيه: أنّ الجمع الدلالي بين القسمين غير ممكن، و كيف يصح ذلك مع حلف أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن جابر بأنّ في تركه مخالفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و إن كان المراد التخيير الأصولي فهو متوقف على فقد المرجح، و لا ريب في أنّ الترجيح مع المشهور، لأنّ ما خالف صحيح ابن جابر خلاف السنة بصريح الحلف، فكيف يحتمل صدوره لحكم اللّه الواقعي حتى يتحقق التعارض.

القسم الرابع: ما عن إسحاق بن عمار: «سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: «في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة، فقال عليه السّلام: إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصر» (1)، و مثله صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال عليه السّلام: إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل و ليتم، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ و ليقصر» (2). و يمكن أن يكون معناه إن كان لا يخاف فوت الوقت و هو في السفر فليدخل إلى أهله و ليتم الصلاة، و إن كان يخاف الفوت و هو في السفر فليقصر حال كونه في السفر، فلا ينافي القسم الأول، و مع الجمود على كونه ظاهرا في دوران الحكم مدار خوف الفوت و عدمه، فليرد علمه إلى أهله لمخالفته لصحيح ابن جابر، و ظاهر مما تقدم وجه الاحتياط، و أنّه في الأول أشد.

(41) الظاهر وضوح كونه بلحاظ آخر الوقت بحسب مرتكزات المتشرعة لأنّ القضاء إن كان عبارة عن تدارك ما فات، فالفوت بأنظار العرف و المتشرعة يتحقق في آخر الوقت. و إن كان عبارة عن إتيان ما ترك في الوقت، فليس كل ترك في

ص: 297


1- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة المسافر حديث: 8.

و المفروض أنّه كان مكلّفا في بعضه بالقصر و في بعضه بالتمام. و لكن الأحوط مراعاة حال الفوت، و هو آخر الوقت (42)، و أحوط منه الجمع بين القصر و التمام (43).

مسألة 11: الأقوى كون المسافر مخيّرا بين القصر و التمام في الأماكن الأربعة

(مسألة 11): الأقوى كون المسافر مخيّرا بين القصر و التمام في الأماكن الأربعة (44) و هي مسجد الحرام و مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،

______________________________

الوقت موجبا للقضاء، بل خصوص الترك الذي لا يقدر المكلف شرعا بإتيانه في الوقت، و هو منحصر بالترك في آخر الوقت فقط. و إسناد الفوت إلى مجموع الوقت و إن صح أيضا، و لكنه إسناد مسامحيّ باعتبار اشتماله على ما يتحقق به الفوت، و هو الجزء الأخير.

و ما ذكره (قدّس سرّه) من التخيير إنّما يصح فيما لم يكن ترجيح في البين من مرتكزات المتشرعة، و الأنظار العرفية في الاستظهارات من الأدلة و إلا فلا وجه للتخيير.

و أما ما تقدم من خبر موسى بن بكر (1)الظاهر في دوران القضاء مدار وقت الوجوب. (ففيه) أولا: عدم توثيقه بما يصح الاعتماد عليه. و ثانيا: تعليله عليه السّلام بقوله: «لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك».

مخالف لما تقدم من صحيح ابن جابر، فيشكل إطلاق الحكم المعلل به بعد سقوط التعليل بتقديم صحيح ابن جابر عليه.

(42) ظهر مما مر أنّه المتعيّن.

(43) لحسن الاحتياط في كل حال، و يكفي في حسنه مجرّد الاحتمال.

(44) على المشهور، و عن السرائر و الخلاف الإجماع عليه، و في الوسائل أنّه مذهب جميع الإمامية أو أكثرهم. و نسب إلى الصدوق رحمه اللّه وجوب التقصير إلا مع قصد الإقامة، و الأفضل أن يقصدها. و نسب إلى المرتضى

ص: 298


1- تقدم في صفحة: 295.

.....

______________________________

رحمه اللّه أنّه لا يقصر في مكة، و مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و مشاهد القائمين مقامه. و منشأ الخلاف اختلاف الأخبار، فإنّها على أقسام ثلاثة:

القسم الأول: ما يكون ظاهره وجوب التمام، كصحيح حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من مخزون علم اللّه الإتمام في أربعة مواطن:

حرم اللّه، و حرم رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و حرم أمير المؤمنين عليه السّلام، و حرم الحسين بن عليّ عليه السّلام» (1).

و في خبر أبي بصير عنه عليه السّلام أيضا: «تتم الصلاة في أربعة مواطن:

في المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و مسجد الكوفة، و حرم الحسين عليه السّلام» (2).

و في خبر عبد الحميد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «تتم الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و مسجد الكوفة، و حرم الحسين عليه السّلام» (3).

و في صحيح مسمع عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما، و يقول: إنّ الإتمام فيهما من الأمر المذخور» (4) إلى غير ذلك من الأخبار.

القسم الثاني: ما هو ظاهر في وجوب القصر، كصحيح وهب «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التقصير في الحرمين و التمام، فقال عليه السّلام: لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام. فقلت: إنّ أصحابنا رووا عنك أنّك أمرتهم بالتمام، فقال عليه السّلام: إنّ أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون و يأخذون نعالهم و يخرجون، و الناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة، فأمرتهم بالتمام» (5).

و قريب منه صحيحه الآخر (6) و صحيح ابن بزيع: «سألت الرضا عليه السّلام عن الصلاة بمكة و المدينة تقصير أو إتمام؟ فقال عليه السّلام: قصر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام» (7).

ص: 299


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 25.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 14.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 34.
6- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 27.
7- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 32.

.....

______________________________

و صحيح علي بن حديد: «سألت الرضا عليه السّلام فقلت: إنّ أصحابنا اختلفوا في الحرمين، فبعضهم يقصر، و بعضهم يتم، و أنا ممن يتم على رواية أصحابنا في التمام، و ذكرت عبد اللّه بن جندب أنّه كان يتم، فقال عليه السّلام:

رحم اللّه ابن جندب، ثمَّ قال لي: لا يكون الإتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام، و صلّ النوافل ما شئت. قال ابن حديد: و كان محبتي أن يأمرني بالإتمام» (1).

و صحيح ابن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل قدم مكة فأقام على إحرامه، قال عليه السّلام: فليقصر الصلاة ما دام محرما» (2) إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في وجوب القصر.

القسم الثالث: ما هو نص في التخيير، كصحيح عليّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام: «في الصلاة بمكة قال عليه السّلام: من شاء أتم، و من شاء قصر» (3).

و في صحيحه الآخر: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام: عن التقصير بمكة، فقال عليه السّلام: أتم، و ليس بواجب إنّي أحب لك ما أحب لنفسي» (4).

و خبر ابن حمران: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أقصر في مسجد الحرام- أو أتم؟ قال عليه السّلام: إن قصرت فلك، و إن أتممت فهو خير، و زيادة الخير خير» (5).

و عن ابن المختار عن أبي إبراهيم: «إذا دخلنا مكة و المدينة نتم أو نقصر؟

قال عليه السّلام: إن قصرت فذلك، و إن أتممت فهو خير تزداد» (6).

و في خبر الخثعمي: «كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام أسأله عن الصلاة في المسجدين أقصر أم أتم؟ فكتب عليه السّلام إليّ: أي ذلك فعلت فلا بأس، قال: فسألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عنها مشافهة فأجابني بمثل ما أجابني أبوه إلا أنّه قال عليه السّلام في الصلاة قصر» (7).

ص: 300


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 33.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 10.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 19.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 11.
6- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 16.
7- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 28.

و مسجد الكوفة، و الحائر الحسينيّ عليه السّلام (45) بل التمام هو الأفضل،

______________________________

فلا ريب في ظهور مجموع الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض في التخيير مع أفضلية التمام. هذا إذا كان قد صدر القسمان الأولان لبيان الحكم الواقعي. و أما إذا صدرا للتقية، فيتعيّن الأخذ بالأخير، و يشهد لصدور القسم الأول لها ما مر من صحيح ابن وهب، و قريب منه صحيحه الآخر (1)، كما يشهد لصدور القسم الثاني للتقية صحيح ابن الحجاج: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إنّ هشاما روى عنك أنّك أمرته بالتمام في الحرمين، و ذلك من أجل الناس. قال عليه السّلام: لا، كنت أنا و من مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة، و استترنا من الناس» (2).

و يستفاد منه أنّ ما صدر من أخبار التقصير صدر موافقا للعامة، لأنّ الإتمام في الأماكن الأربعة كان من العلم المخصوص بالأئمة، و من العلم المخزون، كما في بعض الروايات، فيكون المقصود من التقية عدم إظهار هذا العلم المخزون عند غير أهله، و عدم إفشائه إلا إلى أهله، كما أنّه يحتمل صدور أخبار التخيير للتقية أيضا، لأنّه مذهب جمع من العامة.

(45) إذا ورد عام و خاص و كان الخاص منفصلا، و مرددا بين الأقل و الأكثر من جهة الشبهة الموضوعية الخارجية، يرجع إلى العام في غير المتيقن ففي المقام يرجع إلى عمومات التقصير للمسافر في غير ما علم التخصيص به، هذا بحسب القاعدة. و أما الأخبار الخاصة، فهي في الحرمين على أقسام أربعة:

الأول: ما يشتمل على لفظ الحرم، كما تقدم في صحيح حماد بن عيسى (3)، و صحيح عليّ بن حديد (4)، و صحيح معاوية بن وهب (5) و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّم.

الثاني: ما يشتمل على لفظ مكة و المدينة، كصحيح ابن الحجاج:

ص: 301


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 27.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
3- تقدم في القسم الأول من الأخبار المتقدمة.
4- تقدم في القسم الثاني من الأخبار المتقدمة.
5- تقدم في القسم الثاني من الأخبار المتقدمة.

.....

______________________________

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التمام بمكة و المدينة، فقال عليه السّلام:

أتم و إن لم تصلّ فيهما إلا صلاة واحدة» (1).

و قد تقدم في صحيح ابن بزيع (2)، و صحيح معاوية بن وهب الذي تقدم، و صحيحي عليّ بن يقطين (3).

الثالث: صحيح عليّ بن مهزيار: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين، فمنها: يأمر بتتميم الصلاة، و منها: أن يأمر بقصر الصلاة، بأن يتم الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها: يأمر أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام. و لم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا، فإن فقهاء أصحابنا أشاروا إلىّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة، فصرت إلى التقصير و قد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك. فكتب عليه السّلام بخطّه: قد علمت- يرحمك اللّه- فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر و تكثر فيهما من الصلاة. فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة:

إنّي كتبت إليك بكذا، و أجبت بكذا، فقال عليه السّلام: نعم. فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال عليه السّلام: مكة و المدينة» (4) و هذا الصحيح شارح للفظ الحرمين الوارد في غيره من الأخبار فلا وجه للتمسك بإطلاق لفظ الحرم، مع أنّه لم ينقل عن أحد التخيير فيه بالخصوص.

القسم الرابع: ما ورد فيه لفظ مسجد الحرام و مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كخبر أبي بصير (5)، و خبر عبد الحميد (6)، و خبر الخثعمي (7)، و مرسل إبراهيم بن أبي البلاد (8). و مقتضى ما ارتكز في أذهان

ص: 302


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.
2- تقدم في القسم الثاني من الأخبار.
3- تقدم ذلك في القسم الثالث من الأخبار.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
5- تقدم ذلك في القسم الأول من الأخبار المذكورة في أول المسألة.
6- تقدم ذلك في القسم الأول من الأخبار المذكورة في أول المسألة.
7- تقدم في القسم الثالث من الأخبار التي ذكرت في أول المسألة.
8- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 22.

.....

______________________________

المسلمين أنّ فضل مكة و المدينة إنّما هو لأجل المسجدين فيقيد القسم الثاني بالرابع خصوصا مع عادة المسافرين إليها على الصلاة في المسجدين مهما أمكنهم ذلك سيّما ما مر في صحيح معاوية بن وهب (1) و مع هذه القرينة يشكل الحكم بالترخيص في البلدين.

و أما حرم أمير المؤمنين عليه السّلام، فتارة: عبّر عنه بالحرم، كصحيح حماد بن عيسى (2)، و مرسل المصباح (3). و أخرى: بالكوفة، كما في خبر زياد القندي: «قال أبو الحسن عليه السّلام: يا زياد أحبّ لك ما أحب لنفسي، و أكره لك ما أكره لنفسي، فأتم الصلاة في الحرمين، و بالكوفة و عند قبر الحسين عليه السّلام» (4). و ثالثة: بمسجد الكوفة، كما في خبر أبي بصير المتقدم (5)، و مرسل حماد (6)، و خبر عبد الحميد (7)، و مرسل الفقيه (8)، و مرسل حذيفة بن منصور (9). و القرينة على خصوص مسجد الكوفة ظاهرة، و قد فسر حرم أمير المؤمنين عليه السّلام، بالكوفة كخبر حسان بن مهران: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: مكة حرم اللّه تعالى، و المدينة حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و الكوفة حرمي، لا يريدها جبار بحادثة إلا قصمه» (10).

و في خبر القلانسي: «إنّ الكوفة حرم اللّه، و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و حرم أمير المؤمنين عليه السّلام» (11). و الجمود على المتفاهم منها يقضي بكونها عبارة عما تحت القبة المباركة، و أما مسجد الكوفة فالمشهور عدم الترخيص

ص: 303


1- تقدم في القسم الثاني من الأخبار المذكورة في أول المسألة.
2- تقدم في القسم الأول من الأخبار التي ذكرت في أول المسألة.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 24.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 13.
5- تقدم في القسم الأول من الأخبار المذكورة في أول المسألة.
6- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 24.
7- تقدم في القسم الأول من الأخبار.
8- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 26.
9- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 23.
10- الوسائل باب: 16 من أبواب المزار حديث: 1.
11- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام المساجد حديث: 33.

.....

______________________________

فيها، بل ظاهرهم الإجماع عليه.

و أما حرم الحسين عليه السّلام، فعبّر عنه بالحرم تارة، كما في صحيح حماد (1)، و خبر عبد الحميد (2)، و خبر أبي بصير 7(3)، و مرسل حذيفة بن منصور (4)، و مرسل المصباح (5)، و بالحائر أخرى، كمرسل حماد (6)، و مرسل الفقيه (7). و عند قبر الحسين عليه السّلام ثالثة، كما في مرسل ابن أبي البلاد (8)، و خبر عمرو بن مرزوق (9)، و خبر أبي شبل (10). و المتيقن منها ما حول الضريح المبارك، و الحائر أطلق في أبواب زيارته على ما تحت قبته المباركة (11).

و أما التحديدات الواردة في حدّ حرم الحسين عليه السّلام- كما في خبر منصور بن العباس: أنّه خمسة فراسخ من أربع جوانبه (12) و في مرسل البصري:

أنّه فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر (13)- فهي من جهة التبرك- و أخذ التربة الشريفة، و لا ربط لها بالمقام، فراجع.

و لا يبعد الاستئناس للمقام بما ورد من التحديد بخمسة و عشرين ذراعا من جميع نواحي القبر المقدس، كما في صحيح إسحاق بن عمار: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ لموضع قبر الحسين عليه السّلام حرمة معروفة من عرفها و استجار بها أجير. قلت: صف لي موضعها. قال عليه السّلام: امسح من موضع قبره خمسة و عشرين ذراعا من ناحية رأسه، و خمسة و عشرين ذراعا من ناحية رجليه، و خمسة و عشرين ذراعا من خلفه، و خمسة و عشرين ذراعا مما يلي وجهه»(14). و لكن فيه تأمل.

ص: 304


1- تقدم في القسم الأول من الأخبار المذكورة في صدر المسألة.
2- تقدم في القسم الأول من الأخبار المذكورة في صدر المسألة.
3- تقدم في القسم الأول من الأخبار المذكورة في صدر المسألة.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 23.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 24.
6- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة المسافر حديث: 29.
7- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 26.
8- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 22.
9- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 30.
10- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 12.
11- راجع الوسائل باب: 62 من أبواب المزار كتاب الحج.
12- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار حديث: 1.
13- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار حديث: 2.
14- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار حديث: 4.

و إن كان الأحوط هو القصر (46) و ما ذكرنا هو القدر المتيقن، و إلا فلا يبعد كون المدار على البلدان الأربعة، و هي مكة، و المدينة، و الكوفة، و كربلاء، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، خصوصا في الأخيرتين (47) و لا يلحق بها سائر المشاهد (48).

و الأحوط في المساجد الثلاثة الاقتصار على الأصليّ منها دون الزيادات في بعضها (49). نعم، لا فرق فيها بين السطوح،

______________________________

(46) أما كون الأفضل هو التمام، فلأنّ زيادة الخير خير، كما تقدم في القسم الثالث من الأخبار. و أما كون الأحوط هو القصر، فلموافقته لعمومات التقصير الواردة في الكتاب و السنة.

(47) لعدم ورود لفظ (الكوفة) إلا في خبر القندي (1). و هو مقيد بما ورد في الأخبار من لفظ مسجد الكوفة، فلا وجه للأخذ بإطلاق لفظ الكوفة في الحكم المخالف للأصل و الإطلاق، مضافا إلى ضعف سنده. و أما لفظ كربلاء، فلم يرد في خبر من الأخبار الواردة في المقام، و إنّما الوارد فيها الحائر أو الحرم، و هما أخص من كربلاء، كما لا يخفى.

(48) للأصل بعد عدم الدليل. و ما نسب إلى السيد و ابن الجنيد من الإلحاق بلا دليل.

(49) بدعوى عدم الدليل على إلحاقها، بل مقتضى الأصل عدمه، و لكن يمكن أن يقال: إنّ الحكم يدور مدار صدق المسجد مطلقا، سواء كانت بقدر ما في زمان صدور الأخبار أم أزيد منه، و كذا حكم البلاد، للإطلاق. و في بعض أخبار مسجد الحرام: أنّ تخطيط إبراهيم عليه السّلام كان أوسع مما في زمان صدور الأخبار، فراجع (2).

ص: 305


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 13. و قد تقدم أيضا في صدر المسألة.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب أحكام المساجد.

و الصحن، و المواضع المنخفضة منها (50). كما أنّ الأحوط في الحائر الاقتصار على ما حول الضريح المبارك (51).

مسألة 12: إذا كان بعض بدن المصلّي داخلا في أماكن التخيير و بعضه خارجا، لا يجوز له التمام

(مسألة 12): إذا كان بعض بدن المصلّي داخلا في أماكن التخيير و بعضه خارجا، لا يجوز له التمام. نعم، لا بأس بالوقوف منتهى أحدها إذا كان يتأخر حال الركوع و السجود، بحيث يكون تمام بدنه داخلا حالهما (52).

مسألة 13: لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المزبور

(مسألة 13): لا يلحق الصوم بالصلاة (53) في التخيير المزبور، فلا يصح له الصوم فيها، إلا إذا نوى الإقامة أو بقي مترددا ثلاثين يوما (54).

______________________________

(50) للإطلاق الشامل للجميع.

(51) لأنّه المتيقن من مجموع الأخبار الواردة في المقام بعد رد بعضها إلى بعض.

(52) لعدم الصدق العرفي في الأول، بخلاف الأخير، فيصدق فيه أنّه صلّى في المسجد، كما هو معلوم.

(53) للأصل بعد عدم دليل على الإلحاق، و اختصاص ظواهر الأدلة بخصوص الصلاة فقط. و لا وجه للتمسك بقاعدة التلازم بعد وهنها بعدم العمل بها من أحد في المقام في هذا الحكم المخالف للأصل و الإطلاق.

(فرع): مقتضى الأصل و الإطلاق اختصاص التخيير في الأماكن الأربعة بخصوص الفريضة، فيشكل إتيان نافلة الفريضة التي أتمها بقصد الورود. نعم، لا بأس به رجاء، و تقدم في المسألة الثانية بعض الكلام.

(54) لأنّه حينئذ بحكم الحاضر، فيجري عليه جميع ما يجري على الحاضر في الصلاة و الصوم.

ص: 306

مسألة 14: التخيير في هذه الأماكن استمراري

(مسألة 14): التخيير في هذه الأماكن استمراري (55)، فيجوز له التمام مع شروعه في الصلاة بقصد القصر و بالعكس ما لم يتجاوز محل العدول، بل لا بأس بأن ينوي الصلاة من غير تعيين أحد الأمرين من الأول، بل لو نوى القصر فأتمّ غفلة أو بالعكس، فالظاهر الصحة (56).

مسألة 15: يستحب أن يقول عقيب كل صلاة مقصورة ثلاثين مرّة

(مسألة 15): يستحب أن يقول عقيب كل صلاة مقصورة (57) ثلاثين مرّة: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر». و هذا و إن كان يستحب من حيث التعقيب عقيب كل فريضة حتى غير المقصورة (58)،

______________________________

(55) للأصل، و ظهور الإطلاق و الاتفاق.

(56) لما تقدم من عدم كونهما مما تقيّد بالقصد، بل كلما صح انطباق التكليف الفعلي عليه يصح، قصد أم لا، فراجع.

(57) لخبر سليمان بن حفص المروزي: «قال الفقيه العسكري عليه السّلام: يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها:

سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر، ثلاثين مرّة لتمام الصلاة» (1) المحمول على الندب إجماعا، و في خبر رجاء: «إنّ الرضا عليه السّلام كان يقول في دبر كل صلاة يقصرها: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر، ثلاثين مرّة، و يقول عليه السّلام: هذا تمام الصلاة» (2).

(58) كما في جملة من الأخبار، ففي صحيح ابن بكير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جل (اذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً) ما ذا الذكر الكثير؟ قال عليه السّلام: أن تسبح في دبر المكتوبة ثلاثين مرّة» (3)، و نحوه غيره.

ص: 307


1- الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب التعقيب حديث: 3.

إلا أنّه يتأكد عقيب المقصورات (59)، بل الأولى تكرارها مرّتين مرّة من باب التعقيب و مرة من حيث بدليتها عن الركعتين الساقطتين (60).

______________________________

(59) لاستفادة التأكد من لفظ الوجوب الوارد في خبر المروزي و ملازمة الرضا عليه السّلام له، من تعليله عليه السّلام.

(60) لأصالة عدم التداخل، و إن كان مقتضى الإطلاق، و بناء المندوبات على التسامح صحة التداخل أيضا.

ص: 308

«فصل في صلاة الخوف و المطاردة»

اشارة

«فصل في صلاة الخوف و المطاردة»(1)

مسألة 1: صلاة الخوف مقصورة

(مسألة 1): صلاة الخوف (1) مقصورة، سفرا و حضرا جماعة و فرادى (2). تنقص من كل رباعية ركعتان، و يبقى الصبح و المغرب

______________________________

(فصل في صلاة الخوف و المطاردة)

(1) أما أصل ثبوتها، فتدل عليه الأدلة الثلاثة. فمن الكتاب قوله تعالى:

وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا(2). و من الإجماع اتفاق المسلمين عليه في الجملة. و من السنة نصوص مستفيضة:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له: صلاة الخوف و صلاة السفر تقصران جميعا؟ قال عليه السّلام: نعم، و صلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر لأنّ فيها خوفا» (3)إلى غير ذلك من النصوص التي تأتي الإشارة إليها. و يمكن إقامة الدليل العقلي عليها، بأنّ المسألة من موارد تقديم الأهم- و هو حفظ النفس- على المهم- و هو إتيان الصلاة تماما.

(2) لإطلاق صحيح زرارة و غيره. و يدل عليه إطلاق قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا. فإنّه إما أن يعتبر في التقصير السفر و الخوف معا، فهو مخالف للإجماع، أو يكفي أحدهما فقط فيثبت المطلوب بقرينة إطلاق الآية الأخرى:

ص: 309


1- من إضافات سيدنا الوالد- دام ظله- إلى آخر كتاب الصلاة.
2- سورة النساء: 101.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الخوف حديث: 1.

على حالهما (3).

مسألة 2: المراد بالخوف خصوص الخوف الذي يكون مقتضيا لتخفيف الصلاة

(مسألة 2): المراد بالخوف خصوص الخوف الذي يكون مقتضيا لتخفيف الصلاة، سواء كان من عدوّ أو لصّ أو سبع (4) أو ظالم

______________________________

وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلٰاةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ (1).

(3) لأنّه المنساق من صحيح زرارة المتقدم، و سائر الأدلة. و يعارضه بعض الأخبار:

منها: صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في قول اللّه عزّ و جل وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقال عليه السّلام: هذا تقصير ثان، و هو أن يرد الرجل الركعتين إلى ركعة» (2). و صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في قول اللّه عزّ و جل فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا. قال عليه السّلام: في الركعتين تنقص منهما واحدة» (3).

و خبر إبراهيم بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فرض اللّه على المقيم أربع ركعات، و فرض على المسافر ركعتين تمام، و فرض على الخائف ركعة، و هو قول اللّه عزّ و جل فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، يقول: من الركعتين فتصير ركعة» (4). و لكن أسقطها عن الاعتبار مخالفتها للمشهور بين الإمامية، و موافقتها للعامة، فإما أن تحمل على صلاة المطاردة، أو تحمل على التقية.

(4) لنصوص خاصة:

منها: صحيح عبد الرحمن: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه

ص: 310


1- سورة النساء: 103.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 4.

كالأسير و نحوه (5)، لا كل خوف و لو لم يقتض ذلك (6).

مسألة 3: يستحب فيها الجماعة. و لها كيفيات ثلاثة يتخيّرون في اختيار أيّتها شاءوا

(مسألة 3): يستحب فيها الجماعة (7). و لها كيفيات ثلاثة يتخيّرون في اختيار أيّتها شاءوا (8):

______________________________

عزّ و جل فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالًا أَوْ رُكْبٰاناً كيف يصلّي؟ و ما يقول؟ إن خاف من سبع أو لص كيف يصلّي؟ قال عليه السّلام: يكبر و يومئ برأسه إيماء» (1).

و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «الذي يخاف اللصوص و السبع يصلّي صلاة المواقفة إيماء على دابته. قلت: أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع، و لا يقدر على النزول؟ قال عليه السّلام: ليتيمم من لبد سرجه، أو عرف دابته، و يصلّي و يجعل السجود أخفض من الركوع، و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت به دابته غير أنّه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه» (2). و المراد بالمواقف: من اشتغل بالمحاربة. و لا بد من حمل الصحيح على بعض مراتب الإمكان بقرينة غيره.

(5) للنص، و الإطلاق. ففي موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«عن الأسير يأسره المشركون فيحضره الصلاة، فيمنعه الذي أسره منها، قال عليه السّلام: يومئ إيماء» (3).

(6) لأنّه المنساق من الإطلاق، و المتيقن من الاتفاق، فلو كان مضطرا إلى البقاء في مكان الخوف- و لا يتفاوت له الحال ما دام في ذلك المكان بين التخفيف في الصلاة و عدمه- لا يجوز له التقصير، للأصل، و الإطلاق.

(7) لإطلاقات أدلتها و عموماتها الشاملة لهذه الصلاة أيضا.

(8) يمكن تطبيق جميع تلك الكيفيات على القاعدة من دون احتياج إلى دليل مخصوص فيها.

ص: 311


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 2.

(الأولى): أن يصلّي الإمام بطائفة، ثمَّ يعيد الصلاة بطائفة أخرى (9).

(الثانية): ما اصطلح عليه «بصلاة ذات الرّقاع»، و هي من إحدى غزوات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان بينها و بين الهجرة أربع سنين و ثمانية أيّام. و هي (10): أن يفرّق القوم فرقتين، و يصلّي الإمام

______________________________

(9) لقد تعرّضنا لهذا القسم في المسألة التاسعة عشرة من (فصل مستحبات الجماعة و مكروهاتها)، فراجع (1).

(10) يدل عليها مضافا إلى إطلاق أدلة الجماعة الشامل لهذه الكيفية، و أصالة عدم المانعية عن كل ما يحتمل مانعيته للجماعة و الصلاة. نصوص خاصة:

منها: صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام:

«صلّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه في غزوة ذات الرقاع صلاة الخوف، ففرق أصحابه فرقتين، فأقام فرقة بإزاء العدوّ، و فرقة خلفه، فكبّر و كبّروا، فقرأ و أنصتوا و ركع و ركعوا، و سجد و سجدوا، ثمَّ استمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قائما و صلّوا لأنفسهم ركعة، ثمَّ سلّم بعضهم على بعض، ثمَّ خرجوا إلى أصحابهم، فقاموا بإزاء العدوّ و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكبّر فكبّروا، و قرأ فأنصتوا، و ركع فركعوا، و سجد فسجدوا، ثمَّ جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتشهد، ثمَّ سلّم عليهم فقاموا ثمَّ قضوا لأنفسهم ركعة، ثمَّ سلّم بعضهم على بعض، و قد قال اللّه لنبيه صلّى اللّه عليه و آله وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلٰاةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ و ذكر الآية، فهذه صلاة الخوف التي أمر اللّه بها نبيه صلّى اللّه عليه و آله- الحديث-»(2).

و في صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الخوف

ص: 312


1- راجع ج: 8 صفحة: 171.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 1.

بالفرقة الأولى ركعة، و الفرقة الثانية تقف بإزاء العدوّ و تحرسهم ثمَّ يقوم الإمام و من خلفه إلى الثانية فتفرّد الجماعة الذين خلفه (11) و يقرأون لأنفسهم، و يطوّل الإمام في قراءته بقدر ما يتم الذين خلفه و ينصرفون إلى موقف أصحابهم، و تجي ء الطائفة الأخرى و تدخل مع الإمام، فيكبّرون، ثمَّ يركع الإمام بهم و يسجد ثمَّ تقوم الجماعة فتصلّي الركعة الأخرى، و يطيل الإمام تشهده و يتمّون، و يسلّم بهم الإمام، و يتخيّر الإمام في الثلاثية بين أن يصلّي بالأولى ركعة، و بالثانية ركعتين، أو

______________________________

قال عليه السّلام: يقوم الإمام و يجي ء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه، و طائفة بإزاء العدوّ فيصلّي بهم الإمام ركعة، ثمَّ يقوم و يقومون معه فيمثل قائما و يصلّون هم الركعة الثانية، ثمَّ يسلّم بعضهم على بعض، ثمَّ ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم و يجي ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلّي بهم الركعة الثانية، ثمَّ يجلس الإمام فيقومون هم فيصلّون ركعة أخرى، ثمَّ يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمة- الحديث-» (1) و نحوهما غيرهما.

ثمَّ إنّه قد اشترط في هذه الصلاة شروط أربعة:

أحدها: أن يكون العدوّ في غير جهة القبلة، و ثانيها: أن يكون فيه قوّة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين، و ثالثها: أن يكون المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين، و رابعها: أن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين.

و لكن جميع هذه الشروط لا ترجع إلى محصل، فإنّها محققة لأصل الموضوع، مضافا إلى الاختلاف باختلاف كيفية وضع الحرب و الجهات الأخرى.

(11) لما تقدم في المسألة السادسة عشرة من أول فصل الجماعة من جواز قصد الانفراد في جميع حالات الائتمام مطلقا، و قد يجب قصد الانفراد لحفظ نفس محترمة، كما في المقام إن توقف الحفظ عليه، مضافا إلى نصوص خاصة، كما عرفت.

ص: 313


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 4.

بالعكس (12) و لا مخالفة في هذه الصلاة للجماعة في الفريضة اختيارا (13).

(الثالثة): ما سمّيت بصلاة عسفان، على رواية الشيخ مرسلا في المبسوط (14).

______________________________

(12) لنصوص خاصة، كصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«صلاة الخوف المغرب يصلّي بالأولين ركعة. و يقضون ركعتين، و يصلّي بالآخرين ركعتين و يقضون ركعة» (1) و نحوه غيره المحمول على التخيير لما في صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين، فيصلّي بفرقة ركعتين ثمَّ جلس بهم ثمَّ أشار إليهم بيده، فقام كل إنسان منهم فيصلي ركعة ثمَّ سلّموا، فقاموا مقام أصحابهم و جاءت الطائفة الأخرى فكبّروا و دخلوا في الصلاة و قام الإمام فصلّى بهم ركعة، ثمَّ سلّم ثمَّ قام كل رجل منهم فصلّى ركعة فشفعها بالتي صلّى مع الإمام، ثمَّ قام فصلّى ركعة ليس فيها قراءة، فتمت للإمام ثلاث ركعات و للأولين ركعتان جماعة و للآخرين وحدانا، فصار للأولين التكبير و افتتاح الصلاة، و للآخرين التسليم» (2) و نحوه غيره. و الظاهر أنّه يجوز التفريق بأكثر من فرقتين إذا احتاج إليه و كان فيه غرض، لأنّ ذكر الفرقتين من الاكتفاء بالأقل.

(13) كما عليه أكثر الأصحاب، خلافا للمحقق في الشرائع، فجعل مورد المخالفة ثلاثة: انفراد المؤتم، و توقع الإمام للمأموم في التسليم، و إمامة القاعد بالقائم، و الكل مخدوش، كما لا يخفى.

(14) قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: «و متى كان العدو في جهة القبلة، و يكونوا في مستوى الأرض لا يسترهم شي ء و لا يمكنهم أمر يخاف منه، و يكون في المسلمين كثرة لا يلزمهم صلاة الخوف، و لا صلاة شدة الخوف، و إن

ص: 314


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 2.

مسألة 4: لا سهو للإمام مع حفظ المأموم و بالعكس

(مسألة 4): لا سهو للإمام مع حفظ المأموم و بالعكس (15) و لو صلّى منفردا و عرض له خلل يعمل بوظيفته (16).

مسألة 5: صلاة المطاردة

(مسألة 5): صلاة المطاردة و تسمّى بشدّة الخوف، و المراماة، و المسايفة، أي التضارب بالسيف- يصلّي بكل وجه أمكن (17)، واقفا، أو ماشيا، أو راكبا، فيأتي بكلّ ما يقدر عليه،

______________________________

صلوا كما صلّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعسفان جاز، فإنّه صلّى اللّه عليه و آله قام مستقبل القبلة و المشركون أمامه فصف خلفه صفا و صف بعد ذلك الصف صفا آخر، فركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ركعوا جميعا، و سجد و سجد الصف الذين يلونه و قام الآخرون يحرسونه، فلما سجد الأولون السجدتين و قاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثمَّ تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين، و تقدم الصف الآخرون إلى مقام الصف الأول، ثمَّ ركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ركعوا جميعا، ثمَّ سجد و سجد الصف الذي يليه، و قام الآخرون يحرسونه، فلما جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصف الذي يليه سجد الآخرون، ثمَّ جلسوا جميعا و سلّم بهم جميعا و صلّى بهم أيضا هذه الصلاة يوم بني سليم». و حيث إنّ السند قاصر، فالأحوط تركه و اختيار القسمين الأولين.

(15) لإطلاق ما تقدم في أحكام الشكوك الشامل دليله للمقام أيضا.

(16) لإطلاق أدلة الخلل الشامل لكل صلاة، إلا ما خرج بالدليل و لا دليل كذلك في البين.

(17) لقاعدة الميسور، و عدم سقوط الصلاة بحال، و أخبار خاصة، منها: صحيح الفضلاء عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «في صلاة الخوف عند المطاردة و المناوشة، و تلاحم القتال، فإنّه كان يصلّي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه، فإذا كانت المسايفة، و المعانقة، و تلاحم القتال، فإنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ليلة صفين- و هي ليلة الهرير- لم تكن صلاتهم الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند وقت كل صلاة إلا التكبير، و التهليل، و التسبيح،

ص: 315

.....

______________________________

و التحميد، و الدعاء فكانت تلك صلاتهم و لم يأمرهم بإعادة الصلاة» (1).

و في صحيح عبيد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك و تكبير، و المسايفة تكبير بغير إيماء، و المطاردة إيماء يصلّي كل رجل على حياله» (2). و مقتضى الإطلاق، و كون المقام مقام التسهيل و التيسير كفاية التسبيحات الأربعة مرّة لكل ركعة، بل مقتضى خبر عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في صلاة الزحف. قال عليه السّلام: تهليل و تكبير، يقول اللّه عزّ و جلّ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالًا أَوْ رُكْبٰاناً (3) كفاية مطلق التكبير و التهليل، كما يستفاد ذلك من خبر محمد بن عذافر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا جالت الخيل تضطرب السيوف أجزأه تكبيرتان فهذا تقصير آخر» (4).

و الظاهر أنّ التكبيرة الأولى تكبيرة الافتتاح، و الثانية بدل عن بقية الصلاة.

أو المراد تكبيرة لكل ركعة، كما يدل عليه مرسل عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أقل ما يجزي عن حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا المغرب، فإنّ لها ثلاثا»(5).

و المنساق من مجموع هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض، و ملاحظة قرائن الحال و المقام، و قاعدة الميسور هو الإتيان بكلما أمكن حتى تصل إلى الإيماء و التكبيرة عن كل ركعة و ليس المقام مقام تعارض الأخبار حتى يحتاج إلى تفصيل القول فيه، بل من كان في مثل هذا الحال- و التفت إلى صلاته و توجه إلى ربه و ذكر اللّه عزّ و جل بعنوان الصلاة تكون هذه صلاته: فلو قيل: إنّ مثل هذه الصلاة في مثل هذه الحالة صلاة حالية لا أن تكون فعلية لم يكن به بأس، فالصلاة إما فعلية و قولية و توجهية، أو فعلية و توجهية، كما إذا لم يقدر إلا على الإيماء برأسه فقط. أو قولية توجهية، كما إذا لم يقدر إلا على التسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و لم يقدر على الإيماء لعوارض خاصة عرضت عليه. أو حالية

ص: 316


1- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 7.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 3.

و يبدل كلّما لا يقدر عليه- جزءا أو شرطا، بالإبدال الاضطرارية (18)، و مع عدم التمكن منها صلّى بالتسبيح (19) و يسقط الركوع و السجود (20)، و يقول بدل كل ركعة: سبحان اللّه و الحمد للّه و اللّه أكبر (21).

مسألة 6: إذا شرع في صلاة اضطرارية، و في الأثناء تمكن من الاختيارية

(مسألة 6): إذا شرع في صلاة اضطرارية، و في الأثناء تمكن من الاختيارية بأيّ مرتبة منها- أتمّ صلاته بما أمكن، و كذا العكس (22)، و لا يستأنف ما أتى بها من الصلاة (23).

مسألة 7: إذا رأى سوادا فظنّه العدوّ و خاف و قصّر

(مسألة 7): إذا رأى سوادا فظنّه العدوّ و خاف و قصّر، ثمَّ بان الخلاف تصح صلاته و لا شي ء عليه (24).

______________________________

و توجهية فقط، كما إذا لم يقدر إلا عليه، كما يستفاد جميع ذلك من بعض الأخبار المتقدمة لا سيّما صحيح الحلبي المتقدم فلا يحتاج إلى تفصيل القول في تعيين مراتب هذه الصلاة.

(18) لقاعدة الميسور، و ظواهر الأخبار المتقدمة.

(19) لصحيح الفضلاء، و غيره من الأخبار.

(20) لظواهر الأخبار المتقدمة، و قاعدة الميسور المعمول بها عند الفقهاء.

(21) كما في صحيح الفضلاء. ثمَّ إنّ مقتضى الإطلاقات و إن كان كفاية مطلق التسبيح، أو التهليل أو التكبير لكن المنساق منها عند المتشرعة بقرينة إجماع الذكرى ما ذكرناه.

(22) لانقلاب التكليف بانقلاب الموضوع قهرا، و المسألة جارية في جميع الاضطراريات التي انقلبت إلى الاختيارية، كأحكام الجبائر، و قد تقدم الكلام فيها مفصلا في أحكام الطهارة.

(23) لقاعدة أنّ الأمر يقتضي الإجزاء مطلقا.

(24) لتحقق الخوف الذي هو موضوع التقصير مطلقا، فلا وجه بعد ذلك للإعادة.

ص: 317

مسألة 8: جميع أسباب الخوف معها القصر، و الانتقال إلى المراتب الممكنة

(مسألة 8): جميع أسباب الخوف معها القصر، و الانتقال إلى المراتب الممكنة من الإيماء و التسبيح و غيرهما (25).

مسألة 9: الأحوط في صلاة الخوف، و المطاردة الاقتصار على ضيق الوقت

(مسألة 9): الأحوط في صلاة الخوف، و المطاردة الاقتصار على ضيق الوقت، مع احتمال زوال العذر (26).

مسألة 10: الموتحل، و الغريق في الخوف و السفر يقصران الكمية و الكيفية

(مسألة 10): الموتحل، و الغريق في الخوف و السفر يقصران الكمية و الكيفية (27)، و مع عدم الخوف و السفر يقصران في الكيفية فقط (28).

______________________________

(25) لأنّ التقصير و الانتقال إلى المراتب الممكنة الواردة في الخوف و المطاردة مطابق للقاعدة، و هي قاعدة: مراعاة الأهمّ و المهم، و تقديم الأهمّ على المهمّ، و ما لا بدل له على ما له البدل، و لا ريب في أنّ حفظ النفس أهمّ، و لا بدل له بالنسبة إلى الصلاة التي لها البدل بمراتب كثيرة هذا مضافا إلى الإجماع و النصوص التي تقدمت الإشارة إليها.

(26) لأنّ الروايات و إن كانت مطلقة، إلا أنّه يمكن دعوى أنّ التكاليف الاضطرارية مطلقا لا يقدم عليها إلا مع تحقق استيعاب العذر، فيجوز البدار حينئذ، و إلا يقتصر على الضيق، و قد تقدم بعض الكلام في التيمم، فراجع.

(27) للإجماع، و لما تقدم من الأخبار. و قد ورد ما يدل على ذلك في الموتحل. ففي موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من كان لا يقدر على الأرض فليوم إيماء» (1). و في موثق عمار عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن الرجل يومئ في المكتوبة و النوافل إذا لم يجد ما يسجد عليه، و لم يكن له موضع يسجد فيه؟ فقال عليه السّلام: إذا كان هكذا فليوم في الصلاة كلها» (2).

(28) لما ظهر وجه ذلك من جميع ما تقدم، و الحمد للّه أولا و آخرا.

ص: 318


1- الوسائل باب: 15 من أبواب مكان المصلي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب السجود حديث: 2.

.....

______________________________

هذا آخر ما وفقنا اللّه عزّ و جل لبيان بعض ما يتعلق بأعظم عباداته و أهمّ معراج خلق اللّه جل جلاله. و نسأله أن يجعلنا من العالمين العاملين بها، و يجعلها معراجا لنا نعرج بها إلى أوج قربه عزّ و جل من حضيض شهواتنا الجسمانية و يوفقنا لأن نجعلها سلّما نرتقي بها إلى أكمل درجات الإنسانية فإنّه تعالى هو القادر على ذلك كله بفضله و إحسانه.

و كان ختام كتاب الصلاة في سنة ألف و ثلاثمائة و ثلاث و ثمانين من الهجرة على من هاجرها آلاف التحية و الثناء. و لا حول و لا قوة إلا باللّه العليّ العظيم.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 319

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.